البابور الموقع العربي

هذه المهزلة القميئة في “الحوار الوطني الفلسطيني بالقاهرة”

311

أسامة أبو ارشيد

ليس سلبيةً ولكن واقعيةً، اتفاق القاهرة بين الفصائل الفلسطينية هو تجسيد الوَهْمِ بعينه وخداع الذات وخداع الشعب الفلسطيني. المؤاخذات كثيرة، ولكن أركز هنا في نقطة واحدة تلخص الهزلية القميئة. أيعقل أن يتم التعامل مع محمود عباس (أبو مازن) وكأنه “رئيس إجماع” فلسطيني وطرف محايد متعالٍ على الانقسام والخلافات، ومن ثمَّ وضع كل أوراق “التوافق” الفلسطيني في يده، وهو من يثبت تاريخه وحاضره أنه أكبر عدو له ومتآمر عليه!؟

دع جانباً أن الرجل انتهت صلاحيته “الدستورية” عام 2009، فإن المعلوم الثابت أنه مصدر الانقسام الأساس، والقطب الأبرز في تأبيده بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو لا يتحرك بصفته “رئيساً” فقط، بل هو كذلك زعيم حركة فتح، الطرف الأول أو الثاني في الانقسام مع (ح م ا س)، إذا ناقشنا فصائلياً. وهو أيضاً رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي يفترض، إن صدق، أن يتم إجراء انتخابات مجلسها الوطني في شهر آب/أغسطس القادم. أما مسألة إجراء الانتخابات الرئاسية في تموز/يوليو فلننتظر ولنر إن كان سينفذ مرسومه بإجرائها بعد الانتخابات التشريعية في أيار/مايو القادم. كل منطق رفضه إجراء انتخابات متزامنة، وإصراره على تتابعها، محصور في الرغبة في تمكينه وتمكين فصيله من “السَطْوِ” على كل “الشرعيات” السياسية الفلسطينية، أو تفجيرها.

ما يعنيه ذلك كله أن عباس متورط حتى أذنيه في الانقسام والخلافات والمناكفات وحصار قطاع غزة وخنقه… ألخ، ومع ذلك “تتوافق” الفصائل الفلسطينية على توكيله بـ:

أولاً: إصدار “مرسوم رئاسي” لتشكيل “محكمة قضايا الانتخابات بالتوافق من قضاة من القدس والضفة الغربية وقطاع غزة” التي يعود لها وحدها حق النظر في العملية الانتخابية برمتها!

لا أدري أهو من باب “حاميها حراميها” أم ماذا كان يدور في خلد من وقعوا في هذه السقطة السخيفة والخطيرة في آن!

ثانياً، في ما يتعلق بـ”إطلاق الحريات العامة وإشاعة أجواء الحرية السياسية التي كفلها القانون والإفراج الفوري عن كل المعتقلين على خلفية فصائلية أو لأسباب تتعلق بحرية الرأي، وضمان حق العمل السياسي والوطني للفصائل الفلسطينية كافة في الضفة الغربية وقطاع غزة، والتوقف عن ملاحقة المواطنين على خلفية الانتماء السياسي أو الرأي، بما يوفر بيئة ملائمة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة”.. فإن الأمر ترك لأبو مازن، الذي “دعاه” المجتمعون “لإصدار قرار ملزم بذلك، وتشكيل لجنة رقابة وطنية لمتابعة التنفيذ”!

بصراحة، تقف الكلمات عاجزة عن توصيف هذه الكوميديا السوداء، أو قل السماجة الفاقعة. رأس أجهزة القمع الفلسطينية في الضفة، المتواطئة مع جيش الاحتلال علناً، أصبح فجأة الأمل والمرتجى لوقفه؟ “مجنون يحكي وعاقل يصدق”!

ثالثاً، تفويض عباس عبر “رفع توصية” له “للنظر في تعديل النقاط التالية لقانون الانتخابات: تخفيض رسوم التسجيل والتأمين- طلبات الاستقالة – عدم المحكوميات – نسبة مشاركة النساء – تخفيض سن الترشح”!

عملياً، هذا تثبيت لموقع عباس كخصم وحكم في آن! وصراحة، لا يقبل أبداً من أي فصيل يتضرر غداً من هذه السفاهة أن يفتح فمه ويجأر بالشكوى… ولا تحدثونا عن أنكم تعاطيتم بـ”حسن النوايا” فـ”الذي يُجَرِبُ المُجَرَّبَ عقله مُخَرَّب”.

رابعاً، أما ثالثة الأثافي فتجدها في النص التالي: “معالجة إفرازات الانقسام بكل جوانبها الإنسانية والاجتماعية والوظيفية والقانونية على أسس وطنية شاملة وعادلة وخالية من كل مظاهر التمييز الجغرافي والسياسي، من خلال لجنة يتم تشكيلها بالتوافق، وتقدم تقريرها للرئيس الذي يحيلها لحكومة ما بعد انتخابات المجلس التشريعي للتنفيذ”!

أي استخفاف هذا بعقول الشعب الفلسطيني؟ وأي تسفيه لوعينا؟ أهكذا، وبجرة قلم، أصبح عباس هو المنقذ الذي لم نكن مقدرين له ولعطائه وفضله وحكمته ورؤيته على مدى أكثر من عقد ونصف من رئاسته غير المجيدة؟ أتريد الفصائل المجتمعة في القاهرة أن تقنعنا أن أبو مازن أبٌ حانٍ على شعبه بعد أن مزقه وساهم في حصاره وخنقه وتحطيم مشروعنا الوطني؟ فجأة أصبح عباس هو “الرئيس الشرعي” الذي ترفع إليه التمنيات والتوصيات والتوسلات من أجل نيل حقوقنا؟

للأسف، إن من يخلق الدكتاتوريات في بلادنا، ومن يُنْزِلُ المُتَسَلِّطينَ على رقابنا منزلة الآلهة، هم أنفسهم من يزعمون أنهم ضحاياهم وأنهم معارضون لهم.

نعم أتمنى توافقاً فلسطينياً، ولكني أكثر تشككاً به الآن بعد أن وُضِعَ كل بيضه (أي التوافق) في سلة أكبر متواطئ في تبديده وسحقه (أي عباس).

“توافق” يخضع لصدق عباس، ويرعاه السيسي، ويتوسل رضا إسرائيل هو مجرد صيغة لكارثة قادمة.

أسأل الله أن أكون مخطئاً، ولكن التجارب علمتنا أن من يلدغ من جحر مرتين فهو…. ضع ما شت من كلمات في الفراغ.

أعان الله قطاع غزة على القادم… أعان الله فلسطين على القادم… أعان الله الشعب الفلسطيني على القادم، إذ لم يبق في ترسانة “قياداته” إلا المقامرة بالثقة بعباس!

إذا لم يكن هذا هو العبث بمصير شعب وقضية فماذا يكون!؟

يعني هل كان “الاندلاق” (المبالغة) بهذه الطريقة هو الحل؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار