اختتمت مسابقة «تاريخ المستقبل»، التي نظّمتها «مؤسّسة ترويج المبادرات العلمية والتعليمية (آتوم)»، مرحلتها الأولى بإعلان القائمة القصيرة من الأعمال المرشَّحة للفوز بـ«جائزة أدب الخيال العلمي». ومن بين المرشحين والمرشحات الروائية الأردنية الفلسطينية الدكتور سناء الشعلان “بنت نعيمة”
وضمَّت القائمة 27 قصة قصيرة متميّزة اختيرت من بين أكثر من 2400 عمل أدبي لكتّاب من مختلف أنحاء العالم. وعكس التنوُّع الجغرافي الواسع، وفق المنظّمين، الطابع الدولي للجائزة والاهتمام العالمي المتنامي بـ«أدب الخيال العلمي». وشارك مؤلّفون من روسيا، وأفريقيا، وآسيا، وأميركا الجنوبية، والصين، وأوروبا، في المرحلة الأوسع من المسابقة. وتناولت القصص المُشاركة موضوعاً موحَّداً هو «البحث عن مستقبل متفائل وبنائه»، إذ تُسخَّر التكنولوجيا لخدمة الإنسان، وتُعينه على تجاوز التحدّيات العالمية، وتُبرز أفضل ما في الروح البشرية.
وحقَّقت الكاتبة الأردنية الفلسطينية سناء شعلان حضوراً متميّزاً بقصتها: «أخيراً… سماء صافية وزرقاء» التي تنافس في القائمة القصيرة على الجائزة. وقال رئيس لجنة التحكيم، كاتب الخيال العلمي الروسي المعروف آندريه غيلاسيموف: «كانت مهمّتنا صعبة جداً؛ إذ كان علينا اختيار بضع عشرات فقط من القصص من بين المجموعة الهائلة من الأعمال الموهوبة والأصلية. أُعجبنا ليس فقط بعدد الأعمال، وإنما أيضاً بجودتها العالية. قدَّم كتّاب من جميع أنحاء العالم رؤاهم الفريدة، وغالباً ما كانت غير متوقَّعة، وحيّة ومُفعمة بالأمل تجاه المستقبل. تُقدّم هذه القصص منظوراً فريداً بشأن كيفية تسخير البشرية إمكاناتها الإبداعية».
ورأى المسؤول في مؤسّسة «روساتوم» راعية الجائزة، آندريه تيمونوف، أنّ «(الخيال العلمي) لم يعد مجرّد نوعٍ أدبي، وإنما أصبح جسراً بين الأفكار الجريئة والتقنيات الواقعية. تعكس السرديات التي قدَّمها المؤلّفون الاتجاهات الرئيسية في العلوم الحديثة، مثل التنمية المستدامة، والطاقة الخضراء، والذكاء الاصطناعي، واستكشاف الفضاء». وأكد أنّ دعم هذه الجائزة يُعدّ «استثماراً في المستقبل، وإلهاماً للجيل المقبل من العلماء والمهندسين والحالمين الذين سيبنون عالم الغد».
وتضمّ لجنة التحكيم في المرحلة التالية للتصويت مجموعة من الشخصيات الأدبية والعلمية المرموقة، يُنتظر أن تتولّى اختيار الفائزين في 3 فئات رئيسية: «أفضل قصة قصيرة»، و«أفضل قصة للأطفال والشباب»، و«أفضل قصة بلغة أجنبية».
ومن المقرَّر أن يُتوَّج الفائز بالمسابقة الأوسع من نوعها في مسابقات «أدب الخيال العلمي» الشهر المقبل في «متحف الذرّة» بموسكو.
وقالت الشعلان إنّ مشاركتها في هذه الدورة من «جائزة تاريخ المستقبل» بمخطوطتها «أخيراً… سماء صافية وزرقاء» عكست رغبتها في «خوض تجربة راقية، وموضوعها تحفيزيّ وإيجابيّ، فضلاً عن أنه يواكب روح العصر، ويأخذ أمر العلم والمستقبل على محمل الجدّ. وراقني جداً أنني وجدتُ هذه المسابقة ذات بُعد إنساني كوني؛ إذ هي مفتوحة لأيّ مبدع راغب في المشاركة فيها».
ووفق الكاتبة الحاصلة على عشرات الجوائز الأدبية المرموقة محلّياً وعربياً ودولياً، فإنّ القصة المُشاركة في المنافسة «ذات صبغة تفاؤلية قائمة على الاستشراف المستقبليّ للإنسان والعلم والحضارة من منطلق قائم على معطيات العلم ومُقدّراته وتوقّعاته، بعيداً عن الشطحات الفانتازية غير المُرتكزة على العلم وتوقّعاته في ضوء الحاضر والمستقبل وتشوّفاته».
الدكتورة سناء الشعلان
ورأت صاحبة رواية «أعشقني»، التي تدخل أيضاً في إطار «أدب الخيال العلمي»، أنّ هذا المجال الإبداعي «لا يزال متعثّراً في المنطقة العربية بالمقارنة مع التجارب العالمية التي رسمت خطوط هذا الجنس الأدبي وتفوّقت فيه، وأرست قواعده، وأنتجت في موضوعه كثيراً من كلاسيكيات الأدب والسينما وأفلام الكرتون، التي صنعت تاريخاً وبصمةً واتجاهاً، وألهمت الإنسانية وخيالاتها وأحلامها».
وأضافت أنّ كثيراً من الروايات العالمية وأفلام الخيال العلمي كانت جزءاً من رسم خريطة المستقبل انطلاقاً من معطيات العلم؛ إذ «لا يمكن لفنان أو مبدعٍ أن يشارك في معمار الخيال العلمي إن لم يكن على اطّلاع وثيق على منجزات العلم واكتشافاته، مهما كان يملك من مخيالٍ جبّار رحب».
وفي هذا السياق، قالت الشعلان، التي تضمّ مكتبة إنتاجها الأدبي نحو 90 عملاً متنوّعاً، بين مجموعات قصصية وروايات طويلة وأعمال مسرحية وقراءات نقدية، إن «ثمة كثيراً من الأعمال السردية والبصرية والسينمائية التي سبقت التقدُّم العلميّ والاختراعات والاكتشافات بخطوة أو بخطوات، وفي كثيرٍ من الأحيان كانت حافزاً للعلم والعلماء في كثير من الاكتشافات والاختراعات، كما كانت مُلهمة لهم في هذا الشأن».
ولفتت إلى أنّ «مبدعي (أدب الخيال العلمي) ليسوا مجرّد حالمين متخيّلين، بل كتّاب مطّلعون على منجزات العلم وإرهاصاته المستقبلية، ومن المهم التمييز بين الفانتازيا والخيال العلمي، فهما مساران مختلفان تماماً».
من هي الدكتورة سناء الشعلان
صاحبة القلم المقاوم .. سيرة أدبية وإنسانية مشتعلة، الأديبة والباحثة الأردنية الدكتورة سناء الشعلان، التي حملت بين جنباتها عالمين: عالم الأكاديميا بصرامتها، وعالم الإبداع بجنونه، هي أستاذة الأدب الحديث وناقدة، حملت شعلة المعرفة إلى طلبتها في الجامعة الأردنية، ونشرتْ نورَ الكلمة في صحف العالم وعواميدها، من الهند إلى الولايات المتحدة، فاستحقتْ أن تُلقّب بـ “سيّدة القصّة القصيرة العربيّة” و “شمس الأدب العربيّ”.
الفنّانة حكيمة توكّلي ترسم سناء الشّعلان في معرض فنّيّ كامل
من رحم المعاناة والإصدار، وُلِدَت نصوصها التي تنامى صداها في أرجاء العالم العربي والعالمي، حاصدةً عشرات الجوائز المرموقة، من “جائزة كتارا” إلى “جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة”. كتاباتها، سواء أكانت قصصاً أم روايات أم دراسات نقدية، تنبض بقضايا الإنسان والمهمش، وتنزف هماً فلسطينياً وعربياً أصيلاً.
هي ابنة نعيمة، التي لم تكتفِ بشغف التدريس والبحث العلمي، بل جعلت من قلمها سلاحاً للمقاومة، ومن كلمتها جسراً للتواصل بين الشعوب. إنها عالم أدبي متكامل، يمشي على قدمين: قدم في عمق التراث، وأخرى في آفاق الحداثة، لتخلق مسيرةً زاخرةً هي في حد ذاتها عمل إبداعي يستحق القراءة.
وفي كل محطة، تثبت الشعلان أنها شمعة تحترق لتضيء للآخرين، فلم تكتفِ بإنجازاتها الأكاديمية والأدبية، بل امتد عطاؤها إلى العمل الإنساني والإعلامي، لتكون صوتاً للعدالة والحرية، حضورها اللافت في المؤتمرات العالمية ومحاضراتها في أعرق الجامعات شهادة على مكانتها كأيقونة أدبية تكرس حياتها للكلمة التي تبنى ولا تهدم، تلهم ولا تيأس، وتصل إلى القلوب قبل العقول.
العتبات الأولى في “الذي سرق نجمة”: عتبات نحو عوالم متخيلة
تمثل العتبات النصية الأولى في أي عمل أدبي عتبات دلالية تنقل القارئ من العالم الواقعي إلى العالم التخييلي، وتشكل في مجموعها عقداً قرائياً بين النص والقارئ، في مجموعة “الذي سرق نجمة” لسناء شعلان، تكتسب هذه العتبات أهمية خاصة في بناء عوالم المجموعة وتوجيه عملية التلقي.
عتبة الغلاف: بين السرقة والنجمة
يحمل الغلاف عنواناً مثيراً للفضول: “الذي سرق نجمة”، هذا العنوان يطرح عدة أسئلة فورية: من هو السارق؟ ولماذا سرق نجمة؟ وما دلالة السرقة؟ وهل هي جريمة أم فعل بطولي؟ وما رمزية النجمة؟ هل هي حقيقية أم مجازية؟
يشكل العنوان عتبة دلالية تضع القارئ أمام مفارقة: كيف يسرق الإنسان نجمة من السماء؟ هذه المفارقة تفتح الباب أمام القراءة الرمزية منذ اللحظة الأولى.
عتبة الإهداء: تخصيص القراءة
يوجه الإهداء إلى “نجمتي الطاهرة التي تضيء حياتي”، مما يوحي بأن النصوص تحمل شحنة عاطفية وشخصية، هذا الإهداء: يخلق علاقة حميمة بين النص والقارئ، ويشير إلى أن النصوص قد تحمل سيرة ذاتية متخفية، ويضفي طابعاً إنسانياً على المجموعة قبل البدء في القراءة
يقدم الفهرس أربعة عشر قصة متنوعة المواضيع، من “الذي سرق نجمة” إلى “يوميات إنسان مهزوم”، هذا التنوع: يعلن عن ثراء الموضوعات والأشكال السردية، يخلق توقعات متعددة لدى القارئ، يشير إلى أن المجموعة ستتناول قضايا إنسانية متنوعة، وتحتوي الصفحات الأولى على بيانات النشر والفهرسة، التي وإن بدت تقنية، إلا أنها: تؤكد جدية العمل وأصالته، وتخلق مصداقية للنص منذ البداية، وتربط النص بمؤسسات ثقافية رسمية
عتبة البداية السردية: عقد القراءة
تبدأ القصة الأولى بنبرة سردية خاصة: “كل شيء في حياته صغير وعدود ومتواضع، ولكنه على الرغم من ذلك مولع حد التخيل والمغالاة والكذب…”، هذه البداية: تضع القارئ مباشرة في جو نفسي عميق، وتخلق تعاطفاً مع الشخصية الرئيسية، وتعلن عن موضوع الخيال والواقع الذي ستهيمن على المجموعة
عتبة التصميم والخط
يُلاحظ في المجموعة استخدام خطوط واضحة وتصميم بسيط، مما: يسهل عملية القراءة، ويركز الانتباه على المضمون لا الشكل، يعكس جدية الموضوعات المطروحة
الوظائف الدلالية للعتبات الأولى:
– وظيفة إغرائية: تجذب القارئ وتثير فضوله
– وظيفة توجيهية: توجه التلقي وتحدد أفق التوقع
– وظيفة تعاقدية: تضع شروطاً ضمنية للقراءة
– وظيفة تأويلية: تفتح مجالات متعددة للتأويل
تشكل العتبات الأولى في “الذي سرق نجمة” نظاماً دلالياً متكاملاً يهيئ القارئ لدخول عوالم المجموعة، إنها ليست مجرد عتبات شكلية، بل هي بوابات حقيقية إلى عوالم النص، تضع القارئ في حالة من الترقب والاستعداد النفسي والفكري لاستقبال النصوص، من خلال هذه العتبات، تنجح سناء شعلان في بناء علاقة خاصة مع القارئ، علاقة تقوم على المشاركة والتأمل والبحث المشترك عن المعنى.
هذه العتبات لا تسبق النص فحسب، بل تمهد له وتؤسس لشروط قراءته، مما يجعلها جزءاً عضوياً من البنية الدلالية للمجموعة ككل، تعد مجموعة “الذي سرق نجمة” للقاصة الأردنية سناء شعلان نموذجاً أدبياً متميزاً يستدعي تأملاً عميقًا في جماليات التلقي، تلك النظرية النقدية التي تركز على دور القارئ في إكمال المعنى وتشكيل الدلالة، فالنصوص هنا لا تقدم نفسها كمقولات مغلقة، بل تفتح أبواباً متعددة للتأويل، مما يجعل القارئ شريكاً فعلياً في بناء العالم القصصي.
الحكاية كفضاء مفتوح:
تتنوع القصص في المجموعة بين الواقعي والرمزي والفانتازي، مما يخلق فضاءً سرديًا مرناً يتفاعل معه القارئ وفقاً لخبرته ووعيه، قصة “الذي سرق نجمة” نفسها، على سبيل المثال، تقدم لنا كذبة الإسكافي التي تتحول إلى حقيقة في عيون السلطة، لتصبح أداة للقمع والإلهاء، هنا، يجد القارئ نفسه أمام سؤال: من هو السارق الحقيقي؟ هل هو الإسكافي أم النظام الفاسد؟ الإجابة تترك للمتلقي، مما يجعله جزءاً من عملية كشف الزيف.
اللغة كجسر عاطفي:
تتميز لغة شعلان بشاعرية عالية وكثافة رمزية، كأنها تستدعي القارئ إلى حوار داخلي مع النص، في قصة “حيث البحر لا يصلي”، تتحول اللغة إلى وسيط يعبر عن صراع الهوية والحرية، حيث يصبح البحر رمزاً للخلاص والحاجز في آن واحد. القارئ يشارك في فك رموز هذه اللغة، فيشعر بأنه ليس مجرد مستقبل، بل محاور للنص.
التعددية السردية وتفكيك السلطة:
تقدم المجموعة أصواتًا متعددة: صوت المرأة، الطفل، المهمش، الحالم، الثائر، كل قصة تحمل رؤية مختلفة، وكأن الكاتبة ترفض الرواية الأحادية، في “منامات السهاد”، نرى أحلام السلطة والشعب والمرأة، كل منها يعكس واقعاً مختلفاً، القارئ هنا مدعو إلى مقارنة هذه الأصوات وربطها، ليصل إلى فهم أعمق للعلاقة بين السلطة والحرية.
القارئ كشاهد ومشارك:
في قصص مثل “الاستغوار في الجحيم” و”غالية سيادة الحكايا”، يتحول القارئ إلى شاهد على المعاناة الإنسانية، كما يصبح شريكاً في البحث عن الأمل، قصة غالية، الطفلة التي تواجه سرطان أمها بالحكايات، تدفع القارئ إلى التساؤل: أي قوة للحكاية في مواجهة الموت؟ وهل يمكن للكلمات أن تشفي؟
الانزياح عن المألوف:
تعتمد شعلان على الانزياح باللغة والحدث، مما يخلق صدمة تلقي إيجابية. في “أبو دوج”، نرى شخصية منبوذة تتحول إلى رمز للبراءة والطهارة، بينما ينقلب الأخ “الورع” إلى منافق، هذا الانزياح يجبر القارئ على مراجعة أحكامه المسبقة وإعادة النظر في مفهومي الخير والشر.
النهاية المفتوحة:
كثير من القصص في المجموعة تنتهي بنهايات مفتوحة، كقصة “سحر وداد” التي تترك السؤال معلقاً: هل السحر حقيقي أم هو مجرد استعارة للشر؟ هذا يمنح القارئ مساحة لاستكمال النص من خلال تجربته وخياله.
“الذي سرق نجمة” ليست مجرد مجموعة قصصية، بل هي دعوة مفتوحة للقارئ ليكون فاعلاً في عملية الخلق الأدبي. من خلال جماليات التلقي، تنجح سناء شعلان في تحويل القراءة من فعل استهلاكي إلى تجربة حية، يشارك فيها القارئ في تشكيل المعنى واستنباط الدلالة، إنها نصوص تثير الأسئلة أكثر مما تقدم الإجابات، مما يجعلها تعيش طويلاً في ذاكرة من يقرأها.