البابور الموقع العربي

إنما للنفاق حدود يا ضاحي

330

سؤال كيف ستصلح زبانية الشيخ محمد بن زايد الحاكم الفعلي لدولة الإمارات، ورائد التطبيع المشين والمذل مع دولة الاحتلال، وطبالوه ومنافقوه مواقفهم من دول أكرهتها الهزائم العسكرية والظروف على الأرض، والتقلبات الإقليمية، والمخاوف على مصالحها، على المصالحة، وتحديدا تركيا وإيران العدوين اللدودين حتى الأمس.
هاتان الدولتان اللتان كانتا في مواجهات عسكرية معها، سواء في اليمن في حال إيران وليبيا في حال تركيا؟ وكيف ستتحول أقوال هؤلاء المنافقين إلى عكسها في مدة زمنية قصيرة؟ وهل ستصبح تركيا وإيران البلدان الشقيقان؟ وهل ستكون بضائعهما حلالا زلالا وقادرة على منافسة البضائع والمنتجات الإسرائيلية، بعدما أصبحت دولة الاحتلال بعد التطبيع معها الدولة الشقيقة الأعز، ومنتجاتها الأكثر جودة، وصارت أكثر رواجا في هذه الدولة المارقة، التي اعتقد القائمون عليها في «لحظة هذيان» أنها دولة عظمى، وقادرة على فرد عضلاتها ومنافستها ومد نفوذها وهيمنتها على دول عريقة في المنطقة، أضعفها ودمرها وفتتها، جغرافيا وسياسيا، الربيع العربي.
يسعى محمد بن زايد، وقد ينجح في مسعاه، مستخدما عضلاته الاقتصادية، إلى إصلاح ذات البين بين دويلته الخليجية مع جيرانها والدول الإقليمية العظمى في المنطقة سلميا، بعد أن فشلت محاولاته ومغامراته باستخدام القوة العسكرية، وفرض نفوذه في المنطقة بقوة السلاح الأمريكي والمرتزقة، وتعزيز موقفه المضاد للإسلام السياسي، حسب تقرير لصحيفة «التايمز» البريطانية، «من خلال نسخة الإخوان المسلمين في أنقرة (والدوحة) أو الجمهورية الإسلامية في طهران، الأقرب جغرافيا للإمارات، وشبكتها في كل أنحاء المنطقة التي أصبحت تهدد الملاحة الدولية».
وكانت الإمارات الدولة الهامشية، رغم قوتها الاقتصادية، بدعم وضغط من واشنطن، وتحت ضغط الحاجة للتعامل الأمريكي معها بجدية (حسب «التايمز»)، على التحرك في اتجاهين، الأول التورط في حربي اليمن وليبيا، وإقامة قواعد عسكرية لها في القرن الافريقي، ومحاولة اللعب بالنار في تركيا، والتدخل في شؤونها الداخلية، بتمويل محاولة الانقلاب عام2016 ، التي يتهم بها فتح الله غولن بتمويل إماراتي ومعونة الفلسطيني محمد دحلان، الذي نجح في أن يكون الساعد الأيمن لمحمد بن زايد، عبر تجارة السلاح والعلاقات مع إسرائيل. أما الاتجاه الثاني فهو طريق التطبيع مع دولة الاحتلال، ليس التطبيع السياسي فحسب، بل زادت بالتطبيع الاقتصادي والتجاري والمالي والثقافي والتعليمي إلى آخره. ولم تتوقف مغامرات محمد بن زايد، بل مدها للعب دور الوكيل والوسيط، مستخدما قوته الاقتصادية، بين إسرائيل ودول عربية أخرى، كالسودان، فقد رتب اللقاء الأول الذي جمع الجنرال عبد الفتاح برهان رئيس مجلس الرئاسة مع بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل السابق، في أوغندا في فبراير الماضي. وكذلك ليبيا مع الجنرال حفتر، وأذنابها في اليمن. وتفوقت الإمارات على غيرها من هذه الدول، بل تمردت حتى على قرارات الشرعية الدولية والعربية، في التعامل مباشرة مع مستوطنات الضفة الغربية، متحدية بذلك مشاعر الفلسطينيين وحقوقهم الشرعية والوطنية، بإبرام اتفاقات تجارية معها، واستيراد البضائع منها.

يسعى محمد بن زايد مستخدما عضلاته الاقتصادية، إلى إصلاح ذات البين بين دويلته مع جيرانها والدول الإقليمية العظمى في المنطقة سلميا

ونعود إلى السؤال الذي طرحناه في المقدمة وهو، كيف ستنعكس هذه المصالحة بين أبو ظبي من جهة، وأنقرة وطهران من جهة أخرى، على أقوال منافقي النظام وطباليه وشيوخ البلاط والمرتزقة؟ وكيف غيّر هؤلاء مواقفهم من النقيض إلى النقيض؟
وأول من يخطر على البال طبعا اسم كبير المنافقين والطبالين الجنرال ضاحي الخلفان بن تميم، المسؤول الأمني الإماراتي الكبير، نائب رئيس شرطة دبي، الذي أدهشتني مرونته في تغيير الرأي، ووجدتها أكبر مما توقعت. فهو قادر على تغيير موقفه، من دون أن يرمش له جفن، «جنرال» لا يعرف للنفاق حدودا. «دس» الجنرال الأمني الإماراتي، الذي كانت تمر من تحت أنفه كل الموبقات الأمنية الإسرائيلية، ليس أقلها اغتيال القيادي الحمساوي محمود المبحوح في يناير 2010، في فندق في دبي على أيدي عملاء الموساد، الذي دخلوا وخرجوا عبر المطار، تحت أعين وكاميرات الفندق الذي كانوا يقيمون فيه، وكذلك المطار وكاميرات الأجهزة الأمنية، دس أنفه مجددا بالتعقيب على الانفراجة التي تشهدها العلاقات الإماراتية التركية، وتمثلت بزيارة محمد بن زايد لتركيا، وهي الأولى له منذ عشر سنوات تقريبا، التي جاءت بعد انفراجة في العلاقات التركية الإسرائيلية، ومن قبل ذلك العلاقات التركية المصرية. وعقب الزيارة أعلنت الإمارات عن تأسيس صندوق بقيمة10 مليارات دولار لدعم الاستثمارات في تركيا. ووقع أردوغان وابن زايد عددا من الاتفاقات بين البلدين في المجمع الرئاسي في العاصمة أنقرة، بينها توقيع البنك المركزي التركي ونظيره الإماراتي، مذكرة تفاهم للتعاون الثنائي، ثم جاءت زيارة وزير الخارجية التركي أبوظبي لاحقا.
طبعا هناك زيارة طحنون بن زايد رئيس الأمن القومي الإماراتي لطهران، الذي التقطت له صور وهو يقف أمام خريطة واضحة تبرز اسم الخليج الفارسي، وليس العربي «ما أشد لؤم الإيرانيين». وبدلا من أن يركز الخلفان على مهامه الأمنية الموكلة إليه، تجده يضيع أوقاته في إطلاق التصريحات والتعليقات يمنة ويسرة.
ولكن وقبل أن نتطرق إلى تعليقات الجنرال ضاحي الجديدة، فإنه لا بد من أن نذكّر باقواله السابقة تبريرا لتوقيع اتفاق التطبيع بين الإمارات ودولة الاحتلال، وكيف نصّب نفسه مروجا ووكيلا للبضائع الإسرائيلية على حساب البضائع التركية، فقد أشاد بعد أيام قليلة من توقيع اتفاق التطبيع تحت رعاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في سلسلة تغريدات بجودة وأسعار المنتج الإسرائيلي، وخلوه من الغش، زاعما أن الإسرائيليين، أهل تجارة أصيلون فيها. وأضاف «لذلك عودة الزبون عليهم مهم بالنسبة لهم»، داعيا التجار إلى تحويل تجارة الإماراتيين من تركيا إلى إسرائيل، بل دعا حكومة الإمارات لاستيرادها بدلا من المنتج التركي أو الإيراني. وقال أيضا إن المنتج الإسرائيلي.. جودة.. وأسعار منطقية… والاحتيال والغش مرفوض، لأنهم أهل تجارة أصيلين.. ولذلك عودة الزبون مهمة بالنسبة لهم. مضيفا «لا تعتبروا ما أكتبه دعاية وترويجا لليهود. الطبقات التجارية التركية والإيرانية الكثير منهم غشاشون، ولكن تعامل مع يهودي.. بتشوف البضاعة مضبوطة أحسن نوع، تعال خذ منتج إيراني أو تركي، الله لا يوريك.. غش في غش». ارجو أن تحولوا أيها التجار تجارتكم من تركيا بالذات على إسرائيل.. الآن وقد انطلقت المصالحة بين أنقرة وأبوظبي، فقد وجب التغيير الجذري في الموقف، فهل سيعود للترويج للمنتجات التركية وحتى الإيرانية.
فماذا قال خلفان في تغريدة على «تويتر» كاذبا «ما حملنا يوما على تركيا ولا على أردوغان، إلا حين شنوا الحملات علينا.. جنحوا للسلم فجنحنا.. نحن أمة (لاحظوا شعب الإمارات أصبح أمة) تسامح وسلام ووئام، لكن مع من يُكنّ لنا الاحترام». طبعا ما نطق خلفان إلا كذبا فغير موقفه، وفقا لما يخدم مصالحه ومصالح أسياده إذا أحسنا الظن. ولا ننسى شيخ المنافقين وسيم يوسف الأردني الأصل المتجنس، إن المنافقين أشد كفرا.

علي الصالح
كاتب فلسطيني – «القدس العربي»

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار