حماس: طوفان الأقصى أعاد فلسطين إلى قلب العالم

الطوفان أسقط الأساطير الإسرائيلية وكسر الطبيع وشكل لحظة تاريخية مفصلية

 

أبرز إنجازات طوفان الأقصى

عامان من الحرب المتواصلة أدت إلى متغيرات كبرى على كل المستويات وفي كل الاتجاهات، وشكلت زلزالًا استراتيجيًا أعاد رسم الوعي العالمي

أثبت طوفان الأقصى أن الشعب الفلسطيني عصيٌّ على الإخضاع والتطويع، لا يعرف الهزيمة ولا يقبل الاستسلام. 

عودة فلسطين إلى قلب العالم: أصبحت القضية مجددًا محورًا سياسيًا وإعلاميًا عالميًا،

أسقط الطوفان نظرية الأمن الإسرائيلية القائمة على الردع والإنذار المبكر ونقل المعركة إلى أرض الخصم

تهاوت ركائز الأسطورة التي بنى عليها الاحتلال وجوده واحدةً تلو الأخرى

لم يعد من الممكن لأي نظامٍ أو دولةٍ أن يتعامل مع إسرائيل “بلا كلفة أخلاقية”؛ حيث كسرت الإبادة جدار التطبيع

حوّل الطوفان الكيان الإسرائيلي من “قلعةٍ للحضارة الغربية” إلى عبءٍ أخلاقي وسياسي على حلفائه

 أعادت هذه المعركة وما ترتَّب عليها إعادة تعريف المفاهيم، حيث خرجت الملايين تهتف لغزة، تؤكد أن فلسطين ليست وحدها

هزّ الطوفان فكرة “الملاذ الآمن لليهود” في فلسطين المحتلة، وأظهر أن الكيان عاجز عن إخضاع الشعب الفلسطيني، فتصاعدت الهجرة العكسية 

افشال مسار التطبيع: كشف الطوفان حقيقة الكيان الصهيوني أمام دول المنطقة وشعوبها، كخطر حقيقي داهم يواجهها، لا كشريك سلام وتعايش

 

 

 

البابور العربي – تقرير خاص 

أكدت حركة المقاومة الإسلامية حماس في روايتها الثانية لمعركة طوفان الأقصى أن عامين من الحرب المتواصلة أحدثا تحولات استراتيجية عميقة على مختلف المستويات، وأعادا رسم الوعي العالمي بالقضية الفلسطينية، بعد سنوات من محاولات التهميش والاحتواء السياسي.

وقالت الحركة إن طوفان الأقصى أثبت أن الشعب الفلسطيني عصيّ على الإخضاع والتطويع، ولا يعرف الهزيمة أو الاستسلام، رغم وحشية العدوان واستمراره، مؤكدة أن صمود غزة والمقاومة أسقط رهانات كسر الإرادة وفرض الوقائع بالقوة العسكرية. وأوضحت أن من أبرز إنجازات المعركة إعادة فلسطين إلى قلب الاهتمام الدولي، حيث عادت بقوة إلى الأمم المتحدة، وإلى الشوارع الأوروبية والأمريكية، وإلى الجامعات والمنابر الحقوقية، ولم تعد تُطرح بوصفها نزاعًا حدوديًا، بل قضية تحرر وعدالة وكرامة إنسانية.

وأشارت حماس إلى أن الطوفان أسقط نظرية الأمن الإسرائيلية القائمة على الردع والإنذار المبكر ونقل المعركة إلى أرض الخصم، بعدما باغتت المقاومة الاحتلال واخترقت عمقه الأمني والعسكري، ما أجبره على مراجعة عقيدته الأمنية والعسكرية من جذورها، وكشف هشاشة منظومته التي طالما قدّمها بوصفها نموذجًا لا يُخترق.

وأضافت أن المعركة أدت إلى تهاوي ركائز الأسطورة الصهيونية، وفضحت الشروخ العميقة داخل المجتمع الإسرائيلي، سواء بين التيارات السياسية المتصارعة أو بين المكونات الدينية والعلمانية، وصولًا إلى أزمة ثقة متفاقمة في المؤسسات السياسية والعسكرية. ولفتت إلى أن الإبادة الجماعية في غزة كسرت جدار التطبيع، ورفعت منسوب الرفض الشعبي العربي والإسلامي، وجعلت من الصعب على أي دولة أو نظام التعامل مع إسرائيل دون كلفة أخلاقية وسياسية متزايدة، في ظل احتجاجات وضغوط داخلية متصاعدة في الدول الداعمة لها.

وبيّنت الحركة أن طوفان الأقصى حوّل إسرائيل من كيان يُسوَّق باعتباره “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط” إلى عبء أخلاقي وسياسي على حلفائه، بعدما غدت صور المجازر والضحايا في غزة الوجه الحقيقي الذي يراه العالم، ما أدى إلى إعادة تعريف المفاهيم والمصطلحات في الخطاب الدولي، حيث لم يعد الاحتلال يُقدَّم على أنه “دفاع عن النفس”، ولا الإبادة على أنها “نزاع”.

وختمت حماس بالتأكيد على أن المعركة هزّت فكرة “الملاذ الآمن” في فلسطين المحتلة، وأظهرت عجز الكيان عن توفير الأمن حتى لمجتمعه الداخلي، مشددة على أن طوفان الأقصى لم يُفشل مسار التطبيع فحسب، بل كشف حقيقة الكيان أمام شعوب المنطقة والعالم، وأن ما بعد الطوفان لن يكون كما قبله في معادلات الصراع ومستقبل المنطقة.

وفيما يلي النص الكامل لورقة حركة المقاومة الاسلامية حماس 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

روايتنا..

 طوفان الأقصى .. عامان من الصمود وإرادة التحرير

مقدمة

لقد صنع شعبنا الفلسطيني، على مدار عامين ثقيلين، ملحمةً من الصمود والثبات في وجه أعتى حملات كسر إرادته ومحاولات تفكيك تماسكه وإخضاع حاضنته، وظل ممسكاً بهويته المقاوِمة حتى آخر سطور هذه الملحمة.

عامان ارتكب فيهما الاحتلال الإسرائيلي أبشع ما رأت البشرية من مجازر وحشية وإبادة جماعية، في واحدةٍ من أشرس حروب الإبادة التي عرفها العصر الحديث، شنّها ضمن نهجٍ استيطانيٍّ إحلاليٍّ دمويٍّ ممتدٍّ منذ نكبة 1948. لم تكن هذه الحرب مجرد ردّة فعلٍ مؤقّتة، بل جاءت تجسيدًا لجوهر مشروعه الإجرامي الساعي إلى نفي الوجود الفلسطيني ذاته، عبر التهجير والتجويع والتدمير الهمجي للمنازل والمستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس في قطاع غزة.

لقد كانت حرب غزة تجسيدًا لمعادلةٍ صارخة: كلّما اشتدّ العدوان، ازداد الشعب الفلسطيني تماسكًا وإصرارًا على حريته. ومع نهاية عامين من الإبادة، يخرج الفلسطينيون أكثر ثقةً بقدرتهم على البقاء، فيما يخرج الكيان الإسرائيلي مُثقلاً بالهزيمة النفسية وفقدان الردع، وقد سقطت سرديّته، وبدأ يتحوّل إلى كيان منعزل منبوذ.

لم يكن السابع من أكتوبر 2023 حدثاً مفاجئاً، بل كان جولةً من جولات الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، وطوفان الأقصى ليس ذكرى عابرة، بل قاعدة لمرحلة تاريخية فاصلة في مسيرة قضيتنا،  تهاوت فيها السردية الصهيونية في عقر دار حواضنها، وانكشفت حقيقة هذا العدو أمام شعوب الإنسانية، ووُضع في قفص الاتهام في المحاكم الدولية، وتأكدت إمكانية هزيمته، وتقدمت فلسطين في معركة الوعي العالمي، إيذاناً بتغيير البيئة الظالمة التي ترعرع فيها هذا الكيان.

عامان قدّم الشعب الفلسطيني خلالهما أفضل ما لدى البشرية من إيمان وتضحية وصمود ومصابرة وعزة وكرامة. يقف شعبنا اليوم أمام محطة إنهاء الحرب الظالمة على القطاع، ليضمد جراحه، ويعظّم ثمار صموده، وبعد أن هزت المقاومة المجتمع الصهيوني في فلسطين المحتلة، وأدخلته في أزمات عسكرية وأمنية واقتصادية وسياسية وأخلاقية، وأدرك العالم حقيقة هذا الاحتلال وطبيعته الإجرامية ووحشيته.

لن ننسى دماء أطفالنا ونسائنا وشيوخنا ومرضانا، ولا عذابات أسرانا الذين ذاقوا أقسى ألوان التنكيل؛ ولن ينسينا التدمير الشامل مدننا وحاراتنا ومخيماتنا، ولا بيوتنا ومساجدنا وكنائسنا ومدارسنا ومستشفياتنا وبساتيننا وشواطئ بحرنا الهادر، ولا شواهد قبور أهالينا التي جُرِّفت، فلن يمحو ذاكرتنا ولا هوية أحلامنا المتجذّرة في أعماق هذه الأرض التي ننتمي إليها بجدارة واستحقاق.

لقد كشف هذا العدوان المجنون أن هذا الكيان لا ينتمي للإنسانية، ولا يعرف معنى السلام، بل هو كيان متمرّد عنصري متوحّش، تغذّيه دولٌ ظالمة ماكرة تخادع العالم بشعارات السلام والعدل والإنسانية، وهي شريكة مباشرة في الجريمة.

لقد كانت تضحياتٌ عظيمة من شعبٍ عظيم، ولم يزِده الاحتلال على مدى 77 عاماً إلا إصراراً على مواصلة جهاده ونضاله لاستعادة أرضه ومقدساته، ولم يزده الخذلان والحصار المريع، والعجز والضعف الإقليمي والدولي في مواجهة الاحتلال، إلا ثقةً بربه وإصراراً على المُضيّ في طريق التحرير والعودة.

وأثبت هذا الطوفان أن جذوة شعبنا لا تنطفئ، ولا تتوقف حركته، ولا تهدأ ثورته، وأن فيه مجتمعاً مقاوماً مذهلاً، وفرساناً أشدّاء لا يبالون بالأهوال، وأن هذه الموجة العالية من موجات مقاومتنا المستمرة منذ 77 عاماً لا ترى في أفقها إلا التحرير والعودة والقدس، بإصرار لا مَحِيدَ عنه، وثبات لا تراخي معه، ويقينٍ بنصر الله وتمكينه لعباده المجاهدين.

لم يفهم المشروعُ الصهيوني طبيعةَ الشعب الفلسطيني، ولا هويّته العربية والإسلامية، ولا جذوره الضاربة في التاريخ، ولا عمقه الحضاري والإنساني، ولم يدرك أنّ مصيره سيكون كمصيرِ كلّ موجات الغزو التي استهدفت أرضنا المقدّسة المباركة عبر التاريخ، وأنه سيُطرَد منها أو يُدفَن فيها.

 

الفصل الأول: دوافع الطوفان وسياقاته

  1. خلفية تاريخية

لم يكن7  أكتوبر بداية الحرب، بل هو نتيجة طبيعية لاحتلال منذ عام 1948 وعلى مدى 77 عاماً، حيث تعرّض شعبنا للتشريد على يد الاحتلال الصهيوني. لقد كانت العقلية الصهيونية منذ اللحظة الأولى عقلية إلغائية استيطانية إحلالية عدوانية تمارس الفصل العنصري والتطهير العرقي، وطوال العقود الماضية مارست كل سبل اقتلاع الشعب الفلسطيني وتهجيره، ومنعت كافة أشكال سيادته على أرضه وصناعة قراره، مستفيدةً من الغطاء الغربي وخصوصاً الأمريكي، فجاء طوفان الأقصى كجزء من حالة المقاومة المشروعة التي يخوضها شعبنا ضد الاحتلال الذي بلغ ذروته في عهد حكومة اليمين الفاشي، واستجابة  طبيعية لمواجهة تحد استراتيجي يواجه القضية الفلسطينية.

  1. فشل التسوية وتحول السلطة

أفشل الإسرائيليون مسار التسوية السياسية مع السلطة الفلسطينية بشكل منهجي متعمّد، واستخدموا غطاء التسوية للمزيد من التهويد والاستيطان. فقد ضاعفوا أعداد المستوطنين اليهود في الضفة الغربية من نحو 280 ألفاً سنة 1993 بعد توقيع اتفاق أوسلو إلى نحو 950 ألفاً سنة 2023. نتنياهو – الذي تولى رئاسة الوزراء في 1996–1999 ثم معظم الفترة منذ 2009 وحتى الآن – صرّح مراراً أنّه ضدّ اتفاق أوسلو؛ وسعى لإفشاله بشكل مكشوف، كما صرّح أنه سيمنع إقامة دولة فلسطينية، وهو يعمل على ذلك فعلاً على الأرض. نتيجةً لذلك فقد الفلسطينيون أي أمل بإقامة دولة مستقلة ولو على جزء من أرضهم. بل وصل الأمر إلى أن مسيرات العودة الكبرى عام 2018 صرخت في وجه العالم للتذكير بحقوق الفلسطينيين دون أن تجد آذانًا صاغية.

  1. صعود التطرف الإسرائيلي واستهداف الضفة والقدس

أواخر 2022، تشكّلت أشدّ الحكومات الإسرائيلية تطرّفاً، حيث تحالف اليمين الليكودي مع الصهيونية الدينية لحسم مصير الأقصى والقدس والضفة الغربية، وفرض الرؤية الصهيونية فرضاً. تسلّم أشدّ الوزراء تطرّفاً أخطر الملفات الفلسطينية حساسية: فتولى إيتمار بن غفير وزارة الأمن القومي؛ وفتح الباب على مصراعيه لقمع الشعب الفلسطيني وتسهيل مخطط اقتحام الأقصى وتهويد القدس. تسارعت وتيرة تهويد الأقصى بما ينذر بعواقب كارثية، من خلال الاقتحامات اليومية، ومحاولات فرض التقسيم الزماني والمكاني في المسجد الأقصى تحت حماية جيش الاحتلال، في مشهدٍ يعيد إنتاج النكبة في قلب القدس.

وتولى بتسلئيل سموتريتش – بالإضافة إلى وزارة المالية – صلاحيات التحكم في الإدارة المدنية الإسرائيلية في الضفة الغربية ورعاية التوسع الاستيطاني فيها وإدارة مواردها الطبيعية، وهو الذي لم يتوقف سعيه لضمّ الضفة وتحويلها إلى كانتونات معزولة تقضي تماماً على أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية مستقلة. بل ووقف نتنياهو في الأمم المتحدة قبيل السابع من أكتوبر بأيام ليُظهر خريطة فلسطين التاريخية كلها  (بما فيها الضفة والقطاع) تحت اسم “إسرائيل” في إعلان وقح عن نواياه ومخططاته.

  1. الغليان في غزة

لم تكن غزة بعيدة عن هذا الاستهداف الإسرائيلي؛ ففي 1 أكتوبر 2023 – قبل أسبوع واحد من طوفان الأقصى – عرض رئيس جهاز الشاباك “رونين بار” أمام رئيس الأركان “هرتسي هاليفي” وكبار مسؤولي الأمن خطة لتصفية قيادة حماس في قطاع غزة، وطلب رفعها للمصادقة من نتنياهو الذي لم يعطِ التفويض في حينه. جاء ذلك في وقتٍ كان فيه قطاع غزة يعاني حصاراً خانقاً مفروضاً منذ 17 عاماً، وحرمان أهله من أبسط حقوقهم في الحركة والسفر والحياة الطبيعية، والحصول على المواد الأساسية  لمعاقبتهم على انتخابهم حكومة مقاومة. لقد تحوّل القطاع إلى أكبر سجن مفتوح في العالم، وقد آن الأوان لأهل غزة أن “يدقّوا جدران الخزّان” – كما قال الأديب الشهيد غسان كنفاني – رفضًا للموت البطيء داخل ذلك السجن الكبير.

 

  1. معاناة الأسرى

عانى آلاف الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال من  كل أشكال القمع والتنكيل والإهانة والقتل البطيء، مع انعدام أي أفق سياسي للإفراج عنهم. شكّل ذلك كلّه اعتداءً صارخًا على الكرامة الإنسانية وعلى أبسط حقوق الأسرى وفق القانون الدولي. وعند انطلاق طوفان الأقصى كان ما زال يقبع نحو خمسة آلاف أسير في سجون الاحتلال الإسرائيلي.

  1. عجز المجتمع الدولي

فشلت “المؤسسات الدولية” – وتحديداً الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي – في التعامل الجاد مع قضية فلسطين. عانت تلك المؤسسات من حالة العجز والشلل في الوقت الذي تصرفت فيه “إسرائيل” كدولة فوق القانون وبدعم أمريكي غربي. بينما تسارعت وتيرة التهويد والتطبيع ومشاريع شطب القضية الفلسطينية، حيث سعى الحلف الأمريكي–الصهيوني إلى دمج الاحتلال في المنطقة ودفن القضية الفلسطينية وتحويلها إلى “ملفٍ من الماضي” عبر موجات التطبيع المتلاحقة. وعلى الرغم من وجود ترسانة كبيرة من قرارات الأمم المتحدة لصالح فلسطين – فحتى نهاية سبتمبر 2023 صدر 1,180 قراراً عن الجمعية العامة ومجلس الأمن – إلا أنّ أياً منها لم يُنفّذ على مدى 75 عاماً. فماذا يتوقع العالم من شعبٍ أبيٍّ عزيز يريد انتزاع حريته وحقوقه؟!

  1. استمرار الثورة الفلسطينية

واصل الشعب الفلسطيني ثوراته منذ سنة 1920، حتى انتزع في مايو 1939 التزاماً رسمياً بريطانياً بإلغاء وعد بلفور وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على كل أرض فلسطين خلال عشر سنوات؛ لكن بريطانيا نكثت عهودها. ثم تحت النفوذ الغربي–الأمريكي، صوّتت الأمم المتحدة في 1947 على تقسيم فلسطين لدولتين (يهودية وفلسطينية) بقرارٍ حُرم فيه شعب فلسطين من حق تقرير المصير، ولم يُستشاروا فيه رغم أنهم كانوا يملكون 94% من الأرض. ومع ذلك أقام الصهاينة “إسرائيل” بالقوة والتطهير العرقي على 77% من فلسطين التاريخية، ولم يُسمح لدولة فلسطين أن تقوم. وتتابعت الثورات والانتفاضات الفلسطينية بموجاتٍ تصعد وتهبط ولكنها لا تتوقف. ومعركة طوفان الأقصى ليست إلا موجة جديدة من هذه الموجات المتتالية. وقد حذّرت المقاومة مسبقاً بأن هذا الانفجار قادمٌ لا محالة إن استمر العدوان والحصار؛ فجاءت ضربة السابع من أكتوبر 2023 قويةً بحجم الألم الذي أصاب شعبنا، وصادمةً بحجم العدوان الذي تعرض له، لتؤكد للعالم أجمع أن كل المؤامرات والضغوط لن تكسر إرادة هذا الشعب.

 

الفصل الثاني: طوفان الأقصى – يوم العبور المجيد (7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023)

  1. لحظة الحقيقة

شكّلت عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 لحظة الحقيقة التي أعادت رسم معادلة الصراع بعد سنواتٍ من الحصار والتجاهل الدولي، انفجر الغضب الفلسطيني في فعلٍ غير مسبوق قاده مقاتلو المقاومة، بعدما أغلق العالم كل الأبواب أمام شعبٍ يطالب بحقه في الحياة والحرية.

لم تكن العملية مغامرةً أو سلوكًا انفعاليًا، بل خطوة محسوبة تعبّر عن إرادة الأمل وتصحيح المسار التاريخي، فقد خاضها أبناء فلسطين بوعيٍ وتخطيطٍ وثقةٍ بالله وعدالة قضيتهم، مؤمنين بأن التضحية طريق الخلاص، وأنّ الدفاع عن القدس والأقصى حقٌّ لا يُساوَم عليه.

كانت لحظة تضحيةٍ كبرى أراد فيها الفلسطينيون أن يقولوا للعالم: لسنا ضحايا إلى الأبد، بل شعبٌ يقاتل من أجل كرامته، ويرفض أن يكون شاهد زورٍ على ضياع وطنه.

  1. التفاف شعبي واسع

قوبلت العملية بتأييدٍ شعبيٍ فلسطينيٍ غير مسبوق، وتحوّلت إلى رمزٍ للوحدة حول خيار المقاومة.

أظهر استطلاع المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية (نُشر في 13 كانون الأول/ ديسمبر 2023) أنّ 72% من الفلسطينيين اعتبروا قرار حماس بالهجوم صائبًا، و69% عبّروا عن رضاهم عن أداء حماس، مقابل 11% فقط عبّروا عن رضاهم عن أداء السلطة الفلسطينية.

جاءت هذه النتائج رغم العدوان العنيف الذي شنّه الكيان الإسرائيلي، وتحالفاتٍ عسكريةٍ كبرى أسفرت عن أكثر من 15 ألف شهيد و36 ألف جريح وتشريد ثلثي سكان القطاع، حين إجراء هذا الاستطلاع.

كان هذا الالتفاف الشعبي الجارف حول المقاومة – في ذروة المأساة –رسالةً واضحة بأنّ الشعب الفلسطيني متمسك بخيار الصمود والمواجهة رغم الكلفة الباهظة.

 

  1. يوم العبور التاريخي

كان السابع من أكتوبر يومًا مفصليًا في التاريخ الفلسطيني، فللمرة الأولى منذ تأسيس الكيان قبل 75 عامًا، استطاعت المقاومة أن تقوم بمناورة ميدانية نجحت خلالها في اقتحام كافة خطوط جيش الاحتلال المحيطة بقطاع غزة والسيطرة عليها، وتحييد مئات الجنود والسيطرة على مواقع كاملة في بضع ساعات فقط؛ ما أصاب الاحتلال بالذهول والصدمة من هول الضربة التي اعتبرها قادته معركة وجودية وحرب استقلاله الثانية، فأطلقوا عليها لاحقًا اسم “السيوف الحديدية”.

كان ذلك اليوم عبورًا فلسطينيًا نحو معادلةٍ جديدة في الوعي العالمي، أثبتت أنّ المقاومة قادرة على كسر صورة الجيش الذي “لا يُقهر”، وأنّ إرادة التحرير أقوى من كلّ ترسانةٍ عسكرية.

 

الفصل الثالث: التحقيق في هجوم 7 أكتوبر – نعم لكشف الحقائق

منذ اللحظة الأولى لهجوم السابع من أكتوبر، حاول الكيان الإسرائيلي قلب الحقيقة؛ أطلق ماكينة تضليلٍ عالمية شارك فيها الإعلام الغربي وجماعات الضغط الصهيونية، لتحويل العملية العسكرية المشروعة – التي استهدفت فرقة غزة العسكرية التي أمعنت قتلاً وحصارًا في القطاع – إلى مزاعم حول استهداف المدنيين والأطفال.

روّج الكيان سلسلة من الأكاذيب عن قتل الأطفال واغتصاب النساء، تمهيدًا للمضي في مشروع إبادةٍ شاملٍ كان مخططًا له مسبقًا، بهدف محو غزة من الوجود.

في السياق ذاته، عرضت المقاومة منذ الأيام الأولى للهجوم إطلاق الأسرى الإسرائيليين من غير العسكريين، غير أن الكيان رفض ذلك العرض، ولم يقبل به إلا خلال هدنةٍ قصيرةٍ استمرت أسبوعًا في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، تم خلالها إطلاق نحو مائة أسير.

لقد فنَّدنا في مواضع سابقة الادعاءات والأكاذيب الإسرائيلية التي سيقت ضد المقاومة، ولا حاجة لتكرارها هنا، خصوصًا بعد أن ثبت زيفها بشهادة تحقيقاتٍ دوليةٍ مستقلة. ولكن، لأن قادة الكيان ما زالوا يكررون أكاذيبهم بوقاحة، فإننا نؤكد ما يلي:

  1. إنّ قتل المدنيين ليس من ديننا ولا من قيمنا الوطنية والحضارية؛ ونتجنبه ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً.
  2. إنّ قتل المدنيين وارتكاب المجازر الوحشية والتطهير العرقي هو سلوكٌ صهيونيٌّ أصيلٌ منذ نشأة هذا الكيان، وهناك آلاف الأدلة القاطعة التي تثبت ذلك، ولا تقبل الشك أو الجدل.
  3. أكدت التحقيقات الصحفية والإعلامية الإسرائيلية الجادة بأنّ جيش الكيان قصف مناطق اختلط فيها المدنيون الإسرائيليون بمجاهدي القسام، ضمن ما يُعرف بإجراء “هنيبعل” الهادف إلى منع احتمال أسر جنودٍ إسرائيليين. كما تبيّن وجود عددٍ كبيرٍ من جنود الاحتياط والمجندين ممَّن كانوا يرتدون ملابس مدنية أو خارج دوامهم العسكري خلال الهجوم.
  4. خلال عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر، لم تستهدف المقاومة أيَّ مستشفى أو مدرسة أو دار عبادة، ولم تقتل صحفيًا واحدًا، ولا أيّ فردٍ من طواقم الإسعاف. ونتحدى الكيان أن يثبت غير ذلك.
  5. نتحدى الإسرائيليين أن يفسحوا المجال لتحقيقٍ دوليٍّ نزيهٍ في مزاعم مقتل المدنيين الإسرائيليين يوم السابع من أكتوبر، كما نتحدّاهم أن يوافقوا على تحقيقٍ دوليٍّ محايدٍ في الجرائم التي ارتكبوها بحق الشعب الفلسطيني، خصوصًا خلال حربهم الأخيرة على غزة.

 

الفصل الرابع: مسارُ الحربِ على غزة

  1. حرب الإبادة

اتسمت الحرب التي شنّها الكيان الإسرائيلي على قطاع غزة بوحشيةٍ غير مسبوقة، في محاولةٍ يائسةٍ لاستعادة صورة الردع والهيبة التي فُقدت بعد السابع من أكتوبر. لم يكن هدفها الحقيقي تحرير الأسرى الإسرائيليين، بل استهدفت ارتكاب أكبر قدرٍ من المجازر بحق المدنيين، وتدمير المنازل والمدارس والمستشفيات ودور العبادة والبنى التحتية، وفرض التجويع والتهجير الجماعي على سكان غزة.

كانت هذه أول إبادة جماعية تُبثّ على الهواء مباشرة؛ حيث وُثّقت فظائعها بالصوت والصورة أمام أنظار العالم لحظةً بلحظة.

  1. عقلية الإلغاء

تميّزت القيادة السياسية والعسكرية للكيان خلال هذه الحرب بعقليةٍ إلغائيةٍ تنكر على الفلسطينيين ليس فقط حقوقهم السياسية، بل حتى إنسانيتهم.

ترددت على ألسنة قادة الكيان تصريحات علنية تشرعن تدمير القطاع وقتل أهله؛ إذ وصف وزير الحرب آنذاك “يوآف غالانت” سكان غزة بأنهم “حيوانات بشرية”.

وقد وثّقت مؤسساتٌ دوليةٌ عديدة جرائم الكيان بحق الأطفال والنساء وكبار السن، واستهداف تجمعات النازحين، والمرضى في المستشفيات، والطواقم الطبية، وطوابير المدنيين أمام مراكز الإغاثة.

  1. حصيلة الدمار والضحايا خلال عامين
  • الشهداء والجرحى: ارتقى أكثر من 67,100 شهيد ممن وصلت جثامينهم إلى المستشفيات، إضافة إلى 9,500 آخرين ما زالوا تحت الأنقاض أو في عداد المفقودين، من بينهم نحو 20 ألف طفل، و12,500 امرأة، وبلغ عدد الجرحى نحو 169,500.
  • الدمار العمراني: تعرض 95% من مدارس القطاع لأضرارٍ ماديةٍ، ودُمّرت معظم المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية، وكذلك المساجد ودور العبادة. واستهدفت الغارات أماكن لجوء النازحين وحوّلتها إلى مقابر جماعية. دُمّر نحو 268 ألف وحدة سكنية تدميرًا كليًا، و153 ألف وحدة أخرى جزئيًا.
  • المجاعة والحصار: عانى معظم سكان القطاع من المجاعة نتيجة الحصار ومنع الإمدادات، استخدم الكيان ما يمكن وصفه بـ”هندسة التجويع” لإخضاع السكان عبر الحرمان الجماعي من الغذاء والماء والدواء، وهي جريمة عقاب جماعي وإبادة موصوفة في القانون الدولي. استُشهد 540 عامل إغاثة أثناء أداء مهامهم، و2,605 مدنيين أثناء اصطفافهم في طوابير المساعدات ضمن ما سُمِّي “مصائد الموت”، حيث قُصفت طوابير القادمين لأخذ المساعدات من مراكز الإغاثة المشتركة الأمريكية–الإسرائيلية.
  1. الحرب على الحقيقة

استهدف الكيان الحقيقة نفسها من خلال قتل الصحفيين ومنع الإعلام، فخلال الحرب، استشهد 254 صحفيًا وإعلاميًا؛ وهو رقم يفوق مجموع من قُتل في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وفيتنام، ويوغوسلافيا، وأفغانستان، وأوكرانيا مجتمعة.

كما منع الكيان دخول وسائل الإعلام الأجنبية إلى القطاع، في محاولةٍ لطمس الأدلة على جرائمه وخنق صوت من يوثقها أو ينقذ ضحاياها.

  1. الأسرى والجثامين

بعد عامين من الحرب، كان نحو 3,400 أسيرٍ من قطاع غزة في يد الكيان، أُفرج عن نصفهم تقريبًا في صفقة تبادلٍ، وقد شهدت أجسادهم على التعذيب والتجويع والقهر الذي تعرضوا له.

أما الجثامين التي أُعيدت بعد الحرب، فكشفت فظائع الإعدام الميداني والتعذيب الممنهج، إذ سُلّمت العديد منها معصوبة الأعين ومقيّدة الأيدي والأقدام.

كما وُجدت دلائل على سرقة الأعضاء البشرية من بعض الشهداء بطريقةٍ بشعةٍ وغير أخلاقية. إننا ندعو المؤسسات الدولية المختصة للكشف بنفسها على هذه الجثامين، وتوثيق مدى بشاعة جرائم الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته الجسيمة.

  1. الصمود الفلسطيني

فاجأ الشعب الفلسطيني العالم بقدرته على الصمود والتحدي والتمسّك بالأرض. لم ينجح العدو في انتزاع لحظة ضعفٍ واحدةٍ أو نظرة انكسارٍ من أي فلسطيني، ولم تُرفع في غزة رايةٌ بيضاء رغم شدة الألم والجراح.

تحوّل القطاع إلى مدرسةٍ عالميةٍ في الإيمان والصبر والثبات، وقدّم نماذج فريدةً في التضحية والبطولة، وألهم العالم بأسره بمعنى الإيمان والكرامة.

  1. العودة إلى الشمال

ذُهِل العالم وهو يرى تشبّث أبناء فلسطين بأرضهم ورفضهم للتهجير، وقد شاهدنا مشاهد مهيبة لعودة مئات الآلاف من المهجَّرين إلى شمال غزة المدمَّر خلال أيام قليلة أعقبت هدنة يناير 2025، رغم الدمار الهائل هناك، ثم عادت الحشود مرة أخرى بعد إعلان توقّف الحرب في أكتوبر 2025 إلى ديارها المهدّمة – حتى بعد أن أعاد العدو قصف ما سبق تدميره؛ لقد أثبت هذا الشعب تمسّكه بأرضه مهما بلغت التضحيات.

  1. الشهداء القادة

قدّم الشعب الفلسطيني كبار قادته شهداء دفاعًا عن الأقصى والقدس وفلسطين وعلى طريق التحرير، واستشهد العديد من أبنائهم وأحفادهم والعشرات من أقاربهم، حيث جسّدوا مفهوم القيادة الحقيقية التي تتقدّم الصفوف وتقاتل مع شعبها، وقدّموا المثال الأعلى في التضحية والثبات.

  1. أداء المقاومة في الميدان

أبدعت المقاومة الفلسطينية في ميدان القتال، واستنزفت قوات العدو في كل شبرٍ من القطاع، وأرست أنموذجاً لمدرسةٍ عسكريةٍ جديدة في حروب المدن والتحرير، تُدرَّس اليوم في كلياتٍ عسكريةٍ حول العالم.

وعلى الرغم من الدعم الأمريكي والبريطاني والألماني الهائل، فشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق نصرٍ حاسمٍ على شعب مقاوم محاصر في مساحةٍ ضيقةٍ ومحرومةٍ من السلاح والإمداد، واضطر في النهاية إلى وقف الحرب وعقد  اتفاق وقف إطلاق النار.

  1. خسائر الكيان

تكبّد الكيان خسائر فادحة حاول التعتيم عليها.

اعترف رئيس الأركان الجديد “إيال زامير” (شباط/ فبراير 2025) بمقتل 5,942 جنديًا، فيما أشارت تقارير طبية إلى مقتل نحو 13 ألف قتيل إسرائيلي في غزة ولبنان والضفة الغربية.

قدّر بنك إسرائيل المركزي كلفة الحرب بنحو 100 مليار دولار خلال عامين، بينما أعلن سموتريتش رقمًا قريبًا بلغ 89.4 مليار دولار.

خسر الجيش نحو 2,850 دبابةً وجرافةً وعربةً عسكرية حتى كانون الثاني/ يناير 2025.

وتحدثت تقارير عن هجرةٍ عكسيةٍ بلغت 470 ألفًا خلال الشهرين الأولين بعد الطوفان، وعن هروبٍ للاستثمارات وشللٍ في قطاعات السياحة والموانئ.

  1. وحدة المجتمع الغزي

أفشل الشعب الفلسطيني كل محاولات العدو لإيجاد أجسامٍ بديلةٍ أو عميلةٍ داخل غزة.

بفضل وعي العشائر والعائلات الفلسطينية، ظلّ المجتمع الغزي سورًا منيعًا أمام الاختراق والانقسام، وأثبت تماسكًا نادرًا في أحلك الظروف.

  1. الأبطال المدنيون

كان الأطباء والمسعفون والصحفيون ورجال الدفاع المدني والشرطة في قلب المعركة، يؤدّون واجبهم في إنقاذ الأرواح وتوثيق الجرائم، وقدّموا تضحياتٍ جسيمةً، وشاركوا بدمائهم في حماية الحقيقة وخدمة شعبهم في أقسى لحظات التاريخ.

  1. دعم قوى المقاومة

لعبت قوى المقاومة في الأمَّة دورًا مباشرًا في دعم غزة عسكريًا وسياسيًا، ووجّهت ضرباتٍ مؤثرةً للكيان الإسرائيلي، وقدّمت تضحياتٍ كبيرةً أكدت أن المعركة ليست معركة الفلسطينيين وحدهم، بل معركة الأمة بأسرها.

  1. الدور الأمريكي

كانت الولايات المتحدة شريكاً كاملاً للاحتلال الإسرائيلي في حربه على غزة، فقد زوّدته بكل أسلحة الدمار التي يحتاجها (أكثر من 90 ألف طن من الأسلحة)، ووفّرت غطاءًا سياسياً وإعلامياً لعدوانه، وعطّلت القرارات والإجراءات الدولية الرامية إلى وقف الحرب، واستخدمت حق النقض (الفيتو) ست مرات لإتاحة المجال للاحتلال لمواصلة مجازره وتدمير البنى التحتية وعمليات التهجير والتجويع. وبشكل عام، استخدمت الولايات المتحدة الفيتو 93 مرة منذ نشأة الأمم المتحدة، منها 51 مرة لصالح “إسرائيل” وتعطيل إحقاق العدالة في فلسطين. وظلّت “إسرائيل” حجر الزاوية في السياسة الأمريكية في المنطقة العربية والإسلامية، وكثيراً ما كانت الولايات المتحدة مستعدةً لمواجهة العالم والإرادة الدولية الساحقة من أجل الإبقاء على “إسرائيل” كياناً فوق القانون.

 

الفصل الخامس: جهود حماس لوقف العدوان وخطة ترامب

  1. سعي حماس لوقف العدوان

منذ اليوم الأول للعدوان، بذلت حركة حماس بالتنسيق مع فصائل المقاومة جهودًا متواصلة – بالتعاون مع الوسطاء – لوقف القتل والمجازر التي ارتكبها الكيان الإسرائيلي بحق الأطفال والمدنيين العزّل، ولوقف التدمير الممنهج لكل مظاهر الحياة في قطاع غزة.

  1. موقف مسؤول في التعامل مع المبادرات

تعاملت المقاومة بمسؤولية وطنية عالية مع جميع المبادرات والمقترحات المتعلقة بوقف إطلاق النار، انطلاقًا من حرصها على مصلحة الشعب الفلسطيني، وسعيها لحقن الدماء وإنهاء المعاناة الإنسانية.

جنَّدَت الحركة كل علاقاتها السياسية لدعم صمود الشعب الفلسطيني، إلا أن هذه الإيجابية اصطدمت بسياسة نتنياهو وحكومته المتطرفة الرافضة لأي مبادرة لإنهاء الحرب، والساعية لفرض مخططٍ يقضي باحتلال القطاع وضم الضفة وتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه.

  1. أجندة نتنياهو وتعطيل جولات المفاوضات

شكّلت الأجندات السياسية لنتنياهو – ومحاولاته التهرّب من مسؤوليته عن فشله المدوي في 7 أكتوبر، وكذلك تهربه من قضايا الفساد التي تلاحقه، وحلمه بتحقيق نصرٍ على المقاومة، وإطالة أمد الحرب لإطالة عمر حكومته – دوافع أساسية لرفضه كل مبادرات وعروض وقف إطلاق النار؛ حتى تلك التي وافقت عليها الحركة بدون تحفظات (كما حصل مع الورقة الأولى للمبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف). وقد ثبت للعالم أجمع أن نتنياهو هو المعطّل الوحيد لتنفيذ كل المقترحات وجولات المفاوضات، بل إنه رفض حتى مقترحاً كان هو نفسه قد طرحه في وقت سابق!

  1. نقض اتفاق وقف إطلاق النار

في كانون الثاني/ يناير 2025، تم التوصل إلى اتفاقٍ لوقف إطلاق النار، لكن نتنياهو انقلب عليه بعد 58 يومًا فقط، ما أكد نيته المسبقة لإفشال أي تسوية يمكن أن تنهي الحرب.

  1. مفاوضات معقدة وصمود سياسي

كانت المفاوضات صعبة ومعقّدة ومتعدّدة المسارات، واجهت فيها حركة حماس ضغوطاً هائلة ومراوغات صهيونية، لكنّ أمانة الحفاظ على الأثمان الباهظة التي دفعها شعبنا ودماء الشهداء أوجبت الصمود والتحرك بمنتهى الحكمة والوعي والحزم للحصول على أفضل الشروط الممكنة، لقد أراد العدو إنهاء الوجود الفلسطيني في غزة وتحطيم المقاومة تماماً، لكن إنجاز وقف إطلاق النار كان ثمرةً مباشرة لصمود شعبنا وتضحياته الهائلة، وليس مِنّةً من أحد.

  1. خطة ترامب لإنهاء الحرب

رغم جريمة الاحتلال باستهداف وفد الحركة المفاوض في قلب الدوحة أثناء مناقشة عرض تفاوضي، في انتهاك غير مسبوق لكل الأعراف الدولية بمحاولة اغتيال وفد تفاوضي في قلب دولة وسيط، إلا أن الحركة واصلت جهودها لإنهاء حرب الإبادة التي يشنها مجرمو الحرب في تل أبيب، وتعاملت بمسؤولية كاملة وجدية مع خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في نهاية سبتمبر 2025.

وقدّمت الحركة رداً يرحّب بما في الخطة من وقف الحرب، ومنع التهجير، وبدء انسحاب قوات الاحتلال بشكل كامل وتدريجي، وإدخال احتياجات قطاع غزة المعيشية ومستلزمات الإعمار، وصفقة تبادل للأسرى الأحياء والجثامين، كما وافقت الحركة على إدارة قطاع غزة من قبل هيئة إدارية فلسطينية (حكومة تكنوقراط) تحظى بقبول وطني ودعم عربي ودولي. أما كافة القضايا ذات البعد الوطني فقد تم إحالتها للنقاش الفلسطيني الداخلي للتوافق حولها على قاعدة المصالح العليا لشعبنا الفلسطيني، ورفض الوصاية والإملاءات الخارجية على قرارنا الوطني المستقل، وقد أكدت الحركة بوضوح أنها لن تسمح بأن يحقق الاحتلال عبر التفاوض ما فشل في انتزاعه بالقوة والإبادة.

  1. الاتفاق النهائي

بعد عامين من الصمود الأسطوري، استطاعت المقاومة الوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار لإنهاء العدوان، وقد تضمّن الاتفاق:

  • إنهاء الحرب وتثبيت وقف العدوان وحرب الإبادة والتجويع.
  • انسحاب قوات الاحتلال من القطاع تدريجيًا حتى الانسحاب الكامل.
  • منع التهجير الجماعي وإفشال أي محاولة لصناعة نكبة جديدة.
  • صفقة تبادل مشرّفة أُفرج بموجبها عن نحو 4,000 أسير فلسطيني، بينهم 486 محكومًا بالمؤبد، و319 بأحكامٍ طويلة.
  • كسر الحصار عن قطاع غزة، والسماح بإدخال المساعدات والاحتياجات الإنسانية تمهيدًا لبدء الإعمار الشامل.

لقد أراد الاحتلال من حربه تهجير الشعب الفلسطيني وإخلاء قطاع غزة وتحطيم الإرادة الفلسطينية وفرض الاستسلام ونشر الميليشيات والفوضى، وهو ما فشل في تحقيقه بفضل صمود الشعب الفلسطيني وقدرة المقاومة رغم اختلال موازين القوى.

 

الفصل السادس: أبرز إنجازات طوفان الأقصى

عامان من الحرب المتواصلة أدت إلى متغيرات كبرى على كل المستويات وفي كل الاتجاهات، وشكلت زلزالًا استراتيجيًا أعاد رسم الوعي العالمي، ومن أهم ما حقَّقه الطوفان:

  1. صمود الشعب الفلسطيني

أثبت طوفان الأقصى أن الشعب الفلسطيني عصيٌّ على الإخضاع والتطويع، لا يعرف الهزيمة ولا يقبل الاستسلام. فعلى الرغم من وحشية الاحتلال وإرهابه، ظلّ هذا الشعب ثابتًا على أرضه، يؤكد بعد أكثر من قرن من الثورات والانتفاضات أنه شعب لا يمكن تجاوزه، ولا يمكن شطب قضيته.

  1. إعادة القضية إلى صدارة العالم

عودة فلسطين إلى قلب العالم: أصبحت القضية مجددًا محورًا سياسيًا وإعلاميًا عالميًا، عادت إلى الأمم المتحدة، وإلى الشوارع الأوروبية والأمريكية، وإلى المنابر الحقوقية، وإلى الجامعات. ولم تعد قضية “حدود”، بل قضية تحرُّر وعدالة وكرامة وإنسانية؛ وذلك بعد أن كادت أن تصبح طيّ النسيان. راهن نتنياهو قبل الهجوم على شطب القضية من خلال عزلها عن عمقها العربي والإسلامي عبر مسار التطبيع، لكنَّ عامين من الصمود والثبات أعادا تقديمها كقضية تحرر وعدالة وكرامة إنسانية، وليس مجرد “نزاع حدود” سياسي عابر.

  1. العزلة الإقليمية والدولية

لم يعد من الممكن لأي نظامٍ أو دولةٍ أن يتعامل مع إسرائيل “بلا كلفة أخلاقية”؛ حيث كسرت الإبادة جدار التطبيع، ورفعت منسوب الرفض الشعبي العربي والإسلامي إلى ذروته، حتى حلفاؤها في الغرب باتوا يواجهون احتجاجاتٍ متصاعدة، وصار الدفاع عن إسرائيل عبئًا سياسيًا وإعلاميًا وأخلاقيًا، وبات حتى حلفاء الاحتلال التقليديون يواجهون مأزقاً أمام شعوبهم الغاضبة من جرائمه.

  1. سقوط أساطير وجود الاحتلال

تهاوت ركائز الأسطورة التي بنى عليها الاحتلال وجوده واحدةً تلو الأخرى، وبرزت الشروخ العميقة في بنية المجتمع الإسرائيلي: بين اليمين الفاشي والتيار المدني، بين المتدين والعلماني، بل بين كل مكونات المجتمع الصهيوني.

  1. سقوط نظرية الأمن الإسرائيلي

أسقط الطوفان نظرية الأمن الإسرائيلية القائمة على الردع والإنذار المبكر ونقل المعركة إلى أرض الخصم، فقد باغتت المقاومة العدو في السابع من أكتوبر، واخترقت خطوطه الخلفية، ما أجبره على مراجعة عقيدته الأمنية والعسكرية من جذورها.

  1. سقوط صورة “إسرائيل الغربية”

حوّل الطوفان الكيان الإسرائيلي من “قلعةٍ للحضارة الغربية” إلى عبءٍ أخلاقي وسياسي على حلفائه، ولم تعد تُرى “إسرائيل” باعتبارها ما يُسمَّى “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”، بل كدولة تمارس الإبادة الجماعية أمام عدسات الكاميرات، وغدت صور الجثث والأطفال الممزقين في غزة هي “الوجه الجديد لإسرائيل”، وتحوّل ملفها في محكمتَي العدل والجنائية الدوليتين من ورق قانوني إلى وثيقة إدانة تاريخية تلاحقها في كل منبر دولي، وبات الدفاع عنها أمام الرأي العام الغربي مهمةً محرجةً، وأصبحت جرائم الاحتلال وصوره الدموية عنوانًا لعزلته الدولية.

  1. إحياء الوعي الجمعي العالمي

فقد أعادت هذه المعركة وما ترتَّب عليها إعادة تعريف المفاهيم، حيث خرجت الملايين تهتف لغزة، تؤكد أن فلسطين ليست وحدها، ولم يعد العالم يقبل تسمية الإبادة “نزاعًا”، ولا الاحتلال “دفاعًا عن النفس”. دخلت كلمات مثل “إبادة” و”استعمار” و”جرائم حرب” إلى خطاب الأمم المتحدة والبرلمانات الغربية، لتصبح فلسطين معيارًا أخلاقيًا عالميًا جديدًا. وباتت القضية مقياسًا للضمير الإنساني.

  1. انهيار وهم “الملاذ الآمن”

هزّ الطوفان فكرة “الملاذ الآمن لليهود” في فلسطين المحتلة، وأظهر أن الكيان عاجز عن إخضاع الشعب الفلسطيني، فتصاعدت الهجرة العكسية وعمّ القلق صفوف المستوطنين؛ إذ أظهر استطلاع لصحيفة هآرتس (12 أيار/ مايو 2025) أن 40% من الصهاينة يفكرون في مغادرة الكيان. كما تفاقمت الانقسامات الداخلية بين معسكرات اليمين الفاشي والتيار المدني، وبين المتدينين والعلمانيين، والسفارديم والأشكناز، ما زعزع الثقة بالقيادة الصهيونية وأدخل المجتمع في أزمة عميقة.

  1. إنجازات ميدانية وإنسانية

مع تنفيذ المرحلة الأولى من خطة وقف الحرب وصفقات تبادل الأسرى، أُفرج عن نحو 4,000 أسير فلسطيني من سجون الاحتلال، من بينهم 486 محكومًا بالمؤبد و319 بأحكامٍ طويلة؛ وهو إنجاز نوعي وانتزاع للحرية بجدارة.

  1. إفشال مسار التطبيع

كشف الطوفان حقيقة الكيان الصهيوني أمام دول المنطقة وشعوبها، كخطر حقيقي داهم يواجهها، لا كشريك سلام وتعايش، ووضعها في صورة ما يريده  الاحتلال من إخضاع المنطقة ودفعها للاستسلام  للهيمنة الصهيونية، ووجّه الطوفان ضربة لمشاريع التطبيع الموهومة، وأثبت عبثيتها، فأعاد الشعوب إلى موقعها الطبيعي في مواجهة الاحتلال، وجدَّد روح العداء الشعبي للكيان، لتعود فلسطين محورًا لوحدة الأمَّة وشعورها الجمعي.

  1. بعث روح الأمة

بعث الطوفان روح الأمل والإلهام في الأمة، مؤكّدًا أن النهوض والعزة والكرامة ممكنة متى امتلكت الشعوب روح المقاومة وثقافة الشهادة والإيمان بعدالة قضاياها.

  1. ترسيخ نموذج الإسلام الحضاري

عزّز الطوفان النموذج الإسلامي الحضاري المعتدل الذي تتبناه حركة حماس، والذي يجمع بين الإيمان والحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، في مواجهة التطرف الصهيوني والعنصرية الغربية.

  1. انهيار السردية الصهيونية

أسقط الطوفان السردية الصهيونية الإسرائيلية، وكشف للعالم الوجه الحقيقي للاحتلال وبشاعته، واضطرّه إلى عزلة غير مسبوقة، منبوذاً على المستويات كافة؛ فلم تعد ادّعاءات “واحة الديمقراطية” و”حق الدفاع عن النفس” و”الجيش الأكثر أخلاقية في العالم” واستدرار عطف العالم عبر “الهولوكوست” قادرة على تبرير الاحتلال ومجازره. لقد أصبحت صور الأطفال المذبوحين والمجازر والدمار الهائل في غزة هي الوجه الجديد لـ”إسرائيل” في وعي العالم، وأُسقط عنها قناع الضحية إلى الأبد، وصارت رواية فلسطين هي الحاضرة، والضمير الإنساني العالمي بدأ يستعيد وعيه.

  1. صعود السردية الفلسطينية عالميًا

عزّز الطوفان السردية الفلسطينية في الإطار العالمي والإنساني، وكسبت مقاومتنا معركة الوعي والتعاطف، لا سيّما لدى مئات الملايين من الشباب حول العالم الذين ربما لم يكونوا ليتعرفوا على القضية الفلسطينية لولا طوفان الأقصى وبطولات المقاومة وصمود الشعب الفلسطيني.

ودخلت مصطلحات مثل الإبادة الجماعية والاستعمار الاستيطاني وجرائم الحرب بقوة إلى الخطاب العالمي عند تناول القضية الفلسطينية، لتصبح فلسطين بذلك معياراً أخلاقياً جديداً يُقاس به صدق الالتزام بقيم العدالة والحرية وحقوق الإنسان.

  1. تصاعد حملات المقاطعة

اتسعت عالميًا حملات المقاطعة الاقتصادية والأكاديمية والثقافية للكيان الإسرائيلي والشركات الداعمة له، حتى بلغت مستوياتٍ غير مسبوقة في التاريخ الحديث.

  1. الملاحقات القانونية الدولية

إن استدعاء الكيان الإسرائيلي إلى محكمة العدل الدولية بدعوى ارتكاب إبادة جماعية – في القضية التي رفعتها دولة جنوب إفريقيا – يؤكد مدى بشاعة الجرائم التي يرتكبها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني. كما أن انضمام دول عديدة إلى هذه القضية  يكشف مدى الغضب العالمي من الجرائم الإسرائيلية، وإن استخفاف “إسرائيل” بالأوامر التي أصدرتها المحكمة وتجاهلها لها يدل على العقلية الإسرائيلية المتعجرفة التي ترى نفسها فوق القانون وفوق المساءلة.

  1. مذكرات اعتقال دولية

إن إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ووزير دفاعه غالانت – كمجرمَي حرب – واستدعاءهما للمثول أمامها، هو أيضاً مؤشر مهم على مسؤولية القيادة الإسرائيلية (والنظام السياسي الإسرائيلي برمته) عن الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني.

  1. تزايد الاعتراف الدولي بدولة فلسطين

تصاعدت المواقف الرسمية التي تعتبر الكيان خطرًا على الاستقرار الإقليمي والدولي، وانكشاف توحشه باعتباره وصمة عار في جبين الإنسانية. وقد عبّرت دول كثيرة عن ذلك بطرق مختلفة – دبلوماسية وسياسية واقتصادية وقانونية – وصل بعضها حدّ قطع العلاقات مع الكيان. كما انطلقت موجة اعترافات دولية بدولة فلسطين؛ من أبرزها اعتراف دول أوروبية كبرى. وخلال طوفان الأقصى انضمَّت إلى قائمة الدول المعترفة بدولة فلسطين كلٌّ من: إسبانيا وإيرلندا والنرويج وسلوفينيا وبريطانيا وفرنسا وكندا وأستراليا والبرتغال وبلجيكا ولوكسمبورغ ومالطا وموناكو والمكسيك وباربادوس وجامايكا وترينيداد وتوباغو وجزر البهاما؛ وبذلك أصبح عدد الدول التي تعترف رسمياً بدولة فلسطين 159 دولة على الأقل.

  1. تفاعل غير مسبوق للشعوب العربية والإسلامية

شهدت حرب الإبادة على غزة تفاعلاً واسعًا وغير مسبوق من الشعوب العربية والإسلامية، تجلّى في موجاتٍ متتابعة من المسيرات والمظاهرات التي عمّت العواصم والميادين العربية والإسلامية ، تنديدًا بحرب الإبادة وتضامنًا مع شعبنا المحاصر، حيث ارتفعت الأصوات مطالِبةً بخطواتٍ رسمية حازمة، وفي مقدمتها الضغط لوقف العدوان، وطرد السفراء، وقطع العلاقات، ومراجعة كل أشكال التطبيع. وإلى جانب الحراك الشعبي، برزت جهودٌ كبيرة وغير مسبوقة في الجمع والدعم المالي والخيري والإغاثي، عبر حملات تبرّع واسعة وإرسال قوافل المساعدات الغذائية والطبية والخيام ومستلزمات الإيواء، فضلًا عن المبادرات المدنية والإنسانية الهادفة إلى كسر الحصار، بما في ذلك تسيير “أساطيل الحرية” ومحاولات إيصال الدعم إلى غزة، في تعبيرٍ حيّ عن وحدة الوجدان والضمير، وإصرار الشعوب العربية والإسلامية على نصرة الحقّ والوقوف مع المظلومين.

 .20التحوّل في الرأي العام العالمي

عمّت العالم عشراتُ آلاف المظاهرات والمسيرات المؤيدة لفلسطين، وكان الكثير منها مليونيَّ العدد. فقد شهدت أوروبا وحدها أكثر من 45 ألف مظاهرة خلال العامين، وشهدت الولايات المتحدة نحو 12,400 مظاهرة خلال الأشهر التسعة الأولى للطوفان، بالإضافة لآلاف المظاهرات في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وأستراليا وآسيا. ولم يعُد الرأيُ العام العالمي يقبل تسمية الإبادة “نزاعاً”، ولا الاحتلال والاستعمار “دفاعاً عن النفس”.

وقد فضحت هذه الحرب نفاقَ الديمقراطيات الغربية التي تساند الاحتلال، ووسّعت دائرة الشك في منظومة قيمها الزائفة. وأظهرت استطلاعات الرأي تحولاً كبيراً في تأييد الشعوب لقضية فلسطين ولمقاومتها، وفي النظرة السلبية للكيان الإسرائيلي؛ فقد ارتفعت نسبة النظرة السلبية لـ”إسرائيل” إلى أكثر من 70% في بلدان كانت تُعدّ معاقل لتأييدها (مثل هولندا وإسبانيا والسويد واليونان)، وتجاوزت 60% في إيطاليا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وبولندا وكندا، وحتى في الولايات المتحدة وصلت هذه النسبة إلى 53% (استطلاع مركز بيو، 3 يونيو 2025). ولعل من اللافت أن استطلاعاً للرأي أجرته مؤسسة هاريس بول بالتعاون مع جامعة هارفارد (ونُشرت نتائجه في أواخر أغسطس 2025) أظهر أن 60% من الفئة العمرية 18–24 عاماً في الولايات المتحدة (جيل ما بعد الألفية Gen-Z) يدعمون حماس في مقابل “إسرائيل”. حدث كل هذا على الرغم من نفوذ الصهاينة الإعلامي الهائل، ومحاولاتهم قمع المحتوى الفلسطيني على وسائل التواصل.

إن هذا الإنجاز لم يكن لشعبنا وحده؛ بل مثّل انتصارًا للإنسانية جمعاء، ولكلّ الأحرار الذين شاركونا آلامنا ووقفوا نصرة لغزة في وجه العدوان الصهيوني. كما أنَّه يُنصِفُ الدول والهيئات التي ساندت حقّنا في المحافل الدولية – وفي مقدمتها جنوب إفريقيا – وسيُسهم في فضح الكيان الصهيوني وتعزيز عُزلته المتصاعدة عالمياً.

 

الفصل السابع: لا يمكن عزل حماس

  1. حركة متجذّرة في النسيج الوطني

تُعدّ حركة حماس مكوّنًا أصيلًا ومتجذّرًا في المجتمع الفلسطيني، وركنًا رئيسًا في نسيجه الوطني والسياسي. فمنذ تأسيسها عام 1987 وهي تنافس حركة فتح على صدارة التمثيل الشعبي، وتتولّى قيادة تيار المقاومة بعد أن اختارت فتح مسار التسوية واتفاق أوسلو عام 1993.

ورغم كل محاولات الاجتثاث والتهميش خلال ثمانيةٍ وثلاثين عامًا، بقيت حماس أقوى حضورًا وأكثر مصداقيةً؛ إذ زادتها التضحيات والاغتيالات التي طالت قادتها صلابةً والتفافًا جماهيريًا واسعًا على المستويات الفلسطينية والعربية والإسلامية والعالمية.

فهي تعبّر عن نهجٍ إسلاميٍّ وسطيٍّ معتدل، متمسكةً بالثوابت الوطنية الفلسطينية، وتوجّه مقاومتها حصرًا ضد الاحتلال، وتؤمن بالشراكة الوطنية وبالاحتكام إلى الإرادة الشعبية عبر الانتخابات الحرَّة أو التوافق الوطني.

  1. شرعية انتخابية ودستورية

فازت حماس بالأغلبية الساحقة في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني في يناير 2006، وهي الانتخابات الوحيدة التي شاركت فيها جميع القوى الفلسطينية؛ فجاءت قيادتها لقطاع غزة بإرادةٍ شعبيةٍ وشرعيةٍ دستوريةٍ كاملة.

ورغم الانقسام، احتفظت حماس بالأغلبية في المجلس التشريعي، ما يمنحها الحق الدستوري في تشكيل الحكومة في غزة والضفة.

وفي ظل تعثّر التفاهم مع سلطة رام الله، واصلت مؤسسات الحكم في غزة أداءها بكفاءةٍ واستقرارٍ نسبيٍّ، إذ تمثل حماس جزءًا طبيعيًا من النسيج الوطني الفلسطيني .

  1. ثبات الخيار الشعبي للمقاومة

تؤكد استطلاعات الرأي الفلسطينية خلال عامي الطوفان أن خيار المقاومة ما زال الرافعة الأساسية لوجدان الشعب الفلسطيني. فحتى في ذروة القصف والمجازر والحصار، ظلّت حماس تتصدَّر المشهد الشعبي، فقد أظهر استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في أيار/ مايو 2025، أن 77% من الفلسطينيين يرفضون نزع سلاح حماس مقابل وقف الحرب. وبلغت نسبة الرضا عن أداء حماس 57%، مقابل 23% عن أداء سلطة رام الله، و15% فقط عن أداء محمود عباس. وفي حال إجراء انتخابات، أشار الاستطلاع إلى أن 68% سيصوتون لمرشح حماس، مقابل 25% سيصوتون لمرشح فتح. وستحصل قائمة حماس على 43% من مقاعد المجلس التشريعي، مقابل 28% لفتح، وهي النسبة ذاتها تقريبًا التي فازت بها عام 2006.

هذه النتائج تؤكد أن الرهان على انفضاض الشعب عن المقاومة أو تراجعه عن دعم حماس رهان خاسر بالكامل.

  1. عزل حماس وهمٌ سياسي

جوهر المشكلة هو الاحتلال الإسرائيلي، وجوهر الحل هو إنهاؤه وتمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه الوطنية.

لا يمكن أن يتحقق الحل عبر شروطٍ تُريح الاحتلال وتضمن بقاءه، كما لا يمكن معاقبة الضحية ومكافأة الجلاد.

إن محاولات عزل حماس تتناقض مع حق الشعوب في المقاومة المسلحة وحقها في اختيار ممثليها بحرية، كما تتناقض مع الأعراف السياسية التي تحتم على الدول التفاوض مع قوى المقاومة لا استبعادها.

وعليه، فإن مشاركة حماس في التمثيل الشعبي والقرار السياسي حقٌّ أصيلٌ لا يقبل الوصاية الخارجية، ولا يمكن فرض أي بديل فوقي على إرادة الشعب الفلسطيني.

 

الفصل الثامن: أولويات المرحلة

إنّ فلسطين وغزة اليوم بحاجة إلى رؤية وطنية شاملة تعيد بناء الحياة بكرامةٍ وسيادة. فالمستقبل الذي نريده يبدأ من الوعي بأن ما تحقق في الميدان يجب أن يُستكمل في السياسة والمجتمع والإدارة، حتى تثمر تضحيات الشعب الفلسطيني بناءًا وازدهارًا واستقلالًا.

  1. تحقيق الانسحاب الكامل والإعمار
  • تحقيق الانسحاب الكامل للعدو من قطاع غزة.
  • متابعة إطلاق سراح جميع الأسرى من سجون الاحتلال.
  • كسر الحصار نهائيًا، وإدخال جميع احتياجات القطاع دون قيود وفتح جميع المعابر.
  • إطلاق عملية إعادة إعمار شاملة وفعَّالة، ومتابعة تقديم كل ما يحتاجه قطاع غزة من رعاية ودعم، وتنفيذ برامج إغاثة عاجلة لتوفير المسكن والغذاء والماء والدواء لأهالي القطاع.
  1. إدارة وطنية مستقلة لقطاع غزة

إدارة قطاع غزة شأن فلسطيني خالص يتولاه الكلّ الوطني؛ ودون إقصاءٍ لأيّ مكوّن، والإصرار على قرارنا الوطني الفلسطيني المستقل. فشعبنا الفلسطيني من أغنى شعوب العالم بالطاقات والخبرات والكفاءات، ويمتلك كل مقومات إدارة شؤونه بنفسه. وإن محاولات فرض وصاية سياسية عليه من أي جهة كانت مرفوضة، ولا يمكن اعتبارها إلا شكلاً من أشكال الاحتلال. ولن يكون مستقبل غزة إلا بإرادة فلسطينية مستقلة وبمشاركة جماعية من كافة مكونات شعبنا، بعيداً عن أي وصاية.

  1. حماية القدس والأقصى والضفة الغربية

مواجهةُ الخطرِ المتصاعد والتحدّياتِ الوجودية التي يفرضها الاحتلال على شعبنا، عبر مخططاتٍ ممنهجة لتهويد مدينة القدس، والسعيِ لفرض التقسيم المكاني والزماني على المسجد الأقصى المبارك وتغيير هويته ومعالمه، بالتوازي مع ما تتعرّض له الضفةُ الغربية من محاولاتِ ضمٍّ وتوسّعٍ استيطانيٍّ محموم، وتصعيدٍ لسياسات هدمِ البيوت والتهجير القسري؛ بما يستهدف تفريغ الأرض من أهلها وفرضَ وقائعَ استعمارية جديدة، الأمر الذي يوجب توحيد الجهود وتعزيز صمود شعبنا وحماية حقوقه وثوابته في القدس والأقصى والضفة الغربية. 

  1. إعادة ترتيب البيت الداخلي

 إعادة ترتيب البيت الفلسطيني وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على قاعدة الثوابت والمصالح العليا للشعب الفلسطيني، وتفعيل مؤسساتها لتضمّ جميع القوى الفلسطينية، والتهيئة لانتخابات حرة ونزيهة، تشمل الفلسطينيين في الداخل والخارج، في إطار التوافق الوطني، وبما يعيد تفعيل قدرات الشعب الفلسطيني وإمكاناته في مشروع التحرير والعودة.

إنّ تعزيز الوحدة الوطنية حول خيار المقاومة سيفشل كل مشاريع الاحتلال الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية.

  1. عمق عربي وإسلامي وإنساني

تعزيز الالتحام بالأمة العربية والإسلامية وتفعيل البعد الإنساني العالمي لدعم قضية فلسطين.

استمرار الجهود للتواصل مع أحرار العالم الذين وقفوا مع غزة، وتشجيعهم على مواصلة الحراك العالمي ضد الاحتلال حتى زواله.

  1. مواجهة التطبيع

مواجهة التطبيع مع العدو الصهيوني وبيان مخاطره، وتفعيل كل أشكال العمل الرسمي والشعبي لإسقاطه.

لقد أثبتت التجربة أن التطبيع ليس طريقًا للأمن والاستقرار، بل بوابة لمزيدٍ من العدوان على حقوق الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية.

  1. ترسيخ السردية الفلسطينية

الاستمرار في ترسيخ الرواية الفلسطينية وإسقاط السردية الصهيونية في المحافل الدولية.

ويتضمن ذلك توثيق رواية معركة طوفان الأقصى وتخليدها عبر إنشاء مؤسسات وطنية تحفظ الذاكرة الجمعية لتضحيات شعبنا وتصون الحقيقة من التزوير أو النسيان.

  1. المسار القانوني والعدالة الدولية

مواصلة الجهود القانونية لملاحقة الكيان الإسرائيلي وقادته وجنوده على جرائمهم في غزة وفلسطين، وخاصة جرائم الإبادة والتجويع والتهجير.

وتقديم الدعاوى أمام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية والمحاكم الوطنية حول العالم.

فهذه الجرائم لا تسقط بالتقادم، ويجب أن يواجه مجرمو الحرب العواقب أمام العدالة الدولية.

  1. العلاقات الدبلوماسية والدولية

تعزيز العلاقات مع الوسطاء الذين أسهموا في إنجاز اتفاق وقف الحرب، وعلى رأسهم قطر ومصر وتركيا.

وكذلك تعزيز العلاقات الدولية مع الدول الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني مثل الصين وروسيا ، تقديرًا لدورها في كبح تغوّل حلفاء الكيان داخل مجلس الأمن.

 

بكلمة..

إنَّ طوفان الأقصى بالنسبة لنا ولجماهير واسعة في هذا العالم لم يكن حدثاً عسكرياً فحسب، بل لحظةَ ميلادٍ مجيد، وانبعاثَ وعيٍّ حرٍّ لا خداع فيه ولا تزييف؛ وجسرٌ ممدودٌ على إرادةٍ صلبةٍ، ومقاومةٍ متجددةٍ، ويقينٍ راسخٍ، والتزامٍ متينٍ، ووعيٍ عميقٍ، ورؤيةٍ شديدةِ الوضوح، تتطلّع إلى استعادة حقوق شعبنا كلها، واسترداد حريّتنا المسلوبة، وتحرير أرضنا المغتصبة، وتطهير قدسنا، وإقامة دولتنا.

 

وبعد عامين من الإبادة والصمود، تتجلّى روايتنا واضحةً جليّة: شعبٌ لا يُمحى، ومقاومةٌ لا تُهزم، وذاكرةٌ لا تُنسى.

 فلسطين لا تطلب شفقة العالم، بل احترامه لحقّها في الحياة والحرية.

 

وإنّ الدولةَ الفلسطينيةَ المستقلّةَ، وعاصمتَها القدسُ، وعودةَ اللاجئينَ إلى أرضِهم، ليست حُلماً، بل استحقاقٌ تاريخيٌّ وسياسيٌّ يفرضه شعبٌ صمد تحت الإبادة ولم ينكسر.

 

وهذه روايتُنا… باقيةٌ ما بقي في هذا الشعبِ قلبٌ يخفقُ بالحرية.

 

 

https://albaboor.com/ar/wp-content/uploads/2023/10/المقاومة-الفلسطينية-تغنم-مركبة-عسكرية-اسرائيلية-غزة-كتائب-القسام-حماس-طوفان-الاقصى.mp4

الاسل

https://albaboor.com/ar/wp-content/uploads/2023/10/المقاومة-الفلسطينية-من-كتائب-القسام-حماس-غزة-تاسر-جنودا-اسرائيليين-طوفان-الاقصى.mp4
https://albaboor.com/ar/wp-content/uploads/2023/10/المقاومة-الفلسطينية-من-كتائب-القسام-حماس-غزة-تاسر-عددا-من-الجنود-الاسرائيليين-في-مستوطنة-اسرائيلية-طوفان-الاقصى.mp4
https://albaboor.com/ar/wp-content/uploads/2023/10/المقاومة-الفلسطينية-من-كتائب-القسام-حماس-غزة-تحرق-المستوطنات-الاسرائيلية-طوفان-الاقصى.mp4

 

https://albaboor.com/ar/wp-content/uploads/2023/10/المقاومة-الفلسطينية-من-كتائب-القسام-حماس-غزة-تاسر-جنودا-اسرائيليين-طوفان-الاقصى-1.mp4
https://albaboor.com/ar/wp-content/uploads/2023/10/المقاومة-الفلسطينية-من-كتائب-القسام-حماس-غزة-داخل-مستوطنة-اسرائيلية-طوفان-الاقصى.mp4
https://albaboor.com/ar/wp-content/uploads/2023/10/شبان-فلسطينيون-يعتلون-دبابة-اسرائيلية-دمرتها-المقاومة-الفلسطينية-في-غزة-كتائب-القسام-حماس-طوفان-الاقصى.mp4
https://albaboor.com/ar/wp-content/uploads/2023/10/المقاومة-الفلسطينية-من-كتائب-القسام-حماس-غزة-تاسر-جنودا-اسرائيليين-طوفان-الاقصى-1.mp4
https://albaboor.com/ar/wp-content/uploads/2023/10/المقاومة-الفلسطينية-من-كتائب-القسام-حماس-غزة-داخل-مستوطنة-اسرائيلية-طوفان-الاقصى.mp4
https://albaboor.com/ar/wp-content/uploads/2023/10/مستوطنون-اسرائيليون-قرب-غزة-يهربون-من-جحيم-القصف-المقاومة-الفلسطينية-كتائب-القسام-حماس-طوفان-الاقصى-غزة.mp4
https://albaboor.com/ar/wp-content/uploads/2023/10/شبان-فلسطينيون-يعتلون-دبابة-اسرائيلية-دمرتها-المقاومة-الفلسطينية-في-غزة-كتائب-القسام-حماس-طوفان-الاقصى.mp4
https://albaboor.com/ar/wp-content/uploads/2023/10/المقاومة-الفلسطينية-من-كتائب-القسام-حماس-غزة-تاسر-جنودا-اسرائيليين-طوفان-الاقصى-1.mp4

 

https://albaboor.com/ar/wp-content/uploads/2023/10/قائد-قوات-القسام-محمد-الضيف-يلقي-بيانا-ويدعو-الى-القتال-ضمن-معركة-طوفان-الأقصى.mp4

 

 

ابادةارادةالاسرائيليالاسرائيليةالاسلاميةالاقصىالتحريرالصمودالعدوالكيانالمقاومةحربحركةحماسطوفانطوفان الاقصىعامانعامان من الصمود وارادة التحريرغزةفلسطينورقة
Comments (0)
Add Comment