البابور الموقع العربي

السر الباتع “بين يوسف ادريس والسلطان حامد و خالد يوسف والسيسي”

462

مصطفى عاشور


مات يوسف السباعي وانا ابن ثلاثة اعوام وكان والدي منأثرا بهذه الحادثة ويحكيها ودائما ما يذكرها لي ما دفعني للبحث فيها و كبرت قليلا وبحثت فلفت انتباهي مقتل الاديب الراحل بالرصاص في بلد غريب بدون ذنب سوى تفسيرات اقحمت لتبررقتل رجل لم يفعل شيئا سوى انه ترك العسكرية وهو خريج الحربية وتفرغ للادب ولحظه السىء أنه اصبح وزيرا للثقافة في عهد الرئيس السادات بعد كامب ديفيد
ومابين الادب والشعر نمت ميولي محبا للأدب فبحثت عن يوسف السباعي فوجدت في طريقي روائيا عظيما آخر وهو يوسف ادريس ونجيب محفوظ ونجيب الكيلاني
فاصبح لدي يوسفان ونجيبان
شدني الاعلان عن مسلسل مبني على قصة الراحل يوسف ادريس وان مخرجه يوسف اخر
فتابعت المسلسل لكني اكتشفت :
أن خالد يوسف أساء كثيرا -وهذا ليس بغريب عليه -للكاتب الكبير يوسف ادريس عندما استخدم رائعته “سره الباتع ” التي خلد فيها الروائي الراحل جهاد ونضال المصريين ضد الفرنسيين استخداما شخصيا للدعاية لنظام عبد الفتاح السيسي وتزييف التاريخ وتغييب وعي الناس بالعودة لأحداث لا زالت محل خلاف وتحتاج لطرف مستقل للحكم عليها
استغل مخرج الفضائح مهارته الكبيرة في الإخراج في إيهام المشاهد ان مشكلة المصريين في الاخوان كما كانت مشكلة جدودهم في الاحتلال الفرنسي المجرم
حاول منتج المسلسل (المتحدة التابعة للمخابرات )أن تستغل حب الشعب المصري لدراما البطولة والنضال من أمثال (رإفت الهجان )ليقدموا جزءا مسخا مشوها لتاريخ نضال الشعب ضد فساد نظام مبارك وماحدث وقت ثورة ٢٥يناير وصولا لانقلاب 3/7 وقبلها تمثيلية ٣٠يونيه
سنوات طوال ومازالت العقدة مستمرة للنظام الحالي في شيطنة كل من يعارضه ويخالفه الرأي وتسميته بالإخوان حتى ولو كان مستقلا أو عسكريا أو اساسا ضد النظام وضد الاخوان
تعمد يوسف استرجاع استمارة تمرد التي أكدت تسجيلات رسمية انها مدعومةمن دول خارجية ( الإمارات ) بما يمثل تخابر على الرئيس وقتها وتسلطا على إرادة الشعب التي جاءت في الصندوق واختارت رئيسها وتحتم احترامها
السؤال الآن لماذا لم يحدثنا خالد يوسف عن سد النهضة وجزيرتي تيران وصنافير وأوضاع الناس الاقتصادية وأوضاع المعتقلين والقوى المدنية الموجودة في المعتقلات
لم يتحدث خالد يوسف عن سجن هشام جنينة لانه كشف الفساد فأهين وسجن لأنه رفض الفساد رغم انه لم يكن اخوان
لم يتحدث خالد يوسف عن سامى عنان واحمد شفيق وغيرهم ممن منعوا من الترشح امام السيسي
لم يتحدث خالد يوسف عن تغيير الدستور بما يتفق مصلحة الجنرال الحاكم ويمنع غيره من الترشح
لم يتحدث خالد يوسف عن سيطرة الاجهزة الأمنية على الاعلام والسينما والتليفزيون بشكل فج داعم للحاكم
عاد خالد يوسف من فرنسا بعد سنوات هروب جاءت بعد انتشار فيديوهات أباحية قيل انها له نشرها النظام لكسر نفسه وإذلاله
المشكلة ليست في مهارة خالد يوسف فهو ماهر وخبير وانما في ادعائه كذبا الليبرالية والديمقراطية وهو بعيد عنهما وأصح مايقال عنه أنه برجوازي ونفعي مادي
حتى صورة الذكر الروحاني الصوفي المنتشر في ارياف مصر قدمها خالد يوسف بشكل غريب وعجيب ليس موجودا في مصر
في اسقاطه الدرامي على الاحداث المعاصرة لم يقدم أي صورة للدين الصحيح الذي يدين به المصريون ويدعمه الازهر الشريف فلماذا ؟
هل لان خالد يكره الدين أم أنه لايعرف الفرق بين الدين الصحيح والخرافة ؟أم ماذا ؟
أبدع خالد يوسف في رسم صورة السلطان حامد بشكل درامي كبير لكنه فشل في التسويق للديكتاتور عبد الفتاح السيسي حتى وان خرج علينا في ماتبقى من مسلسله ليقول ان السيسي تتفق عليه شروط ابناء السلطان حامد وعلاماته حتى وان لم يقطع اصبعه الصغير او يدق عصافير
التاريخ لا يغيره مسلسل ولا رواية كاذبة لانه لا يمكن ان تأتي بصورة (متخيلة وخيالية )لهدم المقامات (بلودر) يقف وراءه متشددون إسلاميون ولا تأتي بصورة حقيقية من محضر النيابة العامة التي وثقت اعتراف قوى معارضة للدكتور مرسي بأنها دبرت تدمير باب قصر الاتحادية (بلودر او بلودزر )وكانت تستهدف قتل الرئيس المنتخب لولا الشعب
لم يقل خالد يوسف ان قوى معارضة للرئيس محسوبة على مرشح رئاسي فاشل وحاقد لخسارته ضبطت ومعها أسلحة أمام الاتحادية وأنه لولا دماءالمصريين الذين دافعوا عن رئيسهم لقتل الرئيس كما كان مخططا وسط إهمال متعمد من قبل وزير الداخلية اللواء احمد جمال وفقا ضابط حراسة الرئيس العميد طارق رحمه الله(مسجل شهادته تليفزيونا )
مثلما رأينا جثة بطلنا السلطان حامد والاحتلال يعبث بها لم يقل لنا خالد يوسف أين مشاهد جثث 25 يناير التي روت شوارع مصر أو جثث رابعه والنهضة للشباب المصري المسالم الذين قتلهم وزير الدفاع
لم يقل خالد يوسف ان الديمقراطية في مصر انتهت وأن البلد تحت سيطرة حكم العسكر وأن عشرات الالف في المعنقلات من جميع القوى المعارضة وأن الشعب لن يستطع ان يختار رئيسه وأن الجيش والاجهزةالامنية هي من تهندس الحكم وتختار نواب الشعب وتمهد الطريق لبقاء الجنرال مدى الحياة
لم يتحدث خالد يوسف عن سعر الدولار والجنيه وسعر كيلو المانجو في عصر الرئيس المنتخب الذي جعله الساخر باسم يوسف لبانة يومية يسخر من جهوده هو ووزير تموينه باسم عودة وهم يحاولون تقديم افضل السلع وتوفير القمح والزيوت ورغيف العيش للمواطن بينما تناسى يوسف كلام السيسي اللي (ما معهوش ما يكلش)واللي يرتفع سعره ما تشتريهوش وارجل الفراخ التي دعا اليه الاعلام المصريين ليأكلوها بعد ارتفاع اسعار اللحوم والدجاج
تناسى خالد يوسف الفشل الاقتصادي الذي ألم بحال المصريين وتعويم الجنيه وارتفاع سعره الدولار ليصل الى 38 جنيه بعد ان كان ب 7 جنيه في عصر الرئيس المنتخب
لم يقارن خالد يوسف بين وضع المصريين في عامي الثورة وما آلت اليه حال المصريين في العالم أجمع ووضع مصر في الاقليم ومع محيطها الاستراتيجي وتدخل قوى اقليمية صعيرة لتدير ملفاتنا بدلا منا ولتملي علينا اجندات قللت من مكانة أم الدنيا بسبب ضعف الارادة السياسية
الحقيقة الشرح يطول والحديث ليس روائيا كما كتب ادريس وليس سينمائيا كما كتبه خالد يوسف أو ملفقا كما يحاول السيسي وآلته الاعلامية تقديمه دوما وانما ما كتبته انا وغيري ممن كانوا يعملون في الاعلم وقت هذه الاحداث فقد كنت مراسلا للمصري اليوم من أمام الاتحادية وكنت حاضرا في مفاوضات سد النهضة وكنت مرشحا فس الانتخابات امام حزب مبارك والاخوان في 2010 ومرشحا ضد الاخوان والسلفيين في 2013
عارضت الجميع بشكل مستقل وكنت دائما اشعر بفخر لخدمة بلدي عندما خدمت في القوات المسلحة لكنني لم اقبل ان ارى التاريخ يزيف وأصمت حتى ولو كانت هذه الشهادة مكررة او مجروحة لكنها تبقى شهادة على العصر فأنا عارضت الجميع ليس من أجل المعارضة لكن لأن الجميع لم أتفق معهم لقصور في منهج وأجندة كل منهم لكن هذا لا يعني ان نرمي الناس بما ليس فيهم
السر لم يعد سرا أن النظام ما زال مشعولا بفصيل سياسي انقلب عليه واستبد بالحكم من عشر سنوات ومازالت الاموال تدفع من ميزانية الشعب للحديث عن الصراع الذي يخشاه السيسي من عودة المعارضة بشكل عام والاخوان بشكل خاص وأن الرجل يعيش حالة من الفوبيا من الثورة والمعارضة والسياسة والديمقراطية على ضرورة استمراره في الحكم وانه منشغل بهذا كله اكثر من انشغاله بالفقير والمجتمع ومصالح المواطن
عاد خالد يوسف من حيث انتهى مخرجا لمسرحية الانقلاب في ٣٠يونيه و ٣يوليو بعد ان اكتشف انه لديه فيديوهات لم يتم تقديمها بعد ان مضى عليها عشر سنوات
فامتطى مخرج الفيديوهات (اياها )رائعة ادريس ليقنع الجيل الجديد انه لم يكن ملفقا او مخطئا عندما انحاز للانقلاب
انتهت القصة لكن الكل يعلم ان الاخوان لم يكونوا الفرنسيين وان كانوا قصروا فشلوا في حكم مصر فلم يكونواغزاة ولا محتلين كما ان السيسي لم ولن يكون حسن طوبار ولا محمد كريم ولا السلطان حامد
اقول هذه الكلمات لانني عايشت الاحداث
وترشحت في الانتخابات ضد الحزب الوطني والاخوان المسلمين والسلفيين ولم اكن منتميا لاي منهم لكنني لم ولن اقبل بتزييف الواقع الذي عشناه
الاخوان لم يكونوا ملائكة لكنهم ليسوا شياطين كما يحاول السيسي والمحسوبون عليه تصويرهم دراميا او اعلاميا
ربما لم نتفق معهم كثيرا لكنهم لم يكونوا فرنسيين وانما كانو مصريين وكنت اتمنى ان نغير حكمهم بالصناديق لا بل الانقلاب والسجون او بتزييف الحقائق
رحم الله الضابط الاديب يوسف السباعي و عذرا يوسف ادريس فقد استغلواسرك الباتع ليدعموا ديكتاتورا مستبدا

مصطفى عاشور – كاتب وإعلامي مصري

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار