أم جبر العطار ترهقها الجلسة الطويلة وضجيج السيارات
خبز ورشة دقة أو زعتر إفطار أم جبر العطار
الابتسامة تجلب الحظ وبها تكسب قلوب المارة
في أحد شوارع قطاع غزة الرئيسية تضع أم جبر العطار “٧٢ عاماً” ثمار الفراولة في صينية كبيرة، وتجمعها فوق بعضِها البعض كجبلٍ صغير، قبل أن تصفّ الحبّات الحمراء الطازجة واللامعة على سطح الصينية وفي الواجهة لتجذب بها الزّبائن. ذلك المشهد يتكرّر كل موسم فراولة منذ ما يقارب التسع سنوات كما تقول العطار “للشرق”. تخرج العطار من بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزّة يومياً، حاملةً صناديق الفراولة الطّازجة على عربة، لتستقر بحمولتِها على مفرق شارعي الشهداء وفلسطين في غزّة. يستقبلها جارها صاحب أحد المحال التّجاريّة المجاورة لنقطة بيعِها ويساعدها في تنزيل الصناديق وترتيبها، فعمرها الكبير لم يعد يحتمل ذلك، فتقابله بابتسامة ودعوة.
تقول الحاجة العطار لـ”الشرق”: “قبل فترة أجريت عملية غضروف بسبب الحمل الثقيل الذي اعتدتُ على حمله طوال سنين عمري، مثل الكثير من النساء ميسورات الحال في مجتمعنا، والحطب أكثر ما كنت أنقله من الغابة على كتفيّ ورأسي قديماً، لكنني اليوم لم أعد قادرة على ذلك”. وتضيف: “العمل يا ابنتي ضروري لكل مواطن في غزّة، فالحالة التي نعيشها صعبة جداً، الشباب تتخرج من الجامعات وتبقى بلا وظيفة، ومن كان يمتلك وظيفة فقدها اليوم أو خُصِم من راتِبِه، فبات توفير لقمة العيش كالحفر على الصخر”.
أصابع الحاجة صُبّغت بلون الفراولة الحمراء الورديّ لكثرة ما تنظّم الثّمرات وترتبها لتبدو بشكل جميل، وحين تجوع تصبّر معدتها بحبةٍ أو اثنتين-كما توضح- حتى يأتي الليل وينفذ بيعُها. أما إفطارها، فتتناوله برفقة ابنها وحفيديها، تروي: “أشتري الفراولة من المُزارع صاحب الأرض بمبلغ يقارب 200 شيكل، في تمام الساعة السادسة صباحاً، وفي الطريق إلى غزّة نتناول إفطارنا خبزاً ورشة دقّة أو زعتر”. وتعبر: “الجِلسة الطويلة تُرهقني بالتأكيد وكذلك ضجيج السيارات والمناداة على المّارة، فكلّ من يمرّ أمامي أشير إليه وأطلب منه أن يتذوق ويشتري من الفراولة”. وتصفها دوماً بأنها حلوة كالعسل، وأنه لن يندم أبداً إن اشترى منها.
عُمر أم جبر الذي فاق السبعين لم يكفل لها أن تجلس باقي حياتها وتمضيها في راحةٍ وسكينةٍ ببيتٍ هادئ كسيدات العالم الهادئات البال، فهي تعيش مع ابنةٍ مطلقةٍ وطفليها الذي يعاني الصغير فيهما من أزمةٍ في صدرِه، وكلهم يعيشون في “بيدروم”. وتضيف: “السنوات تمرّ بسرعة، ولم يتبقَّ من العمر قدر ما مضى يا ابنتي، الله يحسن حالنا وخاتمتنا”. وتمضي العطّار يومها تارةً تنادي على المارّة ليبتاعوا من ثمار الفراولة، وأخرى تنادي على حفيديها اللذين تصحبهما معها فيشاكسانها في كثير من الأحيان، وبين هذا وذاك تسبح الله وتستغفره. توضح: “وقت الصلوات أترك الفراولة يهتم بها ويحافظ عليها جاري صاحب المحل الذي أدعو له بالتوفيق دوماً، فهو غير مجبرٍ على مساعدتي أو تعطيل عمله بسببي”.
وتروي: “أذهب للصلاة في المسجد القريب جداً، فيلين ظهري وتتحرّك ساقايَ المتيبستان اللتان تتورمان من طول الجِلسة على الكرسي الخشبي هذا”. إنّ حاجة أم جبر للعمل والإنفاق على ابنتها وحفيديها تجبرها على عدم التوقّف عن العمل، حتى وإن تعبت أو ملَّت، تقول: “موسم الفراولة هو أهم موسم في السنة بالنسبة لي، إنه رزقي الأساس”. أما ابتسامتها التي لا تفارقها، فتقول عنها: “الابتسامة تجلب لي الحظ وتجعلني أكسب قلوب المارّة، لقد بات الكثيرون يعرفونني ويحبونني ويشترون مني دوماً حتى وإن كان سعر الفراولة التي أبيعها أغلى بقليل من أسعار الفراولة التي تباع في أماكن أخرى”.
وتضيف: “المهم أن العابس لا يحبّه الناس بل ينفرون منه”. لكن أكثر ما يؤذيها كثرة مشكلاتها مع البلدية، قديماً وحديثاً، وذلك حين تطلب منها ترك المكان، لأنه ليس مخصصاً للبيع -وفق حديثها- في حين ترى أن سرّ رزقها وحياتِها يكمن في ذلك المكان. ألوان أصابع الحاجة أم جبر المصبوغة بلون ماء الفراولة الحمراء لوّنت قلبي بكل ألوان الحبّ وأنا أمرّ بسيارة الأجرة من أمامِها فاستدعت قلبي للنزول والحديث معها، وكم كانت ابتسامتها جميلةً وحديثها العفوي طيباً وهي تهشّ الفراولة خشية أن تغزوها ذبابة. طابت لي ثمراتُها فاشتريت بعضاً منها، ثم سلّمت عليها وودّعتها وأخبرتها أنها ستُزيّن صحيفة “الشرق” هذا اليوم.
غزة – حنان مطير
المصدر: الشرق