البابور الموقع العربي

حنظلة .. قصيدة الشاعر غازي الذيبة

2٬453


غازي الذيبة

نعم ارتجفت
كانت يدي مسجونة في غمد ريشتها
وصوت رصاصة في الظهر
صوت مسافة مجنونة بيني وبيني
والأزيز يغص في نبضي
ليمتحن اقترابي من حضوري أو غيابي.
ثم التقطت أصابعي
في نقطة عمياء كان دمي ينزُّ
وكنت أسأل: كيف تسرقني الرصاصة هكذا
فأنا وحيد. خلفي ارتجاف أصابع القناص
والصبح المغطى بالرُهابِ
ولندن العمياء تمشي دونما أرق
وصوتي، صار صوتي في الضباب.
نعم اختلفت على الطريق
مع الطريق
معي..
وقلت سأتقي برق الرصاصة
ربما، أمشي قليلا قبل أن أرتاح
من أرق السؤال عن الشجر
وأظل أكثر من وحيد في غيابي.
ماذا سيحدث بعدها؟
أوراقي انتثرت هناك
جمعت أحلامي
غفوت كأنني ماض
كأن الصمت محتج عليّ
على الصدى
ما عاد قبلي للسؤال عن الحقيقة
عن ذهابي.
//
أنا حنظلة
أنا زهرة اللوز القديمة في جوار السور
بيت الحالمين بصرخة مجنونة في البر
صوت المتعبين هناك في أقصى الجنوب
لا، لم أُدر ظهري لموت ساذج
اخترت موتي مثلما تختار أرض زَلزلة.
صمتي قصير
ربما لا صمت لي
لكن صوتي لم يزل يجتاح هذا القفر
يخرج من خطوط الحبر
من واد بذي زرع
نمت أضلاعه في الريح
وامتدت لتقهر جوعهم للموت
حتى صرت أعلى من نخيل الذاهبين إلى النهاية
لا نهاية للذين سيذهبون بصوتهم
للماء، للأنهار، للأزهار، للعكوب
للشجر الفتيّ على الجبال
لصوت باخرة ستقذف حزنها في الماء
للأسماء، للشهداء، للفقراء، للطلقاء
في ليل القوافي الناحلة.
وقّعت آخر رسمةٍ بالدم
كان معتقا، يمشي كثيفا فوق أبيضها
وينهض في حنين المتعبين
بلا أنين أو صراخ في طريق الجُلجلة.
ولدان كنا والجدار مخيم أعمى
نزيف حائر ومجامر تعوي علينا
أيها الولدان ماذا تفعلان هنا إذا انهدم الجدار؟
وعاد من أُحدٍ نبي الله يسألكم:
لماذا لم تظلوا فوق صخر المسألة؟
ولدان صارا واحدا
رسمته جنيات جدراني
باسم فاقع في خطوه
ورمت عليه ملامح المتمردين
العائدين من السؤال إلى السؤال
ولم تجد غير المرارة والمرار على يديه
فصار يندهه الرفاق
هنا ستولد مثلنا
رجلا يتيما حائرا في جوعه
وغنائه وأنينه ورجوعه وجموعه
ستصير زهرتنا الجميلة
كلما مرت يداك على البياض
ستصير نص جنوننا وحريقنا يا حنظلة.
//
نعم احتدمتُ مع الصباح
رأيته متوقدا يمشي معي
ودمي يطوق قلبها
في الضوء تهمي فوق خط واضح
ورسمت قلبي تحته
سأعود ثانية إليّ ولن أراني
في شارع طعنته أمنيتي الصغيرة
وارتجفت على الطريق من المطر.
سأعود، قال الأنبياء وأصدقائي
في مساء حول أغنية تُحلق وحدها في جوعنا للصوت
سوف ألم أحلامي وأرجع من غبار الصمت
أرسم نخلة وحفيف قافية
تُزين ثوب أمي في الصباح
سأرش قلبي بالبهار
وغبطة المشدوه في دمه
إذا نعفوا الجراح.
لا، لست من شاهدتموه هنا
ينام على رصيف الموت
كنت مجردا من لعنتي
وأخذت ما أحتاجه من قمح أمي
وارتجفت
كان الندى وطني الغريب
هنا سأحمل ما تيسر من نشيدي
ثم أصرخ: لا أحب الموت
فالموتى يحبون ابتزاز الدمع
وأنا أحبك أنت
حين تطوقين الماء بي
وتعلقين على الطريق
طريقتي في الحب
او في الجب
أو في ندهة الأرق المباح.
نهران قلت، ولم أُعِدَّ دقائق العمر المُشرِّق والمُغرِّب
نهر يتيم في حوار الروح يبكي طينه
وأنا المُسيّج بي، بصورة هجرتي
سأكون بعد دقائق في البيت
ثم مضيت، لا يأتي من الخلف المساء
الضوء يمشي وحده
وأنا أسير إلى جراحي.
..
وقد ارتجفت كما أريد
ونمت مثل قصيدة رعوية في صمت لندن
لم أعد أمشي وحيدا
فالسماء معي
ولون دمي
واسمي وحده يكفي ليبقى
ثم يضحك
ثم يصرخ في الرياح.
لا شيء يأتي
لا أضابير التهافت مع عدو جاثم في المقبرة
أو أغاني التائبين عن القتال مع العدو
هناك جاءوا
أو رأوني فوق نعشي سائرا
أحمي بقية ما تبقى من جناحي.
قربي رأيت حمامة يا وحدها
كانت تُحلق فوق صدري
ثم راحت كي ترى
أرقي المُجنح فوق قافية الجراح.
غ.ذ

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار