أعلن القائد العام للجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، أمس الإثنين، خروج المجلس العسكري من المحادثات المباشرة، التي تقوم بتيسيرها الآلية الثلاثية المشتركة لبعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان، والاتحاد الأفريقي، وإيغاد، في وقت تخشى فيه لجان المقاومة اقتحام الأمن لاعتصام مدينة بحري شمال الخرطوم.
وقال البرهان، خلال خطاب متلفز، إن «خروج المؤسسة العسكرية من المحادثات الغرض منه منح القوى السياسية مساحة للجلوس وتكوين حكومة تنفيذية تقوم بإكمال مهام الانتقال الديمقراطي وصولا للانتخابات».
وطالب «القوى السياسية والمدنية بالجلوس بأسرع وقت ممكن، والانخراط في حوار فوري وجاد للاتفاق حول الحكومة، والخروج بالبلاد من المأزق الوجودي الذي يحيط بها» مؤكدا أنه «سيقوم بحل المجلس السيادي فور تكوين الحكومة التنفيذية، وتكوين مجلس أعلى للدفاع يتكون من القوات المسلحة والدعم السريع يقوم بمهام الأمن والدفاع ويتوافق مع الحكومة المرتقبة حول بقية المهام».
وقال إن «القوات المسلحة ستلتزم بمخرجات الحوار، ولن تكون مطية لأي مجموعة سياسية تريد احتكار السلطة» مشددا على أن «الوطن للجميع».
وأبدى أسفه لسقوط ضحايا من الجانبين المدني والعسكري في التظاهرات (نظمت الخميس واستمرت كاعتصامات) ودعا للالتزام بالسلمية، مؤكدا الشروع في تحقيقات بالخصوص والعمل على تحقيق العدالة.
وأضاف: تمر البلاد بأزمة تنذر بمخاطر تهدد الانتقال الديمقراطي، والقوات المسلحة دورها الحفاظ على البلاد وحماية مسار التحول الديمقراطي، وصولا للانتخابات.
مخططات وتحركات
في الموازاة، رصدت لجان مقاومة بحري، شمال الخرطوم «مخططات وتحركات» من الأجهزة الأمنية لفض الاعتصام المناهض للانقلاب، في منطقة المؤسسة وسط المدينة.
ودعت المواطنين للتحرك نحو ساحة الاعتصام لحمايته، وإغلاق حدوده بالمزيد من المتاريس (الحواجز) وتثبيت كاميرات لرصد تحركات وانتهاكات قوات الأمن.
وحذرت السلطات من فض الاعتصام، مؤكدة أنها ستعلن التصعيد الشامل وتقوم بإغلاق مدينة بحري، مؤكدة أنهم «ماضون في طريق إسقاط الانقلاب بكل وسائل المقاومة السلمية، حتى لو قامت السلطات بفض الاعتصام».
ومنذ تظاهرات الخميس الدامية، شهدت البلاد تصاعدا متسارعا للحراك الشعبي، في وقت أعلنت فيه لجان المقاومة عن عدد من الاعتصامات في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى، قالت إنها ستتواصل حتى إسقاط الانقلاب، تحت شعار «مدن السودان تعتصم».
وتشكل في محيط مستشفى الجودة وسط الخرطوم، الاعتصام الأول، خلال إسعاف الجرحى ونقل القتلى في تظاهرات الخميس الماضي، إلى المستشفى الناشط في علاج مصابي التظاهرات، وسط غضب جماهيري واسع في مدينة الخرطوم. ولاحقا أعلنت لجان المقاومة اعتصامات أخرى، اثنان في مدينة أمدرمان غربي الخرطوم، قرب منزل الزعيم الوطني، إسماعيل الأزهري، أول رئيس وزراء سوداني بعد الاستقلال، وفي شارع الشهيد عبد العظيم، بالإضافة إلى اعتصام مدينة بحري في منطقة المؤسسة.
وقالت لجان مقاومة بري في الخرطوم، إنها ستبدأ اليوم الثلاثاء، اعتصاما يتواصل حتى إسقاط الانقلاب، بالتزامن مع بداية اعتصام في محطة الشهيد الروسي في أمدرمان، وآخر في مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، وسط السودان.
وحذرت مجموعة «محامو الطوارئ» الناشطة في تقديم العون القانوني للمعتقلين، من الاعتداء على الاعتصامات، مؤكدة أنها ستقف بقوة ضد كل من تسول له نفسه الاعتداء على هذه الاعتصامات من أي جهة كانت رسمية أو غير رسمية.
يد القانون
وقالت في بيان إنها «أعدت وسائل الرصد والمتابعة الكافية لأي محاولة تستهدف هذه الاعتصامات» مشددة على أن «يد القانون ستطول كل من يقوم بالاعتداء على حق السودانيين في التجمع والتعبير».
وأضافت: «الاعتصامات تعبير مثالي وحضاري عن المطالب المشروعة والعادلة للشعب السوداني».
لجان المقاومة ترصد تحركات أمنية لفضّ اعتصام مدينة بحري
وأعلنت مجموعة المحامين عن غرفة مركزية خاصة لرصد وحماية التجمعات والاعتصامات، ودعت المحامين في ولايات السودان المختلفة للانضمام لهذه الغرفة.
ونددوا باستمرار الانتهاكات وأعمال العنف والاعتقال ضد المتظاهرين السلميين.
وبعد ثلاثة أيام قضاها المعتقلون في أوضاع إنسانية سيئة، قالت مجموعة «محامو الطوارئ» إن السلطات أفرجت عن نحو 200 معتقل، من سجن سوبا، شرقي العاصمة السودانية الخرطوم، كانت قد اعتقلتهم خلال تظاهرات الخميس، 30 يونيو/ حزيران الماضي.
وقالت عضوة «محامو الطوارئ» إقبال أحمد، لـ«القدس العربي» إن «المعتقلين تم الإفراج عنهم في وقت متأخر من مساء الأحد وفجر الإثنين» مشيرة إلى أن السلطات لا تزال تعتقل نحو 70 آخرين، بينهم مصابون، لم يتم إسعافهم حتى الآن.
وأضافت أن «عدد المعتقلين منذ يوم التظاهرة، بلغ حوالى 400 معتقل، كان أكثر من نصفهم يعانون من إصابات متعددة، معظمها بسبب الضرب العنيف من قبل السلطات، وآخرون تمت حلاقة رؤوسهم بطريقة مهينة» مؤكدة أنهم «ظلوا على حالهم دون تقديم رعاية طبية في حراسات سيئة التهوية، وأن السلطات لم تقدم لهم أثناء الاحتجاز الطعام والماء».
إخفاء قسري
وأشارت إلى أن مجموعة «محامو الطوارئ» رصدت نحو 8 مفقودين، منذ تظاهرات الخميس، رجحت أن تكون السلطات قامت بإخفائهم قسريا في مقار خاصة لجهاز الأمن السوداني أو معتقلات أخرى.
وأطلق «محامو الطوارئ» حملة للبحث عن المفقودين في تظاهرات الخميس في كل أنحاء البلاد، في وقت نددت فيه بقيام عدد من الأجهزة العسكرية والأمنية بعمليات الاعتقال، وإخفائهم في أماكن غير معلومة وعدم توفير البيانات للمحامين والأسر.
وقالت إقبال إن بين المعتقلين المفرج عنهم طفلا يبلغ من العمر 13 عاما، تعرض للضرب المبرح أثناء الاعتقال، مما تسبب في كسر ذراعه، وإنه أصيب بمشكلات صحية أخرى، نقل على إثرها للمستشفى فور الإفراج عنه، حيث لا يزال يتلقى العلاج.
وأمس، اعتقلت السلطات 6 محتجين من محيط اعتصام مستشفى الجودة وسط الخرطوم. وحسب إقبال تعرض المعتقلون للضرب العنيف وحلاقة الشعر والإذلال.
وكانت السلطات قد أفرجت، السبت، عن حوالى 130 معتقلا بينهم 27 فتاة، كانوا معتقلين في سجن سوبا شرقي الخرطوم، وسجن النساء شرقي أمدرمان، وحراسات القسم الشمالي وسط الخرطوم.
والأحد، قدمت مجموعة «محامو الطوارئ» مذكرة للنائب العام، نددت خلالها بالانتهاكات التي تمت في تظاهرات الخميس، حيث قتل 9 متظاهرين، معظمهم برصاص الأجهزة الأمنية، وأصيب أكثر من 650 آخرين، حسب لجنة أطباء السودان المركزية، فضلا عن عمليات الاعتقال والإخفاء القسري.
وقالت في بيان إنه «مع تزايد حراك المد الثوري في مواجهة الانقلاب واصلت سلطات الانقلاب ارتكاب المزيد من الانتهاكات الواضحة» مؤكدة «وجود أماكن اعتقال واحتجاز للثوار غير أقسام الشرطة والتي هي المكان الطبيعي الوحيد المفترض وجود المقبوض عليهم فيه حسب القوانين السودانية».
وأضافت أن «عمليات الاعتقال تتم من قبل عدة جهات غير معروفة مثل الاستخبارات العسكرية وما يسمى بـ(المضادة)» مشيرة إلى أن «ذلك يعتبر مؤشرا واضحا بأن المرسوم المؤقت رقم (1) الخاص برفع حالة الطوارئ، أبقى على كل القرارات والصلاحيات والحصانات الممنوحة للقوات المشتركة».
واعتبرت أن «ما يتم من انتهاكات مؤشر خطير على عودة عقلية وأجهزة وأفراد نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، وكل الممارسات غير المشروعة التي تخالف القانون والمواثيق الدولية».
وحملت السلطات مسؤولية «سلامة وأمن وحياة كل الذين تم القبض عليهم بما يخالف القانون والوثيقة الدستورية» مؤكدة أنها ستواصل رصد كل هذه الانتهاكات والتصدي.
وطالبت النيابة العامة بالقيام بواجباتها وتحمل مسؤولية وقف كل تلك الانتهاكات والكشف عن جميع أماكن الاعتقال غير المشروع وتسهيل الوصول إلى المشارح والمستشفيات لأهالي المفقودين.
وفضلا عن سقوط قتلى ومئات المصابين والمعتقلين في التظاهرات 30 يونيو/ حزيران، قطعت السلطات خدمات الاتصالات والإنترنت وقامت بإغلاق الطرق والجسور بالحاويات والحواجز الإسمنتية، الأمر الذي يعد انتهاكا لحق الإنسان في التنقل والاتصال والحصول على المعلومات، وفق المجموعة.
ومنذ انقلاب الجيش على الحكومة الانتقالية في السودان في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تتصاعد التظاهرات الرافضة لحكم العسكر والمطالبة بالحكم المدني الديمقراطي.
وسقط خلال قمع الأجهزة الأمنية الاحتجاجات الرافضة للانقلاب 113 سودانيا، بينهم 18 طفلا، بالإضافة إلى نحو 6000 مصاب.
القدس العربي