البابور الموقع العربي

رؤساء الكاميرون ورواندا وغينيا بيساو وسيراليون يقيلون كبار الضباط خشية الانقلابات

218

إقالة قيادات عسكرية بدول أفريقية بعد انقلابي النيجر والغابون

“غياب تحقيق الرفاه الذي تتطلع له شعوب القارة السمراء فتح الباب لتدخل المؤسسة العسكرية باعتبارها القادرة على إحداث التغيير”

    

شهدت دول أفريقية عدة إجراءات وتدابير تسببت في إقالة قيادات عسكرية مقربة من دوائر السلطة في هذه الدول، ومنذ انقلاب الغابون الذي أطاح بحكم أسرة أونديمبا الذي استمر نصف قرن، أصدر رؤساء الكاميرون ورواندا وغينيا بيساو وسيراليون مراسيم عدة قذفت بأسماء جديدة إلى الواجهة وأحالت آخرين إلى وحدات عسكرية هامشية.

إقالات واسعة

يهدف تحرك قادة هذه الدول إلى تأمين دوائر سلطاتهم من الضباط المتحفزين للانقضاض على الكرسي أُسوة بزملاء لهم نجحوا في ذلك بدول قريبة منهم جغرافياً، ورفع انقلابا النيجر والغابون من تسارع قرارات الإقالة في صفوف ضباط النخبة. ويخشى معظم رؤساء هذه الدول من قادة أركانهم العسكريين بخاصة بعد تنامي الانقلابات في مالي وبوركينا فاسو وغينيا كوناكري والنيجر والغابون.

وهكذا، فقد أقال الرئيس الكاميروني بول بيا عدداً من القادة العسكريين في الجيش، وعيّن ضباطاً في الوحدات التابعة للوزير المنتدب لدى رئاسة الدفاع، ولم يتوقف التسعيني بيا الذي يحكم الكاميرون، منذ 40 عاماً، عند ذلك، بل عيّن رئيس أركان جديداً ونائباً له.

وفي رواندا، أقال الرئيس بول كاغامي 95 من الجنرالات وكبار الضباط، و930 من ضباط الصف والجنود، وشهدت الإقالات تنحية رئيس أركان سبق له أن شغل سابقاً منصبي وزير الدفاع والمستشار السابق للرئيس للشؤون الأمنية.

ولم يتوقف سيل الإقالات على شرق القارة، بل وصل دولة غينيا بيساو على ساحل المحيط الأطلسي، إذ عيّن رئيسها عمارو سيسوكو إمبالو قائداً جديداً للأمن الرئاسي، وقائد أركان خاصاً، فالدولة الأفريقية الصغيرة سبق لها أن شهدت محاولة انقلابية، العام الماضي.

وفي سيراليون البلد الذي بدأ في التعافي من حروبه الأهلية، تم اعتقال مجموعة من ضباط الجيش بتهمة التخطيط لقلب الحكومة، وذلك بعد أسبوع واحد من انقلاب النيجر.

وتهدف هذه الإجراءات بحسب الباحث في الشأن الأفريقي محمد الأمين الداه إلى “كسر الظروف الأمنية والعسكرية المشابهة لتلك التي حدثت في دول الانقلابات الأخيرة”، وأضاف الداه أن انقلابات هذه الدول “تتشابه كلها في أنها انقلابات سلمية لم تُرق فيها دماء، وأن منفذيها هم من قوات النخبة في الجيش أو من الحرس الرئاسي الخاص برئيس الدولة”، لكن فعالية هذه الإجراءات ضد حدوث الانقلابات موقتة، إذ ترتبط الانقلابات في أفريقيا بأسباب ودواع أعمق موجودة ومستمرة في المشهد الأفريقي، لا بل تكاد من أن تكون دائمة.

المشكلة أعمق

وتحمل أفريقيا بذور انقلاباتها في طيات أنظمة حكمها، فمنذ بدايات قيام الدول القطرية في هذه القارة ظهرت مشكلات بنيوية في نمط الحكم، ولفهم هذه المعضلة الأفريقية أشار عبدالصمد أمبارك رئيس مركز “الأطلس” للتنمية والبحوث الاستراتيجية إلى أن “ظاهرة الانقلابات في أفريقيا تدخل في سياق مسار تاريخي عرفته القارة السمراء منذ فترة ما بعد الاستقلال، نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في هذه البلدان، ونتيجة كذلك لنكوص القيادات السياسية عن تحقيق الإصلاحات الكفيلة بتحقيق التنمية والتقدم والازدهار”. وعدد الباحث في الشأن الأفريقي محمد الأمين الداه مشكلات هذه الدول التي تؤدي غالباً إلى الانقلابات فيها بقوله “تجتمع معضلات عدة في الدول الأفريقية منها الفشل الدويلاتي أو غياب الحكم الرشيد وعجز الحكومات والأنظمة عن إحداث تنمية، مع استمرار مشكلات الفقر والتخلف والجهل وغياب البنى التحتية”، مضيفاً “هنالك الصراعات العرقية والإثنية واستمرار الغبن والتهميش، كما أن غالبية المشكلات الأمنية في الدول الأفريقية ناتجة من وجود مجموعات عرقية كبيرة تشعر بالتهميش ما يقودها إلى التمرد الذي يؤدي، بدوره، إلى خروج بعض المناطق عن سلطة الدولة المركزية، ويكون وجود صراع مسلح كهذا حافزاً للتغيير العسكري”.

وأشار عبدالصمد أمبارك إلى أن “غياب تحقيق الرفاه الذي تتطلع له شعوب القارة الأفريقية فتح الباب على مصراعيه لتدخل المؤسسة العسكرية باعتبارها الوحيدة القادرة على إحداث التغيير والتجديد، بعدما تعثرت المشاريع السياسية في ظل الأنظمة الديمقراطية، وما تولّد عن ذلك من ركود واحتقان سياسي أوصل معظم البلدان إلى أبواب موصدة نتيجة احتكار السلطة والهيمنة على مقدرات الشعوب”.

وأسهمت شيخوخة بعض الأنظمة الأفريقية بتسريع الانقلابات في دولها للقضاء على حكم أسر لم تلتفت لوعي شعوبها، ويضاف إلى ذلك “تفشي ظاهرة التوريث السياسي المتمثل في تواجد عائلات جاثمة على مصير بلدان عدة لأكثر من نصف قرن من الزمن، وهو أمر أصبح مزعجاً اليوم في ظل الديمقراطية والتعددية السياسية، ما جعل هذه الأنظمة تنهار في ظل تنامي الغضب الشعبي والتطلع نحو التحرر والانفتاح وفق متغيرات جادة لفرض الإصلاح والتنمية والمشاركة الشعبية” بحسب رئيس مركز “الأطلس” للتنمية والبحوث الاستراتيجية.

قارة تثور

وسط هذا الوضع، تحرك ضباط من داخل المؤسسات العسكرية لهذه الدول لوضع حد لحكام تنظر لهم شعوبهم بكثير من الازدراء وعدم التقدير، فارتفعت موجة الانقلابات في مالي وبوركينا فاسو وغينيا كوناكري وأخيراً النيجر والغابون.

وتوقع الباحث محمد الأمين أن تتسع دائرة الدول الأفريقية التي قد تشهد انقلابات، وقال إنه “لن يتفاجأ إذا حدث انقلاب قريب في ساحل العاج أو جمهورية وسط أفريقيا أو بنين، ذلك لأن كل ظروف ومبررات الانقلابات السابقة متوافرة في كل بلدان وسط وغرب أفريقيا “، مضيفاً “في كل هذه البلدان، هناك جيوش ناقمة على السلطة وأوضاع عامة تؤدي إلى سخط شعبي عارم من الأنظمة الحاكمة، وقوى خارجية جاهزة لدعم الانقلابيين الذين يمدون لها يد العون”.

واعتبر أمبارك أن “تنامي ظاهرة الانقلابات في دول أفريقية عدة، لا شك أنها تشجع البعض على اتخاذ زمام المبادرة في إحداث التغييرات غير الدستورية عبر تعداد الوسائل المتاحة في كل بلد، بحسب خصوصيات هذه البلدان المختلفة والمتباينة من بلد لآخر، لكن القاسم المشترك يبقى في معالجة إشكاليات التنمية مع فرض المناخ السياسي الملائم بعيداً من فرض سياسة أمر الواقع الذي يتبعه معظم القادة الأفارقة”. وختم أمبارك أن “الانقلابات هي إجهاض للشرعية الدستورية، واليوم الوضع تغيّر والقارة تثور من أجل مستقبلها”.

اندبندنت عربية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار