ولد الروائي عبد الرزاق جورناه في عام 1948 في جزيرة زنجبار قبالة سواحل شرق أفريقيا. وهاجر الى بريطانيا طالبًا للعلم في عام 1968، وهو يُدَرِس الآن مادة الأدب في جامعة كينت. وهو أيضًا محرر مشارك في مجلة Wasafiri “الرحالة باللغة السواحيلية”
تُهيمن على كتابات عبد الرزاق قرنح القضايا المرتبطة بالهوية والنزوح وكيف تتشكل الهوية بما يخلفه الاستعمار والعبودية.
تقوم شخصيات قرنح الروائية باستمرار ببناء هوية جديدة لأنفسهم لتتناسب مع البيئات الجديدة. وهي تتخبط باستمرار بين حياتهم الجديدة وطبيعة وجودهم في الماضي.
وترتكز روايات قرنح جميعها على الأثر المدمر الذي تخلفه الهجرة إلى سياق جغرافي واجتماعي جديد على هويات شخصياته. فبالنسبة لقرنح ، وهو مثله مثل شخصياته قد خاض تجربة النزوح من موطنه زنجبار والهجرة إلى بريطانيا عندما كان عمره 17 عاما، الهوية هي مسألة التغيير المستمر، وما تفعله الشخصيات الرئيسية في رواياته هو على وجه التحديد لزعزعة الهويات الثابتة للأشخاص الذين يلتقوا بهم في البيئات حيث يهاجرون.
وكما أشار الناقد الثقافي بول جيلروي: “عندما يتم تمثيل وإظهار الهويات القومية والعرقية بوصفها نقية وخام فإن التعرض للإختلاف يهددها بالترقيق والتخفيف ومساومة نقائها الثمين مقابل إمكانية التلوث القائمة دومًا. العبور كمزيج (من الهويات) والإنتقال أمران ينبغي الحذر منهما. ” (بين المخيمات، ص 105).
إن أبطال روايات قرنح يمثلون هذا التلوث الذي يُصيب الهويات الآخرين وذلك من خلال اختلافهم. عندما يذهب الراوي غير المسمى في رواية “صمت مدهش (1996)” إلى والدي صديقته ليقول لهما انها حامل، ينظران إليه في كراهية لأن ابنتهما الآن “ستضطر للعيش مع نوع من التلوث لبقية حياتها. ولن تكون قادرة على أن تكون امرأة انجليزية طبيعية مرة أخرى، وعليها أن تحيا الحياة الانجليزية العادية والبسيطة بين أشخاص انجليز” (ص 85) .
وتجلب كتب المؤلف التحدي نفسه لقرائه. كمهاجر إلى بلد أجنبي، كان قرنح مدركًا “أنه بالنسبة لبعض القراء المحتملين، كانت هناك طريقة للنظر إلى كان لي أن أضعها في الاعتبار. كنت أعلم بأنني سوف أمثل نفسي للقراء الذين ربما يرون أنفسهم معيارًا، مُحرَرٍين من الثقافة أو العرق، مُحرَرٍين من الاختلاف. كنت أتساءل كم يجب أن أقول، كم المعرفة التي على افتراضها، وإلى أي مدى سيكون سردي مفهومًا إذا لم أفعل ذلك “. (بول جيلروي، الكتابة والمكان، ص28)
تلعب الهجرة والنزوح، سواء من شرق أفريقيا إلى أوروبا أو فيما بين أفريقيا، دورًا رئيسيًا في روايات قرنح. روايته “ذاكرة الرحيل” (1987) تُحلل الأسباب وراء قرار بطل الرواية بترك قريته الساحلية الأفريقية الصغيرة. أما “طريق الحاج” (1988) فهي تصور كفاح الطالب المسلم القادم من تنزانيا ضد ثقافة المقاطعة والعنصرية السائدة في البلدة الإنجليزية الصغيرة التي هاجر إليها.
أما “جنان” (1994)، والتي أدرجت على القائمة القصيرة لجائزة بوكر للرواية عام 1994، تحتفظ بدلًا من ذلك بالسياق والمحيط الأفريقي، حيث تستكشف رحلة يوسف من بيت والديه الفقراء إلى قصر العم عزيز الثري الذي منح الأب يوسف له رهنًا مقابل سداد ديونه. ويبني الراوي المجهول في رواية “صمت مدهش” حياة جديدة لنفسه في بريطانيا، هربًا من إرهاب الدولة السائد في وطنه زنجبار.
وقد صنع من وحي خياله قصصًا رومانسية عن وطنه ليحكيها لزوجته ووالديها، تلك القصص التي تحطمت لدى عودته إلى أفريقيا. أما في روايته “على شاطئ البحر” (2001)، صالح عمر، وهو طالب لجوء عجوز غيير تقليدي وصل لتوه في بريطانيا، يلتقي بالسيد لطيف محمود، محاضر جامعي يعيش في انجلترا لعدة عقود، ليكشفا للقارئ قصصًا من ماضيهما لتظهر روابط بينهما غير متوقعة.
إن حالة أن يكون المرء من مكان ما ولكنه يعيش في مكان أخر هي بشكل جلي موضوع أعمال قرنح جميعها. ومع ذلك، يدعي المؤلف أن رواياته ليست مجرد توثيق لتجربته الذاتية وإنما هي’واحدة من قصص عصرنا’: ‘السفر بعيدًا عن الموطن يوفر المسافة ووجهة النظر، ودرجة من الرحابة والتحرر.
كما أنه يزيد من حدة التذكر، وهي مناطق الكاتب النائية” (الكتابة والمكان ص 27). كما تُكثف الغرابة “الإحساس بالحياة المتروكة، والأشخاص الذين تم هجرهم عرضيًا ودون تفكير، مكان وطريقة للضياع إلى الأبد” (الكتابة والمكان ص 26). هذا الشعور نفسه يتخلل شخصيات روايات قرنح التي تنظر إلى الوراء على ماضيهم وتنتابهم مشاعر مختلطة من المرارة والشعور بالذنب على ما تركوا وراءهم. في كثير من الأحيان، الانتقال إلى مكان مختلف يستلزم من شخصيات قرنح محو أي اتصال لهم مع عائلاتهم الماضية. فنجد يوسف يتسأل بأسف عما “إذا كان والديه لايزالا يفكران فيه، في حالة ما كانا على قيد الحياة، وكان يعلم أنه قد يكون من الأفضل ألا يرغب في معرفة ذلك.
لم يستطع مقاومة ذكريات أخرى في هذه الدولة، وجاء إليه فيض من صور هجرهما له” (جنان ص 174). منذ وصوله إلى بريطانيا عبر ألمانيا الشرقية، لم يحاول لطيف محمود أبدًا الاتصال بعائلته التي تركها وراءه في زنجبار. وعلى الرغم من أنه يريد أن ينظر للأمام، إلا أنه يجد نفسه دائمًا يتطلع إلى الوراء، “بحثًا في فترات ماضية تضائلت بسبب غيرها من الأحداث منذ ذلك الحين، الأحداث الطاغية تلوح في الأفق كبيرة فوقي وتُملي كل عمل عادي … كل ذاكرة ترسم دمًا . إنه مكان عنيد، أرض الذاكرة، ومستودع قاتم ومحبط به ألواح خشبية متعفنة وسلالم صدئة”(على شاطئ البحر ص 86)
يقول بول جيلروي “لا تنشأ الكراهيات الجديدة والعنف، كما في الماضي، من المعرفة الأنثروبولوجية بالهوية التي من المفترض أن تكون موثوقة والاختلاف عن الآخر، ولكن من مشكلة غير مألوفة من عدم القدرة على وضع اختلافات الآخر ضمن مفردات الإدراك العام للتغيّر… أن تكون الهوية واختلافات الآخر مختلطة فهذا يعني أن تكون طرفًا في خيانة كُبرى. أي آثار مقلقة من التهجين يجب استئصالها من المناطق النظيفة والمُبيضّة (الباهتة) من الثقافة النقية بشكل لا يصدق” (بين المخيمات، ص 105-106) .
تعتبر روايات قرنح تأملات في السلطة المقلقة من التهجين والتحديات التي تجلبها على افتراضات العنصرية التي يعززها الوجود الدائم للرؤية الاستعمارية.”… نصيبنا من الصفقة”، يقول راوي قصة “صمت مدرهش”، هو “أن نكون مستَعمَرين، متماثلين، متكاملين، نعاني من صدام الثقافات، نحظى بعلمٍ ونشيد وطني، نُصبح فاسدين، نجو ع ونتذمر بشأن كل شيء. انها صفقة جيدة ونحن نؤدي دورنا بأقصى درجة تُمكنا منها مواهبنا المتواضعة، ولكن ليس بشكل ملائم بما يكفي لنيل رضا الأشخاص ذوي النزعة الوطنية شديدي الحساسية الذين يشعرون بأنهم خدعوا من قبل الغرباء المضطربين القابعين بشكل خطير داخل البوابات “(p.16). إن ظروف الغريب وحقيقة كونه مختلفًا، سواء كان ذلك نتيجة للإختلافات العرقية أو الدينية أو الأخلاقية أو الاجتماعية، نُقشت بقوة في وسط أعمال عبد الرزاق قرنح الروائية.
لوكا برونو، 2005
مؤلفات الكاتب
2011 الهدية الأخيرة The Last Gift
2007 كتاب “رفيق كامبردج إلى سلمان رُشدي” The Cambridge Companion to Salman Rushdie
2005 الفرار Desertion
2001 على شاطئ البحر By the Sea
1996 صمت مدهش Admiring Silence
1994 جنان Paradise
1993 مقالات في الأدب الأفريقي: إعادة تقييم Essays in African Literature: A Re-evaluation
1990 دوتي Dottie
1988 طريق الحاج Pilgrim’s Way
1987 ذاكرة الرحيل Memory of Departure
الجـــــوائـز التي حصل عليها
2006 جائزة كتاب الكومنولث (منطقة أوراسيا ، أفضل كتاب)
2001 جائزة كتاب لوس انجلوس تايمز (للرواية)
1994 جائزة بوكر للرواية
من هو عبد الرزاق قرنح
أعلنت الأكاديمية الملكية السويدية منح جائزة نوبل في الآداب لعام 2021 إلى الكاتب التنزاني، عبد الرازق قرنح، (73 عاما) المقيم في بريطانيا.
وفي تصريحاته الأولى بعد الفوز قال قرنح إنه ممتن للأكاديمية، وأضاف: “إنه أمر رائع، إنها جائزة كبيرة، وسط لائحة ضخمة من الكتاب الرائعين، ما زلت أحاول استيعاب الأمر”. وقال: “كانت مفاجأة، ولم أصدق الأمر حتى سمعت الإعلان”.ودعا الفائز بنوبل الآداب أوروبا إلى اعتبار اللاجئين الوافدين إليها من إفريقيا بمثابة ثروة، مشدداً على أن هؤلاء “لا يأتون فارغي الأيدي”
وجاء في بيان اللجنة المانحة أن الجائزة منحت له، “لتعمقه المتجذر وغير المسبوق في آثار الاستعمار ومصائر اللاجئين في الخليج الواقع بين الثقافات والقارات”.
وأوضحت لجنة التحكيم أن المؤلف الذي تشكل رواية “باراديس” (“جنة”) أشهر مؤلفاته، مُنح الجائزة نظراً إلى سرده “المتعاطف والذي يخلو من أي مساومة لآثار الاستعمار ومصير اللاجئين العالقين بين الثقافات والقارات”.
والكاتب عبد الرازق قرنح من مواليد زنجبار عام 1948، ويكتب باللغة الإنجليزية، ومن أشهر رواياته “الجنة”، التي كتبها عام 1994، ووصلت إلى القائمة القصيرة لجائزتي البوكر ووويتبريد، و”الهجران” (2005)، و”أمام البحر” (2001).
وقد ذهب قرنح للدراسة في بريطانيا عام 1968، ثم عمل محاضراً ما بين عامي 1980-1982 في جامعة بايرو كانو في نيجيريا، ثم انتقل إلى جامعة كنت، حيث حصل هناك على درجة الدكتوراه عام 1982. وهو الآن أستاذ ورئيس الدراسات العليا في قسم اللغة الإنجليزية بالجامعة. يعد اهتمامه الأكاديمي الرئيسي هو تناول قضايا ما بعد الاستعمار، والخطاب المرتبط بالاستعمار، خاصة ما يتعلق بأفريقيا ومنطقة البحر الكاريبي والهند
وتوثق رواياته الثلاث الأولى، “ذاكرة المغادرة” (1987)، “طريق الحج” (1988) و”دوتي” (1990)، تجربة المهاجرين في بريطانيا المعاصرة من وجهات نظر مختلفة. أما روايته الرابعة “الجنة” (1994)، فتدور أحداثها في شرق أفريقيا المستعمرة خلال الحرب العالمية الأولى. أما رواية “الإعجاب بالصمت” (1996)، فتحكي قصة شاب يغادر زنجبار ويهاجر إلى بريطانيا، حيث يتزوج ويصبح مدرساً، ثم يتأثر موقفه تجاه نفسه، وتجاه زواجه، في زيارة العودة إلى وطنه الأصلي، بعد 20 عاماً.
ويعيش عبد الرازق غورناه في برايتون بشرق ساسكس، وقام عام 2007 بتحرير “رفيق كامبريدج” للكاتب سلمان رشدي. وتبلغ قيمة الجائزة المرموقة 10 ملايين كرونة سويدية (1.14 مليون دولار).
المصدر: موقع جائزة نوبل+وكالات + مواقع