البابور الموقع العربي

لوموند: إسرائيل والإمارات.. محور إستراتيجي جديد وتنسيق للقضاء على الأونروا

1٬149

توالت الاتفاقات الثنائية في مجالات التكنولوجيا والإعلام والرياضة وقطاعات أخرى بين الإمارات وإسرائيل منذ توقيع اتفاقية تطبيع العلاقات في سبتمبر/أيلول الماضي، لدرجة أن الإسرائيليين باتوا ينظرون إلى دبي على أنها “جنة عدن” الجديدة

في تقريره الذي نشرته صحيفة لوموند (Le Monde) الفرنسية، تحدث الكاتب بنجامين بارت عن الأجواء الحافلة التي ظهرت في مقطع فيديو تم تداوله عبر شبكات التواصل الاجتماعي في بداية ديسمبر/كانون الأول الجاري لأول زواج يهودي أرثوذكسي يقام في الإمارات، في مشهد يشير إلى العلاقة الحميمية بين كلا الطرفين منذ تطبيع العلاقات الدبلوماسية بينهما.

اتفاق التطبيع -الذي أعلن عنه في منتصف أغسطس/آب الماضي، وتم التوقيع عليه بعد شهر واحد في البيت الأبيض بالتوازي مع اعتراف مملكة البحرين أيضا بدولة إسرائيل- أعقبه سيل من الاتفاقات في مجالات التكنولوجيا والإعلام والرياضة والخدمات المالية والسياحة والبحث العلمي والنقل الجوي بين الطرفين.

ونقل الكاتب عن الباحث في معهد دول الخليج في واشنطن حسين إيبش قوله إن مسار التطبيع بين أبو ظبي وتل أبيب يتقدم بأقصى سرعة، وهو متفرد من حيث طبيعته، حيث يرغب الإماراتيون في تحقيق اندماج على كل المستويات مع إسرائيل، فيما تحمل بقية الدول التي اعترفت بها -مثل البحرين والمغرب والسودان- طموحات أقل بكثير.

يذكر أن معهد دراسات الأمن القومي -الذي يعد أهم مركز للتفكير في إسرائيل- فتح قنوات التواصل مع نظيره مركز الإمارات للسياسات.

كما أن بنك هبوعليم -الذي يمتلك وزنا ثقيلا في قطاع المالية الإسرائيلي- وافق على التعاون مع بنك الإمارات دبي الوطني.

وعلى الطريق نفسه سار معهد وايزمان للعلوم وجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، إلى جانب مؤسسات أخرى.

القضاء على الأونروا

حسب معلومات صحيفة لوموند، يدرس المسؤولون الإماراتيون خطة عمل تهدف إلى التخلص من وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) تدريجيا، دون جعل هذا الأمر مشروطا بحل مشكلة اللاجئين، ومن خلال القيام بذلك ستنضم أبو ظبي إلى المطلب طويل الأمد لإسرائيل الذي يصر على أن هذه المنظمة تعرقل السلام من خلال رعاية اللاجئين الذي يحلمون بالعودة إلى الأراضي التي طرد منها أجدادهم عام 1948.

وأكدت الصحيفة الفرنسية أن وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش لم يستجب لطلب الصحيفة بتوضيح هذه النقطة، لكن الأكيد أنه لن تكون هناك عودة للوراء في ظل “ظهور محور إستراتيجي جديد” سيتعين على دول المنطقة التعامل معه.

خطوط حمراء

تسير عملية تجاوز الخطوط الحمراء وتطبيع العلاقات بشكل راديكالي، لدرجة أن أحد أعضاء العائلة المالكة في أبو ظبي لم يجد حرجا في شراء نصف أسهم “بيتار القدس”، وهو نادي كرة قدم إسرائيلي ارتبطت سمعته بالشعارات المعادية للعرب التي يطلقها مناصروه، كما أن قناة “آي 24 نيوز” (i24NEWS) الإسرائيلية وقعت عقد تبادل للمحتوى الإعلامي مع مؤسسة دبي للإعلام دون أي اكتراث بحقيقة أن الصحافة في الإمارات تخضع لرقابة مشددة من قبل نظام استبدادي.

وأوضح الكاتب أن أنظار الإسرائيليين تتجه نحو دبي، حيث حولت الرحلات الأسبوعية الـ30 الطريق بين البلدين إلى مضمار سباق نحو هذه الإمارة التي تمثل قطبا للسياحة والتجارة العالمية، من عباقرة التكنولوجيا في تل أبيب إلى الأزواج القادمين للترفيه، وأصحاب المؤسسات الصغرى والمتوسطة، وحتى أبناء طائفة الحريديم في حي مياشاريم الأرثوذكسي في القدس، الجميع يريدون نصيبهم مما ينظرون إليه على أنه “مدينة الأحلام” الجديدة التي تعد بالمتعة والعقود الضخمة وحياة الترف بأسعار مخفضة.

وخلال الأسبوع الماضي زار عشرات الآلاف من سكان الدولة اليهودية الإمارات بمناسبة “الحانوكا” أو عيد الأنوار الذي يشبه أعياد الميلاد عند المسيحيين رغم تحذير حكومة نتنياهو من السفر إلى الخليج خوفا من أن يكونوا هدفا للانتقام الإيراني على إثر اغتيال العالم النووي محسن فخري زاده.

وفي تعبيره عن هذه المستجدات، قال موشي كوهين المحامي الذي جاء مع الوفود التي تقاطرت بحثا عن فرص الاستثمار إن الإسرائيليين يتحرقون شوقا للقدوم إلى دبي، حيث يلقون الترحاب والمعاملة الحسنة، وبيننا وبين الإماراتيين سلام دافئ، وهو ليس سلاما باردا كما هو الحال مع مصر والأردن.

وأضاف مازحا “خلال بضعة أسابيع سيكون عدد الإسرائيليين هنا أكثر من عدد الإماراتيين”، في إشارة إلى حقيقة أن المواطنين يمثلون فقط 5% من بين 3.5 ملايين ساكن في دبي.

من جانبه، يعتقد رافائيل ناغل رجل الأعمال الألماني اليهودي المقرب من النخبة السياسية والتجارية في الإمارات أنه “بعد اللؤلؤ والبترول والسياحة فإن التحالف مع إسرائيل سيكون محرك النمو الجديد للإماراتيين، هذا الرجل المولع برئيس الوزراء الإسرائيلي ببنيامين نتنياهو أسس “دائرة الأعمال الإبراهيمية” وهي ناد لرجال الأعمال والمسؤولين رفيعي المستوى يهدف إلى التقارب بين الخليج وإسرائيل.

وأورد الكاتب أن هذه العلاقة “الرومانسية” يمكن رؤيتها أيضا في إسرائيل، حيث انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو يظهر فيها الإماراتيون والبحرينيون وهم يحظون باستقبال حار في تل أبيب، ويتغنون بالتعددية والانفتاح في المجتمع الإسرائيلي ويلقون التحية باستخدام عبارة “شالوم”.

هذا الترحاب يجعل الزوار يمتنعون عن انتقاد نظام الاحتلال العسكري الذي يرزح تحته الفلسطينيون على بعد عشرات الكيلومترات فقط.

هذه الأجواء -التي ضخمتها مجموعة من حسابات تويتر المساندة للتطبيع، والتي ظهرت بين عشية وضحاها- تنبع من كون السلطتين الإسرائيلية والإماراتية تجمع بينهما العديد من النقاط المشتركة، مثل العداء لإيران والتبعية للولايات المتحدة والرفض المطلق للتيارات الإسلامية، ومعارضة الطموحات الديمقراطية العربية والميل لاستخدام العمليات السرية والقوة والهوس بمسألة الأمن، والاستثمار المحموم في كل مجالات التكنولوجيا السيبرانية.

لذلك، يبدو التناغم “صادما” بين صقري الشرق الأوسط: بيبي نتنياهو من جهة، وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد الرجل القوي داخل الإمارات من جهة ثانية، تضيف الصحيفة.

وتؤكد لوموند أن محمد بن زايد ليس مضطرا للتعامل مع الرأي العام المشحون على عكس نظرائه في البحرين والسودان والمغرب، وهذا الأمر من شأنه أن يعزز التقارب بين الطرفين.

كما أن أغلبية الإماراتيين -الذين يبدو أن نسبة ضئيلة منهم مسيسة- مقتنعون بأن قائدهم صاحب رؤية وسيحقق الاستقرار في المنطقة.

كما يبدو أن جهاز الأمن الإماراتي في وضع الاستعداد، ناهيك عن أنه تم تمرير رسائل تحذر من الانتقاد العلني للاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، وعلى هذا النحو أدركت النخبة المتشككة والدعاة المتشددون أنه لم يعد أمامهم خيار سوى التزام الصمت أو تغيير رأيهم.

مكافأة سخية

وبموجب اتفاق التطبيع حصل محمد بن زايد نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في دولة الإمارات على “مكافأة سخية” تمثلت في أسطول من مقاتلات “إف-35” (F-35) الأميركية والطائرات المسيرة المقاتلة من طراز “إم كيو-9 ريبر” (MQ-9 Reaper) من شأنها أن تمنح الإمارات السيطرة على سماء الخليج، كما تنتظر القوات المسلحة الإماراتية تسلّم طائرة الحرب الإلكترونية المتطورة للغاية “بوينغ إي إيه-18جي غرولير” (Boeing EA-18G Growler).

وحسب ما أكده المحلل السياسي عبد الله عبد الخالق -الذي عمل مستشارا سابقا لمحمد بن زايد- فإن أي دولة أخرى في المنطقة لن تحصل على هذه الأسلحة في السنوات الـ20 المقبلة، ومن شأن ذلك أن يعزز قوة الردع ضد إيران.

وذكر الكاتب أن القادة الإماراتيين يحلمون بنظام الدفاع الجوي “القبة الحديدية” الذي طورته إسرائيل والمنتشر على طول الحدود مع قطاع غزة، ورغم امتلاكهم بطاريات باتريوت الأميركية ما زالوا يشعرون بالضعف تجاه برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني.

لذلك، من المتوقع أن يتم نقل هذه التكنولوجيا العسكرية إلى الإمارات في السنوات القادمة، ويمكن للإسرائيليين أن يطلبوا في المقابل نشر مستشارين عسكريين على الأراضي الإماراتية، وبهذه الطريقة سينتهي بهم الأمر على الحدود مع إيران.

وردا على اتهامهم بخيانة الفلسطينيين، يقول المسؤولون الإماراتيون إن موقفهم لم يتغير تجاه القضية الفلسطينية، وبعد تجميد خطة نتنياهو لضم الضفة الغربية مقابل التطبيع ما زال الإماراتيون يزعمون دعم إقامة دولة فلسطينية.

وكدليل على ذلك، يشير عبد الخالق إلى أن بلاده أيدت في الأسابيع الأخيرة 7 قرارات في الجمعية العامة للأمم المتحدة تندد باستمرار الاحتلال الإسرائيلي، موضحا “لم يرق ذلك للإسرائيليين وأخبرونا بذلك.. لكن لدينا الآن نفوذ عليهم، وإذا انخرطوا في أفعال لا نحبها فلا يزال بإمكاننا تجميد التقارب أو حتى التراجع عنه”.

وبسبب تنامي نفوذ إيران في المنطقة أصبح اللوبي المؤيد للتطبيع -الذي أُجبر على البقاء متحفظا قبل 20 سنة- صاحب الكلمة العليا الآن بدعم ضمني من القوى العالمية.

وحسب الإعلامي السعودي عبد الرحمن الراشد المقيم في دبي، فإن “للفلسطينيين الحق في تأسيس دولة، لكن قضيتهم لم تعد أولوية، كان من المفترض توقيع اتفاقيات التطبيع منذ 20 سنة، لدى دول الخليج قواسم مشتركة مع إسرائيل أكثر من العديد من الدول العربية”.

26/12/2020

المصدر : لوموند + الجزيرة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار