البابور الموقع العربي

انشطار الإمبراطورية الأمريكية في غزة

139

عبدالعظيم الأنصاري

عندما بدأ تنفيذ خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي المقبور آرئيل شارون المعروفة بـ”فك الارتباط الأحادية الإسرائيلية مع غزة”، وهو الاسم الذي اختير حينها للانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع أمام عمليات المقاومة الفلسطينية المتصاعدة، العام 2005، عاش الكيان الصهيوني حينها حالة انقسام حادة دعتني لكتابة تحليل تحت عنوان “انشطار إسرائيل في غزة”.

الآن وبعد 6 شهور من الحرب الإسرائيلية المتواصلة بهدف العودة من جديد لاحتلال القطاع، دون جدوى، فقد رأيتُ حالة الانشطار نفسها لكن هذه المرة لم يقتصر الأمر على الداخل الإسرائيلي، وإنما تجاوزه إلى الداخل الأمريكي.

وضع الصمود الفلسطيني الأسطوري أمام آلة الحرب الإسرائيلية الأمريكية، الإمبراطورية الأمريكية مرغمة أمام صورة نفسها في المرآة، وأجبر العم سام على رؤية ما بوجهه من تشوهات أصر على إخفائها أو القفز عليها طيلة 250 عامًا تقريبًا هي عُمر الإمبراطورية الأمريكية.

طوال هذه الفترة ينظر الأمريكيون إلى أنفسهم حتى قبل قيام دولة الكيان، على أنهم نموذج مجسد لمعاناة ونجاة بني إسرائيل في الأرض الموعودة، فقد نظر البيوريتانيين أو المتطهرين “إحدى مذاهب البروتستانت” الذين فرّوا من اضطهاد الكنيسة الإنجليزية إلى أنفسهم تمامًا بنفس نظرة الصهاينة الإسرائيليين إلى أنفسهم، في تبريراتهم لما ارتكبوا من جرائم في حق الإنسانية، وأثناء ارتكابهم المجازر والإبادة الجماعية في حق الشعوب الأصلية “الهنود الحُمر”، في محاكاة للدولة العبرية التي ذكرها الإسرائيليون التوراتيون، حتى أطلق الأمريكيون الأوائل على الأرض الجديدة اسم “إسرائيل الجديدة” أو “نيو إنجلاند صهيون”، ورغم أن الأمريكيين الأوائل لم تكن لهم مطالبات تاريخية بأراضي العالم الجديد، لكن تبنيهم للسردية الصهيونية رغم أنهم بروتستانت دفعتهم لارتكاب جرائم الإبادة الجماعية بدم بارد، فضلًا عن تبنيهم أسطورة الرجل الأبيض العنصرية التي تعالوا بها على كافة الشعوب، كل ذلك وأكثر دفع هوس البروتستانت الأمريكيين واليهود الصهاينة بالوجود الإسرائيلي في المنطقة العربية.

الكثير من الأمريكيين نشأوا على حُب إسرائيل كونها تجسيدًا لتاريخ صراعهم مع الشعوب الأصلية، التي ينظرون إليها باعتبارها شعوب همجية فقط لمجرد محاولاتهم الدفاع عن أنفسهم ضد الإبادة، وهي نفس النظرة التي ينظرون بها إلى الفلسطينيين وجميع شعوب المنطقة العربية.

كل ذلك يدفع الكثير من الأمريكيين – خاصة الديمقراطيين منهم – إلى إعادة النظر في تاريخهم، ونقده، وربما نقض الرواية الدارجة عن تحضر الرجل الأبيض، وهو ما تحدّث عنه تفصيلًا الكاتب الأمريكي جيم سليبر في مقال تحت عنوان “إسرائيل والمتشددون: قصة حب تاريخية خطيرة”، في منصة Salon الأمريكية، ملقيًا الضوء على تاريخ طويل من التشابك وانعكاس الصورة بين الأمريكيين والإسرائيليين.

على النقيض من ذلك التوجه الأمريكي الجديد خاصة داخل التيار اليساري، يتمسك اليمينيون والجمهوريون، بأفكارهم الأصولية، حول ذاتهم ونظرتهم إلى أنفسهم، وينظرون إلى منتقدي الصهيونية على أنهم منحرفون، وهو ما تحدثت عنه الكاتبة ريبيكا داونز في مقال لها بمنصة تاونهول الأمريكية، متهمة الديمقراطيين بتشويه عيد الفصح، بإعلان يوم 31 مارس، والذي تصادف أنه يوم عيد الفصح، يومًا للاحتفال بظهور المتحولين جنسيًا، دون النظر إلى قدسية اليوم عند المسيحيين، وأنهم لم يكفتوا بذلك بل هاجموا “إسرائيل”، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ومجهوده الحربي، متهمة “الديمقراطيين” بأنهم يُلبون احتياجات اليسار المتطرف في الخروج عن القواعد التي تأسست عليها الولايات المتحدة الأمريكية، ما يؤكد أن غزة أصبحت تُمثل إحدى أبرز نقاط انشطار الإمبراطورية الأمريكية.

المصدر: المدونة الشخصية للصحفي المصري عبد العظيم الأنصاري

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار