البابور الموقع العربي

الإسلاموية الصهيونية .. منصور عباس نموذجا

275

هل يأتي يوم نرى فيه مصطلح «الإسلام الصهيوني» على غرار المسيحية الصهيونية

علي الصالح

رغم أن تصريحات النائب في الكنيست عباس منصور رئيس القائمة العربية الموحدة، التي تمثل الحركة الإسلامية الشق الجنوبي في إسرائيل، الذي حاز بها عن جدارة، لقب عباس بن غفير، تيمنا بزميله النائب من حزب «الصهيونية المتدينة» إيتمار بن غفير، الكاره للفلسطينيين والعرب بشكل عام. تصريحاته حول يهودية دولة الاحتلال، مضت عليها أسابيع إلا أنها لا تزال تشعل الغضب الفلسطيني، ولا يزال هناك ما يمكن أن يقال فيها وعنها، ويجب عدم السماح لها بأن تمرّ وكأنها زلة لسان، ولا تندرج تحت مفهوم الخيانة الوطنية. من الخطورة تجاهلها وثمة ضرورة لمواصلة إدانتها والكتابة فيها وعنها، وهذا واجب وطني لفضح ليس عباس نفسه، فإن ما قال يفضحه، إنما من يقف وراءه، لأن ما نطق به عباس بن غفير ما هو إلا كفر، أثار به تسونامي سياسيا على الصعيد الفلسطيني الذي لم يكن يتوقع أن يأتي اليوم الذي يطل فيه علينا فلسطيني من أبناء جلدتنا وبهذه الوقاحة، ويتنازل فيه عن حقوق الشعب الفلسطيني في وطنه بهذه الصورة.
هناك أصابع خفية وراء تصريحاته، التي صدم فيها الصهاينة قبل الفلسطينيين، الذين لم يصدقوا ما يسمعون على لسان فلسطيني، حتى في أضغاث أحلامهم. ولا أعتقد أن هذه التصريحات وغيرها جاءت، كما اسلفنا، في لحظة تسرع وتهور، بل كانت خطوة مدروسة الأغراض والأهداف، التي هي أكبر من عباس منصور وحركته الإسلامية. وجاءت خدمة لأجندات خارجية. وعباس منصور أصغر بكثير من أن يلعب بمفرده بهذه الورقة، بل تقف وراءه أصابع خفية كما قلنا. وأكاد أجزم أنه كان ينفذ أوامر عليا، مصدرها إحدى الدول الغارقة حتى أذنيها بالتطبيع المذل مع دولة الاحتلال، بل تعمل لمصلحتها وخدمة لها ووكيلة لأعمالها والترويج لها في إقليم الشرق الأوسط، وربما أبعد من ذلك، على حساب الحقوق الوطنية والشرعية للشعب الفلسطيني.. ويشتم من هذا التصريح الخياني رائحة الدولارات المغمس بالنفط والمال الخليجيين.

هناك أصابع خفية وراء تصريحات عباس منصور، التي صدم فيها الصهاينة قبل الفلسطينيين، الذين لم يصدقوا ما يسمعون على لسان فلسطيني

فماذا قال عباس بن غفير أمام «مؤتمر إسرائيل للأعمال» الذي تنظمه صحيفة «غلوبس» الصهيونية، قال إن «دولة إسرائيل وُلدت كدولة يهودية وهكذا ستبقى. نحن واقعيون. ولا أريد أن أوهم أي أحد. والسؤال ليس ما هي هوية الدولة وإنما ما هي مكانة المواطن العربي فيها». وهذه ليست المرة الأولى التي يثير فيها عباس بن غفير بتصريحاته غضب الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر. فتاريخه ملطخ، فقد نجح في شق الصوت العربي في مناطق 48 في الانتخابات الإسرائيلية الاخيرة ليخوض الانتخابات لوحده كقائمة موحدة، ما تسبب في خفض عدد نواب العرب من 15 نائبا في الانتخابات ما قبل الأخيرة، إلى 10 الآن .
وهذا ليس التصريح المجلجل الوحيد الذي أثار به عباس غضب الفلسطينيين، فهو الذي رفض إدانة المستوطنين واعتداءتهم، وهو الذي وافق على المشاركة في ائتلاف حاكم هو الأكثر يمينية وعنصرية وتطرفا في تاريخ إسرائيل، ائتلاف يرفض مبدأ السلام ويرفض رئيس وزرائه لقاء الرئيس الفلسطيني، وإقامة دولة فلسطينية والدخول في مفاوضات سياسية مع السلطة. ومنصور وزمرته هم من يمنعون انهيار هذه الحكومة، دون أن يحقق حتى وعوده لناخبيه. ولا يجد الاحترام في أوساط حتى المشاركين في الائتلاف الحكومي. وهو الذي صوت في الكنيست ضد أي قرار لصالح الفلسطينيين، فقد صوت قبل أيام لصالح بيان لرئيس الوزراء يعارض فيه عودة القنصلية الأمريكية إلى القدس الشرقية.
إن ما نطق به النائب عباس منصور حقيقة، ما هو إلا كفر، ما قاله عباس منصور في المؤتمر الاقتصادي الصهيوني، صدم حتى الصهاينة أنفسهم قبل الفلسطينيين. اعترافه بيهودية الدولة لم يتجرأ على النطق به على هذا النحو، صهاينة يجلسون إلى جواره على مقاعد الكنيست، لم يصدقوا ما كانوا يسمعونه من رئيس كتلة الحركة الإسلامية، وهو ينطقها بوقاحة، ومن دون أن يرمش له جفن.. ما قاله يزيح اللثام عن وجهه الحقيقي الأكثر صهيونية وعنصرية ضد نفسه وشعبه، من زميله إيتمار بن غفير الذي يدعو لهدم الأقصى وقتل الفلسطينيين، أو طردهم وترحيلهم، وحاول قبل أيام اقتحام غرفة الأسير هشام الهواش، بعد انتزاع حريته من سجون الاحتلال. وأيد نواب القائمة الموحدة بقيادة منصور مشروع قانون زيادة ميزانية تخليد ذكرى ديفيد بن غوريون، قائد مجازر النكبة، وواضع كل أسس السياسات العنصرية، وقبل كل هذا، تأييد قانون الحرمان من لم الشمل.
وبناء على ما تقدم فلا استبعد أن يأتي اليوم الذي يطالب به عباس بن غفير الجديد اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم وطردهم بقوة السلاح طالما إن اسرائيل دولة يهودية على هذا الأساس قامت وعلى هذا الأساس ستبقى دولة يهودية لليهود فقط. ولا استبعد اليوم الذي يضم فيه منصور صوته إلى أصوات المستوطنين الداعين لضم الضفة الغربية، وربما يدين عباس بن غفير تصريحات يئير جولان نائب وزيرة الاقتصاد والصناعة من حزب ميرتس، التي وصف فيها المستوطنين أول من أمس في مستوطنة حومش، بـ»الحثالة». وقال جولان في لقاء مع قناة الكنيست «نحن أبناء الشعب اليهودي عانينا من الاعتداءات والقتل خلال فترة طويلة من التاريخ، واليوم يقوم اليهود ويفعلون ذلك للآخرين، يهدمون المقابر، هذا ما نفعله؟ هؤلاء ليسوا من بني البشر وإنما حثالات، يجب إخراجهم بالقوة من حومش». مؤكدا أن تصرفاتهم المتطرفة ستسبب «لنا الكوارث، هؤلاء يريدون ضم ملايين الفلسطينيين إلينا”. ولا استبعد أن يدين عباس بن غفير هذه التصريحات ويصفها بالعنصرية. كما لا أستبعد اليوم الذي يأتي فيه عباس منصور إلى الكنيست بزي الحاخامات ويطالب به زيا وطنيا إلزاميا رسميا لأعضائه، لان من يقول ما قاله لا يمكن تفسيره إلا على هذا النحو. ولا أستبعد أيضا أن يغير عباس منصور لون رايات حزبه من اللون الأخضر إلى الأزرق ويمكن أن يبررها بالقول إن الأخضر أخو الأزرق ولا فرق.
وهل يستبعد أن يضيف إلى اسم حزبه الحركة الإسلامية الصهيونية على نمط المسيحية الصهيونية، في خطوة لتوحيد أديان أحفاد إبراهام تحت راية واحدة راية الصهيونية، كما يريد محمد بن زايد، رائد التطبيع والاستسلام لدولة الاحتلال.
ومنصور هو من أيد قانون «حرمان الفلسطينيين من لم الشمل». لم يترك عباس منصور لليمين الصهيوني المتطرف شيئا، فقد صوت نواب القائمة لصالح بيان من نفتالي بينيت، يؤكد رفضه المطلق لإعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية، وهو أحد مطالب منظمة التحرير لعودة العلاقات الأمريكية الفلسطينية إلى سابق عهدها، ولتأكيد جدية الإدارة في التعامل مع القضية الفلسطينية.
وأخيرا فإن ما قاله عباس منصور أمام مؤتمر صحيفة «غلوبس» الإسرائيلية هو الكفر بعينه، إنه بذلك يشق الإجماع الفلسطيني وينتقل بموقفه إلى مربع أعداء الشعب الفلسطيني والمطبعين.
وأختم بالرد على ما قاله قارئ في تعليقه على مقالي تحت عنوان «إنما للنفاق حدود يا ضاحي خلفان». ويرد الأخ القارئ الذي اكتفى بالكشف عن اسمه الأول وهو جمال، بإرجاع ما قاله الخلفان إلى «البراغماتية السياسية». فقال «ليس هناك عدو أبدي فقط، المصالح تحدد العدو من الصديق» وأضاف «البراغماتية التي لا نعرفها في علاقاتنا العربية». والحقيقة أن لا أحد يختلف مع جمال في الرأي بشأن البراغماتية وضرورة العمل بها في الكثير من الحالات، فهي مطلوبة للتعامل مع بقية البشر في كل شيء، إلا في قضايا الوطن يا أخ جمال. فالقضايا الوطنية ترتقي فوق شيء وهي غير قابلة للصرف او التعامل معها ببراغماتية .
كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار