البابور الموقع العربي

لماذا أرسلت مصر قوات عسكرية للصومال؟

426

 

أحمد سعد حمد الله

بتحريك خفي من أجهزة الدولة، وبمباركة مكشوفة من النظام، يحرص إعلام السلطة في مصر، واللجان الإلكترونية، على تصوير الخطوة التي اتخذتها الدولة مؤخرا، بإرسال قوة عسكرية قوامها عشرة ألاف جندي إلى الصومال، على أن الهدف منها هو إعلان الحرب على الدولة الإثيوبية، من منطلق أن إثيوبيا أضرت بمصالح مصر المائية ببنائها سد النهضة، وهو نفس التوجه الذي تدفع فيه الحكومة المصرية، لترسخ عند الشعب الظنون التي يروج لها الإعلام واللجان الإلكترونية، حيث قامت الحكومة مؤخرا باتخاذ خطوة تزامنت مع إرسال قوات عسكرية إلى الصومال، بأن تقدمت بمذكرة لمجلس الأمن بالأمم المتحدة، تشكو فيها إثيوبيا، وتتهمها بخرق اتفاق إعلان المبادئ، ذلك الإعلان الموقع بين مصر والسودان وإثيوبيا في 2015، وذلك ليربط المواطن بين الخطوتين، فيترسخ عنده الاعتقاد، بأن مصر قررت التصعيد ضد إثيوبيا سياسيا وعسكريا!

لكن وقبل أن نحاول البحث في الدوافع الحقيقية التي جعلت مصر تتخذ هذه الخطوات، وفي هذا التوقيت بالذات، علينا أولا أن نطرح سؤالا سيطرحه أي قارئ للأحداث، ألا وهو: لماذا تأخرت مصر عن اتخاذ هذه المواقف 11 سنة كاملة، وهي فترة طويلة جدا، قامت خلالها إثيوبيا بتشييد السد، وملئه بالماء، دون أن نرى للدولة المصرية موقفا جادا، تمنع به هذا البلاء قبل وقوعه؟!

فكما هو معلوم للغالبية العظمى من المصريين، وللسلطة الحاكمة أيضا – والتي هي وللمفارقة عمرها في الحكم من عمر سد النهضة – أن إثيوبيا بدأت البناء في السد اعتبارا من 2013، واستغرقت عملية البناء والتشييد سبع سنوات كاملة، كانت إثيوبيا تضع فيها الطوبة فوق الطوبة، لتجعل العركة منصوبة، بيد أننا آثرنا السلامة، ورفضنا الانجرار للعركة، وكأن الأمر لا يعنينا، ثم جاءت بعد ذلك عملية الملء التي استمرت أربع سنوات، ومع كل نقطة كانت تزيد من رصيد إثيوبيا المائي، كان النيل المصري ينقص من رصيده نقطتين، وقد كانت عمليتا البناء والملء تتمان تحت سمع وبصر السلطة المصرية، دون أن يحرك مسؤول ساكنا، يثبت به خوفه على البلد، أو تتخذ الدولة إجراءً، تؤكد به صدق مخاوفها من أخطار السد، أو تبرهن به على جديتها في السعي لإيقاف تلك الأخطار، حيث اكتفت ببعض الإجراءات الشكلية، التي لا تسمن ولا تغني من جوع، كالتقدم بشكاوى شفهية للمنظمات الدولية ضد إثيوبيا، تعلم السلطة مسبقا أن مصير هذه الشكاوى، هو الأرشيف على أفضل الفروض!!

هنا أسمع من يقول: إذا كانت مصر لم تذهب إلى الصومال لكي تحارب إثيوبيا، فلماذا إذن أرسلت قوات عسكرية إلى هناك؟

السؤال منطقي ووجيه جدا، بل ولابد من طرحه، كما لابد من الإجابة عليه، وإن كنت لن أعطي فيه إجابة نموذجية كما في سلاح التلميذ، إنما سأترك السائل يستنتجها بذكائه الشخصي، على طريقة الامتحانات الأمريكية.. حيث الحقيقة الدامغة أو المرة إن شئت الدقة، هي أن إرسال مصر لقوات عسكرية إلى الصومال، لا علاقة له من قريب أو بعيد بسد النهضة، كما أنه لا علاقة له بموضوع انفصال “أرض الصومال” المعروفة باسم “صوماليا لاند” عن دولة الصومال، و”صموليا لاند” ولمن لا يعرف، فإن ” صموليا لاند” هي منطقة في شمال الصومال، أعلنت استقلالها عن الصومال عام 1990، وهي دولة لها جيش، ودستور، وبرلمان، وجواز سفر خاص بها، وعلى الرغم من عدم الاعتراف بها دوليا، إلا أن إثيوبيا تعترف بها، بل وترتبط معها بمصالح تجارية مشتركة، ولذلك قيل إن من بين أهداف مصر من إرسال قوات عسكرية إلى الصومال، هو إسقاط هذه الدولة، وإعادة أرضها إلى الدولة الصومالية الرسمية، نكاية في إثيوبيا، وعليه فإن إسقاط هذه الدولة لن يتم إلا بالانتصار على إثيوبيا أولا، والانتصار على إثيوبيا سواء كان بهدف هدم السد أو تحرير “صموليا لاند” يستوجب الدخول معها في حرب، والحرب مع إثيوبيا، تتطلب إجراءً أوليا لابد منه قبل تصويب رصاصة واحدة إليها، وهذا الإجراء هو أن يخرج القائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية الذي هو الجنرال عبد الفتاح السيسي، ليعلن أمام الشعب أن مصر قررت إعلان الحرب على إثيوبيا، وهذا ما لم يحدث، أو على الأقل حتى الآن، إنما تُرك الأمر للظن والتخمين والعوم خلف الخطاب الإعلامي والترديد لمنشورات اللجان الإلكترونية، وهو أمر لا هدف من ورائه سوى دغدغة العواطف، واللعب بمشاعر المصريين، عن طريق إيهامهم بأننا سنحارب إثيوبيا، وإذا كان كانت الدولة المصرية حرصت على أن لا تعلن هذه الحرب، رغبة منها في مفاجأة إثيوبيا، حتى إذا ما ضربناها، فتكون الضربة على حين غفلة من أهلها، فيؤسفني القول هنا، بإن الدولة المصرية حرقت المفاجأة على نفسها، بإعلانها كافة المعلومات الخاصة بالقوة العسكرية التي تم إرسالها إلى الصومال، فهي معلومات لم تعد الآن سرية، إنما أصبحت موجودة على غالبية المواقع الإلكترونية، وصفحات التواصل الاجتماعي، بل وموثقة بالصور والفيديوهات..

أما الأهم من كل هذا، والذي ربما ينسف كل محاولات التلبيس على الشعب المصري، هو أن القوات العسكرية التي تم إرسالها إلى الصومال، لم تعد تحت قيادة الجيش المصري، فبسفرها إلى الصومال وانضمامها إلى القوات المتعددة المتواجدة هناك، أصبحت تحت مظلة مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي، وهو المجلس الذي يشرف عليه مجلس الأمن بالأمم المتحدة، وبالتالي فإن وجود أي فرضية للحرب على إثيوبيا، معناه أننا سنحاربها باتفاق وتنسيق ودعم من هذين المجلسين الأفريقي والدولي، فهل يُعقل هذا؟!!

ثم أن الأمر الذي لا يجب أن نغفل عنه، هو أن القوات المصرية التي تم إرسالها للصومال، هي قوة من بين عدة قوات أجنبية، أذن لها الاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن بالتواجد في الصومال بهدف حفظ السلام، وهي بالمناسبة قوات تعمل بأجر، وبتمويل من الأمم المتحدة، وربما تكون مسألة الأجر هذه، هي التي أخجلت المسؤولين في مصر من إعلانها عن دوافعها الحقيقية من وراء إرسال قوات إلى الصومال، حيث أنه من العيب، والعار، والشنار على جيش مصر العظيم، خير أجناد الأرض، بتاريخه الطويل، وشهرته الواسعة، أن يأتي عليه اليوم الذي يعمل فيه أجيرا عند الهيئات الدولية، لتحقيق أهداف ليس لمصر ناقة فيها ولا جمل، ولمن لا يعلم، فإن إرسال قوات لحفظ السلام في الصومال هو قرار قديم، تم اتخاذه في 2007، ويتم تغيير هذه القوات كل عدة سنوات، حتى أن إثيوبيا نفسها التي هي على خلاف مع الصومال، كانت تشارك بقوة في الدفعة الأخيرة، السابقة للدفعة الجديدة التي بها مصر، فضلا عن أن هذه القوات الأجنبية لا تقتصر على العسكريين فقط، بل تضم ثلاثة مكونات أخرى، هي الشرطة، والشئون المدنية، والشئون الإنسانية، وإن كان المكون الأساسي فيها هو العنصر العسكري.. أما بالنسبة للهدف الرئيس من وراء إرسال هذه القوات، فهو العمل على مواجهة الإسلام السياسي الذي تخشى أمريكا والغرب من اتساع نفوذه داخل الصومال، وهو تيار كبير وقوي تقوده “حركة الشباب الإسلامية” التي تكونت قبل عشرين عاما في 2004، وهي حركة معروفة بعدائها الشديد لأمريكا، وتنادي بتطبيق الشريعة الإسلامية، ومن ثم فهي في عرف الأمريكان والغرب، حركة إرهابية،  تعمل على نشر الفكر الديني المتطرف، وتسعى إلى إعادة دولة الخلافة، ومن نافلة القول فإن القضاء على هذه الحركة، لم يكن هو الهدف الوحيد من وراء إرسال قوات أجنبية للصومال، إنما هناك أهداف أخرى، منها مساندة الحكومة الفدرالية الانتقالية، وتنفيذ إستراتيجية الأمن القومي، إضافة إلى تدريب قوات الأمن الصومالية، والمساعدة على خلق بيئة آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية للمواطنين الصوماليين..

وبناء عليه فأني أستطيع القول بإن السيسي لن يحارب إثيوبيا، أو حتى يفكر في خوض حرب معها، لأن السيسي يعلم أكثر من غيره، الحال الذي وصل إليه الجيش المصري في عهده، وكيف أن مواقفه وقراراته الهوجاء والعشوائية، أدت إلى تغيير عقيدة الضابط والجندي المصري، من مجاهد ومقاتل، مهمته الأولى والأخيرة القتال للدفاع عن تراب الوطن، إلى بائع سمك وجمبري وبسكويت، ولو أن السيسي كانت لديه نية الرد العسكري على بناء إثيوبيا لسد النهضة، لما انتظر كل هذه السنوات، دون تحرك، حتى اكتمل السد بناءً وامتلاءً، وإذا كنت تريد أن تعرف سر إرساله لهذه القوات إلى الصومال، فظني وليس كل الظن إثم، أن الأوضاع السياسية التي تعيشها مصر في الفترة الأخيرة، والأزمات المتلاحقة التي أصبحت تحيط به من حدب وصوب، حتى اتسع الفتق على الراتق، تسببت في تأكل شعبيته، ونخر شرعيته، فأراد أن يستعيدهما مرة أخرى، فأوحى إلى إعلامه ولجانه الإلكترونية أن يلمحوا للشعب، بأن الهدف من إرسال هذه القوات، هو إعلان الحرب على إثيوبيا، والواضح أن الشعب صدّق!!

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار