البابور الموقع العربي

أولمرت: نتنياهو سيفتح أبواب يأجوج ومأجوج

111

البابور العربي – متابعات

الهدف الأسمى للثنائي، بن غفير وسموتريتش، ليس في المقام الأول احتلال قطاع غزة. واستيطان أرجاء قطاع غزة المدمر ليس هو المأمول لمجموعة الحالمين المسيحانيين الذين سيطروا على الحكم في دولة إسرائيل. غزة هي فصل المقدمة، والمنبر الذي تريد هذه المجموعة إقامته كأساس تدير فوقه المعركة الحقيقية التي يتطلعون إليها: المعركة على الضفة الغربية والحرم.
الهدف النهائي لهذه الزمرة هو “تطهير” الضفة الغربية من السكان الفلسطينيين، و”تطهير” الحرم [المسجد الأقصى] من المصلين المسلمين وضم “المناطق” [الضفة الغربية] لدولة إسرائيل. وطريق هذا الهدف مشبعة بالدماء، الدماء الإسرائيلية في الدولة وفي المناطق التي تسيطر عليها منذ 27 سنة والدماء اليهودية أيضاً في أرجاء العالم الواسع. بالطبع أيضاً دماء فلسطينية كثيرة، في المناطق والقدس، وإذا لم يكن هناك مناص، ففي أوساط عرب إسرائيل أيضاً. هذا الهدف لن يتحقق بدون مواجهات عنيفة وواسعة النطاق. حرب يأجوج ومأجوج، حرب الجميع ضد الجميع. في الجنوب وفي القدس وفي أراضي الضفة، وإذا احتاج الأمر، على الحدود الشمالية أيضاً.
هذه الحرب ستعزز الانطباع بأننا نناضل على حياتنا وعلى وجودنا. ومسموح فعل أمور غير محتملة في الحرب على الوجود، و”شبيبة التلال” [المستوطنون الأكثر تطرفاً] يثبتون كل يوم بأن الكثيرين في أوساطهم مستعدون لذلك. زمرة المشاغبين هذه نجحت في الانتصار في المرحلة الأولى قبيل الفوضى والحرب الشاملة التي يبدو أنهم يريدون اندلاعها هنا. فقد سيطروا على الحكومة الإسرائيلية وجعلوا من يترأسها خادماً لهم. إمكانية أن يحلوا الحكومة وإبعاد رئيس الحكومة عن إدارة شؤون الدولة ليست هذياناً، بل هي عملية تحدث بالفعل في هذه الأثناء، مرحلة تلو أخرى.
أولاً، لقد قرر بن غفير وسموتريتش التضحية فعلياً بالمخطوفين. بهدف منع احتمالية إنهاء العملية العسكرية الناجحة، التي حققت حتى الآن إنجازات مثيرة للجيش الإسرائيلي، حتى لو كان ذلك بثمن باهظ، من الواضح أننا بعيدون عن “النصر المطلق”. هذا النصر غير ممكن. وحتى لو استمرت العملية العسكرية لشهرين آخرين، فإن الثمن الذي ستجبيه لا يساوي “حلم” الانتصار الذي لا احتمال حقيقياً لتحققه.
استمرار العملية العسكرية الآن سيجر الجيش إلى داخل رفح، هكذا يأملون. هذه العملية ستعرض اتفاق السلام بين إسرائيل ومصر للخطر بشكل حقيقي وفوري. ولا شك أن مصر والأردن والإمارات والسلطة الفلسطينية والسعودية أيضاً، جميعها تأمل أن يتم القضاء على حماس وتحطيمها، لكن مصر تعرف أن هناك احتمالية كبيرة بأن استمرار العملية العسكرية الإسرائيلية سيوقظ الإخوان المسلمين من سباتهم. فقد رأت مصر في السابق كيف أن النظام المصري الذي فرض الانضباط العسكري من أجل وقف هذه الجهات الإسلامية المتطرفة، لم يستطع الوقوف أمام مظاهرة المليون في شارع التحرير في مركز القاهرة. وإن جهوداً كبيرة، بدعم هادئ من المجتمع الدولي، هو الذي مكن الجهات الأكثر اعتدالاً برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي، من السيطرة على مقاليد الحكم في مصر وقيادتها كعامل سياسي وعسكري يساعد على الاستقرار في الشرق الأوسط.
عبد الفتاح السيسي والقيادة العسكرية لن يقوموا بمخاطرة قد تدهور مصر إلى فوضى يصعب الخروج منها. استمرار العملية العسكرية في رفح، التي فيها أكثر من مليون فلسطيني، هو الفتيل الذي سيشعل الشوارع في المدن المصرية، وربما في الأردن، وهي الدولة الأخرى التي علاقاتها مع إسرائيل حيوية لأمننا.

قبل تدهور الأحداث سنقف أمام عدد من الدول العربية المعتدلة، التي فقدت ما بقي من الثقة بالقدرة على إيجاد شبكة علاقات تقوم على التعاون مع إسرائيل.
ولكن حتى الولايات المتحدة، الحليفة التي هبت بشكل مثير للإعجاب لمساعدة إسرائيل في وقت أزمة غير مسبوقة، عندما كانت الحكومة تقلق ورئيسها فقد ما بقي له من القدرة على التقدير والشعور بالمسؤولية، ستقوم هي الأخرى بخطوات تقوض قدرة إسرائيل على مواصلة إدارة العملية العسكرية والسياسية، واستقرار اقتصادها.
في ذروة كل هذه الأحداث، قرر نتنياهو إشعال منطقة الحرم. عندما تبدأ أعمال الشغب حول حرية الصلاة للمسلمين في إسرائيل والفلسطينيين من الضفة الغربية والقدس، ستندلع موجة إرهاب واسعة. وثمة خطورة خاصة تنطوي على هذا القرار إزاء مظاهر المسؤولية والتضامن لمواطني إسرائيل العرب مع الضائقة التي تمر فيها دولتهم. بدلاً من احترام تضامن المجتمع العربي، يقوم نتنياهو وبن غفير بتحديه والتحريض ضده. أي شخص عاقل يرى بالتأكيد هذه الديناميكية الحتمية. وبن غفير وسموتريتش وآلاف “شبيبة التلال” العنيفين وآخرين كثيرين في “المناطق” [الضفة الغربية]، الذين ما زالوا يحافظون على مستوى من ضبط النفس، يدركون ذلك.
لا طريقة لتفسير سلوكهم عدا عن أن هذا هو ما يريدونه، وأن هذا ما يأملونه. وعند اندلاع موجة الإرهاب سيقول لنا هؤلاء الحالمون المسيحانيون بأنه يجب وقف الإرهاب بالقوة، هكذا ستندلع الحرب في مناطق “يهودا والسامرة كلها”.
حتى الآن لم نقل أي شيء عن الحدود الشمالية. يمكن محاولة التوصل إلى تفاهمات مع لبنان حول حل قضية الحدود، التي قد تهدئ النار التي اشتعلت هناك وجعلت عشرات آلاف الإسرائيليين يهربون من بيوتهم. الإدارة السليمة المتأنية وبدون تصريحات متبجحة وتهديدات لانهائية، ربما تخلق معادلة تمكن حزب الله من عرض صورة شكلية لإنجاز عن طريق حل النزاع الذي امتد لسنوات طويلة حول عدد من النقاط على خط الحدود الحالي، وتبرير انسحابه إلى ما وراء الليطاني. هذا الأمر سيمكن إسرائيل من إعادة الشعور بالأمان في أوساط سكان الجليل وعودتهم إلى بيوتهم لمدة 17 سنة أخرى من الهدوء، كما فعلت حرب لبنان الثانية.
لكن بن غفير وسموتريتش لا يريدان تهدئة الحدود الشمالية. الحرب هناك ستعزز الادعاء بأنه لا مناص من القضاء على كل الأعداء، في كل الجبهات وفي كل القطاعات، بأي ثمن. رئيس الحكومة يدرك النتيجة الحتمية للاستسلام الكامل لعصابة المشاغبين الذين يسيطرون على الحكومة. هو يرى ويعرف، لكنه يتعاون.
في نهاية المطاف (ربما في بداية المطاف) بات نتنياهو مستعداً للتنازل عن المخطوفين وتقويض اتفاقات السلام مع مصر والأردن، التي تعتبر لبنة جوهرية في البنية التحتية لأمن دولة إسرائيل. وهو مستعد لتقويض العلاقات مع الولايات المتحدة إلى درجة الأزمة المكشوفة مع الرئيس الأكثر التزاماً في التاريخ بدولة إسرائيل، جو بايدن. نتنياهو يدرك أن استمرار هذه المغامرة سيؤدي إلى عزلة إسرائيل في المجتمع الدولي كما لم تكن في يوم ما.
مهما كانت الأقوال صعبة، فلا مناص من قولها: يا نتنياهو، هذا المسار سينتهي بالكثير من سفك الدماء. انظر، لقد تم تحذيرك.
هآرتس 22/2/2024

القدس العربي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار