المجلس الاقتصادي والاجتماعي الأردني يكشف الوجه الحقيقي للادارة الحكومية في تقريره “حالة البلاد في 2020”
التقرير الرسمي المكون من 944 صفحة يقول: الانجازات المتحققة لم تقدم أثرا ً مباشرا يلمسه الجمهور المجتمع
حكومة الخصاونة عادت إلى المربع الأول في موضوع الإصلاح وأهملت أولويات حكومة الرزاز وطوت صفحة “على خطى النهضة”
القطاع العام متضخم ومؤسسات الدولة تعاني من الازدواجية والتنسيق بين الوزارات غائب او ضعيف وزيادة في فاتورة الرواتب
الاصلاح ضائع والقطاع العام متضخم والتنسيق بين الوزارات غائب وضعيف
لا خطة استراتيجية لضمان تكاملية العمل وتحقيق الاهداف وصناعة وتنفيذ القرارات
الحكومات تعمل دون الاعتماد على استراتيجية وطنية متكاملة عابرة للحكومات المتعاقبة،
عمان- البابور
خلص تقرير رسمي أردني أصدره المجلس الاقتصادي والاجتماعي الأردني بعنوان “حالة البلاد 2020” إلى أن أن القطاع العام الأردني يعاني من التضخم، سواء في حجم الوزارات والمؤسسات والهيئات الحكومية أو من حيث حجم الموارد البشرية العاملة بها.
وكشف التقرير الذي صدر قبل يومين والمكون من 944 صفحة “أن الوزارات ومؤسسات القطاع العام تعاني من الازدواجية والتداخل في تنفيذ العديد من المهام، وضعف التنسيق بين الوزارات وأحيانا كثيرة غيابه لدرجة أن المراجع بشأن خدمة معينة يشعر أن كل وزارة تتبع حكومة مختلفة. اضافة الى ضعف التكاملية في تحقيق الاهداف القطاعية المشتركة، وتضخم الكادر الوظيفي الأمر الذي أدى إلى زيادة في النفقات التشغيلية وفاتورة الرواتب والأجور”.
وقال التقرير: “يكشف تشخيص واقع القطاع العام أن هناك العديد من الهيئات والمؤسسات تقوم بدورها دون الاعتماد على خطة استراتيجية متكاملة لضمان تكاملية العمل الحكومي على المستوى القطاعي، مما أسهم بشكل واضح في صعوبة تنفيذ القرارات والوصول إلى قرارات توافقية مبنية على الحقائق والمعلومات والتخصصية، وإشغال مجلس الوزراء، بأعمال تسيير القرارات الادارية في الوقت الذي يفترض فيه أن يكون تركيزه منصبا على تحديد التوجه الاستراتيجي ومتابعة تنفيذه من خالل مؤشرات أداء لكل وزارة، إضافة إلى رسم السياسات العامة (التنموية، والاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية وغيرها ذات الصلة)، واتخاذ القرارات على المستوى السياسي والاستراتيجي، ومتابعة الاداء الحكومي”.
وأضاف: “يتضح أن هناك غيابا للتكاملية بين الاستراتيجيات والخطط والبرامج سواء على مستوى الاهداف المرجوة أو المشاريع التنفيذية، وهذا أدى إلى عدم وضوح طبيعة دور مجلس الوزراء في السياسات التي ترسمها المجالس القطاعية ضمن نطاق اختصاصها، خصوصا أن مجلس الوزراء في نهاية الأمر هو المسؤول عن آثار تطبيق هذه السياسات.
وقال: “ان الانجازات المتواضعة لا ترتقي لإصالح القطاع العام وتطويره بشكل شمولي وفق الرؤية الملكية وكتاب التكليف السامي لحكومة عمر الرزاز وأولويات الحكومة وفق وثيقة “على خطى النهضة”، إذ لم تقدم الانجازات المتحققة أثرا ً مباشرا يلمسه الجمهور المجتمع والجهاز الحكومي بمكوناته كافة، بالرغم من إجناز عدد من المشاريع والادلة والسياسات التنظيمية. وعند تشكيل حكومة بشر الخصاونة أكد كتاب التكليف السامي للحكومة على البدء بتطوير الجهاز الإداري للدولة، وتنفيذ دراسة مبنية على أسس علمية خلال ثلاثة شهور، وتقديم مطالعات حول إمكانية دمج بعض الوزارات والهيئات، لرفع كفاءة القطاع العام وتحسين مستوى الخدمات وضبط النفقات.
وتضمن رد الحكومة على كتاب التكليف السامي حول محور القطاع العام: “سنقوم بتنفيذ دراسة مبنية على أسس علمية خلال الشهور الثلاثة المقبلة، وتقديم مطالعات حول إمكانية دمج بعض الوزارات والهيئات لرفع كفاءة القطاع العام وتحسين مستوى الخدمة وضبط النفقات”.
وجاء في بيان الحكومة أمام مجلس النواب: “تلتزم الحكومة باتخاذ جميع الاجراءات اللازمة لاعادة الهيبة والالق للادارة العامة الاردنية، ومعالجة الاوضاع غيرالحميدة التي ظهرت أخيرا ّ في القطاع العام، بما يسهم في رفع كفاءة المؤسسات الحكومية، وترشيق أدائها، وتحسين مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين.
واستجابة للتوجيهات الملكية السامية، تعكف الحكومة حاليًا ّ على تنفيذ دراسة مبنية على أسس علمية لهيكلة القطاع العام، والنظر في إمكانية الدمج العلمي لبعض الوزارات والهيئات، بما يسهم في ترشيق الأداء، وتحسين مستوى الخدمات، وضبط الانفاق.
وقد أشارت الحكومة إلى أنها بصدد مراجعة استراتيجية قطاعية تتضمن جميع الجهات والمحاور وبشكل شمولي محدد الصلاحيات ومؤطر زمنيا ومحدد بمؤشرات أداء ومستند إلى تحليل واقع الحال وتقييمه.
وحتى وقت إعداد هذه المراجعة لم يتضح قيام الحكومة بأي إجراءات تضمن استمرارية العمل بأولويات الحكومة السابقة والتزامتها أو بأي مشاريع لاستكمال مسيرة إصلاح القطاع العام، ما يعني العودة إلى المربع الاول في إصلاح القطاع العام بتشتت مكونات إصلاحه وضياعه بين الحكومات، وخير ما يجسد هذا الوضع توجهات الحكومة باعتماد برنامج تنفيذي لها للاعوام (2021-2024 ) بمنأى عن إجراءات الحكومة السابقة.
وتخلص هذه المراجعة التي بدأ إعدادها في عهد حكومة عمر الرزاز وانتهى في عهد حكومة بشر الخصاونة، أن الحكومات ما زالت تعمل من دون الاعتماد على استراتيجية وطنية متكاملة عابرة للحكومات المتعاقبة، وبهذا تطوى صفحة “على خطى النهضة ” التي اقترحتها حكومة الرزاز وكذلك أولويات الحكومة (2020-2021)، لتبدأ الحكومة الجديدة بأسلوب جديد ومقترحات جديدة لتطوير القطاع العام وإصلاحه، ما يعني استمرار حالة التشتت في الوقت الذي ينبغي أن ينشأ فيه كيان حكومي عابر للحكومات ولا يتأثر بتغيرها، ويمكنه أن يتولى تنفيذ خطة وطنية تبنى على الانجازات السابقة.
وقد أثار الملك عبد الله الثاني في لقائه مع كالة الانباء الاردنية في نهاية شهر كانون الثاني 2021 موضوع إصلاح القطاع العام حين قال: “لذا وجهت الحكومة إلى وضع برنامج لتحقيق إنجازات عملية وملموسة لتطوير وتحسين فاعلية جهازنا الإداري. يجب تكريس معايير واضحة للتقييم والاداء، تحفز الابداع والعمل الجاد ولا تسمح للتكاسل، او لقلة لا تؤدي دورها باعاقة الانجاز ويجب وضع برامج تدريب مستمرة، تنمي الكفاءات وتضمن مواكبتها للتطورات، وتعيد الالق إلى جهازنا الإداري، الذي لطالما تمتع بسمعة طيبة، وكذلك يجب تنقية جهازنا الإداري مما علق به من شوائب، مثل الواسطة التي هي ظلم وفساد، ويجب اتخاذ كل التدابير الإدارية والقانونية والاجتماعية
وتوفير الخدمات الالكترونية لتحقيق الفاعلية في الأداء. ولا بد من تعزيز الأدوات الرقابية في مؤسسات الدولة، لضمان أداء فاعل شفاف، يحترم التشريعات ويسير بوضوح نحو الاهداف”.
وقال أيضا: “لنكن صريحين؛ النمو الاقتصادي يحتاج موارد واستثمارات قد لا تكون متوفرة دائما، لكن الاصلاح الإداري لا يحتاج الا إلى إرادة وبرامج وخطط واضحة. وهذه يجب أن تتوفر.. نريد تقديم أفضل خدمة ممكنة لمواطنينا، وعلى كل مؤسساتنا أن تبدأ اليوم قبل الغد، بوضع برامج لتحسين آليات توفير الخدمة للمواطنين، وأن تضع أهدافا محددة متعلقة بسوية تقديم الخدمة ونوعيتها والعدالة في إيصالها، وأن يكون هناك تقييم دوري لمدى تحقيق هذه الاهداف”.
واصدر المجلس في تقريره جملة من التوصيات جاءت على النحو التالي:
يهدف الإصلاح الإداري بوجه عام إلى تنظيم الجهاز الإداري للدولـة، وإجراء تغييرات جوهرية وأساسية في بنية الإدارة وتركيبتها وإجراءات الجهاز، ورفـع كفاءته على أسـس علميـة، ليكون قـادرا علـى الاضطلاع بالمهام والاختصاصـات المحددة له وتقديم الخدمات اللازمة على أفضل وجه وبكفاءة وفعالية.
وعلى هذا الأساس، فالإصلاح الإداري عملية تهدف إلى ترشيد الانفاق وتحسين الاداء فـي مؤسسـات الدولة وجهازها الإداري، وإدخال التغيرات التي تكفل تحقيق هذه الأهداف، لـذلك يعد هذا الإصلاح رافدا لتطوير القطاع العام والإدارة العامة في مهمة الارتقاء بمستوى التنظيم والإجراءات في الجهاز الإداري لتحقيق الكفاءة في الأداء مع التركيز على فاعلية المخرجات والنتائج.
وقد اتسمت السنوات الأخيرة بتطورات وتحديات عديدة كان لها تأثيرات مباشرة على الإدارة العامة والجهاز الحكومي، ومن أهم هذه التحديات اختلاف دور الدولة، والتغيرات البيئية، وتطور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. ولكي يتمكن القطاع الحكومي من مواجهة تلك التغيرات الاقتصادية والتكنولوجية، ينبغي عليه الاستفادة من التطورات الحديثة في الإدارة وتجارب الدول الأخرى في كفيية التعامل مع مثل هذه القضايا الجوهرية.
ويتطلب التعامل مع القضايا التي حدثت على المستويين الاقليمي والعالمي، إحداث تغييرات جذرية في أسلوب الإدارة في الجهاز الحكومي وكفيية تقديم الخدمات، وهذا يستلزم تبني مفهوم حديث لإلصالح الإداري يتلائم مع التغيرات التي يمر بها الجهاز الحكومي، فالمفهوم التقليدي للإدارة العامة لم يعد قادرا على التعامل مع التطورات الحديثة.
وما زال القطاع العام يخطو خطى بطيئة لا تتناسق مع الرؤية الملكية الصالح القطاع العام، وبشكل خاص ما ورد في كتاب التكليف السامي والأوراق النقاشية والاجتماعاتوالتوجيهات الدورية للحكومة، إذ تعد المشاريع والمبادرات التي تعمل عليها الجهات ذات العالقة في تطوير القطاع مبادرات متواضعة وتقليدية، وهي من المهام الأساسية لتشكيل هذه الجهات، والتي تنعكس بشكل مباشر على إصلاح القطاع، فقد تركز دور الجهات على إصدار الأدلة الإرشادية والتعليمات والسياسات دون الخوض في مشاريع تنفيذية تعكس الإصلاح الإجرائي والهيكلي للقطاع، وتمحور عمل وزارات تطوير القطاع العام منذ عام2010 ، حتى بعد إلغاء الوزارة وتكلفي وزير دولة بشؤونها، على إصدار الإدلة والمنهجيات، دون الخوض في كفيية تطبيقها أو إعداد أطر عامة للتطبيق الفعلي ومراقبة وقياس أثر السياسات أو الإدلة، وما زالت الحكومة تمارس إجراءات الهيكلة بدمج المؤسسات كخيار استراتيجي في الهيكلة واتخاذ قرارات الإحالة على التقاعد لموظفي الجهاز الحكومي وبتدرج بحسب سنوات الخدمة، مما سيؤدي إلى إفراغ القطاع العام من منظومة خبرات معرفية تراكمية معتبرة مع الأخذ بعين الاعتبار وقف التعيين لأصحاب الكفاءات مما سيؤثر بشكل كبير على مستوى الجهاز الحكومي. ومن جانب آخر لم تعمل الحكومة على الاستفادة الفعلية من مخرجات المشاريع الدولية الممولة لدعم القطاع العام، مما يعني عودة الجهات الحكومية إلى نقطة البداية في العديد من المشاريع، وتكرار مشاريع التطوير الممولة بقروض أو منح دولية، ويعود ذلك لعدم وجود جهة رسمية تراقب انجاز وتنفيذ الدراسات والمشاريع االستشارية على أرض الواقع.
وعلى ضوء ذلك، يمكن إيراد مجموعة من التوصيات والمقترحات لتطوير الإدارة العامة
للحكومة، وكما يلي:
أولا: إعادة هيكلة الوزارات
المبدأ الأساسي لعملية الهيكلة هو تحديد المهام المتشابهة وجمعها ضمن مؤسسة واحدة بدلا من وجودها في مؤسسات عدة، وهو ما ينعكس في تخفيض عدد مؤسسات القطاع العام ودوائره، وبذلك تتوحد مرجعيات تقديم الخدمة للمواطن، ويقل الهدر في المال العام.
إذ ينبغي العمل على تقليص حجم الحكومة، من خلال إعادة تنظيم الوزارات على مبدأ جمع المهام والأنشطة المتماثلة ومنع الازدواجية دون الإخلال بمبدأ الفاعلية، ويمكن الاستفادة من التجارب الدولية في هذا المجال كتجارب الصين واليابان وبريطانيا، مع ضمان وجود وزارة لإدارة كل قطاع من قطاعات الدولة، ومأسسة هيكلة الوزارات من خلال قانون، كقانون الإدارة العامة مثلا، كي يستقر الهيكل وتوقف التغيرات التي تطرأ عليه مع كل تغيير حكومي.
إن إعادة هيكلة الوزارات تتطلب نقل العديد من المهام إلى المؤسسات التنفيذية المنبثقة عن هذه الوزارات، بحيث يصبح الدور الرئيس للوزارات هو رسم السياسات العامة للقطاع، وإدارة ومتابعة المؤسسات التي تشكل أذرعا تنفيذية لها.
ولا بد أيضا من تعزيز توجه الدولة نحو تطبيق المركزية على مستوى المحافظات والبلديات.
وينبغي العمل على اعتماد معايير إلعادة الهيكلة منها :
أ. أن تكون مهام المؤسسة ذات طبيعة تمكنها من توليد دخل من خلال تقديم خدمات، إقراضية أو تنظيمية أو استثمارية، مثل مؤسسة تنمية أموال الايتام، وصندوق التنمية والتشغيل، مع عدم إبقاء المؤسسات التي تؤدي المهام نفسها، مثل مؤسسة تطوير المشاريع الاقتصادية، وذلك لتخففي العبء على الموازنة العامة للدولة.
ب.الهيئات التي تنظم وتراقب قطاعات محددة بالدولة، مثل النقل بأنواعه، ينبغي توحيدها في هيئة واحدة لكل قطاع يتطلب وجود مثل هذه الهيئات. على سبيل المثال دمج هيئة تنظيم النقل البري، وهيئة تنظيم الطيران المدني، والهيئة البحرية الأردنية، بهيئة واحدة تسمى “هيئة النقل الوطني”. كما يمكن دمج سلطة المياه وسلطة وادي الأردن ضمن وزارة المياه، وهكذا لبقية المؤسسات.
ت. المؤسسات الوقفية، نظرا لخصوصيتها، تبقى مستقلة وتعمل تحت إشراف وزارة الاوقاف، مثل الخط الحديدي الحجازي، ومؤسسة تنمية الأموال الوقفية. إذ اتخذت الحكومة قرارات بدمج هذه المؤسسات، ويتطلب الأمر الرجوع عن ذلك لإبقاء استقلالية هذه الجهات.
ث. هيكلة المؤسسات التي تقوم بمهام استثمارية تمويلية ذات نفع عام (تنموي)، إذ يمكن نقل مهام المؤسسة الأردنية لتطوير المشاريع الاقتصادية لتصبح من مهام صندوق التنمية والتشغيل.
وينبغي أن يتم التوزيع القطاعي للجهاز الحكومي من أجل تحسين عملية رسم السياسات والاستراتيجيات القطاعية وتعزيز مشاركة القطاع الخاص في عملية رسم السياسات العامة، وهذا يتطلب:
- تشكيل مجالس السياسات القطاعية والشراكة ومأسسة عملها لتسهيل عملية المتابعة والتقييم وتعزيز الدور الرقابي للسلطة التنفيذية، ومثال ذلك: مجلس وطني للاعلام، مجلس التعليم العالي، المجلس الأعلى لسياسات الخدمة المدنية وتطوير الإدارة العامة، مجلس السياسات الاقتصادية. وسيشكل هذا التوجه منهجا علميا إبداعيا في العمل الحكومي، إذ سيعزز العمل والانجاز والمسائلة لفرق وطنية تعمل بشكل مؤسسي ومستدام بعيدا عن الفردية والشخصنة، بالاضافة إلى تمكين الدولة من الاستفادة من الخبرات الوطنية، الأمر الذي ينعكس إيجابيا على الكفاءات الوطنية وإدماجها في عملية النهضة المنشودة.
- توحيد المرجعيات وإلغاء الازدواجية في مهام مؤسسات القطاع، ومن ذلك على سبيل المثال: إنشاء المجلس الأعلى لسياسات الخدمة المدنية وتطوير الإدارة العامة. ويختص هذا المجلس باقتراح السياسات المنظمة للقطاع، ويرفعها لمجلس الوزراء لاقرارها، على أن يرتبط برئيس الوزراء أو نائب الرئيس وليس بوزير لأي وزارة.
وينبغي العمل على مراجعة وتوحيد أنماط الحوكمة للمؤسسات والهيئات، وبحث مدى الحاجة لمجالس الإدارة/ مجالس المفوضين، وإعادة النظر بأعداد أعضائها، وتحديد إن إلى التفرغ من عدمه، ومراجعة حجم المكافآت الشهرية والمزايا والنفقات، من خلال مراجعة التشريعات الناظمة لعمل هذه المؤسسات والهيئات والتعديل عليها،
ويمكن في هذا الصدد تعزيز فكرة المجالس التي تأخذ الصبغة المؤسسية، وتطوير آليات عمل المجالس الوطنية، ومنها على سبيل المثال المجلس الوطني للسياحة الذي يمكنه أن يكون بديلا لهيئة تنشيط السياحة بعد نقل بعض مهامها لوزارة السياحة.
وبهدف تعزيز الحوكمة، وترشيد القرار الحكومي، ينبغي على الحكومة أن تقوم بما يلي:
إعداد مؤشرات أداء متخصصة لكل مؤسسة لتعكس واقع ونتائج أعمالها، يتم حسابها )ثلاث مرات كل عام) ، ويجري التقييم لكفاءة وفعالية الإدارة العليا والوسطى دوريا ّبناء عليها.
إلزام جميع أصحاب القرار في الوزارات والمؤسسات والدوائر والهيئات وغيرها (الوزراء، ورؤساء المجالس، ورؤساء السلطات، والرؤساء التنفيذيون، والأمناء والمديرون العامون، والسفراء، والمحافظون ( بتحقيق مؤشرات الأداء المرسومة لكل مؤسسة وفق اختصاصه، ومحاسبتهم على ذلك. وهذا يعني اقتران تجديد عقود التعيين أو قرارات التعيين بتحقيق رسالة المؤسسة وأهدافها، وتحقيق مؤشرات الأداء تلك.
إلزام ومحاسبة الإدارة العليا في كل مؤسسة وشركة مملوكة للحكومة بتحقيق مؤشرات الأداء المرسومة، وتحميلها المسؤولية الكاملة عن أي قرار أو إجراء أو سلوك يخل بتحقيق تلك المؤشرات، ويكون الحساب سواء بالعقاب أو الثواب نهاية كل سنة مالية، مع ربط تقييم الأداء كليا بتلك المؤشرات.
إن تحمل الإدارة العليا والوسطى بالمؤسسة للمسؤولية إلى جانب حتمل أصحاب القرار، هذه المسؤولية جنبا ّ إلى جنب، يعد حجر الزاوية في اتخاذ القرار الحصفي بالتشارك، وليس بالسلطة لصاحب القرار الأول (للقائد)؛ فعندما يتحمل الجميع نتائج القرارات،ويكون واضحا لكل الأطراف بأن العقاب أو الثواب هو مصير كل من يساهم في القرار، وستتوازن عملية التنسيب للقرارات من الصف الأدنى بالسلم الوظفيي وصولا إلى قائــد المؤسسة، وبهذا تعزز الرقابة الذاتية والحاكمية المؤسسية، ويحافظ على إدارة المال العام وموجودات المؤسسة أو الشركة.
ثانيا: هيكلة الموارد البشرية
التحدي المالي الذي تواجهه الدولة بسبب جائحة كورونا، يجعل الحكومة ملزمة أكثر من أي وقت مضى بالاستجابة لتحقيق الرشاقة المؤسسية في جميع مجالات عملها؛ وهذا يعد من أهم الأمور التي تؤهل أجهزة القطاع العام لتكون أكثر مرونة وفاعلية وبأقل التكالفي ولا يمكن مواجهة هذا التحدي بوجود جهاز إداري ضخم وإنتاجية متدنية. وعليه، فإن التوصية في هذا المجال تتضمن إجراءات من أهمها:
حصر جميع الموظفين الذين استكملوا شروط استحقاق راتب التقاعد المبكر أو الاستيداع، وتقييم أدائهم من لجان تقييم محايدة يشترك في عضويتها مندوبون من ديوان الخدمة المدنية أو ديوان المحاسبة أو خبراء تقييم يقررهم مجلس الوزراء.
يستثنى من الإحالة على التقاعد شريحة الموظفين ذوي الأداء العالي (أعلى من المستوى المطلوب)، شريطة أّلا تزيد نسبتهم عن 1 %من موظفي الدائرة، وأن تقدم الدائرة معززات تثبت ذلك مع تنسيب من لجنة التقييم المعتمدة، وأن يستمر هؤلاء بالعمل حتى إكمال السن القانونية 60 سنة للرجل و55 سنة للمرأة مهما بلغت سنوات خدمتهم.
تعزيزا لسياسة تخفيض أعداد موظفي القطاع العام، يمكن للحكومة إصدار قرارات بمنح موظف القطاع العام، بمن في ذلك أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الرسمية، الحق في الحصول على إجازة دون راتب للمدة التي يطلبها، وكذلك منح الموظف الحق في الحصول على إعاره لمدة لا تقل عن 10 ّ سنوات لاي جهة خاصة أو عامة، داخل المملكة أو خارجها. كما يتطلب الأمر إعادة توزيع موظفي القطاع العام وفقا للاحتياج الحقيقي للعاملين، ووضع خطة تأهيلية لذوي الأداء المتدني للاستفادة منهم في تعويض وقف عملية التوظفي لمدة لا تقل عن عامين، باستثناء الخبرات النادرة التي تتطلبها عملية التطويروالابتكار في أعمال الحكومة. وهنا يمكن الاستفادة من الكفاءات الوطنية النوعية المهاجرة، والتي قد تعود للوطن بسبب ظروف المرحلة، لرفد القطاع العام بخبرات نوعية في الابتكار والتميز المؤسسي.
ثالثا : التميز والابتكار
ضرورة دعم مركز الملك عبد الله الثاني للتميز ليكون الذراع التقييمية للحكومة في تطبيق أفضل الممارسات، وعد تقارير التقييم التي يصدرها المركز من خلال فئات جائزة الملك عبد الله الثاني للتميز والشفافية تقارير تصحيحية تعمل الحكومة على معالجة الملاحظات الواردة فيها لضمان وتيرة عمل المؤسسات وفق منهجيات التميز المعتمدة والتي ستدعم جميع خطط الإصلاح من خلال بذل الجهات الحكومية جهدا ذاتيا إلجناز التطوير والتحسني المستمر. ويجب أن ينظر إلى المركز على أنه مركز تخصصي مهني في مجال التميز والابتكار، لتقديم المشورة عبر التقييم وفق أسس علمية واستنادا إلى أفضل الممارسات العالمية.
رابعا: الحوكمة المؤسسية في القطاع العام
ضرورة إيلاء الحوكمة المؤسسية الاهتمام والتركيز الأكبر ضمن ترسيخ إجراءات وعمليات مطبقة على أرض الواقع من خلال تطبيق إطار حوكمة مؤسسي موحد للقطاع العام وفق “أداة تقييم وتحسين ممارسات الحوكمة” GAIT الذي أعدته الحكومة سابقا، بهدف تعزيز ثقة المواطنين بالدولة ومؤسساتها من خلال تحقيق زيادة نسبة رضا المواطن عن الخدمات التي يقدمها القطاع العام، وتحقيق مبدأ
المحاسبة والمسائلة من خلال الالتزام بالقوانين والانظمة، وتحقيق مبدأ النزاهة والعدل والشفافية في استخدام السلطة وإدارة المال العام وموارد الدولة، وتحقيق تكافؤ الفرص بين المواطنين، وتطوير الأداء المؤسسي، والمتابعة والتقييم بشكل مستمر.
إن تنفيذ هذه التوصيات ينسجم مع التوجيهات الملكية للحكومة السابقة، وهو ما تضمنه أيضا كتاب التكليف لحكومة بشر الخصاونة، إذ جاء فيه: “كما لا بد من البدء بتطويرالجهاز الإداري للدولة، وتنفيذ دراسة مبنية على أسس علمية خلال الشهور الثالثة القادمة، وتقديم مطالعات حول إمكانية دمج بعض الوزارات والهيئات، لرفع كفاءة القطاع العام وتحسين مستوى الخدمات وضبط النفقات”.
ومن التوصيات أيضا:
- التأكيد على ضرورة وضع إطار عمل متكامل لتطوير القطاع العام تكون مرجعتيه رئيس الوزراء من خلال مجلس أعلى لتطوير القطاع، وأن يقوم المجلس الأعلى لتطوير القطاع العام بتنفيذ خطة وطنية شاملة محددة بمؤشرات أداء استراتيجية ويبني مشهدا متكاملا للجهاز الحكومي، ويشرف على التوجهات الاستراتيجية وتحديد المسؤوليات، وأن يقوم بإقرار استراتيجيات الجهات ذات العالقة لضمان المواءمة وتكاتف الجهود وعدم الازدواجية، وأن يتم تصميم مؤشرات تحاكي مؤشرات التنافسية العالمية والتقارير الدولية ذات العالقة، إذ إن تشكيل اجنة منبثقة (حاليا( من مجلس الوزراء لا تكفي لإدارة مشروع وطني متكامل.
- التأكيد على العمل على بناء نظام معلومات لأداء الحكومة، يتم من خلاله توثيق الاستراتيجيات ومؤشرات الأداء ودورية التدقيق على الجهات الحكومية حول مدى الالتزام بتنفيذ الاستراتيجية ومتابعة مؤشرات التنافسية والتقارير العالمية.
- إطلاق برنامج قيادات الأردن الحكومية ضمن أفضل الممارسات بالشراكة مع بيوت الخبرة العالمية والاقليمية ليكون برنامجا معتمدا وبإطار قانوي يتخلله التقييم العلمي والتطبيقي ويتضمن شهادات مهنية في القيادة تضمن اجتياز القائد الإداري للبرنامج.
- إصدار تشريع متكامل يعكس السياسة العامة والتوجهات الوطنية لاعداد القيادات الحكومية.
- بناء منظومة ممكنات تعنى بالموارد البشرية والتحول الرقمي وممكنات حوكمة المؤسسات الحكومية، ومراقبة نسب الالتزام بالميزانيات المعتمدة وفق المؤشرات العالمية.
- التأكيد على ضرورة معالجة آليات اختيار القيادات الإدارية المتمثلة بالامناء العامين والمديرين العامين، وتطبيق أفضل الممارسات بشفافية وعدالة.
- ضرورة مراجعة المهام والمسؤوليات المناطة بوزير الدولة لتطوير الأداء المؤسسي والمعني بملف تطوير القطاع العام، وتعزيز الدور الاستراتيجي للحكومة في مجال تطوير القطاع العام.
- التأكيد على مراجعة مهام ّ ومسؤوليات كل من ديوان الخدمة المدنية ومعهد الإدارة العامة وإدارة تطوير الأداء المؤسسي، لضمان تكاتف الجهود والانجاز والكفاءةـ، والحد من الازدواجية والتشابه في المهام.
- دعم معهد الإدارة العامة ليكون الذراع الاستشارية للحكومة وعدم اعتباره مزودا للتدريب الحكومي التقليدي، وأن يتم بناء إطارة التشغيلي وفق معايير القطاع الخاص ليقدم خدماته الفنية والاستشارية بكفاءة، بهدف كفاءة الانفاق الحكومي في مجال التدريب واالستشارات، وإسناد مهمة إعداد الإدلة الارشادية والمنهجيات وغيرها والتدريب عليها إلى معهد الإدارة العامة، لكونه المعني برفع القدرات المؤسسية في الحكومة والجهاز االستشاري للحكومة بحسب نظام المعد. إذ جاء في المادة (4-أ): “يقدم المعهد خدمات الدراسات والاستشارات الإدارية لمؤسسات الدولة المختلفة، ويزود المعهد الجهات المستفيدة بالحلول المناسبة لدعم متخذي القرار لتطوير الأداء على المستويين الفردي والمؤسسي، من خلال حزمة من االستشارات والدراسات”.
- إنشاء مكتب لإدارة المشاريع الحكومية، يعنى بإدارة مشاريع استراتيجية تطويرالقطاع العام واستراتيجية التحول الرقمي ومتابعة انجازها.
- إخضاع جميع موظفي الفئة العليا من أمناء ومديرين عامين ومستشارين لمعايير جائزة أفضل أمين عام / مدير عام والمنبثقة من مركز الملك عبد الله الثاني للتميز، على أن يكون ذلك إجباريا لكل شاغلي الفئة العليا.
- تطوير مشروع إعادة الهيكلة ليكون شاملا لجميع محاور إعادة هيكلة القطاع العام (إعادة مراجعة الاهداف المؤسسية والمسؤوليات والمهام، وهندسة الإجراءات، وغيرها(. لتكون النتيجة النهائية في إجراءات دمج المؤسسات أو إلغائها وإعادة توزيع الموظفين وفق الكفاءات والخبرات التراكمية المتوفرة في الجهاز الحكومي بحسب الحاجة، والتي ستظهر أثناء عمليات إعادة الهيكلة.
- إنشاء مختبر السياسات الحكومية ليكون داعما في إنجاز السياسات وتقييمها وفق أفضل الممارسات، وبهدف تفعيل دور المجتمع وإشراك الافراد والخبراء في وضع واقتراح السياسات الحكومية لصنع القرارات في الدولة، نظرا إلى أن الحكومة لا تمتلك الخبرة والتجربة في بعض المواضيع والقطاعات التي لم يسبق تنظيمها.
- العمل على بناء منظومة إدارة المخاطر المؤسسية واستمرارية الاعمال وبناء السيناريوهات، بهدف التعرف على األحداث احملتملة التي قد تؤثر على الأهداف المؤسسية ومهام أجهزة الدولة. وهذا يشمل بشكل خاص منظومة متكاملة للقطاع الحكومي.
- 15. -تفعيل وتطوير وتطبيق نظام الموارد البشرية الموحد، ونشره على مراحل في مؤسسات ودوائر الخدمة المدنية، والاستفادة من البيانات الموجودة في دعم القرار الحكومي.
- تعزيز الثقة في إجراءات الحكومة لإشغال الوظائف القيادية في القطاع العام، وتعزيز الشفافية في اختيارهم، مع الأخذ بعين الاعتبار الالتزام بنظام إشغال الوظائف القيادية، وإجراء عمليات الاختيار لعموم المتقدمين لضمان النزاهة، وفتح مجال الاعتراضات على الترشيحات من المتقدمين والتي ينبغي أن تعرض على لجنة حيادية يديرها القضاء.
- تكلفي مركز الملك عبد الله الثاني للتميز لتقييم الجاهزية للعمل عن بعد في القطاع العام، والاستفادة من مخرجات التقييم ليتم الاستفادة منها في خطط الطوارئ المستقبلية.