البابور الموقع العربي

كيف ينظر المجتمع الدولي لعباس بعد الأحداث الأخيرة؟

219

يستبد رئيس السلطة محمود عباس بالشعب الفلسطيني، متجاهلاً موقف ورأي الشارع في سلطته وحكمه، وهي سياسة قديمة جديدة لا يمل عباس من استخدامها ضد شعبه، حيث أن رضا الشارع ليس من أولوياته أو اهتماماته، بينما يتركز اهتمامه الأول على إرضاء المجتمع الدولي والاحتلال (الإسرائيلي) الذي منحه الشرعية والتمثيل الدولي.

وربما تشكل هذه المسألة نقطة ارتكاز خلال فترة حكمه الممتدة منذ 15 عاماً، والتي ظل عباس خلالها متسلحاً بالاعتراف الدولي به رئيساً للسلطة، وبالرغبة الإسرائيلية في استمرار حكمه، متجاهلاً شرعيته الدستورية والانتخابية التي يجب أن يستمدها من المواطن الفلسطيني.

ويبدو أن نقطة الارتكاز المتمثلة في المجتمع الدولي تعرضت لهزة قوية خلال الشهور الأخيرة التي شهدت أحداثاً متسارعة في الأراضي الفلسطينية.

تغيرت نظرة المجتمع الدولي لعباس بعد سلسلة أحداث أهمها إلغاء الانتخابات الذي أفقده شرعيته أمام العالم الذي كان ينتظر تجديد الشرعيات الفلسطينية، ثم معركة “سيف القدس” التي ظهر خلالها عباس مهمشاً وضعيفاً ولاعباً هامشياً، واختُتمت بعملية اغتيال نزار بنات والتظاهرات الغاضبة التي تملأ مدن الضفة الغربية مطالبة برحيله.

المجتمع الدولي بات يدرك أن زمن عباس انتهى وأنه آن الوقت ليغادر المشهد بعدما بات عبئاً على القضية الفلسطينية والشعب والمجتمع الدولي، فمظاهر القمع التي خرجت من الضفة خلال الأسابيع الماضية لم يتمكن العالم من تجاهلها، وعرّضت السلطة لحملة إدانة واسعة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

وزارة الخارجية الأمريكية عبرت عن “انزعاجها الشديد” لاغتيال نزار بنات، مشيرة إلى أن لديها مخاوف جدية بشأن قيود السلطة الفلسطينية على حرية التعبير ومضايقة الفلسطينيين ونشطاء المجتمع المدني والجمعيات.

الموقف الأمريكي شكل رسالة واضحة لعباس، الذي يسعى للعودة إلى الواجهة الدبلوماسية، بعد توتر العلاقة مع البيت الأبيض خلال سنوات حكم ترامب، وفي وقت تضررت فيه صورته أكثر بعد ظهور حماس مدافعةً عن القدس خلال المواجهة الأخيرة مع الجيش الإسرائيلي، ما ساهم في تشويهٍ أكثر لسمعته أمام المجتمع الدولي.

شرعية عباس تأثرت كثيراً بسبب انتهاء ولايته منذ العام 2009، ومنع إجراء الانتخابات، إضافة إلى الاستبداد والفساد اللذين يسيطران على أداء السلطة في كل الملفات.

صحيفة لوموند الفرنسية قالت إن عباس، بإلغائه عدة انتخابات وإطلاقه موجة عنيفة من القمع السياسي، أصبح عقبة أمام تحرير شعبه وفقد بذلك ما تبقى له من شرف ضئيل، وطالبته بالخروج من المشهد السياسي الفلسطيني”.

بتلك المقدمة لخصت الصحيفة الفرنسية افتتاحيتها التي اعتبرت فيها أن وصمة العار التي ستظل تلطخ ميراث عباس اسمها “نزار بنات”.

وخلصت إلى أن عباس، بتعنته ورفضه التنازل عن منصبه، تحول من كاريكاتير مستبد، إلى جائر متمسك بالسلطة الوهمية، التي لا تعدو كونها جهاز دولة بلا دولة وكيانا يرزح تحت الاحتلال، حيث الرئيس حبيس قصره بالمقاطعة في رام الله، لا يخرج منه إلا للقيام بجولات لا طائل من ورائها في الخارج.

وختمت الصحيفة الفرنسية افتتاحيتها بهذا النداء: “السيد عباس حان وقت رحيلك!”.

لوموند لم تكن الصحيفة الوحيدة التي عبرت عن تغيير لافت في نظرة المجتمع الدولي لعباس، والتي يحاول إجراء عملية ترقيع لها حالياً.

صحيفة نيويورك تايمز قالت بدورها، إن موت نزار بنات كشف النزعة السلطوية لدى عباس، ولفتت الانتباه للحكم الاستبدادي المتزايد للرئيس عباس والقمع الصارخ على العملية الديمقراطية وحرية التعبير واستقلالية القضاء والمنظمات غير الحكومية.

وأكدت الصحيفة أن التظاهرات جاءت في وقت محفوف بالمخاطر يواجه عباس، فقد تدنت شعبيته منذ أبريل عندما ألغى انتخابات كانت ستكون الأولى منذ 15 عاما، وتلقى ضربة ثانية في مايو عندما نافسته حركة حماس في غزة بحملة صواريخ ضد (إسرائيل) حيث قدمت نفسها على أنها الحامية للقدس ومؤكدة قيادتها للقضية الفلسطينية، وأعقب الحرب بحملة اعتقالات واسعة لنقاد السلطة في الضفة الغربية.

ومن زاوية أخرى فقد قال كاتبان (إسرائيليان)؛ إن الفعل العسكري في غزة، سيقود لتقويض نهائي للسلطة ومكانة محمود عباس، ما سيدفع لجيل جديد لا يؤمن بالتسوية مع (إسرائيل).

وقالا: “تبين أن عباس هو الشخص الأكثر عزلة في الشرق الأوسط. معزول في السياق العربي العام؛ لأنه لم يتحدث مع الزعماء العرب من أجل تنسيق المواقف حول الأزمة الحالية؛ معزول في منظمته فتح، التي انقسمت بسببه إلى ثلاثة معسكرات، اثنان بدءا بالعمل معا على استبداله قبل الانتخابات، وبصورة أقوى في أعقاب إلغائها.

كما أكدا أن وضعه في م.ت.ف “بائس”؛ فحلفاؤه هم ست منظمات صغيرة وعديمة الحضور الجماهيري، أربع تنظيمات أخرى في م.ت.ف، التي لها حضور في الشارع الفلسطيني، انضمت لمعارضيه أو تبنت مواقف حماس”.

عباس في الحقيقة يحظى بشرعية مؤسساتية لكونه رئيس م.ت.ف، لكنه فقد الشرعية التي تستند إلى انتخابات؛ لأنه انتخب مرة واحدة ووحيدة في 2005.

من الواضح أن المجتمع الدولي والاحتلال أيقنا أن زمن عباس انتهى فعلياً، فقد كشفت وسائل إعلام عبرية، النقاب عن حالة من خيبة الأمل الفلسطينية من أداء الرئيس محمود عباس، مشيرة إلى أنه يواجه أيام حكمه الأخيرة، فيما يستعد المقربون منه لمعركة وراثته، التي تجري خلف الكواليس بصمت.

ولفتت إلى أن الرئيس المسن، أرسل أجهزته الأمنية لقمع المظاهرات بوحشية، وفي رام الله يعدّون السلوك البلطجي دليلا آخر على سلطة آخذة في التعفن بسبب الركود والفساد، موضحة أن استطلاعات الرأي الأخيرة، تدل على أن عباس هو العنصر الأقل شعبية.

وذكرت “هآرتس”، أنه في الوقت الذي يستعد فيه مقربو عباس للحرب على وراثته، وحماس تفحص الظروف، فإن عباس دخل في الأيام الأخيرة من حكمه، منوهة إلى أن “حماس تجد تعاطفا أكبر بكثير في أوساط الفلسطينيين”.

ولفتت إلى أنه “من ناحية (إسرائيل)، الأفضلية الأساسية لحكم عباس؛ هي الاستقرار الأمني النسبي والتنسيق الوطيد مع الأجهزة، فالسلطة تحارب حماس وتضيق على خطواتها لأسبابها الخاصة، وبذلك هي تساعد الجيش (الإسرائيلي) و(الشاباك) على منع العمليات في الضفة، وتحرر قوات كبيرة من الجيش (الإسرائيلي) كي تذهب إلى التدريب، وعباس يتمسك بهذه المقاربة لأنه بذلك يُسَهِّل بقاءه”.

ونبهت أنه من اللحظة التي أنذرت فيها حماس (إسرائيل)، ومنذ أطلقت الصواريخ على المستوطنات في القدس، تم حسم المنافسة مع السلطة لصالحها، مؤكدة أن هذه الخطوة فاجأت السلطة و(إسرائيل) أيضا؛ فقد جاءت متناقضة مع كل التوقعات المسبقة.

ورأت أن الذعر الذي رد فيه رئيس السلطة على المظاهرات، كان استمرارًا مباشرًا للضائقة السابقة التي وُضع فيها عباس أمام حماس، وبعد هذه السنوات الكثيرة في الحكم، ربما في هذه المرة بدأ عباس يفقد ذلك؛ لقد انتهى زمنه حقاً.

 غزة- شيماء مرزوق

الرسالة نت

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار