البابور الموقع العربي

فلسطين: انتخابات 2021.. المزيد من الأكسجين لمسار التسوية

281

يستعد كثيرون للمشاركة في الزفّة وصولاً إلى “العرس”، دون أن يلتفتوا إلى أنّهم قد يكونون على باب مأتم جديد لواقعٍ سياسيٍّ بائس يُعاد إنتاجه مرةً أخرى.

أصدر الرئيس محمود عبّاس منتصف يناير/كانون الثاني الماضي مرسوماً يقضي بإجراء انتخابات فلسطينيّة عامّة، وذلك لأوّل مرةٍ منذ الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة 2005 و2006 على التوالي، ثمّ توالت من بعده الخطواتُ الفعليّة نحو تحويله أمراً واقعاً. من تلك الخطوات: محاولة ضمان مشاركة كافة تيارات “فتح”، وأبرزها تيار مروان البرغوثي، ضمن قائمةٍ فتحاويّةٍ موحدة، إلى درجة أن توّجه حسين الشيخ لزيارة البرغوثي داخل سجنه.

ومنها كذلك: محاولة استرضاء الأسرى المُحرّرين بحلّ ملف رواتبهم، والوعد بحلّ مشاكل موظفي السّلطة في غزّة، والتعديلات القضائية الأخيرة التي تضمن لعبّاس موقعه داخل السّلطة. ثمّ وصولاً إلى جلسات الحوار التي عُقِدَت هذا الأسبوع في القاهرة، والتي من المتوقع أن تُستأنف مرةً أخرى في مارس/ آذار المقبل.

أدّى تلاحق هذه الخطوات إلى ارتفاعٍ في الأدرينالين السياسيّ لدى كثيرين؛ فجأة كَثُرَت التصريحاتُ من كلّ حدبٍ وصوب، لا تكاد وكالة أنباء تنشر خبراً حتى يعقبه آخر، وبيانات تلو البيانات، بعضها لجهات أيقظها حديثُ الانتخابات فجأة من سبات عميق، لتُرحّب بالخطوة “الديموقراطيّة الهامّة”. هكذا، يستعد كثيرون للمشاركة في الزفّة وصولاً إلى “العرس”، دون أن يلتفتوا إلى أنّهم قد يكونون على باب مأتم جديد لواقعٍ سياسيٍّ بائس يُعاد إنتاجه مرةً أخرى.

الانتخابات لماذا الآن؟

لا تنطلق هذه الانتخابات الفلسطينيّة من إرادةٍ سياسيّةٍ داخليّةٍ حرّة. أبو مازن يريد تجديدَ شرعيتِه، مُستجيباً للضغوطات الأميركيّة والأوروبيّة بشكلٍ أساسيّ، خاصّةً بعد فوز جو بايدن بالانتخابات الأميركيّة. وبذلك فمفهوم جداً ما الذي تريده قيادةُ “فتح” من الانتخابات؛ استجابة مخصوصة ومُحدّدة لا تتجاوز الشكلَ الانتخابيّ الذي يُعطي المزيدَ من الأكسجين لعجوز المقاطعة ليستمر في مسار التسوية – نهج السُّلطة المعروف.

ولكي تفعل قيادةُ “فتح” ذلك، فإنّها تحتاج لـ”حماس” أن نُشاركها هذه الخطوة، ثمّ تُعود بعدها لمحاصرتِهِا كما فعلتْ سابقاً بعد انتخابات 2006، وكما تفعل دائماً. يحصل ذلك دون أن يشترطَ تيارُ المقاومة لقاء منحه هذا الاكسجين أيّ مطلبٍ سياسيٍّ جديّ، بل يُشارك بكلّ حماسةٍ هذه الحفلة، ويبثّ نوعاً من الأمل الزائف للناس دون أن يعرض أيّ دليلٍ عليه. حتى أنّ عودة التنسيق الأمنيّ (في نوفمبر 2020) التي ترتبَ عليها بعضُ الفتور في مسار المصالحة، جرى تجاهلُها تماماً، وكأنّها مسألةٌ هامشيّةٌ أن يجري تسليم شباب المقاومة للعدوّ في نفس لحظة الجلوس مع قياداتِهم بالقاهرة! 

لدى “حماس” ثقة – لا نعلم مصدرها – أنّ الأمور ستكون غير هذه المرّة، وهي ثقةٌ أكثر ما يُخيف فيها أنّها ناتجةٌ عن ضعف الموقف الذي هي فيه. وفي ظروفٍ كهذه يجري الخلطُ بين الأملِ والوهم بسهولة. علينا أن نتذكر أنّ المقاومةَ كانت في العام 2006 أكثر انتعاشاً وقد خرجت لتوها من مشاركةٍ فاعلةٍ في الانتفاضة الثانيّة يُحيطها زخمٌ شعبيّ، وحين فوزها في الانتخابات تحالفوا عليها مع “إسرائيل” وأميركا. أمّا اليوم فهي تشعر أنّها متورطةٌ في حكم قطاع غزّة، ومُجتثة ومُطاردة في كلّ الضفّة، وسط إقليمٍ يُعاد تشكيله ومن أهدافه الانقضاضُ عليها. 

في ظروفٍ كهذه يتحتمُ علينا أن نكون أكثر يقظة وانتباهاً. ومن يتقدّم لنا بادعاءاتٍ من نوع “ما هو البديل؟” فإنّه يُكرِرُ تماماً الاسطوانةَ الدائمةَ التي كانت تُشغّلها “فتح” عند كلّ مفترق طرقٍ يأخذها نحو التنازل ونحو الهاوية. كما أنّ مثل هذه الظروف تُحتم كذلك الحذرَ من الحلفاء، نقصد أنّ الضغط الذي مارسته تركيا وقطر على “حماس”، وإيران على الجهاد الإسلاميّ، للدخول في هذا المسار وغضّ الطرف عن الكثير من الاشتراطات السياسيّة المُهِمة، مسألةٌ خطيرةٌ تشي أنّ الحوار الأكثر مصيريةً تخوضُهُ فصائلُ المقاومة مع دول الحلفاء، وليس مع ناسها وجماهيرها، وهذا السّلوك يُذكّرنا مُجدداً بسلوك أمّ الجماهير! 

المصدر: المتراس – هيئة التحرير

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار