البابور الموقع العربي

قصص تكتب بالدم والذهب

306

جاسم إبراهيم فخرو

هناك في البقعة الحزينة المعذبة من الأرض في الشمال السوري المحرر، حيث يدفع الأحرار كل ثانية الثمن القاسي لموقفهم المشرف من خلال كل شيء في الحياة، وبرغم الظروف القاسية التي يعيشها السوريون، وحالات البؤس وغابات الحزن القابعة في القلوب والحياة ووسط هذه العتمة رأيت حياة أخرى ملؤها النور والرحمة والبذل والعطاء، وعرفت معنى الحب والتضحية والتكاتف والقلوب المؤمنة.
عالم آخر اكتشفته بعد انضمامي لفريق الاستجابة الطارئة عبر تويتر والواتس آب، وهو عبارة عن مجموعة من الشباب السوري الشرفاء من أطباء وممرضين وغيرهم رجال ونساء، سخرهم الله رحمة منه، وجعلهم سبحانه جنوده لخدمة المنسيين من العائلات السورية النازحة في الشمال السوري المحرر، الذين يعيشون أقسى أنواع الحياة، فبوركوا وبوركت جهودهم، وسبحان الذي جعل البركة تتدفق من أيديهم، فبالمبالغ الزهيدة التي يدفعها أهل الخير والنخوة يقدمون الكثير من الخدمات من خيام وتدفئة وملبس ومأكل وعلاجات وعمليات جراحية وهذا ما نسميه البركة.
ومن القصص التي تتجلى أمامي لا تغادر ذهني رسالة وصلتني تقول:
(رهف صبية خسرت حياتها ودراستها بفقدانها لبصرها بعد بكاء أيام وأشهر على أخيها الذي استشهد بالدفاع المدني السوري.. حزنها الطويل عليه كلفها عيونها وللأسف كان تقرير طبيب العينية أن رهف ما راح ترجع تشوف إلا إذا قدرنا نزرع لها قرنية وهاد أملها الأول والأخير لترجع لدراستها وجوزها وحياتها الطبيعية).
أي حب هذا؟! أي تربية هذه؟! امرأة عشرينية تعيش بين أحضان الموت يومياً تفقد بصرها بكاء على أخيها الذي اختاره الله، وهو يقوم بخدمة مجتمعه المدمر! لم تبرح هذه المرأة ذهني لكم الحب الذي يذهب بعينها بسبب أخيها في هذا الزمن القاسي، الذي يتخلى فيه المرء عن اقرب الناس إليه!.
أمر يجب الوقوف عنده والتأمل فيه بعمق أن نجد مثل هذه القصص في هذا الزمن المادي الصعب، بالفعل قصة فيها الكثير من المعاني، وأجملها تهافت الجميع في مجموعة الواتس المباركة لتغطية تكاليف العملية التي قدرت بآلاف الدولارات، وتمت تغطيتها بفضل الله بحب وسرعة، والله يكتب لها النجاح وتبصر بإذنه تعالى، وهذه قصة واحدة من عشرات القصص التي تكبت بالدم وماء الذهب.
صدق الرسول الكريم عندما قال:
(لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ).
ونصيحتي ألا تنسوا أهلنا في الشمال السوري المحرر، فكونوا معهم لتكونوا مع الله.

جاسم إبراهيم فخرو – كاتب قطري – جريدة الشرق القطرية

‏fakhrooj@gmail.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار