البابور الموقع العربي

المثل العليا للديمقراطية بالدولة اليهودية في خطر

530

هيئة التحرير/ نيو يورك تايمز
17 كانون الأول 2022

يمكن أن تكون الانتخابات الإسرائيلية دراماتيكية، وقد كانت انتخاباتها الخمس في غضون أربع سنوات مليئة بالمفاجآت السياسية وامور أخرى كانت الأولى من نوعها بما في ذلك انضمام حزب عربي إسرائيلي مستقل إلى ائتلاف حاكم للمرة الأولى. هذه السلسلة من الحكومات الجديدة والعملية المضطربة أحيانًا لتشكيلها هي جزء من تقاليد إسرائيل الفخورة باعتبارها ديمقراطية صاخبة وتعددية.
ومع ذلك، فإن الحكومة اليمينية المتطرفة التي ستتولى السلطة قريبًا، بقيادة بنيامين نتنياهو، تمثل خروجا نوعيا ومثيرا للقلق مع جميع الحكومات الأخرى في تاريخ إسرائيل الممتد لـ 75 عامًا. في حين أن نتنياهو يحظى بدعم الناخبين الإسرائيليين، إلا أن فوز ائتلافه كان ضيقًا ولا يمكن اعتباره تفويضًا واسعًا لتقديم تنازلات للأحزاب الدينية المتطرفة والقومية المتطرفة التي تعرض نموذج الدولة اليهودية الديمقراطية للخطر.
لقد كان هيئة التحرير داعمًا قويًا لإسرائيل ولحل الدولتين لسنوات عديدة، وما زلنا ملتزمين بهذا الدعم. معاداة السامية آخذة في الازدياد في جميع أنحاء العالم، وعلى الأقل بعض الانتقادات الموجهة لإسرائيل هي نتيجة لمثل هذه الكراهية.
لكن حكومة نتنياهو تشكل تهديدا كبيرا لمستقبل إسرائيل – توجهها وأمنها وحتى فكرة الوطن اليهودي. أولاً، يمكن لموقف الحكومة أن يجعل من المستحيل عسكريًا وسياسيًا تحقيق حل الدولتين على الإطلاق. بدلاً من قبول هذه النتيجة، يجب على إدارة بايدن أن تفعل كل ما في وسعها للتعبير عن دعمها لمجتمع تحكمه حقوق متساوية وسيادة القانون في إسرائيل، كما تفعل في دول في جميع أنحاء العالم. سيكون ذلك عمل صداقة يتفق مع الرابطة العميقة بين البلدين.
عودة نتنياهو كرئيس للوزراء، بعد عام ونصف من إقالته من منصبه، لا يمكن فصله عن مزاعم الفساد التي أعقبته. إنه يفعل الآن كل ما في وسعه للبقاء في السلطة، من خلال تلبية مطالب العناصر الأكثر تطرفا في السياسة الإسرائيلية. تضم الحكومة الجديدة التي يشكلها أحزابًا يمينية متطرفة دعت، من بين أمور أخرى، إلى توسيع وشرعنة المستوطنات بطريقة تجعل قيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية أمرًا مستحيلًا، وإلى تغيير الوضع الراهن في الحرم القدسي، وهو عمل يخاطر بإثارة جولة جديدة من العنف العربي – الإسرائيلي، إضافة الى تقويض سلطة المحكمة العليا الإسرائيلية، وبالتالي إطلاق يد الكنيست، الهيئة التشريعية الإسرائيلية، لتفعل ما تشاء، مع القليل من الضوابط القضائية.
ومن المقرر أن تضم الحكومة الجديدة شخصيات مثل إيتمار بن غفير، الذي أدين في إسرائيل عام 2007 بتهمة التحريض على العنصرية ودعم منظمة إرهابية يهودية. وعلى الأرجح سيكون بتسالئيل سموتريتش وزيرا للأمن القومي وهو الذي أيد منذ فترة طويلة الضم الصريح للضفة الغربية، ومن المتوقع أن يتم تعيينه وزير المالية المقبل، مع صلاحيات إضافية لإدارة شؤون الضفة الغربية. أما بالنسبة للنائب في مكتب رئيس الوزراء المسؤول عن الهوية اليهودية، فمن المتوقع أن يسمي نتنياهو آفي ماعوز، الذي وصف نفسه ذات مرة بأنه “فخور برهاب المثلية الجنسية.”
هذه التحركات مقلقة، وعلى قادة أمريكا أن يقولوا ذلك. كان الرد الرئيسي لإدارة بايدن حتى الآن هو خطاب حذر من وزير الخارجية أنطوني بلينكن إلى مجموعة المناصرة الليبرالية J Street في 4 كانون الأول، والذي أعلن فيه أن الولايات المتحدة سوف تتعامل مع السياسات الإسرائيلية، وليس مع الأفراد. لم يتم تشكيل الحكومة الجديدة بعد، لذا فليس من المستغرب أن وزارة الخارجية ليس لديها موقف محدد جيدًا حتى الآن، لكن الإدارة ناقشت بالفعل، وفقًا لتقرير في أكسيوس، كيفية إدارة اجتماعاتها مع أكثر الأعضاء المتطرفين في الحكومة الجديدة والمصالح الأساسية التي يجب التركيز عليها.
هذا النهج يقلل من العواقب المحتملة للتحول في السياسة الإسرائيلية الذي تمثله هذه الحكومة. الحكومة التي توشك على تولي المسؤولية ليست مجرد تكرار آخر للتحالفات غير المستقرة والمتغيرة التي أعقبت الانتخابات الأربع الماضية غير الحاسمة. هذه الائتلافات، مثل العديد من قبلها، غالبًا ما تضمنت أحزابًا دينية أو قومية هامشية، لكنها عادة ما كانت تحت المراقبة من قبل الأحزاب السياسية الأكثر اعتدالًا أو حتى من قبل نتنياهو على مدى السنوات الخمس عشرة التي شغل فيها منصب رئيس الوزراء.
كل هذا مهدد الآن. تتمتع الأحزاب اليمينية بأغلبية مطلقة في الكنيست، فيما نتنياهو، الذي يأمل في أن تنقذه الحكومة الجديدة من المحاكمة ومن السجن المحتمل، بات تحت رحمتهم. من بين أهداف القادة الجدد المحكمة العليا الإسرائيلية والتي، في غياب دستور وطني، عملت على تقييم الإجراءات الحكومية ضد القانون الدولي وتقاليد الدولة الإسرائيلية وقيمها. وسوف يقلل القوميون من هذه السلطة بالتصويت لمنح أنفسهم سلطة تجاوز قرارات المحكمة العليا. ليس من قبيل الصدفة، أنهم اقترحوا أيضًا إلغاء القانون الذي يواجه نتنياهو بموجبه عقوبة محتملة بالسجن.
وكما كتب توماس ل. فريدمان، الكاتب والمحلل في صحيفة تايمز الذي تابع عن كثب الشؤون الإسرائيلية لمدة أربعة عقود، بعد فترة وجيزة من معرفة نتائج الانتخابات: “نحن حقًا ندخل نفقًا مظلمًا. بينما استخدم نتنياهو في الماضي طاقة هذه الدائرة الإسرائيلية غير الليبرالية للفوز بالمنصب، فإنه حتى الآن لم يمنحهم هذا النوع من السلطة الوزارية على الحقائب الدفاعية والاقتصادية الهامة.
هذا ليس مجرد تحول مخيب للآمال لحليف قديم. لطالما كانت العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة علاقة تتجاوز التعريفات التقليدية للتحالف العسكري أو الصداقة الدبلوماسية. لقد صاغت مجموعة من القيم المشتركة بعمق روابط قوية ومعقدة. كان الالتزام بإسرائيل، من حيث أمنها ومعاملتها من قبل العالم، مبدأ لا جدال فيه في السياسة الخارجية والداخلية الأمريكية لعقود، حتى عندما تحدى نتنياهو باراك أوباما علنًا أو احتضن دونالد ترامب. كما قال بلينكن في خطابه، ستلزم الولايات المتحدة إسرائيل “بالمعايير المتبادلة التي أنشأناها في علاقتنا على مدى العقود السبعة الماضية.”
كانت إسرائيل تتحرك بثبات نحو اليمين في السنوات الأخيرة. ويرجع ذلك جزئيًا إلى مخاوف حقيقية بشأن الجريمة والأمن، خاصة بعد أعمال العنف بين “عرب إسرائيل” واليهود العام الماضي. كما أعرب العديد من الإسرائيليين عن مخاوفهم من فشل عملية السلام بسبب عدم الاهتمام بالسلام بين القادة الفلسطينيين، والخوف الذي زادته سيطرة حماس في غزة منذ عام 2007 والشعور بأن قبضة محمود عباس على السلطة الفلسطينية تقترب من نهايتها دون خطة خلافة واضحة.
كما أدى التغيير الديموغرافي في إسرائيل إلى تغيير سياسة الدولة. تميل العائلات المتدينة في إسرائيل إلى وجود عائلات كبيرة والتصويت مع اليمين. وجد تحليل حديث أجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية أن حوالي 60 في المائة من اليهود الإسرائيليين يعتبرون يمينيين اليوم. بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 24 عامًا، يرتفع العدد إلى 70 بالمائة. في انتخابات 1 تشرين الثاني فاز حزب العمل القديم، الذي كان ذات يوم الوجه الليبرالي لمؤسسي إسرائيل، بأربعة مقاعد فقط، ولم يفز حزب ميرتس اليساري بشيء.
تخطط القوى المعتدلة في السياسة الإسرائيلية والمجتمع المدني بالفعل لمقاومة نشطة للتشريعات التي من شأنها أن تحد من صلاحيات المحكمة العليا الإسرائيلية أو حقوق الأقلية العربية أو L.G.B.T.Q. (فئات المثليين). وكل هؤلاء يستحقون الدعم من الرأي العام الأمريكي ومن إدارة بايدن.
مهما كانت ملامح الحكومة الإسرائيلية الجديدة، ستواصل الولايات المتحدة التعامل معها في العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك. لقد ماتت المفاوضات بشأن اتفاق نووي جديد مع إيران، وهو وضع يشكل تهديدًا للأمن في جميع أنحاء المنطقة. مع أن اتفاقيات إبراهام لم تكن بديلاً عن السلام مع الفلسطينيين، فقد أدت إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل والعديد من الدول العربية. هذا تقدم مرحب به، ويمكن للولايات المتحدة أن تلعب دورًا مهمًا في المساعدة على توسيعها لتشمل دولًا أخرى، مثل المملكة العربية السعودية.
في حين أن المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية كانت تحتضر منذ فترة طويلة، فإن مبدأ تحقيق الدولتين في يوم من الأيام يظل حجر الأساس للتعاون الأمريكي والإسرائيلي. تضاءلت الآمال في قيام دولة فلسطينية تحت الضغط المشترك للمعارضة الإسرائيلية له والفساد الفلسطيني وعدم الكفاءة والانقسامات الداخلية. إن أي شيء يقوض المثل الديمقراطية الإسرائيلية – سواء ضم المستوطنات اليهودية أو إضفاء الشرعية على المستوطنات والبؤر الاستيطانية غير القانونية – من شأنه أن يقوض إمكانية حل الدولتين.
يعكس دعم أمريكا لإسرائيل احترام بلدينا للمثل الديمقراطية. ويجب على الرئيس بايدن ونتنياهو بذل كل ما في وسعهما لإعادة تأكيد هذا الالتزام.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار