البابور الموقع العربي

المانيا تؤكد مسؤوليتها “الأبدية” عن حماية الكيان الإسرائيلي

262

تربط ألمانيا بإسرائيل علاقة خاصة تبقى مطبوعة بالمحرقة والقتل الجماعي لليهود في حقبة ألمانيا النازية. لكن العلاقات بين الجانبين تطورت بشكل كبير منذ تأسيس إسرائيل في 1948، رغم مرورها بمراحل حرجة.

“القتل الجماعي لليهود انطلق من ألمانيا. وقد تم التخطيط له وتنفيذه من قبل الألمان. ومن هذا المنطلق، تتحمل كل حكومة ألمانية المسؤولية الأبدية عن أمن دولة إسرائيل وحماية الحياة اليهودية. ولن ننسى أبدًا معاناة الملايين والضحايا”،

هكذا قال المستشار الألماني  أولاف شولتس  في الثاني من آذار/ مارس 2022، بعد أن كان قد زار للتو نصب ياد فاشيم التذكاري  للهولوكوست  بالقدس في رحلته الأولى إلى  إسرائيل، ثم أدلى بتصريحات أساسية جدًا حول العلاقة بين ألمانيا وإسرائيل.

هذه العلاقة من نوع خاص، وسوف تبقى مطبوعة دائمًا بالمحرقة والقتل الجماعي لستة ملايين يهودي في حقبة ألمانيا النازية. ومع ذلك، تطورت العلاقة بشكل مثير للإعجاب منذ 1965، العام الذي أقيمت فيه العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين البلدين.
 

“باستثناء ألمانيا“!
في السنوات الأولى، كان مكتوبًا على كل جواز السفر الإسرائيلي: “جواز السفر هذا صالح لجميع البلدان – باستثناء ألمانيا”. أرادت دولة إسرائيل الفتية الابتعاد بشكل صارم عن “أرض القتلة”. حتى أن آفي بريمور، سفير إسرائيل في ألمانيا من 1993 إلى 1999، جعل أحد كتبه يحمل عنوان “… باستثناء ألمانيا”.

كان أساس التقارب بين البلدين هو اتفاقية لوكسمبورغ التي تم التوصل إليها في أيلول/ سبتمبر 1952، والتي وقعتها جمهورية ألمانيا الاتحادية من جهة وإسرائيل و”مؤتمر المطالبات اليهودية” من جهة أخرى. نظمت الاتفاقية المدفوعات والخدمات الألمانية بالإضافة إلى الالتزام بإعادة الأصول. تمكن المستشار الألماني كونراد أديناور (من الحزب المسيحي الديمقراطي) من تمرير الاتفاقية في  البوندستاغ ، جزئيًا ضد أصوات من الكتلة البرلمانية لحزبه، وبعد ذلك بوقت قصير أصبح “وجه التقارب” بين الطرفين من الجانب الألماني.


وعلى الجانب الإسرائيلي، كان دافيد بن غوريون (1886-1973) يقف قبل الجميع مع المصالحة المبكرة (بين الطرفين). ودافع رئيس الوزراء الأسطوري الأول لإسرائيل في وقت مبكر عن وجهة نظر “ألمانيا الأخرى”. التقى بن غوريون وأديناور (1876-1967) مرتين فقط، في 1960 و1966. ومع ذلك بدا كلا رجلي الدولة وكأنهما صديقان عن بعد.

لقاء المستشار الألماني كونراد أديناور ورئيس الوزراء الإسرائيلي دافيد بن غوريون (14.03.1960)

المستشار الألماني كونراد أديناور ورئيس الوزراء الإسرائيلي دافيد بن غوريون التقيا مرتين فقط، لكن كانا يبدوان صديقين

عندما عُرفت العمليات السرية لتسليم الأسلحة الألمانية إلى إسرائيل في منطقة التوتر بالشرق الأوسط عام 1964، ساد توتر كبير. ومع ذلك كانت تلك هي الدَفعة الأخيرة نحو إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين البلدين في عام 1965. وهي خطوة كانت صعبة على كثير من الناس في الدولة اليهودية الفتية. ورافق وصول أول سفير ألماني أعمال شغب.

المستشار فيلي براندت كأول زائر

ومن خلال أيام إحياء الذكريات المشتركة وزيارات ممثلي الحكومة الألمانية، تم تعزيز العلاقة ببطء. في حزيران/ يونيو 1973، كان فيلي براندت (في المنصب ما بين 1969-1974) أول مستشار ألماني يسافر إلى إسرائيل في زيارة استغرقت خمسة أيام. خليفته   هيلموت شميدت  (1974-1982) لم يسافر أبدًا إلى إسرائيل كمستشار خلال الأوقات الصعبة بين البلدين. أما المستشار  غيرهارد شرودر (1998-2005) فقد كان في القدس في زيارة لمدة يومين عام 2000 وأكد أنه جاء “كصديق لإسرائيل وكصديق لشعبها”.


وخلال 16 عامًا من توليه منصب المستشار الاتحادي (1982-1998)، لم يزر  هيلموت كول إسرائيل  سوى مرتين فقط، على عكس أنغيلا ميركل (1998-2021) التي زارت إسرائيل أكثر من جميع المستشارين الآخرين مجتمعين: ثماني مرات،  آخرها في تشرين الأول/ أكتوبر 2021.

في عام 1975، كان إسحاق رابين أول رئيس حكومة إسرائيلي يسافر إلى جمهورية ألمانيا الاتحادية ويزور برلين الغربية أيضًا.

لم يقم أي رئيس حكومة أو وزير في جمهورية ألمانيا الديمقراطية بزيارة إسرائيل أبدًا؛ فقد دعمت برلين الشرقية المعسكر العربي الفلسطيني واعتبرت إسرائيل “العدو الصهيوني”.

شكّل خطاب ميركل في الكنسيت قمة العلاقات المتبادلة بين البلدين. ففي عام 2008 كانت أول رئيسة حكومة أجنبية تتحدث هناك، وباللغة الألمانية، لغة الجناة! وقالت ميركل: “كل حكومة اتحادية وكل مستشار قبلي كان ملتزمًا بالمسؤولية التاريخية الخاصة لألمانيا عن أمن إسرائيل. المسؤولية التاريخية لألمانيا هي جزء من المصلحة الوطنية لبلدي. وهذا يعني أن أمن إسرائيل لا يمكن التفاوض عليه أبدًا بالنسبة لي كمستشارة ألمانية”. بالمناسبة، كان زعيم المعارضة الإسرائيلية في ذلك الوقت بنيامين نتنياهو، وانتقد إلقاء ميركل خطابها باللغة الألمانية.

خطاب ميركل في الكنيست (18.03.2008)

خطاب ميركل في الكنيست شكّل قمة العلاقات المتبادلة بين البلدين


اجتماعات حكومية مشتركة
عندما زار المستشار شولتس القدس في عام 2022، عبر عن رغبته في دعوة مجلس الوزراء إلى المشاورات الحكومية الألمانية الإسرائيلية في برلين قريبًا. لم يحدث ذلك بعد. وربما يكون هذا أوضح مؤشر على الاغتراب بين الطرفين على الرغم من جميع الالتزامات التاريخية. عُقد أول هذه الاجتماعات الحكومية الرئيسية في القدس عام 2008، وستة اجتماعات أخرى حتى عام 2018، ثلاثة في برلين وثلاثة في القدس. وبالنظر إلى الوضع السياسي، فإن عقد اجتماع بحضور جميع أعضاء مجلس الوزراء الآن، صعب التخيل، وفقًا للعديد من المراقبين.

فرغم أن شولتس هنأ رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بعد توليه منصبه مرة أخرى في نهاية عام 2022 وذكر الصداقة الخاصة والوثيقة بين البلدين، إلا أن الجانب الألماني يتبنى وجهة نظر نقدية لمشاركة أحزاب وسياسيين من اليمين المتشدد في الحكومة الإسرائيلية. فأهداف هؤلاء تشمل  إصلاحًا قضائيًا مثيرًا للجدل ، وإعادة العمل بعقوبة الإعدام، وتوسيع المستوطنات في المناطق التي يطالب بها الفلسطينيون لإقامة دولتهم المستقبلية.

ومنذ شباط/ فبراير 2023، تنتقد الحكومة الألمانية بوضوح المسار الذي اتخذه الجانب الإسرائيلي. لم يسبق أن أبدى أحد من الجانب الألماني مثل هذه التعليقات الانتقادية حول الوضع السياسي الداخلي في إسرائيل. في البداية كان وزير العدل ماركو بوشمان ووزيرة الخارجية أنالينا بيربوك (حزب الخضر) هما اللذان حذرا، داعيين إلى استقلال القضاء والحفاظ على سيادة القانون. كما أدلى الرئيس الاتحادي فرانك-فالتر شتاينماير بتصريحات سياسية غير معتادة وأعرب عن قلقه بشأن “إعادة هيكلة سيادة القانون المخطط لها” من قبل الحكومة الإسرائيلية.

المستشار شولتس يحذر
أخيرًا، تحدث المستشار شولتس عندما استقبل نتنياهو في مبنى المستشارية في آذار/ مارس الماضي. وقال المستشار في المؤتمر الصحفي المشترك: “بصفتنا شريكًا في القيم الديمقراطية وأصدقاء مقربين لإسرائيل، فإننا نتابع هذا النقاش عن كثب – ولا أريد أن أخفي ذلك – بقلق كبير”، مشيرًا إلى أن الحقوق الأساسية هي “بطبيعتها حقوق الأقليات”.

ويضاف إلى كل هذا، أن ألمانيا لا تزال تعاني في بعض الأحيان من معاداة السامية بشكل هائل. فعندما كان شولتس ضيفًا في إسرائيل، كانت  فضيحة معرض “دوكومينتا”  في كاسل، الذي يعد أحد أهم المعارض الفنية في العالم، بنشر سلسلة من الصور المعادية للسامية بشكل واضح، لم تكن قد حدثت بعد وقتها.

ويتحدث سفير إسرائيل في ألمانيا رون بروسور بشكل متكرر وأكثر تحذيرًا مما فعل أسلافه في العقود القليلة الماضية. وعلى الأقل يمكن القول إن الناس يتحدثون مع بعضهم البعض اليوم بشكل أكثر انفتاحًا مما كان عليه الحال قبل وقت طويل.


المصدر: DW

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار