الغرب يفقد ورقة الردع الاقتصادي ضد روسيا

بعد تلاشي الردع العسكري في ملف أوكرانيا.. الغرب يفقد ورقة الردع الاقتصادي ضد روسيا

يقف الاتحاد الأوروبي مكبلا أمام التحديات الكبرى التي تواجهه في أوكرانيا، حيث لا يمتلك أي ورقة لردع موسكو، فهو لا يستطيع مواجهة روسيا بعقوبات اقتصادية بعدما استعدت بشكل كبير ولا يستطيع التلويح بالحل العسكري نظرا للتفوق الذي يتمتع به الجيش الروسي.

وشهد الملف الأوكراني المنعطف الأول الخطير بعد قرار موسكو الإثنين الاعتراف رسميا بالإقليمين المنفصلين دونيتسك ولوغانسك عن أوكرانيا، وتوقيع اتفاقية السلام والدفاع معهما كمقدمة للتقدم في الأراضي الأوكرانية. ويضاف الى هذا المنعطف تصريح الرئيس فلاديمير بوتين بأن أوكرانيا جزء من تاريخ وهو ما يعني وجود مخطط لاستعادة أجزاء أخرى من أوكرانيا مستقبلا، ثم التركيز بقوة على ضرورة استعادة الوضع العسكري في أوروبا على ما كان عليه الحال سنة 1997، وهذا يعني الاستمرار في استراتيجية التخويف لتغيير الأوضاع.

ولم يعد الغرب وخاصة الاتحاد الأوروبي يمتلك أي ورقة ردع ضد سياسة روسيا الجديدة، ولا يمكن الحديث نهائيا عن الحل العسكري بل يعد من باب المستحيل نظرا للقوة العسكرية الروسية.

وأمام غياب الردع العسكري، يتم التركيز على الردع الاقتصادي. في هذا الصدد، كشف بوتين وأعضاء آخرون خلال نقل أشغال مجلس الأمن القومي يوم الاثنين من الأسبوع الجاري استعداد روسيا لمواجهة كل العقوبات الاقتصادية المرتقبة. وتعد ورقة العقوبات الاقتصادية سلاح الردع الوحيد أمام الغرب في الوقت الراهن.

ويفهم من العقوبات الاقتصادية هو ضرب اقتصاد دولة بوقف الاستثمار ووقف أو التقليل من الواردات والصادرات ومحاولة التأثير في الوضع المعيشي والصحي كما حدث مع بعض الدول وعلى رأسها الحصار الذي تعرض له العراق طيلة سنوات وخلف ضحايا بعشرات الآلاف. غير أن هذه الاستراتيجية تبقى غير مجدية مع دولة كبرى مثل روسيا للأسباب التالية:

  • – في المقام الأول، العقيدة التي تحرك القيادة الروسية وجزء هام من الشعب هي التضحية من أجل تأمين الأمن القومي للبلاد حاليا وخلال العقود الأخيرة. إذ يتم اعتبار الملف الأوكراني وما سيترتب عنه من هدف رئيسي وهو العودة الى الوضع العسكري في أوروبا سنة 1997، أهم هدف يمكن تحقيقه من طرف الجيل الحالي لمستقبل الأجيال المقبلة. وكان بوتين دقيقا في الحديث عن هذه النقطة عندما قال “إذا تهاونا الآن في حماية أمن روسيا سيقول أحفادنا كيف تصرف أجدادنا”.

– في المقام الثاني، رغم أنها لا تعد ضمن الاقتصاديات العشر الأولى بسبب افتقارها الى صناعة قوية مخصصة للتصدير مثل السيارات والهاتف والحواسيب والمعدات الطبية، تعد روسيا قوة اقتصادية توفر لشعبها أهم شيء وهو الطاقة حيث تنتج كل ما تحتاجه من نفط وغاز وفحم حجري، ثم الأمن الغذائي، إذ تعد ضمن المنتجين الخمسة الأوائل في الحبوب والحليب واللحوم وأقل في الخضر. وكل عملية حصار أو عقوبات اقتصادية ضد قوة غذائية مثل روسيا لدفع الشعب نحو الاحتجاج والانتفاضة ضد السلطة الحاكمة تبقى بدون تأثير كبير.

– في المقام الثالث، يوجد مستويان من العقوبات الاقتصادية، قوية وهي التي تلوح بها واشنطن ولينة وهي التي يرفعها الاتحاد الأوروبي لأنه لا يرغب في توتر خطير مع موسكو. ويستورد الاتحاد الأوروبي 40 في المئة من صادرات روسيا الخارجية، ويعد الميزان التجاري لصالح موسكو، وبالتالي كل عقوبات غربية تعني تقليص الواردات الغربية وأساسا الأوروبية. لكن في العمق الصورة مختلفة، إذ أن 70 في المئة من أصل 100 في المئة من واردات الاتحاد الأوروبي هي مواد الطاقة النفط والفحم الحجري والغاز. وهذا يعني صعوبة إيجاد بديل للطاقة الروسية في الوقت الراهن. وتصدر روسيا إلى الاتحاد الأوروبي قرابة 150 مليار يورو، منها مئة مليار من الطاقة لوحدها سنة 2021. في المقابل، استوردت روسيا من الدول الأوروبية 87 مليار يورو، أغلبها من المواد المصنعة التي يوجد بديل لها في السوق العالمية وخاصة في الصين. ويعترف الأوروبيون أن عقوبات 2014 بسبب ملف جزيرة القرم انعكست سلبا على أوروبا وليس روسيا لوحدها بل كانوا من الخاسرين أكثر.

ويؤكد الخبراء أن عقوبات اقتصادية غربية تعني إقدام روسيا على فرض عقوبات مضادة. وهنا يبقى التساؤل، هل تستطيع أوروبا التخلي عن الطاقة الروسية؟ الجواب لا، وتجد روسيا في الصين أكبر مستهلك لكل الطاقة، في المقابل لن تجد أوروبا بديلا لأنه لا يمكن تعويض أنابيب الغاز والنفط الروسي بشحنات السفن. من جهة أخرى، هل ستتحمل أوروبا عقوبات روسية بالتقليص من الصادرات؟ الجواب لا، لأنه سيعني ضربة قوية لاقتصاديات عدد من دول أوروبا الشرقية بل وحتى الغربية.

ومن جانب آخر، عملت موسكو ومنذ سنة 2014 على إعادة هيكلة اقتصادها لتفادي تأثير العقوبات. فقد قامت بتخزين العملة الصعبة إلى مستوى يقارب 650 مليار دولار. ثم وجهت اقتصادها نحو شركاء جدد مثل تركيا ودول شرق آسيا علاوة على الحليف الاستراتيجي الصين.

في غضون ذلك، تبقى للولايات المتحدة أكثر من أوروبا ورقة عقاب وحيدة وقد تكون فعالة نسبيا، وهي حرمان روسيا من استعمال الدولار ثم منع النظام البنكي الروسي من استعمال “نظام سويفت” SWIFT الخاص بالتحويلات المالية الذي يستعمله 11 ألف بنك في العالم من 200 دولة. لكن هذا يعني حربا اقتصادية حقيقية، ودفع روسيا الى مزيد من التطرف.

القدس العربي

Comments (0)
Add Comment