الدروس المستفادة من الأزمات

يعتبر مفهوم الأزمة من المفاهيم الرائجة في مجتمعنا اليوم، فهو يتعلق بكل جوانب حياتنا، بدءً من الأزمات التي يواجهّا الفرد في حياته اليومية مروراً بتلك الأزمات التي قد تعاني منها الشركات والحكومات، وانتهاءً بتلك الأزمات الدولية والعالمية التي قد يتعرض لها العالم أجمع. 

ما هي الأزمة؟ وما هي خصائصها؟

تشير الأزمة إلى حدث أو موقف أو قرار حاسم يتوجب عليك اتخاده. فإن لم تتمكن من التعامل معه بطريقة مناسبة وفي الوقت المناسب، قد يتحول ذلك الحدث من مجرد أزمة إلى كارثة لا يمكن السيطرة على نتائجها. يمكن تقسيم الأزمات بشكل رئيسي إلى نوعين: 

  • أزمات طبيعية، لا يمكن التحكم بها والسيطرة عليها كالزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها.
  • أزمات بشرية، وهي الأزمات الناتجة عن السلوك البشري.

على اختلاف أنواع الأزمات ومدى تأثيرها وطرق حلها، فهناك بعض الخصائص الذي تتصف بها تلك الأزمات بشكل عام، وهي:

  • تؤدي الأزمات إلى إحداث خلل أو توتر في العلاقات أو في سير الأحداث أو المهام الروتينية.
  • يستلزم التعامل مع الأزمات اتخاذ قرار حاسم.
  • ضعف القدرة على التنبؤ الدقيق بما قد يحدث في المستقبل.
  • تعتبر الأزمة نقطة تحول في حياة الفرد أو الشركة أو الدولة، سواءً كان ذلك التحول نحو الأفضل أو الأسوأ.
  • يتمتع عامل الوقت بأهمية كبيرة في التعامل مع الأزمات.
  • تحدث بشكل مفاجئ وسريع.
  • تشكل تهديداً للمصالح والأهداف الشخصية منها والتجارية.
  • لا يمكن السيطرة عليها والتحكم بها.

 فقد يتسبب تأخرك عن موعد هام بحدوث أزمة، وقد تتسبب علاقتك المتوترة بمديرك في العمل بحدوث أزمة، وقد يشكل انخفاض أسعار الأسهم الخاصة بك أزمة، وقد يشكل كذلك انتشار وباء مثل كوفيد 19 أو حدوث زلزال مدمر أزمة.

كيف تنشأ الأزمة؟

هنالك العديد من الأسباب التي قد تؤدي إلى حدوث الأزمات في حياتنا. وقد وضح د.أحمد ماهر في كتابه إدارة الأزمات مجموعة واسعة من أسباب نشوء الأزمات، نذكر منها:

  • المعلومات غير المكتملة، وحصولنا على معلومات منقوصة عن الموقف أو الحدث، فلا نستطيع حينها أن نرى الصورة كاملة لنتمكن من اتخاذ قرار صحيح ومناسب. أو قد نسئ فهم الأشخاص أو المواقف من خلال تحليلاتنا وتقييمنا للموقف من وجهة نظرنا، أو من خلال تغليب أهواءنا وقناعاتنا الشخصية. فيؤدي سوء الفهم وسوء الإدراك إلى حدوث أزمة. 
  • الثقة الزائدة في النفس وفي القدرات الشخصية على تجاوز أي موقف، أو الفوز في أي مواجهة أو تحدي، قد يُشكل عاملاً هاماً في حدوث الأزمات. كما قد يشكل الاستخفاف بالخصم وسوء تقدير قوته وإمكانياته عاملاً رئيسياً أيضاً في حدوث الأزمات وتفاقمها. 
  • اهمال جانب التخطيط، والافتقار إلى تكوين رؤية مستقبلية للعمل وللحياة الشخصية. فالأشخاص الذين لا يعترفون بأهمية التخطيط للمستقبل، والذين لا يواكبون التطور ويفضلون البقاء في الأماكن التي يشعرون فيها بالراحة والأمان، من المؤكد أنهم من أكثر الناس عرضةً للأزمات والتحديات في حياتهم.
  • تعارض المصالح والأهداف، وخاصة في الحالات التي يرتبط فيها الأفراد بعمل مشترك فيما بيهم. عندما لا يستطيع الشركاء التفاهم، وفي حال انعدام الاحترام المتبادل فيما بينهم، وعند تغليب المصلحة العامة على المصالح الشخصية، وعدم وجود آلية لحل النزاعات، سيحاول كل طرف توجيه الأحداث والمواقف لصالحه، بغض النظر عما قد يعانيه الطرف الآخر، مما قد يتسبب بحدوث أزمة فيما بينهم.
  • الأخطاء البشرية، يعد ما يقوم به البشر من أخطاء من أهم ما قد يتسبب في حدوث الأزمات. وقد تنتج تلك الأخطاء عن الإهمال أو ضعف الخبرة أو عدم حصول الأفراد على التدريب المناسب، أو إهمال عملية المراقبة والمتابعة، وغيرها.
  • تعتبر الإشاعات كذلك من الأسباب الهامة لحدوث الأزمات، وخاصة إن تضمنت معلومات مضللة تم إطلاقها في وقت معين وفي ظروف معينة، ولم يتحقق متلقيها من صحتها أو من مصدرها.

والآن، ماذا يمكن لتلك الأزمات أن تعلمنا، وكيف يمكن أن نتعامل مع ما نمر به من أزمات، وهل حقاً يمكن أن تتحول تلك الأزمات التي نمر بها في حياتنا وفي عملنا إلى فرص يمكن الاستفادة منها؟

الدروس المستفادة من الأزمات

قد تختلف الدروس التي يمكن لكل واحد منا أن يتعلمها خلال الأزمات، وذلك اعتماداً على المرحلة العمرية التي نمر بها وعلى مدى وعينا وإدراكنا، بالإضافة إلى مقدار ما نمتلك من خبرات وقدرات وغيرها من عوامل.

قد يكتشف بعض الأشخاص مدى صلابته وإصراره على النجاح، وآخر قد يصيبه اليأس والإحباط ويستسلم سريعاً. فالأزمات والشدائد كفيلة بإخراج امكاناتنا الحقيقية، كما أنها كفيلة بكشف نقاط ضعفنا التي قد لا نجرأ أن نعترف لأنفسنا بها في الظروف العادية.

فعلى سبيل المثال، خلال الأزمة التي واجهها العالم أجمع بسبب جائحة كورونا، من المؤكد أننا حصلنا على الكثير من الدروس، واكتشفنا الكثير مما كنا نجهله سواءً عن أنفسنا أو عن المحيطين بنا. شهدت الفترة القصير الماضية انتعاش بعض القطاعات الاقتصادية وظهور منتجات وخدمات جديدة، كما فشلت بعض الشركات أيضاً في تجاوز تلك الأزمة وابتكار حلول تتناسب مع الظروف الاستثنائية التي فرضتها علينا تلك الجائحة. وبشكل عام، تعلم الكثير منا:

  • أنه لا يجب أن يعتمد على مصدر دخل واحد فقط.
  • يجب أن يكون الادخار جزءً من خططنا المالية.
  • أهمية المحافظة على التوازن في حياتنا بين أعمالنا وحياتنا الشخصية.
  • الامتنان لكل ما نملك في حياتنا، من صحة وعائلة واستقرار وغيرها.
  • أهمية التكافل والتعاون فيما بين أفراد العائلة الواحدة وأفراد الفريق وأفراد المجتمع ككل.
  • أهمية الحصول على وقت للراحة ووقت للعائلة ووقت لتقييم أفكارنا وأهدافنا وقيمنا، وذلك لزيادة الانتاجية وزيادة القدرة على الابتكار، والتأكد من أننا نسير في الاتجاه الصحيح تجاه أهدافنا.
  • مقدار الأذى البالغ الذي تسببنا به للبيئة التي نعيش فيها جرّاء استخدامنا لعوادم السيارات والمصانع وغير من ملوثات البيئة.
  • أهمية وجود بدائل وحلول ابتكارية لما نمر به من تحديدات، وضرورة وجود خطط للطوارئ.
  • أهمية تهيئة أعمالنا للعمل عن بعد، من خلال اعتماد أدوات التواصل الفعّال والعمل التشاركي وتوثيق جميع العمليات. 
  • إمكانية تسيير حياتنا وأعمالنا بطرق أقل تكلفة وأكثر راحة من خلال العمل والدراسة عن بعد.

تحويل الأزمة إلى فرصة

إن قدرتنا على تحويل ما نمر به من أزمات إلى فرص يعتمد بشكل أساسي على الطريقة التي نرى بها الأمور في حياتنا، وعلى طريقة تفكيرنا بشكل عام.

فإن كنت تعتقد بأن الأزمة وجدت لتدمير حياتك وزعزعة استقرارك الشخصي أو المهني، ستستسلم للأمر الواقع وسيصيبك اليأس والإحباط وستتوقف عن السعي، وقد تعاني لفترة طويلة جداً في حياتك.

أما إن كنت ممن يعتقدون بأن الأزمات فرصة لاكتشاف الذات، وتطوير القدرات وإجراء التغييرات، فستكون أكثراً هدوءً وتعقلاً في التعامل مع الأزمة، وستتغلب عليها عاجلاً أم أجلاً، وتصبح شخصاً أكثر قوة وصلابة وخبرة.  

ولتتمكن من تحويل ما تمر به من أزمات إلى فرص يمكن الاستفادة منها، تذكر ما يلي:

  • اعلم جيداً بأن التغيير في حياتنا شيء ثابت، أي أنه سيحدث في أي وقت ولأي سبب.
  • إن وجود الازمات والتحديات في حياتنا ليس عبثياً، فقد تمر التحديات والأزمات في حياتنا إما لتعلمنا درساً محدداً لم نستطع تعلمه سابقاً، وإما لصقل قدراتنا ومواهبنا لنصبح أقوى وأكثر خبرة، وقد تكون فرصة لتصحيح بعض الأخطاء الموجودة في حياتنا.

    ابحث بتعمق عن أسباب الأزمة، واعرف ما هو السبب الحقيقي الذي أدى إلى حدوثها، لتستطيع معالجته من جذوره. ابحث عن الدروس، وعن نقاط قوتك وضعفك، وعن الأخطاء التي يجب تصحيحها.
  • تحل بالصبر والتفاؤل والواقعية خلال تعاملك مع الأزمات، فتجاوز الأزمة يحتاج إلى وقت طويل غالباً، وعليه سيتوجب عليك الاستعداد للتعامل مع تلك الأزمة لفترة طويلة. 
  • استغل هذه الفرصة في تقييم حياتك في الوقت الحالي، وتقييم أهدافك. تحقق من أن الحياة التي تحياها الآن أو التي تسعى للوصول إليها، هي حقاً ما تريده. فهل تعمل في المجال الذي تحبه والذي يناسبك حقاً، هل تتواجد مع الشركاء والأصدقاء المناسبين؟ هل ما تخطط للحصول عليه وتحقيقه من أهداف، هو حقاً ما تريد الوصول إليه؟
  • استفد من الفرص التي تتيحها لك الأزمات، فالأزمات فرصة جيدة لإجراء تغييرات شاملة في حياتك.

تأكد بأنك تستطيع تخطي الأزمة وتحويلها إلى فرصة ذهبية لتطوير نفسك وأعمالك، حاول الاستفادة من نقاط القوة لديك، والتخلص من نقاط الضعف، قم بوضع خطط واضحة وقابلة للتنفيذ لتخطي تلك الأزمة، والتزم بها، قم باستغلال الفرص التي قد تتيحها لك تلك

الأزمة.

داليا أبو ليل

المصادر

  • ميم
  • كتاب إدارة الأزمات – د.أحمد ماهر (2011).
Comments (0)
Add Comment