أعلن الرئيس الامريكي جو بايدن مغادرة قوات “حفظ السلام” من جزيرتي تيران وصنافير نهاية العام الجاري خلال زيارة الرئيس الأميركي.. فمن المستفيد من هذه المغادرة؟
من الناحية الجغرافية تبعد جزيرتا تيران وصنافير، إحداهما عن الأخرى، نحو 4 كيلومترات في مياه البحر الأحمر، وتتحكّمان بمدخل خليج العقبة، وميناءي العقبة في الأردن، و”إيلات” في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
انتقال السيادة على الجزيرتين من مصر إلى السعودية يعني أن الرياض ستسيطر منفردة على مضيق تيران، الذي يتحكّم في الملاحة البحرية في خليج العقبة. وستتحول الى (ممر دولي) ودخول الرياض في علاقاتٍ رسمية مباشرة بـ”تل أبيب” يعني أن الأخيرة ستكون لها اليد العليا في مضيق تيران.
كانت تيران وصنافير تحت سيطرة مصر منذ عام 1950، واحتلتهما (إسرائيل) في أثناء حرب السويس، التي خاضتها متحالفةً مع فرنسا وبريطانيا، ضد مصر عام 1956، بعد إعلان الرئيس المصري، جمال عبد الناصر، تأميمَ قناة السويس، التي كانت تُدير الممر الملاحي الدولي، وتخضع لسيطرة فرنسا وبريطانيا،
وأشعلت الجزيرتان شرارة حرب عام 1967 بين الدول العربية والاحتلال الإسرائيلي، وذلك عندما أعلنت مصر نشر قواتها فيهما، وإغلاق مضيق تيران. لكن مصر استعادت السيطرة على الجزيرتين، عام 1982، بموجب معاهدة “كامب ديفيد” التطبيعية مع الاحتلال الإسرائيلي، والموقَّعة عام 1979، والتي نصّت على اعتبار الجزيرتين “جزءاً من منطقة لا توجد فيها قوات عسكرية، وإنما شرطة فقط،
وتنتشر فيها قوة حفظ (السلام) المتعددة الجنسيات”. وعمل الإسرائيليون، منذ “كامب ديفيد”، على طرد الجيش المصري من مضيق تيران، فتم تقسيم سيناء إلى 3 مناطق، “أ” و”ب” و”ج”. وقضت الاتفاقية بأن تكون المنطقة “ج”، التي تضم خليج العقبة وتمتدّ حتى شرم الشيخ، خاليةً من أي وجود عسكري لمصر؛ أي منزوعة السيادة.
وكان الإسرائيليون يدخلونها من دون تأشيرات، وينظمون الرحلات إليها من دون تدخّل من السلطات المصرية.
وفي الـ 8 من نيسان/أبريل 2016، أبرمت القاهرة والرياض اتفاقية لترسيم الحدود، نصّت على “انتقال تبعية تيران وصنافير إلى السعودية”، بعد جدلٍ قانوني واسع في مصر، وغضب وتظاهرات احتجاجية. وانتقال السيادة فعلياً على الجزيرتين إلى السعودية “مرهون بموافقة (إسرائيل)”، لأنهما جزء من اتفاقيات “كامب ديفيد” المبرمة مع مصر. ووافقت (إسرائيل)، أول أمس الجمعة، على نقل جزيرتَي تيران وصنافير في البحر الأحمر، من مصر إلى السعودية، وفق وكالة “فرانس برس”.
مَن المستفيد من انسحاب قوات حفظ (السلام) من تيران وصنافير؟
يتمركز في الجزيرتين 1700 جنديّ، بينهم 450 أميركياً. انسحاب هذه القوات يُفيد (إسرائيل)، لعدّة أسباب، أبرزها:
– تفضّل (إسرائيل) أن تكون الجزيرتان تحت السيطرة السعودية، لسببين: الأول أنه يهيّئ الظروف لاتفاقية التطبيع، التي تعدّها (إسرائيل) الأكبر والأكثر أهمية بالنسبة إليها. والسبب الثاني خشيتها من صعود نظامٍ مصري جديد. ونتيجة ذلك، تقلق من أيّ تحولات في النظام السياسي المصري أكثر من التحولات الممكنة في السعودية.
ففي السابق، عندما هدّد الرئيس جمال عبد الناصر بإغلاق مضائق الجزيرتين، نشبت حرب عام 1957 بين مصر من جهة، وبريطانيا وفرنسا و(إسرائيل) من جهةٍ أخرى، بسبب أهميتهما الاستراتيجية. وكان قرار عبد الناصر، القاضي بإغلاق مضيق تيران، بمنزلة “إعلان حرب”، بالنسبة إلى (إسرائيل).
– تبعد جزيرة تيران، التي تبلغ مساحتها 61.5 كيلومتراً مربعاً، نحو ستة كيلومترات عن الساحل الشرقي لشبه جزيرة سيناء، حيث تقع مدينة شرم الشيخ السياحية عند مدخل خليج العقبة. أمّا صنافير، التي تمتد على مساحة 33 كيلومتراً مربعاً، فتقع على بعد 2.5 كيلومتر شرقاً.
ويُعَدّ مدخل خليج تيران الممر الملاحي الرئيس للوصول إلى ميناء “إيلات” في الأراضي المحتلة عند خليج العقبة.
– ستكون جزيرتا تيران وصنافير جزءاً من مشروع “نيوم”، الذي سيضم استثمارات تكنولوجية ضخمة، تشارك فيها (إسرائيل)، بصورة مباشرة. وتراهن السعودية على هذا المشروع لرفع مستويات التجارة، التي تمر عبر هذه المناطق. ومشروع نيوم سيكون على شاكلة منطقة دولية مغلقة لا تنطبق عليها قوانين المملكة، ولها قانون خاص، وإدارة أجنبية مستقلة، مخصَّصة للسياح والمستثمرين الأجانب، بمن فيهم الإسرائيليون، ولن يسكنها الشعب السعودي. فالمرخَّص لهم بالوجود فيها 3 أصناف: “مستثمر وسائح وعامل في أحد المشاريع”، كما يقول محمد بن سلمان.
المباركة الأميركية لتحرك القوات الدولية، والقبول المصري لنقل ملكية الجزيرتين، يصبّان في خانة الحماسة السعودية الإسرائيلية لمد جسور التطبيع من جهة، وتقديم أعلى مستويات الطمأنة بشأن الملاحة البحرية إلى (إسرائيل)، من جهة أخرى.
المصدر: فلسطين اون لاين + الميادين