البابور الموقع العربي

وفاة وزير الدفاع الجزائري السابق خالد نزار في يوم إعلان محاكمته بسويسرا بتهم “ارتكاب جرائم حرب”

175

نزار “وافق ونسّق وشجع” على التعذيب والأعمال “القاسية واللاإنسانية والمهينة”، وعمليات “إعدام خارج نطاق القضاء”، حيث كان سيحاكم غيابيا بجرائم ارتكبت بين عامي 1992 و1994

سويسرا قررت محاكمة اللواء خالد نزار بتهم “ارتكاب جرائم حرب” في يونيو المقبل

البابور العربي – متابعات

توفي وزير الدفاع الجزائري السابق خالد نزار عن عمر يناهز 86 سنة، وفق ما أعلنه موقع “ألجيري باتريوتيك” المملوك لنجله. والرجل شخصية جدلية في الجزائر، تنقسم حولها الآراء بحدة، بالنظر لدوره الحاسم في أحداث مفصلية، خاصة سنوات الأزمة الأمنية بداية سنوات التسعين من القرن الماضي.

شاءت الأقدار أن يعلن عن وفاة نزار في نفس اليوم الذي يحدد فيه القضاء السويسري تاريخ محاكمته بتهم جرائم حرب تتعلق بفترة التسعينيات في الجزائر. وورد خبر الوفاة في بيان مقتضب نشره موقع “ألجيري باتريوتيك”، جاء فيه “يؤسفنا أن نعلن وفاة المجاهد خالد نزار عن عمر يناهز 86 سنة. ندعو الله أن يسكنه فسيح جناته”.

والراحل من مواليد قرية سريانة بولاية باتنة التي تعرف بمنطقة الأوراس شرق الجزائر في 27 كانون الأول/ديسمبر 1937، لأسرة من 14 فردا، عاصر الثورة الجزائرية التي انضم إليها بعد أن فرّ من الجيش الفرنسي الذي التحق بإحدى مدارسه العسكرية، ليبدأ مسيرته بعد استقلال البلاد ويتحول إلى أحد أبرز رجال المؤسسة العسكرية.

في عام 1982 أصبح قائدا للمنطقة العسكرية الخامسة بقسنطينة شرق البلاد، ثم عين قائدًا للقوات البرية ونائبًا لرئيس أركان الجيش الوطني الشعبي في 16 يونيو 1987. وفي أحداث تشرين الأول/أكتوبر 1988 التي عرفت بانتفاضة الجزائريين ضد الظروف الاقتصادية ونظام الحزب الواحد، عهد إليه بمهمة إعادة النظام، وقد سقط في تلك الأحداث المئات من الوفيات.

وفي 10 تموز/يوليو 1990، عيّنه الرئيس الشاذلي بن جديد وزيرا للدفاع، وبقي في هذا المنصب إلى 27 تموز/يوليو 1993. وخلال هذه المدة التي شهدت صعودا لافتا للإسلاميين، كان له دور مفصلي في وقف المسار الانتخابي بعد فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالدور الأول نهاية سنة 1991 في الانتخابات التشريعية وكانت تتأهب لتكتسح أغلب مقاعد البرلمان، وهي الأزمة التي أدت بالرئيس الشاذلي بن جديد للاستقالة واعتبر نزار أبرز من دفعوه لذلك.

وفي الأشهر الأخيرة، عاد وزير الدفاع الجزائري السابق ليصنع الحدث مجددا بعد أن قرر القضاء السويسري تتويجا لمسلسل استمر أكثر من عشرين سنة، محاكمته عن شبهة ارتكاب جرائم في فترة الأزمة الأمنية التي شهدتها الجزائر، وهي المحاكمة التي أعلن في الأمس عن تحديد موعد إجرائها في حزيران/يونيو المقبل.

وفي لائحة الاتهام التي قدمها مكتب المدعي العام السويسري بحق نزار الاشتباه في ارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال فترة الأزمة الأمنية التي أعقبت توقيف المسار الانتخابي في البلاد سنة 1992.

وذكرت النيابة العامة السويسرية في بيان لها أن نزار بصفته وزيرا للدفاع وعضوا بالمجلس الأعلى للدولة، وضع أشخاصا محل ثقة لديه في مناصب رئيسة، وأنشأ عن علم وتعمد هياكل تهدف إلى “القضاء على المعارضة الإسلامية”. وأضافت “تبع ذلك جرائم حرب واضطهاد معمم ومنهجي لمدنيين اتهموا بالتعاطف مع المعارضين”.

ويشتبه حسب النيابة العامة السويسرية بأن نزار “وافق ونسق وشجع” على التعذيب وغيره من الأعمال “القاسية واللاإنسانية والمهينة”، إضافة إلى عمليات “إعدام خارج نطاق القضاء”، حيث سيحاكم غيابيا بجرائم ارتكبت بين عامي 1992 و1994، عن 11 حالة تقول النيابة إنها وثقتها.

وأدت هذه القضية إلى غضب شديد لدى السلطات الجزائرية التي هاجمت بشدة تعامل نظيرتها السويسرية مع الملف. وبرز ذلك بوضوح في ثنايا اللغة التي وظفها وزير الخارجية أحمد عطاف في مكالمة هاتفية من نظيره السويسري اينياسيو كاسيس، شهر آب/أغسطس الماضي.

واللافت أن دفاع السلطات الجزائرية عن نزار جاء بعد فترة عانى فيها وزير الدفاع السابق من متاعب جمة مع القضاء العسكري الجزائري الذي قرر متابعته في فترة الحراك الشعبي سنة 2019 بتهم “المساس بسلطة قائد تشكيلة عسكرية” و”التآمر ضد سلطة الدولة”. واضطر الرجل لمغادرة البلاد خوفا من الاعتقال، مطلقا سلسلة تغريدات نارية ضد رئيس أركان الجيش الراحل أحمد قايد صالح، قبل أن يصدر في حقه بعد ذلك حكم غيابي بـ20 سنة سجنا نافذا.

لكن الرجل القوي في النظام سابقا عاد للبلاد بشكل مثير للجدل في كانون الأول/ديسمبر 2020 مستفيدا من إلغاء الأحكام القضائية الصادرة بحقه. وفي آب/أغسطس 2022 ، أعاد الرئيس عبد المجيد تبون الاعتبار للواء المتقاعد خالد نزار، حيث قام بتكريمه ضمن جملة من كبار القادة العسكريين الذين دخلوا السجن في فترة رئيس أركان الجيش الراحل أحمد قايد صالح، وتوبعوا بتهم خطيرة تتعلق بإضعاف معنويات الجيش والتآمر على سلطة الدولة والجيش.

وعرف عن الرجل رغم الانتقاد الشديد المستمر منذ نحو 40 سنة، الخيارات التي اتخذها عندما كان أقوى شخص في السلطة بعد استقالة الشاذلي بن جديد، ووضع عدة مؤلفات وأجرى حوارات صحافية تدافع عن نظرته في منع الإسلاميين من الوصول إلى السلطة ومشروعهم الذي كان يهدف حسبه لأفغنة الجزائر، ويؤيده في ذلك فصيل سياسي جزائري يعتبرونه “منقذ الجمهورية”، لكن خصومه يتهمونه في المقابل بالمسؤولية السياسية عن تفاقم الأزمة الأمنية التي لم تخرج منها البلاد إلا في بداية سنوات الألفين.

سويسرا حددت موعد محاكمته منتصف عام 2024

وكان من المنتظر أن تجري محاكمة وزير الدفاع الجزائري السابق خالد نزار في مدينة بيلينزونا السويسرية بتهمة ارتكاب جرائم حرب، في الفترة ما بين 17 يونيو و19 يوليو 2024، بحسب ما أوردته منظمة “ترايل إنترناشيونال” الحقوقية.

وقالت هذه المنظمة التي قدمت الدعم القانوني للمتهمين الذين رفعوا الدعوى القضائية ضد نزار، إن وزير الدفاع الجزائري السابق، سيتعين عليه الرد على الاتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية التي وجهها ضده مكتب المدعي العام للاتحاد السويسري.

واعتبرت “تريال إنترناشيونال” افتتاح المحاكمة خطوة حاسمة في الإجراء الذي بدأ في 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2011 باعتقال خالد نزار في جنيف. ثم كان على الضحايا الخمسة الذين تقدموا بشكوى في القضية، وفق البيان، الانتظار حتى 28 أغسطس 2023 لإصدار لائحة اتهام من قبل مكتب المدعي العام.

ويقيم نزار حاليا في الجزائر، ولا يُعتقد بأنه سيحضر المحاكمة في سويسرا التي يعتبرها متحيزة لرواية الإسلاميين، ما يعني محاكمته غيابيا.

وكان مكتب المدعي العام السويسري، قد أصدر قبل أسبوعين لائحة اتهام بحق نزار للاشتباه في ارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال فترة الأزمة الأمنية التي أعقبت توقيف المسار الانتخابي في البلاد سنة 1992، إثر فوز فصيل من الإسلاميين.

ويشتبه حسب النيابة العامة السويسرية، أن نزار “وافق ونسّق وشجع” على التعذيب وغيره من الأعمال “القاسية واللاإنسانية والمهينة”، إضافة إلى عمليات “إعدام خارج نطاق القضاء”، حيث سيحاكم غيابيا بجرائم ارتكبت بين عامي 1992 و1994، عن وثقت 11 حالة تقول النيابة إنها وثقتها.

ومن الجانب الرسمي الجزائري، ينظر إلى هذه المحاكمة على أنها تدخل في خيارات سيادية للدولة، ما أدى لإشعال فتيل الغضب بين البلدين، وهو ما عبّر عنه وزير الخارجية أحمد عطاف في مكالمة هاتفية مع نظيره السويسري.

وقال عطاف وفق ما نقله بيان الخارجية الجزائرية، إنه “من غير المقبول أن تعطي العدالة السويسرية لنفسها الحق في إصدار الأحكام حول الخيارات السياسية لدولة مستقلة وذات سيادة في مسائل الأمن الوطني”.

وأشار إلى أن “هذه القضية بلغت حدودا غير مقبولة ولا يمكن التسامح معها، وأن الحكومة الجزائرية عازمة كل العزم على استخلاص كل النتائج، بما فيها تلك التي هي أبعد من أن تكون مرغوبة في مستقبل العلاقات الجزائرية السويسرية”.

وذهب وزير الخارجية إلى حد القول إن “هناك قناعة لدى السلطات الجزائرية تعززت بمرور الوقت، بأن العدالة السويسرية قدمت باستخفاف شديد، منبرا للإرهابيين وحلفائهم ومؤيديهم بغية محاولة تشويه سمعة الكفاح المشرف الذي خاضته بلادنا ضد الإرهاب، وتلطيخ صورة وذكرى أولئك الذين سقطوا في مجابهته”.

ويعتقد محامو خالد نزار، وفق ما ذكروه في بيان لهم، أن قرار القضاء السويسري خاضع لسياقات سياسية، كون الذين يتهمونه لا يخفون توجهاتهم الإسلامية، بينما أظهر وزير الدفاع السابق رفضه دائما للمشروع الإسلامي المتطرف.

وأبرز بيان هيئة الدفاع أن نزار يعترض بشدة على اتهامه بارتكاب جرائم، أو الأمر بها أو التخطيط لها أو تقديم المساعدة أو حتى التسامح مع أفعال يمكن تصنيفها على أنها جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية. وأكد أن اللواء خالد نزار قد عارض دائما، على وجه الخصوص، التعذيب الذي لم يتردد في إدانته علنا في التسعينات، وفق البيان.

واشتهر وزير الدفاع السابق، وهو آخر من شغل هذا المنصب الذي أُلحق بعد ذلك بمنصب رئيس الجمهورية في الجزائر، بدوره في وقف المسار الانتخابي بداية التسعينات إثر فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالدور الأول للانتخابات البرلمانية، وما تلاها من تصاعد للأحداث التي انتهت باستقالة الرئيس الشاذلي بن جديد ودخول البلاد في نفق الأزمة الأمنية.

القدس العربي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار