طالبان بين خبرات الماضي والتراكم الاستراتيجي

د. رفيق إبراهيم أبو هاني

لقد أصبح من الواضح مدى التغير في الخطاب الطالباني من حيث التواصل المحلي والدولي
من الواضح أن الحركة الإسلامية، التي تنتهج في أدبياتها الدعوة للحكم بالشريعة الإسلامية وتطبيق أحكامها حتى إنها لتسمي دولة أفغانستان بالإمارة الإسلامية أنها وعلى مدى عشرين عاما من العمل العسكري والسياسي قد أصبحت من النضج الاستراتيجي ما يؤهلها لقيادة الدولة بشكل جديد، غير ما عهدناه عليها في منتصف تسعينيات القرن الماضي …
يبدو أن الحركة الطالبانية قد أخذت الدروس والعبر من الماضي ومن خلال ما أصابها جراء أخطاء كانت واضحة للعيان، فهي لم تكن تفرق بين إدارة الدعوة وإدارة الدولة، وهذا ما دفّعها ثمنا غاليا وغاليا جدا، فقد أغتيل أبرز قادتها وسيقوا للسجون في غوانتنامو وباكستان وحتى في أفغانستان، وبلغ عدد شهدائها إلى واحد وخمسين ألف شهيد في المعارك الضارية بينها وبين القوات الأمريكية وحلف الناتو من جهة و وبين القوات الأفغانية الموالية للمحتل الغازي على مدى أكثر من عشرين عاما من الكفاح والنضال …
يبدو ومن خلال تحليل الخطاب الطالباني الجديد، الذي يتعلق بكيفية إدارة الدولة وفتح مساحة كافية للحريات السياسية والشخصية وكلامها الجدي عن حقوق المرأة وانفتاحها السياسي على المستويين الإقليمي والدولي، أن هناك تغير استراتيجي واضح في منهجية الحكم الذي تتولاه حاليا طالبان، وإن كان البعض يشكك في ذلك، ولكن السلوك الجديد هو الذي يحكم لا الظنون وأحكام الماضي، وهذا ما يراقبه الجميع حاليا …
إن التراكم الاستراتيجي، الذي حظيت به طالبان من خلال تجاربها في الماضي، ومعرفتها بالبيئة الاستراتيجية الداخلية والخارجية لأفغانستان قد أعطاها الدروس العميقة في إدارة الأزمة، وهذا كان واضحا من خلال المفاوضات التي مارسها قادة طالبان في الدوحة، فقد كانت تمارس الدور التفاوضي بكل جدارة واقتدار، وفرضت معادلات سياسية وعسكرية ميدانية وازنة، ولذا فإن تجربة التفاوض الأمريكي الطالبان أتوقع أن تصبح ملهمة لدى كثير من الشعوب والحركات والحكومات لكي تغير من مستوى خطابها تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، فطالبان لم تكن تفاوض على كيفية المحاصصة مع الأمريكان وعلى إعادة انتشار هنا وهناك في الداخل الأفغاني، بل كانت تفاوض على كيفية خروجهم من أفغانستان، وهذا لوحده يعطي درسا لكل شعوب الأرض في التحرر والاستقلال، وألا تعطي الذلة والمهانة في مبادئها وثوابتها، وهذا ما سنراه لاحقا إن شاء الله تعالى …

د. رفيق إبراهيم أبو هاني
محلل وباحث استراتيجي

Comments (0)
Add Comment