البابور الموقع العربي

“وول ستريت جورنال” تكشف مداولات إدارة بايدن للهروب من أفغانستان

478

نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريرا أعده مايكل غوردون وغوردون لوبولد وفيفيان سلامة وجيسكا دوناتي قالوا فيه إن خطة الانسحاب الأمريكية من أفغانستان عانت من القصور لأنها قامت على افتراضات لم تتغير مع زيادة التحذيرات من إمكانية سقوط الحكومة في كابول وسيطرة طالبان على البلاد.

ومع تدهور الأوضاع الأمنية في أفغانستان بدأ مستشار الأمن القومي جيك سوليفان بالتساؤل حول الانسحاب الأمريكي السريع. وكان البنتاغون يخطط لإخلاء قاعدة باغرام الجوية لتقليل المخاطر على القوات الأمريكية. ومع وجود أكبر طاقم بالسفارة الأمريكية في كابول بدأت التقارير الاستخباراتية تتوالى عن ضعف في الحكومة الأفغانية. وتساءل سوليفان الذي تشمل مهامه تنسيق السياسة عن حكمة الخروج من القاعدة الجوية.

ومع اقتراب الخروج من القاعدة علق الجيش عملية الإغلاق في 18 حزيران/يونيو حتى تتم دراسة تداعيات ترك أهم قاعدة جوية في البلاد. وفي 22 حزيران/يونيو وقع الرئيس جوزيف بايدن على قرار إغلاقها في 2 تموز/يوليو والإبقاء على قوة عسكرية متواضعة في الميدان. وكان القرار سببا في دفع الولايات المتحدة نحو النهاية المضطربة لعشرين عاما من الحرب مما أثر على رئاسة بايدن.

كان الخروج الأمريكي من أفغانستان هدفا يسعى بايدن لتحقيقه وجعله من شعارات حملته الانتخابية

فقد قامت حركة طالبان باجتياح البلاد وانهارت الحكومة وتركت الولايات المتحدة غالبية الأفغان في خطر وراقب الناس حول العالم مشاهد الفوضى في مطار كابول، وما رافق ذلك من تفجير انتحاري نفذه تنظيم الدولة الإسلامية- ولاية خراسان وخلف 180 قتيلا من بينهم 13 جنديا أمريكيا. ورأت الصحيفة أن دفع إدارة بايدن باتجاه الخروج وضع الجيش والخارجية على طريقين متباينين. فالخروح العسكري السريع تباين مع خطة وزارة الخارجية الحفاظ على وجود دبلوماسي قوي في كابول وبعد رحيل الجنود. وهو ما عكس التفكير الأولي لدى الإدارة وهو أن الحكومة الأفغانية قد تصمد لعدة أشهر أمام طالبان. وبحسب تقديرات امنية فهي قادرة على البقاء لمدة قد تصل إلى عامين. لكن الإستراتيجية هذه لم تكن قادرة على الصمود بعد دخول حركة طالبان كابول. وفي الوقت الذي لعبت فيه عدة عوامل، في الماضي والفترة الأخيرة في دفع الولايات المتحدة للخروج، إلا أن المشكلة كما أشار إليها عدد من المسؤولين هي صعوبة تكيف إدارة بايدن مع الأوضاع في وقت أخذت فيه التقديرات الأمنية تزداد قتامة، وتحذير الجيش من بطء التحرك الأمريكي لمساعدة الحلفاء.

وكان الخروج الأمريكي من أفغانستان هدفا يسعى بايدن لتحقيقه وجعله من شعارات حملته الانتخابية. وبعد إعلانه في نيسان/إبريل عن سحب ما تبقى من القوات الأمريكية، 2.500 بحول 11 أيلول/سبتمبر، رغم توصية عسكريين بالحفاظ عليها لمدة أطول، عبر المساعدون المدنيون عن أمل متعززين بالتقديرات الأمنية حول إمكانية صمود الحكومة في كابول.
وفي الأسابيع الأخيرة غيرت الإدارة من مسارها وأعادت آلافا من القوات للمساعدة في عمليات الإجلاء. ورغم أنها قامت مع الحلفاء بإجلاء أكثر من 124 ألف أمريكي وأفغاني إلا انها تركت 200 أمريكي وعشرات الألاف من الأفغان. وتعهدت الإدارة بمساعدة الذين خلفتهم في أفغانستان بدون تقديم تفاصيل.

أشرف على عملية الخروج من أفغانستان رئيس لديه خبرة في السياسة الخارجية ووزير دفاع أشرف على عملية خروج القوات الأمريكية من العراق

وأشرف على عملية الخروج رئيس لديه خبرة في السياسة الخارجية ووزير دفاع هو لويد أوستن الذي أشرف على عملية خروج القوات الأمريكية من العراق. وفي الجانب المدني سوليفان ووزير الخارجية أنتوني بلينكن اللذان لديهما خبرة طويلة في السياسة وأقل في محاور الحرب.

ويرى رونالد نيومان، السفير الأمريكي السابق في أفغانستان “لم يشكل مجلس الأمن القومي وقيادة الحكومة العليا أو دربت على تنفيذ عمليات معقدة. ووظيفتهم هي وضع السياسات ومراقبتها” و”في هذه الحالة كان فهم التنفيذ ضروريا لصناعة قرارات واقعية ولكنها كانت قاصرة عن تحقيق الأهداف المطلوبة”. ودافع بايدن عن قرار الخروج وإدارته وأن مجلس الأمن القومي حضر لكل السيناريوهات، مضيفا أن الفوضى كانت ستحدث في أي ظرف. ودخل بايدن البيت الأبيض في كانون الثاني/يناير حيث كانت عقارب الساعة تقترب من 1 أيار/مايو وهو موعد الانسحاب الأمريكي الذي اتفقت عليه إدارة دونالد ترامب مع طالبان في العام الماضي. وكان بايدن قد نصح باراك أوباما بأن أفغانستان مستنقع وأن الجيش سيحاول تحديد خياراته.

ورغم إلغاء بايدن عدة قرارات لترامب إلا أنه التزم بموعد الخروج مع أنه مدده لمدة أربعة أشهر، مبررا أن عدم الالتزام بالاتفاق سيزيد التوتر مع طالبان ويعرض حياة الأمريكيين للخطر.

وكان عدد القوات الأمريكية في ذلك الوقت هو 2.500 مع أن العدد الحقيقي هو 3.500، وكانت قاعدة باغرام مهمة كونها مركز شن العمليات الجوية وإدارة الوجود الأمريكي في البلاد.

وقبل إعلان بايدن، شعر المسؤولون العسكريون أنه يريد إنهاء الدور العسكري في أفغانستان. وعندما زار أوستن أفغانستان في آذار/مارس أخبره قائد القوات الأمريكية الجنرال سكوت ميلر أنه يستطيع سحب القوات في شهرين لو طلب منه ذلك. ومع أن الموعد الأولي كان في ذكرى 20 عاما على هجمات 11 أيلول/سبتمبر إلا أن بايدن استمع إلى قرار البنتاغون في تعجيل الخروج. وبعد يوم من إعلان بايدن عن الخروج في نيسان/إبريل زار بلينكن كابول وقدم تعهدات للحكومة هناك بالدعم الاقتصادي والعسكري والإنساني حتى بعد خروج القوات الأمريكية. وكان تأمين السفارة التي يعمل فيها 4 آلاف أمريكي وأجنبي أولوية أثناء عمليات سحب القوات. واتفقت وزارة الخارجية مع الدفاع على ترك 650 جنديا لحماية السفارة ومطار حامد كرزاي الدولي وهو ما أقره المسؤولون في البيت الأبيض. وبعد الاتفاق بدأت السفارة بتخفيض عدد العاملين فيها وبخاصة غير الضروريين. وفي 8 أيار/مايو عقدت وزارة الدفاع اجتماعا للتأكد من أن الخارجية ومجلس الأمن القومي في تناسق تام مع خطط الخروج. وكان الموضوع الرئيسي هو الحديث عن خطة الخروج السريع بطريقة تقلل من المخاطر على الجنود الأمريكيين. وأخبر أوستن ورئيس الأركان المشتركة الجنرال مايك ميلي الحاضرين بمن فيهم سوليفان ونائب وزير الخارجية برايان ماكيون الذي كان يشرف على السفارة في كابول أن القوات الأمريكية ستخرج مع بداية تموز/يوليو باستثناء 650 جنديا لحراسة السفارة. وتم استعراض عملية إغلاق باغرام التي تبعد 40 ميلا عن كابول ومعسكر ديور في هيلمند على “باور بوينت”. وقال مسؤول دفاعي “شعرنا بضرورة حضور الجميع ماديا وإبلاغهم”. وطلبت البنتاغون خططا حول عمليات إجلاء السفارة لكن البيت الأبيض طلب شطبها من الأجندة ومناقشتها في مرحلة أخرى. وفي داخل الإدارة وبين الحلفاء انتشرت مظاهر القلق، فقد طرحت سامنثا باور، المسؤولة عن الجهود الإنسانية في الإدارة، عددا من الأسئلة حول أثر الخروج على المنظمات الأفغانية التي تتعاون مع وكالتها وأنهم قد يجدون أنفسهم وسط النيران. وبناء على تقييم استخباراتي طلب ميلي توقع صمود الحكومة الأفغانية ستة أشهر بعد خروج القوات الأمريكية. وهنا طرح سوليفان في مجلس الأمن القومي أسئلة حول حكمة إغلاق قاعدة باغرام، فقبل أسبوعين من خروج القوات الأمريكية كانت القاعدة ستغلق. وكان البنتاغون يعي مخاطر إغلاق القاعدة الوشيك، ولهذا أجله حتى يتمكن بايدن ومساعدوه من إعادة النظر في موعد مغادرتها، ذلك أن البقاء فيها كان يعني تأخير إخراج غالبية القوات الأمريكية.

وعمل القادة بناء على العدد المقرر الحفاظ عليه وهو 650 جنديا كان عليهم الاختيار بين حراسة السفارة أو المطار الذي اعتقدوا انه مؤهل لعمليات الإجلاء الكبيرة. وبعد اطلاعه على الخطط وافق بايدن على إغلاق القاعدة. وكان العسكريون في أفغانستان يطلبون من السفارة ولعدة أسابيع تخفيض عدد العاملين فيها خشية سقوط كابول بحيث يصبح من الصعب إجلاء من فيها أو حمايتهم. وكانت السفارة تقوم بتخفيض عدد العاملين، حيث أجلت في تموز/يوليو 400 أمريكيا. وبعد يوم من رحيل قائد القوات الأمريكية في أفغانستان الجنرال ميلر، قرر عدد من المسؤولين في السفارة الحديث علانية حول تدهور الوضع الأمني. وحذرت برقية دبلوماسية أرسلت في 13 تموز/يوليو إلى بلينكن وأخرى لوزارة الخارجية من أن سيطرة طالبان على كابول باتت قريبة وأن هناك حاجة لبدء إجلاء الأمريكيين والأفغان في بداية آب/أغسطس. ومع بداية سقوط أول عاصمة ولاية بيد طالبان في 1 آب/أغسطس أكد تقييم أمني أن كابول قد تسقط في غضون أشهر او أسابيع. وقال مسؤول أمريكي “في ذلك الوقت كانت كل الإشارات حمراء”. وعندما بدأت القوات الأفغانية بالتراجع قررت إدارة بايدن استئناف غارات الدرونز. وأرسلت فريقا سريا إلى مطار كابول لمساعدة الطائرات الأمريكية حالة دعت حاجة للصيانة. وقررت الخارجية تسريع الخطوات الـ14 لمنح الأفغان العاملين مع الأمريكيين تأشيرة الهجرة الخاصة والتي تأخذ عملية النظر في الطلب الواحد عامين. وتعرض البرنامج لتوقف بسبب انتشار فيروس كورونا في السفارة مما أدى لنقله إلى واشنطن. ولم يكن سوى 750 طلبا من 20 ألفا في المراحل النهائية. وأعلنت الإدارة عن برنامج جديد لتسريع عمليات نقل الأفغان وعائلاتهم من خلال لجنة مهام خاصة عاملة على مدار الساعة وتم تحضير أول فوج لكي يصل إلى واشنطن مع بداية آب/أغسطس. كما وسعت الخارجية معيار الأفغان المؤهلين للتأشيرة والتوطن في أمريكا وشمل أي شخص عمل مع مؤسسة أمريكية وليس السفارة أو الجيش مما ساهم في الحشود التي تجمعت في مطار كابول.

وقال مسؤولون إن طول النظر في الملفات والطلبات نابع من القيود التي وضعها الكونغرس، كما اقتضى قرار نقل الأفغان لدولة ثالثة أثناء دراسة طلبهم أسابيع حتى موافقة الرئيس. لكن الخطط هذه كانت بناء على التقييم الأمني الذي أعطى الأمريكيين فرصة لإخراج حلفائهم من أفغانستان بدون مخاطر. وكل هذا تغير بعدما بدأت حملة طالبان في 6 آب/أغسطس وسيطرت فيها بسرعة البرق على معظم أفغانستان. وعندها اجتمع المسؤولون لمناقشة الوضع والبدء في الإجلاء حيث حذر بعضهم من أن الانتظار طويلا سيزيد من التعقيدات. وأعدت السفارة خططا لتخفيض طاقمها حيث تم إخراج العشرات من الموظفين. وأرسلت الولايات المتحدة 5 آلاف جندي للمساعدة في عمليات نقل الأمريكيين والأفغان حيث تمركزوا في مطار كابول.

وبدأت أمريكا بالتنسيق مع عدوتها طالبان لتأمين مغادرة الناس. وتفاوض المبعوث الأمريكي في قطر زلماي خليل زاد مع طالبان لكي يبقي مقاتليها خارج المطار مدة أسبوعين حتى تنهي الولايات المتحدة عمليات الإجلاء والانسحاب الكامل. وخلال هذه الفترة كان من المقرر أن يسافر وفد من طالبان والمسؤولين في الحكومة لمناقشة عملية نقل السلطة. ولم يحصل هذا، فقد هرب أشرف غني ودخلت طالبان كابول في 15 آب/أغسطس، وقالت إنها اضطرت للدخول لمنع انتشار الفوضى. وعولت أمريكا عليها الحفاظ على الأمن في محيط المطار.

القدس العربي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار