حسين جلعاد 

يبدو أن الأسد حين هرب، لم يكن يدري أن حليفة الأبرز بوتين سيضعه في غرفة الخردة.

آخر التحقيقات التي نشرت عن حياته في موسكو تقول إن الوريث الطاغية يجلس الآن في قاعة دراسة، يتلقى دروسا في طب العيون تارة، ويدرس الروسية تارة أخرى، وفق ما ذكرت صحيفة غارديان البريطانية.

تقول الصحيفة إن “طب العيون شغف لدى بشار؛ هو بالطبع لا يحتاج إلى المال، وحتى قبل أن تبدأ الحرب في سوريا، كان يمارس طب العيون بانتظام في دمشق”، وتشير إلى أن نخبة موسكو الثرية قد تكون زبائنه المحتملين.

حياة بشار يمكن وصفها بأنها “هادئة جدا”، وفق صديق العائلة، ولكن “بشار لديه اتصال ضئيل جدا -إن وُجد أصلا- مع العالم الخارجي”.

ويبدو أن الرئيس الهارب على تواصل فقط مع عدد قليل من الأشخاص الذين كانوا في قصره، مثل منصور عزام (الأمين العام السابق لشؤون رئاسة الجمهورية) ويسار إبراهيم (أبرز الأذرع الاقتصادية للأسد)”.

أما بالنسبة لعلاقته مع حليفه القديم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فذكر مصدر مقرب من الكرملين أن الرئيس بوتين “لا يبدي اهتماما بزعماء فقدوا السيطرة على بلدانهم”. وأكد المسؤول الروسي أن “الأسد لم يعد شخصية ذات قيمة سياسية أو رمزية في موسكو، ولا يعد حتى ضيفا مثيرا للاهتمام لدعوته إلى العشاء”.

هكذا، قد لا يسقط الطغاة دائما تحت أقدام الجماهير. لكن بعضهم يُمحى بصمت، ويُركن كما تُركن الخردة في زوايا التاريخ الباردة.

بشار الأسد، الذي حكم بلدا كاملا بالحديد والنار، ينتهي اليوم إلى حياة بلا معنى سياسي، بلا هاتف يرن، وبلا عشاء يدعى إليه. إنه يتدرب على مهنة جديدة، طب العيون التي كان يحلم بها قبل أن يصبح قاتلا برتبة رئيس جمهورية، إنه يجلس معزولا بلا شعب يلوح له أو يحترمه، وهذا هو الخسران الأشد قسوة في عالم السلطة.

ما يجري في موسكو ليس منفى بالمعنى الكلاسيكي، بل إقامة جبرية لكومندان خدم الروس والعمائم الإيرانية وانتهت مهمته الفاشلة فأعيد إلى مداخن الثكنات الخلفية. هناك، حيث لا هتاف ولا خوف ولا حاجة إليه، يتحوّل “الرئيس” إلى شخص زائد عن الحاجة، يتعلّم لغة جديدة ليخاطب عالما لا يصغي إليه، ويدرس طب العيون فيما لم يرَ يوما الدم الذي أغرق بلاده.

هكذا تُغلق الدائرة. من قصر يضجّ بالسلطة إلى غرفة صامتة لا يسمع فيها سوى صدى السقوط. وفي هذه النهاية الباردة، يتجلّى الدرس الأوضح، الطغيان قد يطول، لكنه لا يورث صاحبه سوى النسيان واللعنة.

ربما لم ينته بشار حين هرب.

لعل الوريث انتهى قبل سنوات في قاعدة حميميم عام 2017، حين كان بوتين في المقدّمة، يخاطب ضباطه وجنوده، وبشار يقف جانبا، على مسافة واضحة، بلا منصة، بلا كلمة. لم يكن الوريث حينها يبدو رئيس دولة، بل مرافقا صامتا في مشهد عسكري يدار باسمه لا بيده.

الخردةبشار الاسدبوتنرئيسروسياعرض عسكريغرفةفلاديمير بوتين
Comments (0)
Add Comment