شهدت الحمدانية العراقية، التي تُعرَف كذلك باسمَي قرقوش وبغديدا، مأساة ليل الثلاثاء – الاربعاء، عندما اندلع ذلك الحريق الرهيب في قاعة أعراس اشتعلت بمن فيها. وهذه المدينة الواقعة في محافظة نينوى، شماليّ العراق، التي كان قد لحق بها دمار كبير، بسبب وقوعها في مناطق سيطرة تنظيم داعش بين عامي 2014 و2017، تحاول العودة إلى الحياة تدريجياً، علماً أنّ أكثر من 40 في المائة من أبنائها المسيحيين لم يعودوا إليها بعد.
وقال عناصر من الدفاع المدني، شاركوا في إخماد الحريق ونقل مصابين إلى المستشفيات، بأنّ “أبرز الأسباب التي أدت إلى هذه الكارثة استخدام الألعاب النارية تحت سقف سريع الاشتعال، الأمر الذي أدّى إلى سقوطه سريعاً، يُضاف إلى ذلك عدم توافر أيّ ممرّات طوارئ للخروج. وهذا ما جعل أسراً بحالها تتفحّم سريعاً في داخل القاعة”. ويوضح هؤلاء لـ”العربي الجديد” أنّ “القاعة تحوّلت في خلال دقائق إلى قطعة من نار سبّبت قتل العشرات”، محذّرين من أنّ “ذلك قد يتكرّر في قاعات أخرى بكلّ محافظات البلاد”.
من جهته، أكد وزير الداخلية عبد الأمير الشمري أنّ القاعة حيث وقع الحريق “تفتقر إلى إجراءات السلامة والأمن”، وأنّ الأدلّة تشير إلى “استخدام الألعاب النارية في داخل القاعة، الأمر الذي أدّى إلى احتراق سقفها وانهياره سريعاً على الموجودين في داخلها”.
أمّا رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، فدعا الوزارات والمحافظات ومؤسسات الدولة كافة إلى اتّخاذ جملة من الإجراءات العاجلة، من بينها “تشكيل لجنة تحقيقية في الحادثة، وإعداد قائمة دقيقة لضحايا الحادثة وذويهم لضمان حقوقهم القانونية والاعتبارية وتعويضهم مادياً، وإعلان الحداد العام في مؤسسات الدولة كافة لمدّة ثلاثة أيام، عزاءً في الضحايا ومواساةً لذويهم وأهلهم”.
وما زال الاستنفار قائماً في المنطقة حيث تنتشر فرق أمنية وعسكرية وإغاثية وطبية، علماً أنّ حكومة إقليم كردستان العراق أرسلت مؤازرة. والحمدانية ذات غالبية عربية مسيحية، إلى جانب مكوّنات أخرى من أمثال الشبك والإيزيديين،
يقول كرم ريمون، أحد الناجين من الحريق، : إنّ “من بين الضحايا أقرباء وصلوا إلى العراق قبل أيام للمشاركة في حفل الزفاف هذا” من بين أسباب أخرى، ويشير إلى أنّهم “أتوا من أستراليا والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا ودول أخرى”، علماً أنّ “نسبة كثيرة من أهالي الحمدانية تعيش في البلدان الأوروبية”. يضيف: “لكن للأسف، قُتلوا بسبب الحريق والاستخفاف بأرواح الناس من قبل القائمين على قاعات الأعراس”.
بدورها نجت آمال سركيس من الحريق، وتخبر : أنّ “اللحظات الأخيرة مرعبة”، واصفةً كيف “سقطت أجزاء من السقف على المحتفلين”. تضيف: “وسرعان ما انتشرت النيران في كلّ الاتجاهات، وقد ساعدت الستائر في انتشارها لتلتهم المحتفلين”. وتتابع قائلة إنّ “الجميع أراد الهروب، إلا أنّ انقطاع التيار الكهربائي سبّب ضياع المحتفلين في القاعة. وفي خلال دقائق قضى العشرات”.
من جهته، يقول أثير عماد، مدرّس من مدينة الحمدانية، :” إنّ “المدينة عانت من مشكلات أمنية وتحديات ديمغرافية وصراعات سياسية للسيطرة عليها. وفي خلال سيطرة داعش، دُمّرت بصورة شبه كاملة، واستُحوِذ على منازل المسيحيين وطُردوا وقُتل كثير منهم بأعداد كبيرة. وقد لجأ الأهالي بمعظمهم إلى مدينة عينكاوا في محافظة إربيل، فيما اختارت أسر غير قليلة الهجرة إلى الخارج”.
ويلفت عماد إلى أنّ “الأعراس والمناسبات المختلفة تجمع المسيحيين المغتربين، وتكون عادة فرصة لاستذكار الماضي. لكنّ الموت (بحسب ما يبدو) لا يترك العراقيين أينما حلّوا”، مؤكداً أنّ “عدداً من المسيحيين العراقيين الذين قصدوا العراق لحضور هذا العرس راح ضحية الحريق”.
ويوضح عماد أنّ “المكوّنات العراقية الأصيلة، وهي الأقليات حالياً، تعاني من سوء حظ وقلة حيلة في مواجهات التحديات التي تحيط بهم، وكأنّ لعنة تلاحقهم وتسلب أملاكهم وأرزاقهم وأرواحهم”. ويرى أنّ “الحريق قد يؤدّي، في خلال الأشهر المقبلة، إلى انسحاب عدد من العائلات المسيحية من الحمدانية في اتجاه إربيل، لأنّ المدينة باتت منكوبة”.
العربي الجديد