البابور الموقع العربي

الخرطوم تشتعل .. والسودان في مواجهة كارثة إنسانية

129

منذ أن تفجرت شرارة الحرب في السودان في منتصف أبريل الماضي بين قائد الجيش عبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، والخسائر تتزايد يوميا، وتقترب الأوضاع من حافة الكارثة.

وقد أوقعت الحرب مئات القتلى وآلاف الجرحى، فيما نزح حوالي 75 ألف شخص إلى الدول المجاورة مثل مصر وإثيوبيا وتشاد وجنوب السودان، وواصلت دول العالم إجلاء رعاياها، فيما يعاني السكان الذين يحاولون الفرار أو يقبعون في منازلهم، أزمات كبيرة في ظل انقطاع المياه والكهرباء ونقص الغذاء.

أكد المتحدث باسم الجيش السوداني، العميد نبيل عبد الله، أن “جميع ولايات السودان مستقرة، وأن الجيش يسيطر على الوضع بشكل كامل”.

وقال العميد نبيل عبد الله: إن “القوات المسلحة كبدت قوات الدعم السريع خسائر كبيرة تفوق 50% من قدراتها العسكرية”، مشيرا إلى “هجمات مضادة سيشنها الجيش قريبا لتطهير العاصمة”.

وأضاف: “السودان به 19 ولاية، جميعها مستقرة الآن، وتحت سيطرة القوات المسلحة والدولة، بعض هذه الولايات لم تطلَق فيها طلقة واحدة”، كاشفا أن “قوات الدعم السريع تسللت لمنازل ضباط في القوات المسلحة، واحتجزت عددا من الأسر”.المعارك تحتدم في الخرطوم.. والسودان على شفا كارثة إنسانية

من جهته كشف فولكر بيرتس، رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان، عن اتفاق أطراف الصراع في البلد الإفريقي على إرسال ممثلين عنهم للتفاوض.

وقال بيرتس لوكالة أسوشييتد برس إن الجنرالين المتحاربين في السودان (رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان وقائد الدعم السريع، محمد حمدان دقلو) اتفقا على إرسال ممثلين للتفاوض، لافتا أن المفاوضات يُحتمل أن تجري في السعودية.

وأوضح المسؤول الأممي أن المحادثات المتوقعة ستركز في البداية على فرض وقف إطلاق نار “ثابت وموثوق” يتابعه مراقبون “وطنيون ودوليون”.

فرار الآلاف

حذرت الأمم المتحدة، الإثنين، من احتمال فرار أكثر من 800 ألف شخص من السودان.

وقال المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، على تويتر إن “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والحكومات والشركاء، مستعدون لاحتمال فرار أكثر من 800 ألف شخص من السودان إلى الدول المجاورة”.

وأكد أنه لا يتمنى أن تصل الأمور والأرقام إلى “هذا الحد”. وأضاف: “إذا لم يتوقف العنف، سنرى المزيد من الأشخاص المجبرين على الهروب من السودان حفاظا على أمنهم”.

وأدت المعارك الى نزوح داخلي وخارجي. وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، انتقل 75 ألف شخص الى مناطق أخرى في السودان، وعبر 20 ألفا على الأقل نحو تشاد وستة آلاف نحو جمهورية إفريقيا الوسطى وغيرهم الى مصر وإثيوبيا وجنوب السودان. وكانت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أبدت خشيتها من أن تدفع المعارك لفرار ما يصل الى 270 ألفا نحو تشاد وجنوب السودان.

كما تسببت الاشتباكات في إجلاء الرعايا الأجانب من كافة أنحاء السودان. ووفقا لبيانات الأمم المتحدة، كان السودان يستضيف رقما قياسيا من اللاجئين يبلغ 1.3 مليون شخص.

هدنة هشة

تجددت، الإثنين، الاشتباكات في مناطق مختلفة من العاصمة الخرطوم، رغم تواصل الهدنة الإنسانية بعد تمديدها اعتباراً من ليلة الأحد/ الاثنين لمدة 72 ساعة.

وأفاد شهود عيان بأن “أصوات المدافع دوت في المناطق الجنوبية من الخرطوم”، فيما شهدت مناطق شمال مدينة بحري (شمال شرقي العاصمة) “اشتباكات عنيفة”.

وقال الشهود إن “الطائرات الحربية ما زالت تحلق بشكل كثيف في مناطق شرق النيل، فيما يسمع أصوات مضادات الطيران”.

وذكر الشهود أن “الطائرات العسكرية استهدفت تجمعا للدعم السريع، في مقر هيئة الإذاعة والتلفزيون المحلية، بمدينة أم درمان غرب الخرطوم، ومستشفى شرق النيل شرق العاصمة”.

أتى ذلك بعد ساعات من إعلان الجيش والدعم السريع موافقتهما على تمديد وقف لإطلاق النار كان من المقرر أن ينتهي منتصف ليل الأحد الإثنين.

إلا أن الهدنة الأخيرة بقيت هشّة كغيرها من محاولات التهدئة التي تمّ التوافق عليها منذ اندلاع النزاع.

ويرى الخبراء أن اتفاقات وقف النار تهدف خصوصا الى ضمان أمن طرق إجلاء الرعايا الأجانب، والسماح بمواصلة بعض الجهود الدبلوماسية التي تقودها أطراف خارجية في ظل رفض القائدين العسكريين التواصل بشكل مباشر.

ويبدو أن كل محاولات الحلّ تصطدم بصراع النفوذ الشخصي بين البرهان ودقلو، واللذين أطاحا معا عام 2021 بشركائهما المدنيين بعدما تقاسما السلطة معهم منذ الاطاحة بنظام الرئيس عمر البشير عام 2019.

“كارثة إنسانية”

ودقت الأمم المتحدة جرس الإنذار من تحوّل الوضع الى مأساة انسانية.

وقال المتحدث باسم الأمين العام للمنظمة الأممية ستيفان دوجاريك إن “الأحداث في السودان تحصل بنطاق وسرعة غير مسبوقين”، مبديا “قلقه الكبير”.

وأضاف أن الأمين العام أنطونيو غوتيريش قرر أن يرسل “فورا الى المنطقة” رئيس الوكالة الإنسانية للمنظمة الأممية مارتن غريفيث “في ضوء التدهور السريع للأزمة الإنسانية في السودان”.

وأكد غريفيث أنه في طريقه الى المنطقة “لدراسة كيف يمكننا أن نقدّم مساعدة فورية”، معتبرا أن “الوضع الإنساني يقترب من نقطة اللاعودة” في بلاد كانت تعدّ من الأكثر فقرا في العالم حتى قبل تفجر النزاع الأخير.

وحذّر من أن النهب الذي تعرضت له مكاتب المنظمات الإنسانية ومستودعاتها “استنزف غالبية مخزوناتنا”.

وفي بلد كان ثلث سكانه يعانون من من الجوع قبل اندلاع الحرب، قرر برنامج الأغذية العالمي أن يستأنف “أنشطته فورا” بعد تعليقها عقب مقتل ثلاثة من موظفيه خلال الأيام الأولى للنزاع.

“أزمة صحية”

تحولت الأزمة الصحية التي كان يعانيها السودان قبل اندلاع القتال إلى “كارثة بكل معنى الكلمة”، بحسب المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في منطقة شرق المتوسط أحمد المنظري.

أوضح المنظري أن قبل المعارك الأخيرة “مرّ النظام الصحي في السودان كما هو معروف بسنوات من الأزمات المختلفة مما عرّضه للكثير من الهشاشة والضعف الحقيقي، ضعف بكل ما تعنيه الكلمة من حيث البنى التحتية، أي المستشفيات أو مراكز رعاية صحية أولية بمختلف مستوياتها في عموم السودان”.

وتابع “هناك فعلا نقص حقيقي في الكادر الطبي وخصوصا بعد ظهور هذه الأزمة خلال الأسبوعين الماضيين، وخصوصا الكادر الطبي المتخصص على سبيل المثال في الجراحة والتخدير”.

وأشار إلى أن “23% من المستشفيات في الخرطوم تعمل بشكل جزئي في حين تعمل 16% فقط بكامل طاقتها”،

أسفرت المعارك عما لا يقل عن 528 قتيلًا و4599 جريحا، وفق أرقام أعلنتها وزارة الصحة السودانية السبت، في حصيلة يرجح أن تكون أعلى

ومع دخول النزاع أسبوعه الثالث، تمكنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الأحد من إيصال أول شحنة مساعدات إنسانية عن طريق الجو، وذلك الى مدينة بورتسودان الواقعة على مسافة 850 كلم الى الشرق من الخرطوم.

وأوضحت اللجنة أن الشحنة “ضمّت معدات جراحية لدعم مستشفيات السودان ومتطوعي جمعية الهلال الأحمر السوداني الذين يقدمون الرعاية الطبية للجرحى الذين أصيبوا خلال القتال”، إلا أنها لن تكفي سوى لمعالجة “1500 جريح”.

وتطال الاشتباكات 12 من الولايات الـ18 في السودان الذي يبلغ عدد سكانه 45 مليون نسمة.

 جهود دبلوماسية

ويضطر سكان العاصمة غير القادرين على مغادرتها الى الاحتماء من إطلاق النار والقصف لكنهم يواجهون ظروفا تزداد صعوبة في ظل انقطاع الكهرباء وشحّ المواد التموينية والمياه والوقود.

ومنحت السلطات المحلية في الخرطوم موظفي القطاع العام “إجازة حتى إشعار آخر”، بينما تؤكد الشرطة أن عناصرها ينتشرون للحؤول دون أعمال النهب.

وأعلنت سلطات ولاية النيل الأبيض، جنوب الخرطوم، وصول 70 الف نازح خلال الأيام الأخيرة الى مخيمات أقامنها الولاية.

وعلى مدى الأيام الماضية، أجلى العديد من الدول الغربية والعربية رعاياها توازياً مع جهود دبلوماسية سعياً للحلّ.

ووصلت سفينتان أمريكية وسعودية إلى المملكة، الإثنين، حاملتين نحو 500 مدني من جنسيات عدّة من السودان الذي يشهد معارك منذ أكثر من أسبوعين، وفق ما أفادت مصادر سعودية.

وعقدت الجامعة العربية، الإثنين، اجتماعاً على مستوى السفراء بناءً على طلب مصر.

وكان الأحد شهد اجتماع وزير الخارجية السعودي فيصل بين فرحان مع موفد للبرهان، بينما تواصل الأخير هاتفياً مع نائب رئيس دولة الإمارات الشيخ منصور بن زايد آل نهيان وسيقوم الثلاثاء بزيارة الى القاهرة.

وبحسب خبراء، تُعدّ الإمارات أقرب الى دقلو الذي سبق لها وأن دعمته.

ووفق مركز كارنيغي الشرق الأوسط للأبحاث “كلما تمكن دقلو من الحفاظ على مواقعه في الخرطوم، صار تأثيره أكبر على طاولة المفاوضات”.

وأدلى أسياس أفورقي رئيس اريتريا المجاورة للسودان والتي تربطها علاقات وثيقة بروسيا بأولى تعليقاته العلنية بشأن ما يحدث في السودان.

وقال للتلفزيون الإريتري باللغة العربية “أزمة السودان الحالية تنبع من المنافسة على ادعاء من هو المالك (الحقيقي) للثورة السودانية”.

وضع “خطير” في دارفور

وكان دقلو قائدا لميليشيات “الجنجويد” التي شكّلها البشير لدعم قواته في الحرب الدامية التي شهدها إقليم دارفور (غرب) اعتبارا من العام 2003، في مواجهة متمردين ينتمون إلى أقليات إثنية. 

وتطوّرت هذه المجموعات لاحقا إلى قوات الدعم التي أنشئت رسميا في 2013.

وبحسب الأمم المتحدة، قتل زهاء 100 شخص منذ الإثنين الماضي في غرب دارفور حيث الوضع “خطير” وفق المنظمة الدولية.

وحذّر الأمين العام للأمم المتحدة من أن “القبائل تسعى للتسلح” في المنطقة.

وتتزايد أعمال النهب والتدمير وإضرام الحرائق بما في ذلك داخل مخيمات النازحين، بحسب منظمة أطباء بلا حدود التي اضطرت الى “وقف كل أعمالها تقريبا في غرب دارفور” بسبب العنف، بحسب ما قال نائب مدير المنظمة في السودان سيلفان بيرون.

البيت الأبيض: الوضع الميداني في السودان “متقلب” 

واشنطن: وصف البيت الأبيض، الاثنين، الأوضاع الميدانية في السودان بأنها “متقلبة”، وقال إنها “لا تسمح بتنفيذ عمليات إجلاء جديدة”.
جاء ذلك في إفادة صحافية لمتحدث مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي.
وقال كيربي إن “ألف أمريكي غادروا السودان منذ بداية الصراع، لكن تقلّب الوضع على الأرض لا يسمح بعمليات إجلاء جديدة”.
بيد أنه في المقابل، شدد على أن واشنطن ستواصل تسهيل مغادرة المواطنين الأمريكيين للسودان برا وجوا.
وفي السياق، كشف كيربي أن بلاده “تتشارك مع حلفائها المعلومات الاستخباراتية حول الصراع في السودان”.
وشدد على أن التواصل المكثف مع طرفي الصراع في السودان ساهم في تمديد الهدنة.
ويوجد ما يقدر بنحو 16 ألف شخص مسجلون كمواطنين أمريكيين لدى سفارة الولايات المتحدة في الخرطوم، وفقا لوكالة “أسوشيتيد برس”، لكن الرقم تقريبي لأن كل الأمريكيين ليسوا مسجلين في السفارة أو أبلغوها عند مغادرتهم.

سفينة أمريكية 

أجلت سفينة أمريكية إلى السعودية الإثنين أكثر من 300 مدني من جنسيات عدّة من السودان، وفق ما أفادت قناة “الإخبارية” السعودية الحكومية.

ونظّمت الرياض ودول أخرى عبر المملكة، عمليات إجلاء شملت آلاف المدنيين والدبلوماسيين منذ اندلاع النزاع في السودان.

وقالت القناة إن “السفينة الأمريكية تحمل على متنها 308 أشخاص من رعايا 12 دولة تم إجلاؤهم من السودان”.

وصرّح مسؤولان مطلعان على العملية إن هناك 105 أمريكيين على متن السفينة، إلى جانب أكثر من مئة سوداني وآخرين من 15 دولة أخرى.

ولم تنشر لا وزارة الخارجية السعودية ولا السفارة الأمريكية في الرياض عدد الركاب الذين تمّ إجلاؤهم.

وبثّت قناة “الإخبارية” مشاهد تُظهر مسؤولين أمريكيين يرتدون قمصانًا حمراء كُتب عليها من الخلف “السفارة الأمريكية”، ينتظرون في ميناء جدّة لاستقبال الركاب أثناء نزولهم من السفينة.

القدس العربي + مواقع + وكالات

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار