نشر هذا المقال عام 2011 بعد اندلاع الثورة العربية .. فيه توقعات اثبت الزمن الحاضر صدقها
سمير الحجاوي
تشكل (إسرائيل) خطا رابطا بين الرئيس التونسي الهارب زين العابدين بن علي وبين الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك والعقيد الليبي معمر القذافي وابن خال الرئيس السوري رجل الأعمال رامي مخلوف، فهم جميعا استخدموا الورقة الإسرائيلية لإقناع الغرب بضرورة دعم أنظمتهم الاستبدادية ضد رغبة شعوبهم بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.. أي الصمت على الاستبداد وكبت الحريات والتسلط على الشعوب مقابل الحفاظ على إسرائيل وأمنها وبقائها، وهي ورقة مغرية للغرب إلى الدرجة التي جعلته يغض الطرف عن ظلم هذه الأنظمة الاستبدادية، وانتهاكها لحقوق الإنسان بشكل سافر، فالغرب صمت على نظام بن علي في تونس وأصدرت مؤسساته تقارير تعتبر هذا النظام نموذجا يحتذى، وانه يحقق معجزة اقتصادية وأمنية، بل إن فرنسا ذهبت أبعد من ذلك حين عرضت على بن علي إرسال قوات فرنسية لدعمه في الأيام الأولى للثورة، لأنه يؤمن الخاصرة الإسرائيلية في البحر الأبيض المتوسط، ولأن سرعة الأحداث كانت أكبر من قدرة الغرب على استيعاب ما يجري، فقط سقط نظام بن علي الذي هرب تاركا الغرب في “حيص بيص”، وهو تصرف دفع الدول الغربية إلى محاولة تفادي أخطائها في مصر وغيرها من الدول العربية التي شهدت ثورات بعد ذلك.
أما فيما يتعلق بمصر فإن الغرب سوَّف كثيرا قبل أن يتخذ موقفا من نظام مبارك، بل جندت إسرائيل ستة من سفرائها في العالم للعمل على حشد الدعم له وإقناع الدول الكبرى بأهمية وضرورة بقاء نظامه، فهذا النظام حمى حدود الكيان الإسرائيلي، وأسهم بخنق قطاع غزة، وشارك بشكل أو بآخر بالعدوان الإسرائيلي على غزة، وأسهم بتعميق الانقسام الفلسطيني الفلسطيني، ومنح الكيان الإسرائيلي الغاز مجانا وفتح الطريق أمامه لغزو إفريقيا والعالم العربي، وهي خدمات لا تقدر بثمن.
ولم تتغير المواقف الغربية إلا بعد أن أيقنت أن الشعب المصري مصرُّ على إسقاطه وانه صار قاب قوسين من الانهيار، وانه يلفظ أنفاسه.
وليس بعيدا عن مصر نجد نموذجا آخر من الأنظمة العربية، وهو النموذج الليبي، نموذج معمر القذافي “الثوري القومي” الذي تحول إلى الشعارات “الإفريقية والأممية” متنكرا للقومية العربية، وهي مفارقة سخيفة لزعيم يحب أن يحمل لقب “أمين القومية العربية” إلى جانب سلسلة الألقاب الأخرى.
مشكلة تاريخ القذافي “الثوري” تجاه فلسطين أنه تاريخ اسود، فالعقيد كان أحد رعاة “أبو نضال” الذي حمل بندقية للإيجار، لم يقتل فيها إسرائيليا، بل تركزت كل هجماته على شخصيات فلسطينية، وهو بذلك كان ينفذ أوامر من يمنحه التمويل والدعم ومعسكرات التدريب، وكانت “ليبيا القذافي” أحد الممولين الأساسيين لأبي نضال.
الآن وبعد اندلاع الثورة في ليبيا ضد حكم القذافي، وبعد أن خسر القذافي كل أوراقه المهمة، أخرج من جيبه الورقة الإسرائيلية، وقال إن بقاء نظامه صمام أمان لإسرائيل، قالها صراحة وبدون مواربة في مقابلة تلفزيونية، وهو بذلك يكشف عن حقيقة الدور الذي يلعبه بنفسه، وأنه أحد حماة إسرائيل.
تدور العجلة إلى سوريا التي تشهد ثورة شاملة ضد نظام البعث الذي يحكم البلاد منذ 40 عاما وضد حكم الرئيس بشار الأسد، وهي ثورة تشمل كل المدن السورية بلا استثناء، حتى وإن كانت دون المستوى في دمشق وحلب بسبب كثافة الحواجز الأمنية التي قطعت المدينتين إلى كانتونات على الطريقة الإسرائيلية في الضفة الغربية، وعلى الرغم من الإجراءات العنيفة ضد المدن السورية التي قصف بعضها بالدبابات، استشعر نظام الأسد خطر السقوط، فوضع على الطاولة ورقته الأخيرة، وهي امن إسرائيل وهي الورقة التي أبرزها رامي مخلوف “ابن خال الرئيس ورجل أعمال النظام” عندما ربط أمن إسرائيل ببقاء نظام البعث والأسد، ثم نفذ ذلك على الأرض عندما سمح النظام السوري للمتظاهرين بالدخول إلى الجولان المحتل لتأكيد ما قاله مخلوف ليبرهن أنه من يحمي حدود إسرائيل، وربما هذا ما يفسر التلكؤ الغربي والأميركي على اتخاذ موقف داعم للثورة، بل عمد الغرب إلى منح الأسد الفرصة تلو الأخرى لسحق الثورة الشعبية، وهو ما لم يحدث، لأن ثورة الشعب السوري أكبر من قدرة النظام على سحقها، وهذا ما دفع الغرب إلى البدء باتخاذ مواقف أكثر بعدا عن نظام الأسد.
تصرفات هؤلاء الزعماء كشفت المستور عما كنا نعرفه دائما، وبينت من يحمي إسرائيل وحدودها ووجودها وبقاءها، وهذا يذكرنا بعبارة تنسب إلى موشيه ديان وزير الحرب الإسرائيلي الراحل الذي قال يوما “الجيوش العربية كلاب حراسة لنا”، وقد أثبتت الثورات في تونس ومصر وليبيا وسوريا، أن هذا الكلام صحيح، وربما تكشف الثورات المقبلة في العالم العربي عن مزيد من “الأنظمة العربية” التي تحمي إسرائيل.
هذا المقال نشر في جريدة الشرق القطرية عام 2011