البابور الموقع العربي

نضال معلوف.. صحفي نحرير ويوتيوبر خبير

2٬082

مؤيد اسكيف

قلما أتابع التلفزيون، أقلعت عن هذه العادة السيئة منذ سنوات، نحن المكلومون قتلا وتهجيرا وقهرا، لا ينقصنا المزيد من الإثارة والمؤثرات “الموجه” لواقعنا الذي نعيشه بكل تفاصيله، وهذا يغنينا عن قراءة واقعنا بعيون لها أجنداتها وتوجهاتها. و أتمنى لو كتب تحذير ا على القنوات الإخبارية تحديدا، تماما كما تكتب التحذيرات على علب السجائر، وذلك لدورها في أمراض القلب و رفع الضغط و ” النرفزة”. أقول ذلك رغم عملي في التلفزيون لفترة من الزمن..
وبالتالي أكتفي بالاعتماد على بدائل كثيرة متوفرة، كبعض الصحف الإلكترونية الموثوقة إضافة إلى اليوتيوب، وهذا الأخير أيضا ليس بالمهمة السهلة كما يمكن أن يبدو، إذ أنه يتطلب نباهة في الاختيار، وصبر في المتابعة، فمن الضروري جدا أن يتحقق شرط الثقة المبني على المهنية والمصداقية لمن سيؤثر في عقولنا و وعينا، و بالتالي خياراتنا، بعد أن نعطيه وقتا من أعمارنا في المشاهدة..
قبل أشهر.. قادتني خوارزميات اليوتيوب للعثور على قناة حديثة الانطلاقة للصحفي نضال معلوف.. ولأن لهذا الاسم وقع في الذاكرة، فلم أتردد في متابعته فورا، وكنت على ثقة بأن محتوىً ذا جودة عالية في الانتظار، وبالطبع كان ظني في محله، فنضال معلوف كان الصحفي السوري الأول الذي استطاع أن يؤسس الصحيفة الإلكترونية الأوسع انتشارا دون منافس في سوريا ” سيريا نيوز”، وكانت المنصة الأولى التي جمعت السوريين، وقربت فيما بينهم، وأحدثت تفاعلا جماهيري للمرة الأولى بشكل لم يعرفه المجتمع السوري من قبل.
تابعت حلقات من برامجه التي تحمل عناوين مختلفة، وفتح لي و كذلك للمشاهدين والمتابعين نوافذ عدة تطل على تاريخنا السوري وتراثنا وذاكرتنا الجمعية التي أكلها النسيان، وحل محلها الذاكرة البعثية الإقصائية.
يجول نضال معلوف بالمشاهد في مناطق غير مسبوقة في اليوتيوب السوري، كنوز من الثراث والمعرفة يعرضها بسلاسة من جهة، ومن جهة أخرى يقدم قراءة للواقع السوري ويومياته، وللنظام، وبالتالي لغيره من سلطات الأمر الواقع في كل المناطق، ومرفقة قراءة هذا الواقع بالنقد اللاذع بعد التشخيص المهني والموضوعي والشجاع أيضا في مواقع عدة.
وكل ذلك يقدم ضمن بنية متماسكة من حيث المقدمة، السياق، الخاتمة، بأسلوب بسيط دون تعقيدات، ومفعم بالاحترام للمتابع ولعقله على غير عادة الكثير من ” اليوتيوبرز السوري” خاصة من يتناولون الشأن العام في القضايا التي يطرحوها.فيتجاهلون يوميات المقهورين في الداخل السوري وخارجه، فيأتي نضال معلوف ليرمم هذه الفجوة في تقديم محتوىً سوري ثري و متنوع وهادف وتفاعلي، خاصة وأن الصوت الذي يعبر عنه نضال معلوف هو صوت المواطن المقهور، والمكلوم والذي في فمه قيح و دماء وليس ماء فقط، ويحتاج لمن يعبر عنه ويكون صوتا له، وهذه هي مهمة الصحفي النبيلة بأن يكون صوتا للمقهورين والمكتومين مهما كانت ألوانهم.. صوتا للضحية مهما كان اسمها و أينما كانت، وضد كل السلطات أينما كانت، وهكذا نلمس الخطاب الأخلاقي الذي يغلف محتوى نضال معلوف، وهذا ما نفتقر له كسوريين، إذ أن جل الصحفيين السوريين خاصة من أفرزتهم تطورات الثورة السورية، وقعوا في أفخاخ الممول، وهذا ماتجنبه معلوف، وهذه نقطة تحسب له أنه لم يكن جزءا من مافيات العمل الإعلامي التي تشكلت خلال العقد الماضي. والتي تخضع لأجندات أنستها مهمتها الأساسية في أن تكون صوتا للمواطن. والمقهور حصرا.
لقد نجا نضال معلوف من المال السياسي، ومن الخضوع لأجندات الممولين، أعلن عن ذلك في أكثر من مكان علما أن موقع سيريا نيوز أحوج مايكون للدعم خاصة و هو الصحيفة التي تستحق ذلك تبعا لتجربتها الفريدة، لكن رئيس تحرير الصحيفة آثر الإبتعاد عن هذه اللوثة التي اجتاحت العمل الإعلامي السوري.
يبدأ نضال معلوف حلقاته بتحية سريعة ومختصرة. يطرح موضوع الحلقة ويبدأ باستعراضها بعين الصحفي الخبير والفطن، وعلى طول الخط يتحدث بخطاب أخلاقي برنة صوت متوازنة وصادقة، ولايشذ عن مسار خطاب العدالة، وكل ذلك على أرضية وطنية نابعة من انتماء سوري أصيل وهذا ما صار عملة نادرة في هذه الأيام السوداء التي نعيش.
لاتخلو لقطات نضال معلوف من الكوميديا السوداء في بعض مايقدمه، وهذا يعكس انسجاما مع واقعنا و آليات تشخيصه، في بعض المواقع استخدم نضال معلوف أسلوب الإضحاك ، أعجبني ذلك لأن حضوره كان لطيفا ودون تهريج، وأعجبني أيضا أنه لم يكرر هذا الأمر كثيرا.

عادة لا أكتب مديحا بأحد، مهمتي كصحفي النقد ثم النقد ثم النقد، لكن الأمور النادرة والمفيدة تستحق أن نسلط الأضواء عليها، الحديث عنها، والنصح بمتابعتها، وإعطائها بعضا من أوقاتنا.
و في الختام ولأن نضال معلوف صحفيا نبيها، و مسؤول تحرير فطن، ومعلق حاذق، ومحلل عاقل، فهو صحفي نحرير كما تقول اللغة العربية وقواميسها، وهو يوتيوب خبير كما يقول المعلقين والمتابعين على قناته.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار