البابور الموقع العربي

“الجذر الاقتصادي للثورة السورية”.. جديد الدكتور أسامة قاضي

819

“حَلُّهُ في حَلّهِ”، بمعنى أن حلّ مشكلة النظام السوري لا تتم إلا بحلّ النظام نفسه لأنه مستعصٍ على الحل

نظرية “المِرجَل”: أحد تمظهرات الظلم هو الظلم الاقتصادي الذي يكون بمثابة الغليان

استحالة تطبيق التجربة الألمانية إلا بأركانها الخمسة التي تتضمن القضاء المستقل والمشاركة الشعبية والحكم الرشيد

الركائز الخمسة للتجربة الالمانية: احترام حقوق الإنسان ، سيادة القانون ، المشاركة الشعبية في العملية السياسية ، نظام اقتصادي موجه نحو اقتصاد السوق الاجتماعي، وعمل الحكومة الموجه نحو التنمية.

في سوريا يصعب التفكير بالتغيير العسكري أو المدني أمام نظام أمني عمره خمسة عقود

تراوحت نسب الفقر في سوريا مابين 40 إلى 50٪ وهذا مازاد في إشعال جمرة الانتفاضة، وكانت سبباً رئيساً في الثورة السورية، وخاصة أن سوريا كانت تخسر 9 بالمائة من الطبقة الوسطى كل سنة منذ عام 2007، وارتفعت “اللامساواة” مابين 1997 و 2004

في عام 2003-2004 لم يتمكن حوالي مليوني سوري (11.4 % من السكان) من الحصول على حاجاتهم الأساسية من المواد الغذائية والمواد غير الغذائية، وباستخدام خطوط الإنفاق للفقر الخاصة بالأسرة المعيشية، يرتفع الفقر الإجمالي في سوريا إلى 30 بالمائة ليشمل 5.3 مليون شخص.

إصرار حزب البعث الحاكم على تطبيقه المشوّه لليبرالية الاقتصادية، وتجاهل تطبيق الشقّ السياسي والإنساني لليبرالية

تكريس حزب البعث على أنه “قائد الدولة والمجتمع” قاد سوريا إلى الهاوية والجحيم الإنساني والاقتصادي، ضمن أجواء الأحكام العرفية وانتشار الفساد بشكل عنقودي أخطبوطي

الدكتور أسامة قاضي: نظام بشار الاسد أشعل الثورة في آذار عام 2011 بتجاهله لكل التقارير الاقتصادية التي قدمت له،

الإهمال والطغيان الاقتصادي، وغليان المِرجَل على مدى خمسين عاماً من” حكم البعث والعبث” كان عاملاً مهماً في انتفاضة الشعب السوري

الضلال الاقتصادي والسياسي والإنساني للشعب السوري وضع نظام الاسد سوريا قبل الثورة على قائمة الدول الفاشلة بترتيب 48 من أصل 177 دولة، فالنظام وبطانته أوصلوا سوريا لتكون أفشل خمسين دولة في العالم

أصدر المستشار الاقتصادي ورئيس مجموعة عمل اقتصاد سورية، الدكتور أسامة قاضي، كتاباً بعنوان “الجذر الاقتصادي للثورة السورية”، تحدث فيه عن الأسباب الاقتصادية لاندلاع الثورة السورية.

وقال: “أهدي الكتاب للشعب السوري، وللصديق الحبيب ميشيل كيلو رحمه الله، ولصديقي دكتور صخر حلاق كان أشهر طبيب تغذية في حلب وقتل في السجن وللعالم الشاب يوسف الهنداوي الذي كان تاجراً وعالماً ويعد على صغر سنه من أعلم الناس في الفقه الحنفي رجل من ألطف البشر وأكثرهم تواضعاً وعملاً ومتطوعاً كإمام في الجامع الأموي، كل ذنبه أنه طلب من الشبيحة عدم شرب الخمر والزعرنة داخل المسجد فاختفى عام 2012 وأغلب الظن أنه قتل تحت التعذيب”.

يتحدث المؤلف في كتابه المؤلف من 322 صفحة عن الأسباب الاقتصادية التي تقبع خلف الثورة السورية التي طالبت بالحرية والكرامة واحترام الإنسان السوري ورفع الظلم عنه، ويرى المؤلف أن أحد تمظهرات الظلم هو الظلم الاقتصادي الذي يكون بمثابة الغليان وما أسماها بنظرية “المِرجَل” حيث أن الحاكم الظالم في المجتمعات المظلومة والمضطهدة يذيقها نار الظلم والطغيان دون أن يسمح لأي نوع من أنواع التعبير حتى يبرد “المرجل” بل يزيد من نار الظلم من تحته ويزيد معه غليان الشعب، وبدل أن يلجأ إلى تبريد “المِرجَل” عبر القضاء المستقل وتطبيق العدالة ولو بشكل تدريجي، والسماح للشعب بالتعبير عن المظالم والإسراع في حلها، يقوم “فراعنة” العسكرة والسياسة باتباع الأسلوب الفرعوني حيث يسومون الشعب سوء العذاب ويذبحون الأبناء ويستحيون النساء.

الغريب كما يقول دكتور قاضي أنه بمجرد ما ينفجر “المِرجل” ويدمّر ويحرق كل ما حوله تبدأ أدوات أنظمة الطغيان بلوم الغرب والشرق، و”لوم” المؤامرة الكونية، وتُرمى التُهم جزافاً فمرة التخابر مع دول العالم، ومرة التطرف، ومرة تقوم أدوات الظلم ورأسها بوسم الشعب الثائر بالحشرات، وأخرى بالجراثيم، كرد فعل طبيعي لمرضى “الإسقاط” النفسي، حيث يقوم المريض بالإشارة لمرض من حوله كي ينفي المرض عنه.

معظم الثورات برأي المؤلف ترنو إلى الكرامة والحرية وتصرخ عالياً من أجل الخلاص من الاستبداد الذي يهين أبناء الوطن ويحطّ من شأنهم، ولكن يتساءل : أليس الفقر والبطالة وسوء الخدمات وانخفاض رواتب موظفي الخدمات العامة التي تلجئ الموظفين للفساد الإداري وتلقي الرشاوى هو إهداراً للكرامة؟ أليس الوقوف على دور الخبز لساعات طويلة إهداراً لكرامة الإنسان؟ أليس وجود الشباب المتسكع بالشوارع وسؤال المعونة من الناس بسبب البطالة هو إهداراً لكرامتهم؟ ألم يكن المفروض أن يتلقى هؤلاء الشباب تدريباً مهنياً كافياً وتعليماً عصرياً ليجدوا فرصة عمل محترمة مع شركة محلية أو دولية في بلدهم كي يعيشوا سعداء مع عائلاتهم وأولادهم وبذلك تصان كرامتهم؟

من هنا فإن البعد الاقتصادي برأيه لا يغيب عن أي انتفاضة شعبية سواء أكانت ثورة الخبزـ أو ثورة عارمة تطالب بالانتهاء من نظام الحكم كله، بل هي المحرك الأساسي للهبّات الشعبية التي تضيق ذرعاً بالظلم وأهله.

بين دفتي كتاب “الجذر الاقتصادي” لم يتناول المؤلف بشكل أكاديمي دراسة اقتصادية مليئة بالأرقام تتبع تدهور القطاعات الاقتصادية السورية على مدى العقود الخمسة الماضية كي لا يملَّ القارئ غير المختص، بل أحب أن يتناول الجذر الاقتصادي للثورة السورية من خلال عدة أبحاث ولقاءات ومقالات قام بها قبل عام 2011 محاولاً الإصلاح حينها ما أمكن حتى تتحاشى سورية الوصول إلى ثورة عام 2011، وتلك الأبحاث والمقالات والرسائل المفتوحة لرأس النظام تضيء على جوانب من العطب الاقتصادي الذي كان يعاني منه الجسد الاقتصادي السوري، وتوضّح أخطر انعكاساته التي تطفح على ذلك الجسد، خاصة البطالة والفقر الكفيلة بتدمير أي اقتصاد مالم يسع حكماء الاقتصاد بالتعاون مع حكومة رشيدة -إن وجدت- بالعمل على إصلاحها بسرعة في غرفة الإسعاف الاقتصادية…وإلا فإن الجسد الاقتصادي سيفارق الحياة.

وضع المستشار الاقتصادي بعض الأبحاث الاقتصادية التي تشرح وضع سورية قبل الثورة السورية من مثل بحث “واقع الصناعة السورية والعقدة التنفيذية” الذي أنجزه عام 2009 ، ومن ثم بحث يخص اقتصاد السوق الاجتماعي الذي لطالما قام النظام السوري بالتنادي بتطبيقه خاصة بعد عام 2004 على يد الفريق الاقتصادي حينها الأستاذ عبد الله الدردي والدكتور عماد لطفي والدكتور محمد الحسين وغيرهم وقام -حينها- بتبيان استحالة تطبيق هذه التجربة الألمانية إلا بأركانها الخمسة التي تتضمن القضاء المستقل والمشاركة الشعبية وبحد مقبول من الحكم الرشيد وهذا مافصّله به في بحثه الذي نشره قبل الثورة السورية بسنوات والمعنون : “دعوة للتصالح مع الذات: اقتصاد السوق الاجتماعي وإلغاء المادة 13 من الدستور السوري؟” وبيّن فيه أن تجاهل تطبيق الحزمة الخماسية لاقتصاد السوق الاجتماعي ساهم في توسيع الفجوة بين طبقات المجتمع وساهم في المزيد من الفقر للكثيرين مما زاد الغليان في المِرجَل السوري وزاد من احتمال انفجار الثورة عام 2011.

عرض المؤلف قصته مع مؤتمر المغتربين الأول عام 2004…وطرحه لشعار “حَلُّهُ في حَلّهِ”، بمعنى أن حلّ مشكلة النظام السوري لا تتم إلا بحلّ النظام نفسه لأنه مستعصٍ على الحل، حيث إنه عاد من الولايات المتحدة الأمريكية بدعوة من زارة المغتربين وألقى محاضرته المعنونة “الديمقراطية كمدخل للتنمية الاقتصادية في سورية” لإيمانه -كما يذكر- بأنه في سورية يصعب التفكير بالتغيير العسكري أو المدني أمام نظام أمني عمره خمسة عقود، وبرأيه حينها لم يبق سوى المدخل الاقتصادي للتغيير وآمن بشعار أطلقه أن “الإصلاح بحاجة لمصلحين” بمعنى أنه لو أن كل التكنوقراط سيتخلون عن وطنهم من ذا الذي سيقوم بالإصلاح.

كذلك عرض بحثه الذي قدّمه للبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة عام 2007 وجزء من تقرير “مشروع رؤية استشرافية لمسارات التنمية 2025” وهي رؤية استشرافية في الاقتصاد والسياسة والقانون وحقوق الإنسان والتي قام بها أكثر من ستين مفكراً سورياً من أجل وضع رؤية لسوريا عام 2025 وعرض بحثه المعنون: “المشروعات الصغيرة والمتوسطة و”الحوكمة الرشيدة” في سورية: دراسة استشرافية وسيناريوهات عام 2025 ” ويجزم الدكتور قاضي بأنه لو أخذت الحكومة السورية بحينه بتوصيات ذلك التقرير لما قامت الثورة السورية عام 2011 لأنها كانت ستبدأ بإطفاء النار تحت مِرجَل المجتمع المطحون وتبدأ بتبريده للحفاظ على المجتمع السوري وتطويره والنهوض به اقتصادياً وفكرياً وقانونياً وإنسانياً.

كما عرض ملخص التقرير المطّول الذي أعده لهيئة مكافحة البطالة في سورية والمعنون: “دراسة حول أداء المشروعات الصغيرة المموّلة بقروض من هيئة مكافحة البطالة… معايير لتقييم أداء المشروعات الصغيرة: المقترحات والتوصيات” والتي ضمت 28 توصية واقتراح تفصيلي ضمن تقرير مطّول قدمه عام 2004 لهيئة مكافحة البطالة التابعة لرئاسة مجلس الوزراء لدراسة الآثار الاقتصادية لتلك الهيئة، واندرجت التوصيات في حينها تحت قسمين: الأول هو مايخص ألية عمل الهيئة، والثانية مايخص تحسين أداء الهيئة، وكان أهم توصية طرحها الدكتور قاضي عام 2004 هي وجوب حسم الطبيعة القانونية للهيئة، وجعلها هيئة دائمة ومستقلة، لأن إنشاء الهيئة بصفة مؤقتة لخمس سنين لايجعلها مؤسسة قادرة على استقطاب المؤهلين بسبب عدم إمكانية التعاقد الدائم مع الموظفين، ولاتكسبها الثقة مع جيوش العاطلين عن العمل، حيث كان هنالك مليون عاطل عن العمل في سوريا وكان من الضروري أن تعطي الحكومة قوة أكثر ومرونة أكبر للهيئة لذلك أوضى في حينها بتقوية الهيئة واستقلاليتها عن وزارة الشؤون الاجتماعية لكن السيدة ديالا حاج عارف الوزيرة في حينه عملت لإلحاق الهيئة بالوزارة خلافاً للتوصية وهذا ماحدث في نهاية 2005 وبذلك دمّرت الحكومة آخر وسيلة لها للحد من البطالة.

وكذلك أوصى بإحداث معاهد للتأهيل الفني والمهني، والإداري بأفضل المدربين محلياً وعربياً وعالمياً، والتي من شأنها أن ترفع من خبرات سكان المدن والأرياف وتؤهلهم، كذلك قيام الهيئة بمراجعة المشاريع السابقة واختيار بعض المشاريع المتميزة بحيث تكون مشاريع كثيفة العمالة بحيث تخلق عمالة مأجورة وبدوام كلي واقترح حينها رفع سقف القروض إلى 10 مليون ليرة سورية للتوسع (كانت القروض تتراوح بين 200 ألف ليرة إلى 3 ملاييين ولكن معظم القروض أقل من مليون ليرة).

وأوصى برفع موازنة هيئة مكافحة البطالة من 50 إلى 158 مليار ليرة سورية وذلك بتخصيص 44 بالمائة من حجم القروض لاستثمارها في مشاريع صناعية، و25 بالمائة لاستثمارها في القطاع الزراعي، و 19 بالمائة في مشاريع خدمية، و 12 بالمائة في مشاريع تجارية، وذلك طبقاً لنسبة فرص العمل بدوام كلي التي يخلقها كل نشاط.

لقد حاول المؤلف جهده أن يضع توصيات لصنّاع القرار السوريين بحيث لايبقى عاطل عن العمل في سوريا خلال خمسة سنوات وقدم التقرير للهيئة ونسخة للقصر الجمهوري في حينها كي يقرأها رأس النظام في ذلك الحين لأنه اعتقد أن هنالك شبهة إرادة إصلاح فأحب أن يصله التقرير شخصياً لعله يقوم باتخاذ القرارات المناسبة والأخذ بالتوصيات، ولكن للأسف تم إهمالها كما أهمل تقرير الأمم المتحدة السابق.

كما أشار دكتور قاضي في كتابه إلى محاضرة ألقاها في مؤتمر جامعة أركانسا الأمريكية قبل الثورة بشهرين والمعنونة “الاقتصاد السوري 2000-2010: ما الخطأ الذي حدث؟” وكيف أنه بعد عقد من تنصيب بشار الأسد في تموز (يوليو) 2000 ، لم تتمكن الحكومات السورية المتعاقبة والمستشارين الاقتصاديين المقربين من الرئيس من تصور استراتيجية شاملة لازمة لإصلاح الاقتصاد السوري، وكيف تجاهل فريق صناع القرار الاقتصادي السوري التطبيق الكامل للحكم الرشيد ، لذلك استمروا في الإصرار على تطبيق الشركات الصغيرة والمتوسطة دون اتباع أي إصلاح سياسي وقضائي وصحفي ، كجزء من استراتيجية ليبرالية شاملة، وقد تُرجم هذا الوضع اقتصاديًا إلى خلل في آليات السوق، ومشكلات اقتصادية أخرى مثل ارتفاع معدل البطالة والفقر وضعف النظام الضريبي.

كما تعرض في محاضرته إلى واقع الحكم الرشيد 2000- 2010 وقارن رقمياً بين مؤشرات الحكم الرشيد حسب الأمم المتحدة بين عهدي الأب والإبن وكيف كان معظمها من سيء لأسوأ.

ذكر الدكتور قاضي في حينها – قبل الثورة بشهرين- مشكلة التطبيق المجتزئ لسياسة اقتصاد السوق الاجتماعي الألمانية في سوريا بسبب تجاهل تطبيق ركائزها الخمسة، احترام حقوق الإنسان ، سيادة القانون ، المشاركة الشعبية في العملية السياسية ، نظام اقتصادي موجه نحو اقتصاد السوق الاجتماعي، وعمل الحكومة الموجه نحو التنمية.

لذلك كان رأيه حينها أنه من غير المحتمل أن تؤدي إلى معجزة اقتصادية سورية كما حدث في ألمانيا، ليس فقط الفساد الذي يرعاه القصر الجمهوري – والذي زاد من إشعال النار تحت “المِرجَل” وكان بعضاً من الجذر الاقتصادي للثورة السورية عام 2011 – هو الذي سيعيق تطبيق اقتصاد السوق الاجتماعي بل تضارب مواد الدستور مع تلك السياسة من مثل :المادة 13 التي تنصّ على أن الاقتصاد السوري اقتصاد اشتراكي، والمادة 21: يجب أن يهدف النظام التربوي إلى تنشئة جيل يؤمن بالقومية والاشتراكية، والمادة 23: التربية الاشتراكية أساس بناء جيل الاشتراكية العربية، إضافة إلى قانون الطوارئ منذ عام 1963، وغيرها من المواد الدستورية التي تتعارض مع التوجه “الليبرلوي” بشكل مشوه وكانت عائقا في وجه تطبيق سياسات اقتصاد السوق الاجتماعي.

وتعرض المؤلف لمسألة الفقر حيث تراوحت نسب الفقر مابين 40 إلى 50٪ وهذا مازاد في إشعال جمرة الانتفاضة، وكانت برأيه سبباً رئيساً في الثورة السورية، وخاصة أن سوريا كانت تخسر 9 بالمائة من الطبقة الوسطى كل سنة منذ عام 2007، وارتفعت “اللامساواة” مابين 1997 و 2004 حيث ارتفع مؤشر جيني من 0.33 إلى 0.37 حيث أنه في عام 2003-2004 استهلك ال20 بالمائة الأدنى من السوريين 7 بالمائة من الإنفاق العام بينما استهلك ال20 بالمائة الأكثر ثراء 35 بالمائة كما ذكر تقرير “الفقر في سوريا 1996-2004” الذي أعده البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة مع هيئة تخطيط الدولة للدكتورة هبة الليثي وخالد أبو اسماعيل الذي صدر في حزيران 2005.

وأشار أنه في نفس التقرير ذُكر أنه في عام 2003-2004 لم يتمكن حوالي مليوني سوري (11.4 % من السكان) من الحصول على حاجاتهم الأساسية من المواد الغذائية والمواد غير الغذائية، وباستخدام خطوط الإنفاق للفقر الخاصة بالأسرة المعيشية، يرتفع الفقر الإجمالي في سوريا إلى 30 بالمائة ليشمل 5.3 مليون شخص.

كما أشار الكتاب إلى سلسلة موجات الجفاف مابين عامي 2007 و2009 ساهمت في المزيد من حالة سوء المعيشة للفلاحين في الحكسة ودير الزور وريف حلب، والإهمال الحكومي الذي أبطء من تنشيط خطط الطوارئ الخاصة بمكافحة الجفاف مما اضطر حوالي مليون ونصف من الفلاحين السوريين إلى النزوح إلى تخوم المدن، وهذا جذر اقتصادي كبير للثورة السورية عام 2011 لسوريين ضاقت بهم أرضهم وتعرضوا لإهمال كبير.

ويذكر الدكتور قاضي أنه أمام ذلك الحيف الاقتصادي والبركان القادم على سوريا تجاهلت الحكومة أصوات الجوعى والمحرومين السوريين، واعتقد بعض أهل المدن أن الأمور بخير طالما أن هنالك مزيد من البضائع والأسواق الكبيرة، وبعض الفنادق الفخمة والحفلات، لذا تجد بعضهم كان ضد الثورة ولم يتقنع بها لأنه لم يذق مرارة الفقر والفاقة، ولم يشعر بابن بلده الذي يقبع تحت خطوط الفقر، لذا تجد هذه الطبقة تحلّقت حول النظام حتى أثناء الثورة السورية.

وختم بقوله : لقد كانت مؤشرات الحكومة الرشيدة الستة في تونس أفضل بضعفين من سورية ورغم ذلك انتهت إلى ثورة الياسمين! فماذا عن سوريا… ووضع إشارة استفهام…متوقعاً أن هنالك نذير ثورة بركانية في سوريا قبل أقل من شهرين من اندلاع الثورة السورية في مارس 2011..

وختم كتابه بفقرة معنونة “نتوءات تنموية“…واستبداد فرعوني..وحكومات “البَعثِ والعَبَث”…فالثورة

حيث أشار إلى إصرار النظام الاقتصادي السوري على تطبيقه المشوّه لليبرالية الاقتصادية، وتجاهل تطبيق الشقّ السياسي والإنساني لليبرالية، وبقيت أجواء حكم الحزب الواحد والمادة الثامنة التي تكرّس حزب البعث على أنه “قائد الدولة والمجتمع” يقوده إلى الهاوية والجحيم الإنساني والاقتصادي، ضمن أجواء الأحكام العرفية وانتشار الفساد بشكل عنقودي أخطبوطي تَمثّل أكثر ماتمثّل في الشركات القابضة سواء شركة الشام القابضة أو دمشق القابضة التي قبضت على عنق الاقتصاد السوري حتى خنق الخياة الاقتصادية إلا لمجموعة “احتكار القلة” “الألوغابولي” ونفّر المستثمرين.

ويرى الدكتور أسامة قاضي: أن النظام السوري هو من أشعل الثورة في آذار عام 2011 بتجاهله لكل التقارير الاقتصادية التي قدمت له، وخاصة تقرير استشراف مستقبل سوريا عام 2025 الذي قدم له عام 2008، ويكاد المؤلف أن يجزم أنه لو أخذ بالتوصيات التي قدمت له وطبّقها بشكل حقيقي لما انفجر بركان السوريين الغاضب عام 2011.

وختم بقوله: ” ساهم الجذر الاقتصادي المتورم والمريض بتشكيل خرّاجات اقتصادية ملتهبة في الجسد الاقتصادي، وبدل أن يعمل النظام السوري على فتح تلك الخّراجات من خلال تنظيفها من الفساد والبيروقراطية والتوزيع العادل للثروة والعناية بالطبقة الوسطى، تجاهلَ ضرورة تطبيق ليبرالية اقتصادية “بدون تطبيق مجتزئ ومشوه” مع الليبرالية السياسية واحترام الإنسان الذي هو أصل التنمية، فخَنقَ الحريات وكمّمّ الأفواه وأصرّ على الاستبداد مما ساهم في إشعال الثورة، لأن تلك الخرّاجات الاقتصادية تحوّلت لتورُمات في سائر الجسد الاقتصادي، والنتوءات التنموية لم تُسكّن الألم الاقتصادي، بل على العكس إلتهب الجسد كله حتى النخاع.

إن الإهمال والطغيان الاقتصادي، وغليان المِرجَل على مدى خمسين عاماً من” حكم البعث والعبث” كان عاملاً مهماً في انتفاضة الشعب السوري في معظم المحافظات السورية…وبدء الطوفان الذي لايُبقي ولايذر…الأمر الذي لطالما حذرتُ منه- ومثلي كُثُرمن المخلصين- رأس النظام وحكومته، لكنه أهمل النُصحَ باستعلاءٍ، وحالةً من الإنكارالمرَضيّ، وبدل الاعتراف بأنّه مريض ادّعى وقاحة أنه طبيب وأنّه سيوصف الدواء، وأن “حكمه الرشيد” لديه الوصفة السحرية…مثَلُهُ كمثلِ كلِّ طغاة الأرض من فرعون إلى يومنا هذا…

والنتيجة المتوقعة- كما ذكر المؤلف : “هو الضلال الاقتصادي والسياسي والإنساني للشعب السوري أوصل ترتيب سورية عام 2011 قبل الثورة على قائمة الدول الفاشلة 48 من أصل 177 دولة، بمعنى أن النظام السوري وبطانته أوصلوا سورية لتكون أفشل خمسين دولة في العالم…وبذلك فقد أشعل النظام السوري بحماقته واستعلائه وفساده وسوء إدارته الثورة السورية في آذار 2011.. وتتالت الكوارث الإدارية، وكل خطأ إضافي كان بمثابة الزيت الذي ألهبَ الثورة، بل وأعطاها مبرراً وشرعيةً من حيث لا يقصد…وإصراره على الاستعلاء الفرعوني على الشعب المظلوم ألهم كل مظلوم ثار في الشارع السوري، واستحق رأس النظام بجدارة لقب : “مُلهِم الثورة السورية”.

المصدر: نداء بوست

الدكتور أسامة قاضي
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار