قالت البروفيسورة بسمة مومني، الباحثة في جامعة واترلو في كندا والزميلة البارزة بمركز الحكم الدولي والإبداع إن السلطات الأردنية هي من اعلنت عن محاولة انقلابية، ولكن الرأي العام في الأردن لم يقتنع. وقالت إن العالم عادة ما لا ينتبه للأحداث في الأردن، حيث تغير هذا الموقف وبشكل مثير يوم الأحد عندما أعلنت مصادر إعلامية أن “كيانات أجنبية” ضبطت وهي تحاول “زعزعة أمن الأردن”، وحتى تبدو الأمور أكثر إثارة، علم الأردنيون أن قائد الجيش زار ولي العهد السابق حمزة بن حسين وأخبره عن تقييد استخدامه لمنصات التواصل الاجتماعي وحذره من استمرار التواصل مع أتباعه. واعتقلت السلطات أيضا رموزا من المجتمعات القبلية في الضفة الشرقية من نهر الأردن، وبعضهم عمل مباشرة مع حمزة.
وظهرت نقطة واحدة وبسيطة من كل هذه التحركات وهي: أن البلاط الملكي للملك عبد الله الثاني أراد من الأردنيين والعالم تصديق أن محاولة من نوع ما تمت للسيطرة على السلطة في البلاد. لكن السرد الرسمي سرعان ما تفكك عندما بدأ حمزة وأقارب بعض المعتقلين بدأوا بحكاية نسخهم من القصة على منصات التواصل الاجتماعي. وسرعان ما اكتشف الأردنيون أن تحركات السلطة لم تهدف لوقف محاولة انقلابية أكثر من مقاومة انقلاب في دولة تعاني فعلا من اقتصاد متضرر بسبب الوباء. وكانت الدولة تحاول وبشكل واضح إضعاف شعبية حمزة المتزايدة. فلطالما أعجبت النخبة العشائرية الشرق أردنية بالأمير والذي جسد سحر وأسلوب والده الراحل، الملك حسين. واهتز الأردنيون مرة أخرى عندما نشر حمزة شريطا عبر هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أنكر فيه التهم الضمنية ضده. وأهم من هذا فقد استخدم اللحظة للهجوم واتهام البلاط الملكي بالمحسوبية وسوء الإدارة والفساد. وأظهر في كلامه احتراما للقبائل وعاداتها وتعاطفا مع معاناة المواطن الأردني العادي من الظروف الاقتصادية وإحباطه من عجز الحكومة. وعندما بث حمزة أشرطة أخرى أكد ما كان يشك به الأردنيون وهي أن سمعته هي المستهدفة بالتشوية. وعلى منصات التواصل الاجتماعي بدت الأزمة وكأنها خلافا عائليا أكثر من كونها محاولة لتولي السلطة بدعم قوى أجنبية اكتسبت زخما. فهل يمكن تفسير هذه الملحمة من خلال شعبية الأمير حمزة الذي خطف في السنوات الماضية الأضواء من الملك وولي عهد البالغ من العمر 26 عاما، الامير حسين؟
والجواب هو أن محاولة الدولة تشكيل مسار الحدث والقصة فشلت، وبالتأكيد فقد بدت محاولتها وبوضوح هزيمة للذات. وفي ليلة وضحاها تحول حمزة إلى بطل لدى الوطنيين والإصلاحيين في البلد، وبالتحديد بين الشرق أردنيين الذين سجن حوالي 20 فردا منهم. وعقدت السلطات الأمر أكثر باعتقال باسم عوض الله، العارف السابق بخفايا الحكومة والذي حمله الكثير من الأردنيين مسؤولية سياسات التقشف الاقتصادية التي تبنتها الدولة. وعلى مدى السنوات أصبح اسمه مرادفا للانتهازية والفساد. وزاد دور عوض الحالي كمستشار لولي العهد السعودي محمد بن سلمان وعلاقاتها مع مجتمع رجال الأعمال في الإمارات العربية المتحدة من الارتباك لهذه الخلطة.
ولم يفت المعلقون في الإعلام الفضائي العربي والإسرائيلي أن “الكيانات الأجنبية” الغامضة ربما كانت تشير إلى السعوديين والإماراتيين والإسرائيليين الذين يعملون معا لإعادة تشكيل الشرق الأوسط. واقترح المعلقون أن الدول هذه تحاول إحياء خطة السلام التي اقترحها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أو ما تعرف بـ “صفقة القرن” والتي تهدف لمنح الإسرائيليين الضفة الغربية لتحديد السيادة الفلسطينية والتعاون مع حمزة لهز المملكة من الداخل. إلا أن الأردنيين لم تمر عليهم فكرة تعاون حمزة مع عوض والكيانات الأجنبية. ذلك أن ولي العهد السابق ينظر إليه كوطني ينبع دعمه من الشرق أردنيين الذين تتناقض مصالحهم مع المؤامرة المزعومة.
ودورهم مهم لفهم القوى الفاعلة. ويسيطر الشرق أردنيون على الجيش والمخابرات رغم وضعية الأقلية بسبب تدفق ملايين الفلسطينيين والعراقيين والسوريين. وليس من مصلحتهم والحالة هذه المشاركة في مؤامرة اجنبية تخفف من سلطتهم أكثر. ويعتبرون من أكبر الداعمين لحل الدولتين ولهذا رفض الوطنيون الشرق أردنيين خطة إدارة ترامب وحلفائها من اليمين المتطرف في إسرائيل والتي تعني بالضرورة تطبيق فكرة الوطن البديل في الأردن. كل هذا دفع الدولة لتغيير نبرتها ومحاولتها رأب الصدع داخل العائلة.
وفي يوم الإثنين أصدر حمزة بيانا عبر فيه عن دعمه المطلق للملك. ومن المحتمل ألا تنتهي القصة هنا، وأهم من كل هذا فقد خلقت الدولة صدعا مع الشرق أردنيين الذين ينتظرون الإفراج عن المعتقلين من أفراد قبائلهم. ولن تنسى محاولات تشويه سمعة حمزة والرموز التي اعتقلت، وسيواصل أنصارهم المطالبة بكشف الحقيقة. وسيترك هجوم الدولة على شرف أهم أنصارها عواقب طويلة الأمد.
المصدر: القدس العربي