جدل كبير شهدته الأوساط الليبية عقب تصريحات وزير الخارجية في حكومة الوحدة الوطنية نجلاء المنقوش أمام مجلس النواب الإيطالي بشأن الجمهورية التركية؛ الحليف القوي لطرابلس.
الكثيرون اعتبروا هذه التصريحات بمثابة إقصاء للدور التركي الذي ساهم في قلب موازين القوة سابقاً إبان حرب العاصمة طرابلس، وآخرون رأوا أن هذه التصريحات لم تكن إلا مجرد تعميم خصص من قبل وسائل الإعلام نحو تركيا لخدمة أجندتهم.
أسباب الجدل
وكالات أنباء إيطالية قالت إن ليبيا وعلى لسان وزيرة خارجيتها نجلاء محمد المنقوش، قالت إن الحوار قد بدأ مع تركيا لكننا مصممون على انسحابها من البلاد. وتابعت أنه وخلال جلسة استماع مع لجنة الشؤون الخارجية بمقر مجلس النواب الإيطالي، قصر (مونتي تشيتوريو) في روما، الجمعة، أضافت المنقوش أن “حكومة الوحدة الوطنية الليبية بقيادة رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة بدأت حواراً مع تركيا، وقد لاحظت استعداد أنقرة لبدء المباحثات والمفاوضات”.
وأضافت الوكالة أن المنقوش قالت: “لكن في الوقت نفسه، نحن حازمون على نوايانا، ونطلب من جميع الدول أن تكون متعاونة من أجل إخراج القوات الأجنبية من البلاد ” “الأمر بالنسبة لنا يتعلق بمسألة ذات أولوية، لأن أمننا يعتمد على انسحاب القوات الأجنبية”. موجة استنكارات محلية واسعة انطلقت منذ أن نشرت الوكالة الخبر ، وشملت الأطراف العسكرية والحزبية والسياسية، مؤكدين على دور تركيا البارز وعلى تمسكهم بتواجدها في البلاد .
المجلس الأعلى للدولة كان أول من استأنف هذا الرفض، حيث قال في بيان أصدره تعليقاً على تصريحات المنقوش، إنه ليس من اختصاص حكومة الوحدة الوطنية إلغاء أية اتفاقيات شرعية سابقة أو تعديلها بحسب ما تنص عليه الفقرة العاشرة من المادة السادسة من خارطة الطريق المشار إليها .
وشدد المجلس على احترامه للاتفاقية الموقعة مع الدولة التركية بشقيها، مؤكداً أنه يحترم أية اتفاقيات سابقة في أي مجال وقعت مع دولٍ أخرى، وذلك بالإشارة إلى التصريحات المنسوبة لوزيرة الخارجية، التي نقلت عبر إحدى وكالات الأنباء الإيطالية.
وفي السياق ذاته، أكد المجلس حرصه التام على احترام خارطة الطريق الصادرة عن ملتقى الحوار السياسي الليبي، الذي تشكلت من مخرجاته حكومة الوحدة الوطنية .
وبخصوص تواجد قوات أجنبية على الأراضي الليبية، فأوضح المجلس أن “هذا مبدأ مرفوض جملة وتفصيلاً، ولا يجب أن يكون محل نقاش أو مزايدة من أحد، غير أن الجميع يجب أن يعي جيداً الفرق بين المرتزقة وبين وجود قوات بناءً على هذه الاتفاقيات المبرمة”.
على صعيد الأحزاب السياسية فلم يكن موقفهم ببعيد عن موقف المجلس الأعلى للدولة، حيث اعتبرت الناطقة باسم حزب العدالة والبناء سميرة العزابي والذي يعتبر أحد أكبر الأحزاب بليبيا دعوة وزيرة الخارجية إلى انسحاب القوات التركية من البلاد أمراً يثير الاستغراب . وتابعت العزابي بأن تواجد المرتزقة الروس مستمر، وأن هناك تقارير دولية ترد بشكل مستمر تفيد بتوريد شحنات سلاح إلى طرف اللواء المتقاعد خليفة حفتر،
وأضافت الناطقة باسم حزب العدالة والبناء أن على وزيرة الخارجية أن تدرك أن القوات التركية المتواجدة في ليبيا جاءت دعماً للاستقرار وبناءً على اتفاقية رسمية وأنهم ليسوا قوات مرتزقة. وختمت العزابي تصريحها بأن خريطة الطريق التي جاءت بالحكومة تنص على أن الاتفاقيات الدولية الموقعة تعتبر خارج مهام حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة والمجلس الرئاسي .
استنكار المؤسسة العسكرية ..
المتحدث باسم غرفة عمليات بركان الغضب، عبد المالك المدني، استنكر تصريح المنقوش، قائلاً: “أحدكم يُخبر السيدة “نجلاء المنقوش” (لأنها لا تعلم شيئاً عن العدوان على طرابلس) بأنه عندما هجم حفتر على طرابلس بدعم من الإمارات والسعودية ومصر وبمرتزقة الفاغنر والجنجاويد، الكل خذلوا ليبيا .
وتابع: “وبعد الهجوم على طرابلس الكل وقتها خذلنا، فحتى المجتمع الدولي أثبت بأنه منبطح وحينها لم تقف معنا إلا دولة تركيا، حيث كان موقفها شجاعاً في دعم الشرعية رغم الضغوط الدولية، مطالباً في ختام حديثه بإيقاف مثل هذه التصريحات .
تحليل سياسي
قال حافظ الغويل، الباحث في معهد الدراسات الدولية في جامعة جون هوبكنز، إن أي كلام او حتى تفكير فى خروج تركيا من ليبيا أو تغير المعاهدات الليبية التركية هو قمة الغباء السياسي بدون أي منازع .
ورأى الغويل أن تركيا هي صمام الأمان فى ليبيا، ولولا تدخلها ودفاعها عن طرابلس ضد جيوش المرتزقه ما وقفت الحرب ولا التآمر على مشروع الدولة المدنية، وبدونها سترجع الحرب .
وتابع الباحث السياسي بأن فتح الباب لمن أيد مشروع حفتر تحت تسميات مزورة من جديد مثل “التصالح “و “التسوية” هو خداع وتدليس يسمح لحفتر ومن أيده بأن يرجعوا من النافذ بعد أن قفلت أمامهم الأبواب .
الرد الرسمي
وعقب الجدل حول تصريح المنقوش، وتناولته وسائل الإعلام كافة بهذه الصياغة، وندده واستنكره مسؤولون ومحللون وحزبيون، خرج رد رسمي مدافع من وزارة الخارجية لإيضاح الموقف .
حيث قال المكتب الأعلامي لوزارة الخارجية إن مداخلة الوزيرة في جلسة الاستماع بالبرلمان الأيطالي قد تطرقت إلى موقف حكومة الوحدة الوطنية الثابت والواضح تجــاه كل المرتــزقة على الأراضي الليبية دون استثناء أوتحديــد، بما يــــتوافق مع جميــع البيانات والمخرجات الدوليـــة في الملف الليــبي .
وتابع المكتب أن ما نقل عن مداخلة الوزيرة في بعض وسائل الإعلام قد جانبه الصواب، ولم يكن دقيــقاً، مؤكداً أن وزارة الخارجيـــة بالحكومة تعمل وفقاً لما يـــنص عليه القانون وما يشترطه احتـرام الاتفاقيــات الدوليــة سارية المفعول.
وبين جدل واستنكار وتأكيد ونفي تبقى الاتفاقيات الدولية وخاصة الموقعة مع تركيا ذات أولوية بالنسبة لكافة المؤسسات الليبية، السابقة والحالية والأحزاب السياسية الكبرى نظراً للدور المهم الذي لعبته في ميزان القوى في الدولة .
القدس العربي