البابور الموقع العربي

صاندي تايمز: كل الأشرار كانوا يحملون “عوزي” واليوم كل المستبدين يبحثون عن بيغاسوس

349

من قاعة مؤتمرات في جامعة تل أبيب، دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت “الأمم الخيّرة” لحشد قواها ومواجهة آفة التهديد السيبراني، لكن بينيت، كما تقول لويز كالاغان في صحيفة “صاندي تايمز” وهو رجل الأعمال ورئيس شركة تكنولوجيا أصبح سياسيا، تجنب ذكر فضيحة مدمرة للقرصنة على الهواتف عبر العالم والتي كشف عنها قبل أيام من كلمته في الجامعة.

وبحسب تقارير متعددة في عدة صحف ومؤسسات إعلامية، فإن برنامج تجسس باعته شركة “أن أس أو” للتكنولوجيا الإسرائيلية استخدمه زبائنها، بمن فيهم السعودية والإمارات لاستهداف البيانات الخاصة للصحافيين والناشطين والساسة البارزين والقادة العسكريين في 34 دولة. وكان من ضمن قائمة أرقام الهواتف رقم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وقادة طلبة في الهند وعضو في مجلس اللوردات البريطاني، وكلهم كانوا ضحايا البرنامج المعروف باسم بيغاسوس. ويستخدم البرنامج لاختراق الهواتف المحمولة ويفتح المعلومات المشفرة ويحول الجهاز إلى أداة تنصت، أي جاسوس في اليد.

وتعلق الصحيفة أن الفضيحة خلقت صداعا ضخما لحكومة بينيت التي تحاول إعادة تشكيل صورة البلد بعيدا عن الصورة التي صنعها وروج لها رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو خلال سنوات حكمه التي استمرت 12 عاما. وفي الوقت نفسه كشفت الأزمة عن تحول إسرائيل إلى رائدة في صناعة الأمن السيبراني وحدثت منتجات مثل بيغاسوس من استراتيجيتها التي عرفت سابقا بـ”دبلوماسية عوزي”، وبيع السلاح من أجل المال والحصول على الحلفاء.

وقال بينت في خطابه: “الاختراع هو أمر لا تستطيع السيطرة عليه، إجباره أو توجيهه”، وهذا هو بالضبط ما فعلته إسرائيل. ومنذ نشوئها عام 1948، ضخت إسرائيل كميات هائلة من المال والمصادر البشرية لإنشاء قوة عسكرية وتكنولوجية متقدمة. ويعتبر التجنيد في الجيش الإسرائيلي مرحلة جيدة للتعرف على المواهب واختيارها ومنح الأحداث الفرصة لتطوير مهاراتهم قبل إخراجهم إلى القطاع الخاص.

فمؤسسو مجموعة “أن أس أو غروب” نيف كارمي وشاليف هوليو وعمري لافي، والذي جاء اسم الشركة من الحروف الأولى لأسمائهم، كانوا في وحدة 8200 وهي وحدة النخبة المتخصصة بالتجسس الإلكتروني. وقال غابي سيبوني، العقيد في قوات الاحتياط والزميل في معهد القدس للدراسات الإستراتيجية والأمنية، إن الجيش الإسرائيلي لديه الكثير من الوحدات التكنولوجية التي تدرب الجنود الذين يخرجون لاحقا إلى السوق ويصبحون رجال أعمال وأصحاب شركات ناشئة، مضيفا أن الجيش الإسرائيلي هو نقطة ساخنة للتطور التكنولوجي.

ويقول سيبوني إن الدافع هو وجودي وللدفاع عن النفس وسط أجواء معادية. لكن الحقيقة كانت مختلفة بالنسبة لقادة إسرائيل المتعاقبين ومعقدة أيضا، فرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو قدم إسرائيل على أنها قوة تكنولوجية وسيبرانية، وحاول من خلالها البحث عن حلفاء جدد. وكان بعضهم مثل السعودية من الأعداء الأشداء الذين عبروا عن رغبة بامتلاك التكنولوجيا الإسرائيلية.

وفي العقود الماضية، تدفقت الدول على شراء الرشاش الإسرائيلي “عوزي” الذي طوره ضابط بعد حرب 1948، لكن المنتج اليوم لم يعد ملموسا مثل العوزي، لكنه ليس أخطر من الرشاش عندما يقع في الأيدي الخطأ. ويقول إيتاي ماك، محامي حقوق الإنسان الذي رفع عريضتين لإلغاء رخص تصدير “نظام أن أس أو، بيغاسوس، حل محل دبلوماسية عوزي، وهي نفس السياسة”. وأضاف: “لأن بيغاسوس ليس ماديا، فمن السهل إنكاره ولا توجد محاسبة”. وقال: “هناك مصلحة مشتركة بين أن أس أو والحكومة للعمل في هذه الأماكن. طبعا تريد أن أس أو زيادة أرباحها والحكومة توسيع مصالحها”.

نظام أن أس أو “بيغاسوس” حل محل دبلوماسية عوزي، وهي نفس السياسة

وعلق الكاتب قائلا إنه لم تعد هناك شفافية اليوم حول علاقة وزارة الدفاع مع الشركات الخاصة، مثل أن أس أو. وفي الأسبوع الماضي، قال وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس إن “إسرائيل تدرس التقارير التي نشرت عن بيغاسوس”. وفي بيان وعدت فيه وزارة الدفاع بـ”اتخاذ التحرك المناسب” لو خرقت الشركة رخص التصدير.

ويقول المدافعون عن الشركة، إن القوانين الإسرائيلية شديدة في محاولة منع إساءة استخدام المنتجات. ويجب أن تصدر الحكومة رخصة تصدير لبيغاسوس باعتباره سلاحا. ونفت الشركة الاتهامات. وفي بيان على موقعها في الإنترنت “كفى” شجبت ما قالت عنها “حملة التشهير الشريرة”. وجاء فيها “أي زعم من أن ورود اسم في القائمة بالضرورة له علاقة بهدف لبيغاسوس أو هدف محتمل له، خاطئ وغير صحيح”.

وتزعم الشركة أن منتجها مصمم لمحاربة الجريمة والإرهاب، لكن الإرهاب هي كلمة فضفاضة. ففي حالة الديكتاتوريين والمستبدين فهي تشمل على كل شيء لا يتوافق معهم وأفكارهم. فمن بين الأرقام الـ50 ألف للقادة السياسيين والناشطين الذين استهدفوا ببيغاسوس، امرأة هندية اشتكت من تحرش جنسي مارسه عليها مسؤول في القضاء.

وفي الأسبوع الماضي أنشأت الحكومة الإسرائيلية فريقا للتحكم بالأضرار وتقليل المتاعب التي كشفت عنها الفضيحة. لكن مسؤولا قريبا من وزارة الدفاع قال إنها لا تؤمن بإلغاء تراخيص أن أس أو. بل ومزحوا فيما بينهم أن الفضيحة زادت من شعبية المنتج للأنظمة المستبدة التي رأت ترويجا للمنتج الإسرائيلي حول العالم. وليست المرة الأولى التي يثير فيها منتج أن أس أو مشاكل وجدل. فعلى مدى السنوات الماضية ظهر اسم بيغاسوس في المكسيك والخليج في اتهامات تتعلق بملاحقة ناشطين مدنيين ومعارضين. وفي 2019 أوقفت الشركة مبيعاتها للسعودية بعد الاتهامات التي زعمت أن بيغاسوس لعب دورا في ملاحقة ومقتل الصحافي جمال خاشقجي في تركيا عام 2018.

وكشف في الأسبوع الماضي أن أرقام هواتف تعود للشيخة لطيفة محمد بن راشد آل مكتوم التي اختطفت بعد محاولتها الهروب والمقربين منها كانت من ضمن الأرقام المستهدفة ببرنامج التجسس. وتقول ميل بروكس- كيمبلر مديرة هيلينا- سيك، الشركة الإسرائيلية المتخصصة بالأمن الإلكتروني “مثل أي شيء في الأمن الإلكتروني، فهي معركة مستمرة” و”يحاول جانب تقديم آليات دفاعية والبحث عن مكامن الضعف وإصلاحها، أما الجانب الآخر فيبحث عن مكامن ضعف لا يعرفها أحد واستخدامها واستغلالها”.

القدس العربي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار