المصالحة المستحيلة بين فتح وحماس

لا يمكن الاطمئنان إلى أن حركتي فتح وحماس ستنفذان اتفاق المصالحة بينهما، فمنذ عام 2007 وحتى الآن لم يكن هناك سوى اتفاقات تفرخ اتفاقات، لم تكن أكثر من حبر على ورق، مما يجعل من المصالحة الأخيرة مستحيلا يضاف إلى المستحيلات المعروفة وهي “الغول والعنقاء والخل الوفي”.

كثيرة هي الاتفاقات التي أبرمت في مكة المكرمة والدوحة والقاهرة والتي باءت جميعها بالفشل، منذ غضب سلطة رام الله بزعامة محمود عباس ميرزا من فوز حماس بالانتخابات التشريعية في 2006 ورفض المشاركة في حكومة ائتلافية وبدء فرض الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، ورفض الأجهزة الأمنية “وهي كلها تابعة لفتح” التعاطي مع حكومة إسماعيل هنية، وتشكيل حماس لـ”القوة التنفيذية” كبديل عن الأجهزة الأمنية الرافضة لأداء واجبها، وتزامن ذلك مع حملة اغتيالات واعتقالات لرموز من حماس في الضفة الغربية.

هذه هي خلفية الانقسام بين فتح وحماس، الذي غذاه التحريض الأمريكي الإسرائيلي على رفض نتيجة الانتخابات التي أدت إلى فوز “الإرهابيين”، ودفع سلطة عباس إلى الاختيار بين إسرائيل وحماس، فكان أن اختار “إسرائيل” التي اعتبر أن المفاوضات هي الخيار الاستراتيجي الوحيد وأن التنسيق الأمني معها مقدس، وأنه لا مكان للخيار العسكري والكفاح المسلح أو حتى انتفاضة جديدة ولو بالحجارة. في الوقت الذي تعتبر فيه حركة حماس أن تحرير فلسطين يمر عبر فوهة البندقية.

هذا التباعد الاستراتيجي الكبير بين الطرفين لا يمكن ردمه على الإطلاق، فما يفصل بينهما 180 درجة، فهما نقيضان بالمطلق، مما يجعل أي اتفاق بينهما بلا قيمة من الناحية العملية، وأن المحادثات الطويلة بين فتح وحماس ليست أكثر من مداورة ومضيعة للوقت، ومحاولات وهمية للضحك على الشعب الفلسطيني الذي يعاني من القتل والتشريد والحصار والاحتلال واللجوء والغرق في البحار بحثا عن ملجئ على الأرض.

ما يفرق بين سلطة رام الله بقيادة فتح وحماس مشروعان سياسيان متباينان، المفاوضات والمقاومة، رغم أن مشروع المفاوضات منذ بدء محادثات أوسلو منذ عام 1992 وحتى الآن لم يحقق أي شيء للفلسطينيين، بل تم خلال هذه الفترة تهويد القدس والضفة الغربية وزرعهما بالمستوطنات وتلغيمها بالمستوطنين اليهود، وتحول سلطة أوسلو في رام الله إلى شرطي لحماية الاحتلال، وتواصل الحصار الإسرائيلي الخانق على قطاع غزة لإبادة 1.8 مليون فلسطيني.

في المقابل أثبتت البندقية الفلسطينية في قطاع غزة أن لها الكلمة العليا، وتمكنت من الصمود وتوجيه ضربات موجعة للاحتلال الإسرائيلي وآلته العسكرية، مما أعطى الفلسطيني جرعة من الثقة بالنفس، ومنح البندقية الفلسطينية التي حملتها كتائب القسام وسرايا الجهاد وألوية الناصر صلاح الدين وكتائب أبو علي مصطفى وغيرها من الفصائل مصداقية عالية، أجبرت العدو الإسرائيلي والعالم على الاعتراف بها والتفاوض معها مع أنها “إرهابية” حسب تصنيفهم.

كيف يمكن التوفيق بين المقاومة والرصاص والثورة وبين أطروحات عباس التي لا مكان فيها لأي شكل من أشكال المقاومة، والسؤال الأهم والأكبر: كيف يمكن صناعة توافق فلسطيني مع حقيقة عدم وجود “مشروع وطني فلسطيني جامع”، وللأسف ليس الشعب الفلسطيني حاليا مشروعا وطنيا بأهداف واضحة، وقيادات الفصائل الفلسطينية تتعامل ما يجري دون خطة إستراتيجية تمثل كل الشعب الفلسطيني.

لا أعتقد أنه سيكون هناك أي مصالحة بين فتح وحماس، وبين سلطة رام الله وغزة، فلن يستطيع عباس ترويض حماس والمقاومة الفلسطينية، ولن يكون قادرا على إجبارها على تسليم سلاحها وإخضاعه لسيطرته، ولن يكون قادرا على منع العدو الإسرائيلي من شن حرب على الشعب الفلسطيني، ولن يحقق أي شيء من خلال المفاوضات، وستبقى الاتفاقات بين الطرفين مجرد ذر للرماد في العيون بانتظار جولة أخرى القتال والمفاوضات، وترك الشعب الفلسطيني نهبا للموت والاغتيال والغرق والحصار واللجوء.

مقال نشر في الشرق القطرية في 28 سبتمبر أيلول 2014

لغة الجسد تفضح حالة الاحتقان بين اسماعيل هنية ومحمود عباس
Comments (0)
Add Comment