البابور الموقع العربي

عمران خان وإرث لعبة معقدة

529

د. أحمد موفق زيدان

قلّما تمكن رئيس وزراء باكستاني من إكمال فترة حكمه، في بلد مضطرب، تقاسم فيه العسكر والساسة الحكم على مدى تاريخه القصير منذ انفصاله عن الهند 1947، وعادة ما يستدعي الساسة الباكستانيون نفس الخطاب حين يتعرضون للإزاحة والإقالة، وما دام أكثر ذخيرة رائجة وبيّاعة كما يقال للشعب الباكستاني في مثل هذه الأجواء، هي تجارة معاداة أميركا، فإن السياسي لن يجد غضاضة في استخدامها.

أتذكر الآن حين أُقيلت بي نظير بوتو من رئاسة الحكومة عام 1993 بعد أن خلعها رئيس البلاد يومها فاروق لاغاري وفقاً لصلاحياته المستندة لقناعته بعجزها وفشلها في الحكم. كنت يومها ألتقيها في بيتها وسط العاصمة إسلام آباد، وعلى الفور قالت لي إن من أقالني شركة يونوكول الأميركية، على أساس أنه كان هناك تجاذب وصراع وسباق بين هذه الشركة الأميركية، وشركة بريداس الأرجنتينية لنقل الغاز التركماني إلى أفغانستان وباكستان فالشرق الأقصى.

الجيش الباكستاني غاضب على عمران خان منذ أن مدّد لقائد الجيش الحالي دون الرجوع إليه كما تقتضي البروتوكولات المتعارف عليها، مما عنى أنه يريد أن يكون مستقلاً عن الجيش، وضاعف الغضب إعلانه بشكل علني وواضح  دعم حركة طالبان، مثيراً بذلك التقاليد البشتونية الذي يعد هو جزءاً منها، واستغل ذلك ليدفع باتجاه الصين انتقاماً من أميركا

كانت بي نظير بوتو قد انتقت كلماتها بدقة، فلم تُحمّل أميركا مباشرة المسؤولية، وإنما شركتها، فهي تعرف أهمية العامل الأميركي في السياسة الباكستانية، كحالها في السياسات العالمية كلها، وهي تدرك تماماً أن رفع سقف الخطاب ضد أميركا اليوم يعني الثمن سيكون أبهظ وأفدح بالنسبة لها، وربما لحزبها، لكن هذا كان بخلاف عمران خان لاعب الكريكت العالمي، الجديد على السياسة الباكستانية، والجديد على عالم المناكفات الدولية، فقد وجه الاتهام مباشرة إلى أميركا، التي رأى أنها تريد إسقاطه، وأن المعارضة عميلة للأميركان، تتعاون معها في إقالة حكومة شعبية منتخبة.

بالطبع ربما أرضى عمران خان ضميره اليوم، ولكن بكل تأكيد فإن مجيئه إلى السلطة منتصف 2018 لم يكن له أن يحدث لولا دعم الجيش، في مواجهة ساسة متجذرين في الحياة السياسية والاجتماعية الباكستانية، ولكن خروج عمران خان بعيداً عن نص الجيش الذي يرى نفسه حامياً للبلد خلال فترة حكمه الأخيرة، وتحديداً فيما يتعلق بسياسته الخارجية، دفع الجيش إلى أن يُفرمل خطوات عمران خان الذي طار في نفس اليوم الذي أعلن فيه فلاديمير بوتين غزو أوكرانيا، ليظهر معه بنفس الصورة، وكأنه مشجع له على الغزو.

وهو الأمر الذي أغضب الدوائر الغربية، وبالتأكيد أغضب الجيش الباكستاني، الذي لديه مرارات تاريخية من التعامل مع روسيا منذ احتلالها أفغانستان، وهي تعرف تماماً أنها لن تغفر لها وقوفها مع المجاهدين الأفغان في الثمانينيات، وتسببها بتقسيم الاتحاد السوفياتي، التي لا تزال تُحمّل باكستان مسؤوليته.

وكان عمران خان خطا خطوة متقدمة اقتصادياً صوب الصين، بينما القيادة العسكرية الباكستانية تسعى إلى السير على خيط مشدود جداً طرفاه أميركا والصين، ولذلك فهي توازن بشدة وبدقة بينهما، فعلى الرغم من علاقات الجيش وتحالفه العسكري التقليدي مع الصين إلاّ أنه يدرك تماماً أن تكنولوجيته، واقتصاده، ونخبه تعتمد على الغرب ولا يمكن التخلي عن هذا المعسكر بسهولة، كما لا يمكن إغضابه.

الشعارات التي رفعتها المعارضة الباكستانية بكافة شرائحها من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار بوجه عمران خان، وتحديداً فيما يتعلق بالتضخم، وارتفاع الأسعار وانهيار العملة الوطنية، كلها شعارات يعاني منها العالم كله، وليس هناك دولة في هذا العالم بعيدة عنه، فالتضخم في دول متقدمة ربما أكبر منه في باكستان، ولكن مثل هذه الشعارات تستخدم من أجل المواطن العادي، مع إخفاء لعبة داخلية وراءه، طرفها الجيش الباكستاني، ولعبة خارجية أطرافها الصين وروسيا وأميركا.

الجيش الباكستاني غاضب على عمران خان منذ أن مدّد لقائد الجيش الحالي دون الرجوع إليه كما تقتضي البروتوكولات المتعارف عليها، مما عنى أنه يريد أن يكون مستقلاً عن الجيش، وضاعف الغضب إعلانه بشكل علني وواضح دعم حركة طالبان، مثيراً بذلك التقاليد البشتونية الذي يعد هو جزءاً منها، واستغل ذلك ليدفع باتجاه الصين انتقاماً من أميركا، فقوبل ذلك برفض الرئيس الأميركي جو بايدن أكثر من مرة الرد على مكالماته الهاتفية، ورفض حتى التواصل معه، ومعلوم انعكاسات مثل هذه الخطوة على السياسة الباكستانية وتحديداً الساحة الاقتصادية، التي هي بحاجة بشكل رئيسي وأساسي للدعم الأميركي، والغربي تحديداً.

ما يُقلق أوساط عسكرية وسياسية باكستانية أن تُفضي سياسة عمران خان بالقطع مع أميركا، والذهاب باتجاه الصين وروسيا، المراهنة على أحصنة خاسرة، مما يعني وقوع البلد في أحضان محور الاستبداد الروسي الصيني الإيراني، لينقطع عن المحور الغربي، وهو ما يترتب عليه إعادة توجيه خطيرة للسياسة الباكستانية بكل أنواعها السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية، وحتى النفسية، وهو ما لا يقوى عليه أحد في ظل هذه الظروف، الأمر الذي دعا الجيش إلى التدخل، ليقنع الأطراف كلها بحل البرلمان والتوجه إلى انتخابات مبكرة، وبالتأكيد لن يكون الفائز فيها عمران خان.

ومثل هذا الحل أراح الولايات المتحدة الأميركية التي كان مندوبها زلماي خليل زاده في إسلام آباد لحظة الإعلان عنه، كون الخيار الآخر، وهو حجب الثقة عنه في البرلمان، سيثبت نظرية عمران خان بأن أميركا هي من أسقطته، ولكن الآن ظهر أن الحل الذي  وافق عليه عمران خان، بحل البرلمان كاملاً، والذهاب إلى انتخابات مبكرة، لتكون فيه هزيمته المؤكدة في الانتخابات المقبلة بفعل الشعب وليس بفعل أميركا، وكلنا يعلم شفافية الانتخابات في ظروف كهذه.

المصدر: الجزيرة نت

د. احد موفق زيدان – مدير مكتب قناة الجزيرة في باكستان سابقا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار