البابور الموقع العربي

هل سيطرت طالبان بالفعل على أفغانستان؟

510

ياسر عبد العزيز

في المقال السابق (سقوط كابل.. بين مظنة المؤامرة وحلم الانتصار) تحدثنا عن الدروس التي يجب الوقوف عندها، وقلنا إن طالبان التي أعلنت ميلاد دولة إسلامية في القرن الـ21 يجب أن تعلم أنها لا تكتب صفحات تاريخها ولا تخطط لمستقبلها بمعزل عن العالم، وأن فاعلين كثر سيضعون مداد أقلامهم في صفحات أفغانستان، وأن طالبان تحتاج إلى الجوار كما تحتاج إلى العالم، وأن الكل سيؤثر في مستقبل استقرار الأوضاع بعد 40 عاما من الحرب..

هل تكفي تطمينات طالبان؟

كما يحدث في بلادنا الفقيرة عند افتتاح محل جديد، يوزع أصحاب المشروع أوراق دعايتهم في كل مكان؛ وزعت طالبان رجالاتها على كل القنوات الإعلامية لنشر تطميناتها للداخل والخارج، حتى سقط أحد متحدثيها في فخ قناة عبرية وأجرى حديثا معها “من دون علم”، أو هكذا بررت الحركة، لبث التطمينات في نفوس العالم. ولم تكتف الحركة بذلك ولكن أرسلت رسلها إلى العشائر والتجمعات وحتى الناشطين المدنيين لتطمينهم، ولم تبعد كثيرا عن هذا الخط في مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة المنتظرة، فراحت تؤكد أن النساء سيكون لهن دور في حكومة الإمارة الإسلامية الوليدة.

ومنذ اليوم الأول لسيطرتها على العاصمة كابل، إيذانا بسيطرتها على مقاليد الأمور في أفغانستان، أطلقت الحركة عفوها العام، بل أبدت استعدادها للتعامل مع كل الأحزاب والسياسيين السابقين في حقبة أشرف غني وما قبلها، وهو ما ترجمته بالتواصل مع عبد الله عبد الله وحامد كرزاي المحسوبين على دولة الاحتلال الأميركي ووكلائه بعد سقوطها في 2001.

ولكن -في ما يبدو- هناك من لا يريد أن يصدق تلك التطمينات أو لا يقبل أن تكتب طالبان مستقبل الدولة الأفغانية وتفرض نمط حياة يخالف ما يريدون، وهناك من يشعر بأنه خدع ولم يعط الفرصة لحماية النظام المنهار الذي هو جزء منه.

أشرف غني باع قادته الغاضبين

وزير الدفاع الأفغاني الجنرال بسم الله خان محمدي أحد المجاهدين القدامى وقيادي بارز في صفوف المجاهدين تحت قيادة أحمد شاه مسعود، ويعدّ واحدا من أكفأ العسكريين الذين عرفتهم الجبهة الشمالية في أفغانستان، شنّ هجومًا حادًّا على الرئيس الهارب أشرف غني، مؤكدًا أنه كبل أيدي الجيش وخدعه، إذ لم يعط الصلاحيات الكافية لقادة الجيش لصد التقدم السريع لحركة طالبان، ليترك غني البلاد والجيش في مأزق ويصوّر قيادة الجيش على أنهم أخفقوا؛ وغرد الرجل عبر تويتر “إن غني ورجاله قيدوا أيدينا وراء ظهورنا، وباعوا الوطن، ثم غادروا البلاد.. اللعنة على غني وعصابته”.

في حين أعلن أمر الله صالح، نائب الرئيس الهارب أشرف غني، نفسه رئيسا مؤقتا للبلاد، ليشكل حالة أخرى من الرفض للواقع الجديد الذي تفرضه طالبان، إذ قال صالح في تغريدة له عبر تويتر “وفقًا للدستور، في حال غياب أو هروب أو استقالة أو وفاة الرئيس، يصبح نائب الرئيس هو الرئيس المؤقت. أنا حاليًّا داخل بلدي وأنا الرئيس الشرعي المؤقت”.

أما أحمد مسعود ابن المجاهد القديم أحمد شاه مسعود أو (أسد بانشير) كما يحب أهل الشمال أن يطلقوا عليه رفض من أول يوم سيطرة طالبان على كابل، وكتب في مقال للرأي بصحيفة “واشنطن بوست” (Washington Post) أن الآلاف من قوات الكوماندوز وضباط الجيش الأفغاني لجؤوا إلى إقليم بانشير وأنه ورجاله مستعدون لما هو قادم.

ذلك يعني أن أشرف غني بهروبه زرع قنابل موقوتة من دون أن يدري في طريق طالبان، وبالنتيجة فإن الصورة التي تنقل ليست كما نرى، وإن تحت ذلك الرماد نارا يمكن النفخ فيها لتشتعل من جديد، فعسكريا تتشكل جبهة من وزير الدفاع الذي يشعر بطعنة في شرفه العسكري ولا يريد أن يختم حياته بعار الفرار، ومن جهة يريد الشاب الثلاثيني أن يثبت أنه ابن أبيه، وأن أعداء أبيه أعداؤه وعليه أن يأخذ بثأره، لأن إحدى الروايات تقول إن من قتل أحمد شاه مسعود هي طالبان بعملية استخباراتية انتحارية، وعلى المستوى الدستوري وضع أمر الله صالح العصا في الدولاب بتغريدته الدستورية التي يمكن البناء عليها لمناهضة الحركة وإبطال مساعيها دستوريا.

هل تستطيع بانشير إسقاط طالبان؟

تحلق طائرة مسيرة فوق الحشود التي تجمعت لسماع كلمة في مؤتمر شعبي حاشد، لتصور حجم الشعبية التي يحظى بها المتحدث، قبل أن تستعرض الصورة الشاب الثلاثيني أحمد مسعود الرافض سيطرة طالبان على مقاليد الأمور في أفغانستان، ويشكل الشاب حالة لا يمكن الاستهانة بها في ولاية ظلت عصية على طالبان قديما وحديثا، فبانشير عقدة طالبان العصية؛ لم تستطع الحركة في فترة حكمها الأولى في تسعينيات القرن الماضي دخولها، كما لم تستطع في الوقت الحالي أن تدخلها رغم السقوط السريع للولايات.

وهو ما جعلها ملاذا آمنا لنائب الرئيس أمر الله صالح، ورجل مسعود الوفي يلجأ إليها بعد سقوط كابل ليغرد من هناك بما يزعج طالبان ويقف في طريق شرعية حكمها دستوريا، لا سيما أن الحركة حتى هذه اللحظة لم توقف العمل بالدستور وتعتمد على قوتها العسكرية وأشياء أخرى قد تنجلي لاحقا.

ويبدو أن تنسيقا سريعا تم بين مسعود وصالح جعل صالح يؤكد دعوته للأفغان إلى الانضمام إلى ما أسماه المقاومة، وغرد قائلا “علينا أن نثبت أن أفغانستان ليست فيتنام وأن طالبان ليسوا مثل الفيتكونغ، على عكس الولايات المتحدة والناتو، لم تتراجع الروح المعنوية لدينا ونرى أن هناك فرصا كبيرة تنتظرنا في المستقبل).

في حين غرد وزير الدفاع فقال إن ما أسماها “قوات المقاومة الشعبية” انتزعت من حركة طالبان السيطرة على 3 مناطق في ولاية بغلان شمالي البلاد.

ما يعني أن بانشير بالشمال الأفغاني -في ما يبدو- ستشكل عقبة كبيرة أمام سيطرة طالبان الحقيقية على أفغانستان، وأن تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن شبح تقسيم أفغانستان يطارد المخيلة قد يصبح واقعا، فهل تستطيع بانشير إسقاط طالبان أم إن نبوءات بوتين ستتحقق؟!

عقبات أمام سيطرة طالبان على أفغانستان

ولعل بانشير ليست العقبة الوحيدة أمام سيطرة طالبان الحقيقية على أفغانستان، فمما لا شك فيه فإن بانشير وتلك القوات التي تتجمع الآن وقد ينضم إليها الرافضون والمنتفعون وأصحاب المصالح في النظام السابق يمكن أن تشكل جيوبا “للمقاومة” سواء عسكرية أو مدنية من خلال العصيان المدني، لا سيما أن طالبان أكثر انفتاحا، ويبدو أنها وقعت على شروط غير معلنة في ما يخص شكل الدولة بعد سيطرتها، ما يعني مزيدا من الحرية في الصحافة والتواصل الاجتماعي مع فتح الباب أمام منظمات المجتمع المدني.

ولكن الأمر لا يتوقف عند تلك الجيوب أو هذه المقاومة، وبغض النظر عن صحة ما أعلنه وزير الدفاع “بتحريره” عددا من المقاطعات، أو أن الأمر كما نفته طالبان لم يتعدّ رفع رايات في الصحراء وتصويرها بدفع من إحدى الدول العربية، فهناك أمور أخرى كشكل الدولة الجديدة ونظامها الأساسي (الدستور) وما يمكن أن يشكله من انشقاقات داخلية لا سيما أن هناك في الحركة من  يرى في تطبيق الفقه الحنفي بأوجهه القديمة حتمية لا يمكن التنازل عنها، كذلك الاعتراف الدولي بالحركة التي لم تحظ به حتى الآن، وهو ما تكشف عنه أدبيات التعامل مع الحدث، في الاتحاد الأوروبي وأميركا، وسكوت بقية دول العالم باستثناء باكستان، صاحبة الفرحة الأكبر بعودة طالبان؛كلها تعد من أسباب عدم استقرار الأمر لطالبان.

كما أن هناك من سيناهض الوجود الطالباني على رأس الحكم في أفغانستان، فدول متخوفة مثل الصين التي ترى أن خروج أميركا من أفغانستان لا يخرج عن أنه اتفاق مع طالبان للوقوف أمام حلم الصين في مشروعها الحزام والطريق، ولعل حادثة بلوشستان في باكستان واستهداف الصينيين بعملية انتحارية رسالة وصورة يمكن أن تتكرر في بلد يعيش حالة سيولة يمكن أن تمتد، كما تتخوف الصين أيضا من العاطفة الإسلامية التي يمكن أن تمتد إلى الإيغور مع الوقت واستتباب الأمور لطالبان.

ورغم التطمينات، فإن الصين ليست وحدها المتخوفة من وصول طالبان، فقد أعرب عن ذلك الخوف الرئيس الروسي في مؤتمره الصحفي مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، إذ يخشى الدب الروسي مما أسماه انتشار الإرهابيين إلى دول جوار أفغانستان، ويقصد بالنتيجة أن تتكرر التجربة الطالبانية في كل من طاجيكستان وأوزبكستان، وليس ببعيد أن تقف الهند التي لديها مخاوف الصين من مشاعر الأخوة الإسلامية لطالبان تجاه مسلمي كشمير، كما تتخوف من النفوذ الباكستاني في أفغانستان، تلك الدولة الممتلئة بالخيرات، وكما الهند والصين وروسيا، تترقب إيران علاقة سعودية قوية مع الحركة تجعلها قاعدة متقدمة في مواجهة نفوذها، فعلى الرغم من التطمينات التي أرسلتها الحركة لشيعة أفغانستان واعتذارها عن إزالة أعلام احتفالات عاشوراء فإن الأمور في السياسة لا تدار بالاعتذار عن رفع الأعلام.

في المحصلة ومع كل تلك التخوفات ممن ورد ذكرهم، فإن هناك حركة إمبريالية عالمية لا تزال تتنفس في العالم وتبحث عن مصالحها بإمراض الأجساد المتعافية، وعندما تعرف أن الصهيوني الفرنسي الحاقد برنار هنري ليفي مستشار وأب روحي لحامل راية “المقاومة” ضد طالبان، فإنك ستستنتج بالمحصلة أن حفتر جديدا يصنع في الأفق وأن أفغانستان لن يكتب لها الاستقرار وهو ما لا نتمناه بالطبع.


  • ياسر عبدالعزيزحاصل على ليسانس الحقوق وماجستير القانون العام ودبلوم الإدارة والتخطيط الاستراتيجي، مدير مركز دعم اتخاذ القرار في حزب الوسط المصري سابقا له العديد من المقالات والابحاث المنشورة.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار