البابور الموقع العربي

بانتظار الشرارة.. متى تشعل (إسرائيل) الحرب الكبرى في العالم العربي؟

574

سمير الحجاوي

هل نحن على أبواب حرب كبرى في المنطقة العربية؟

سمير الحجاوي

هذا السؤال يشغل بال العالم كله.. ولا شك ان كل الظروف مواتية لاندلاع حرب شاملة، والمسالة تتعلق بوجود شرارة او “صاعق” للبدء لا اكثر.

بالطبع هذه الحرب الكبرى تمثل (اسرائيل) محورها الاساسي ومسببها ومشعل اوارها، بعد ان وصل قادة هذا الكيان الى طريق مسدود في غزة، ولم يستطيعوا ان يحسموا العدوان على غزة مع دخول الحرب شهرها السابع، وانكشاف العجز الاسرائيلي الكامل رغم القوة التدميرية الهمجية البربرية التي يملكها؟

اذن ما هو الحل؟ من وجهة النظر الاسرائيلية يكمن الحل في توريط الولايات المتحدة الامريكية في حرب كبيرة، وكما استطاعوا ان يدمروا العراق عن طريق الامريكيين، حان الدور على ايران الان.

ولكن هل يمكن اعتبار ايران عدوا وجوديا على الكيان الاسرائيلي؟ الاجابة هي لا، فايران عدو تكتيكي للكيان الاسرائيلي، فهما يتنافسان على التموضع في المنطقة العربية، وتحويل اكبر مساحة من العالم العربي الى “منطقة حيوية” لكل منهما، فالحرب بينهما هي حرب مصالح بالدرجة الاولى؟ وما يجري بينهما مجرد “مناوشات صاخبة” لا اكثر.

تدريب الطيارين على متن حاملة الطائرات الامريكية جورج بوش

ونعود الى السؤال: ما دام الامر “تكتيكي” فهل يمكن ان تندلع حربا كبيرة؟ والاجابة هي: نعم

كيف؟

ايران تستخدم في حربها للتوسع والسيطرة “الغطاء الايديولوجي” وهو نفس الغطاء الذي يستخدمه “الكيان الصهيوني”، وهو غطاء ايديولوجي “ديني”.. اي ان الطرفين يستخدمان نفس الادوات الايديولوجية، مما يجعل قواعد اللعبة والمواجهات بينهما اقرب الى “المناوشات” لا الى المعارك الحقيقية. فايران تريد ان تتوسع، وقد توسعت بالفعل في العراق وسوريا ولبنان واليمن، والكيان الاسرائيلي توسع بالطبع تحت غطاء التطبيع، وهو غطاء ايديولوجي صهيوني، في الاردن ومصر والامارات والبحرين والمغرب وموريتانيا والسودان (البرهان) وليبيا (حفتر)، مع وجود طريق سالك الى التطبيع مع السعودية وعمان..

تدريبات للجيش الأمريكي في الخليج العربي

هذا يعني وجود مشروعين متصارعين، ايراني واسرائيلي، على الساحة العربية (المشلولة)، محكومان بقواعد الصراع المحدودة والمنضبطة، مثل مثل المناوشات بين (حزب الله والعدو الاسرائيلي).

المشكلة الوحيدة التي “خربت” الطبخة الايرانية الاسرائيلي، هي حركة المقاومة الاسلامية (حماس)، التي فاجأت ايران والكيان الاسرائيلي، بشن هجوم كاسح في 7 اكتوبر 2023، وقد اعلنت ايران رسميا انها لم تكن تعرف شيئا عن هذا الهجوم وهذه العملية الكبيرة،

كيف خربت حماس “الطبخة” الايرانية الاسرائيلية؟

خربتها من خرجت عن قواعد اللعبة المحكومة بنظام “المناوشات المنضبطة” الى عمليه بطولية شاملة استطاعت ان تقتل فيها 1200 جندي ومستوطن اسرائيلي وان تاسر ما يقرب من 300 اسرائيلي وتنقلهم الى غزة؟

هذا الفعل (الخارج عن اطار التفكير الايراني والاسرائيلي في نفس الوقت، دفع العدو الصهيوني الى شن حرب شاملة تدميرية على قطاع غزة، استخدم فيها كل ما لديه من قوة واسلحة، بدعم عسكري كامل من امريكا وبريطانيا وفرنسا والمانيا وايطاليا” التي اعلنت حلفا من اجل حماية الكيان الاسرائيلي.

طائرات عسكرية امريكية في سماء مضيق هرمز في الخليج العربي

هنا حرقت حماس “الطبخة” لان حركة المقاومة الاسلامية حماس، تنطلق من مصالح فلسطينية خالصة، تتمثل في تحرير فلسطين والمسجد الاقصى من قبضة الاحتلال الاسرائيلي الصهيوني، وهي تنطلق من “اجندة فلسطينية”، رغم الدعم الايراني العسكري، فحماس تتلقى الاسلحة من طهران ولا تتلقى الاوامر، لان الفعل على الارض الفلسطينية “صناعة فلسطينية خالصة”.

امام هذه “الورطة المفاجئة” وجدت ايران نفسها كمن “يبلع الموس” على الحدين، فهي لا تستطيع ان تتراجع امام هذا الفعل البطولي لحماس، وفي نفس الوقت لا تريد ان تذهب الى حرب شاملة مع العدو الاسرائيلي، وهذا ما دفع قادة ايران وحزب الله الى الاعلان ان قرار عملية 7 اكتوبر هو “قرار فلسطيني خالص 100%” لا دخل لهما به، ولم يعلما به، وهي رسالة للامريكيين والاسرائيليين ببرائتهما من “طوفان الاقصى”، واعلان ضمني انهما لا يريدان دخول الحرب، وقد اخذ هذا الموقف الشكل العملي له في مناوشات حزب الله “المنضبطة” مع العدو الصهيوني في شمال فلسطين المحتلة، فقد بقيت المناوشات تراوح مكانها خلال 7 شهور من الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة، وهذا ما دفع قادة حماس، خالد مشعل واسماعيل هنية، الى توجيه انتقادات نادرة جدا لايران وحزب الله والقول “انهما كانا ينتظران اكثر منهما”، وهو ما لم يحدث بالطبع رغم شعار “وحدة الساحات”.

قوارب الحرس الثوري الايراني تستولي على ناقلة نفط في الخليج العربي

لا يمكن التقليل اطلاقا من اهمية الدعم الايراني العسكري والمالي للمقاومة الاسلامية الفلسطينية، حماس والجهاد، فبدون هذا الدعم ما كان لحماس والجهاد القدرة على مقارعة العدو الاسرائيلي بهذه القوة، فالدعم الايراني هو الدعم “الوحيد” الفاعل على الساحة الفلسطينية في قطاع غزة، وبدونه فان قتال العدو الاسرائيلي “شبه مستحيل” او “صعب جدا” لان المقاومة الفلسطينية تحتاج الى السلاح والتدريب والمال قبل كل شيء.

الهجوم الفلسطيني المفاجئ على المستوطنات والمعسكرات الاسرائيلية المحيطة بغزة، وتحقيق انتصار سريع خلال 3 ساعات فقط، افقد العدو الصهيوني صوابه وتوازنه وقدرته على التفكير والشعور بخطر وجودي، الامر الذي دفع امريكا وبريطانيا وفرنسا والمانيا وايطاليا، الى التدخل العسكري المباشر، عبر اقامة جسر جوي لتامين امدادات من السلاح والقنابل والذخيرة والمعدات تجاوزت 100 الف طن،( 60% من امريكا، 30% من المانيا)، الى جانب تشكيل غطاء سياسي للكيان الاسرائيلي والحماية الكاملة في الامم المتحدة ومجلس الامن، وتامين ظهر الكيان الاسرائيلي عسكريا وسياسيا وماليا.. عندها اندفع العدو الاسرائيلي الصهيوني الى شن حرب تدميرية شاملة على قطاع غزة بتواطئ عربي (مصر والامارات) بالدرجة الاولى ودعم من دول عربية اخرى بطرق مختلفة.

خلال 7 شهور من الحرب دمر العدو الاسرائيلي كل شيء في غزة تقريبا ارتكب خلالها جيش العدو ما يزيد عن (2,941) مجزرة، وقتل ما يقرب من 34000 فلسطيني وجرح ما يزيد عن 76000، الى جانب اكثر من 40000 من المفقودين، ثلاثة ارباع الضحايا من النساء والاطفال ( (14,520) شهيداً من الأطفال) و ( (9,568) شهيدة من النساء.)، و (485) شهيداً من الطواقم الطبية. و (140) شهيداً من الصحفيين. و (65) شهيداً من الدفاع المدني. و (30) طفلاً استشهدوا نتيجة المجاعة. ودمر 70% من المباني في قطاع غزة ويشمل ذلك المسشفيات والجامعات والمدارس، كما دمر البنية التحتية ومحطات تحلية المياه ونظام الصرف الصحي، وفرض حصارا خانقا على قطاع غزة، بالشراكة الكاملة مع نظام السيسي في مصر ومنع دخول الغذاء والدواء والماء، ما اوصل قطاع غزة الى حافة المجاعة الشاملة، وهنا لا بد من الاشارة الى العدو الاسرائيل حصل على 55% من امدادات الغذاء من تركيا والاردن، مع وجود جسر بري لنقل المواد الغذائية الى الكيان الاسرائيلي من الامارات والسعودية والاردن.

رغم كل هذا التدمير الدموي الهمجي البربري، فشل العدو الصهيوني بتحقيق اي انتصار على المقاومة الاسلامية الفلسطينية، التي قارعته مقارعة الابطال، وفشل بتحقيق اهدافه المتمثله بتدمير حركة حماس وتحرير المحتجزين الاسرائيليين لدى المقاومة، وثارت الخلافات الداخلية بين المكونات الاسرائيلية والصهيونية والتورات الدينية، وصار “الجيش الاسرائيلي الذي لا يهزم” غير قادر على الفعل في مواجهة اول حرب حقيقية يخوضها، بدل مسرحيات الحروب الهزلية في اعوام 1948 و 1967 و 1973، وصار العدو الاسرائيلي على قناعة ان عاجز وغير قادر على فعل شيء، وانه بدون الدعم الامريكي والبريطاني والغربي، لا يستطيع ان يصمد امام حركة فلسطينية مسلحة، وهو الامر الذي عبر عنه كل القادة الاسرائيليين بقولهم “وجود اسرائيل في خطر .. نحن نخوض حربا وجودية” وخرج كل القادة الاوروبيون للقول انهم يدافعون عن “حق اسرائيل في الوجود” وانهم لن يسمحوا بتهديد وجود اسرائيل، بل ان وزير الخارجية الروسي لافروف صرح بان “روسيا لن تسمح بتهديد امن اسرائيل”.

كل هذا الدعم الغربي والعربي (الامارات ومصر) ، العسكري والسياسي، وكل الدعم الاعلامي الغربي والاماراتي والسعودي (قناة العربية وقناة سكاي عربية) لم يتمكن الكيان الاسرائيلي من حسم المعركة مع المقاومة الاسلامية الفلسطينية في قطاع غزة (حماس والجهاد)، وكانت اليد العليا على الارض لكتائب الشهيد عز الدين القسام وسرايا القدس، وما دفع العدو الاسرائيلي الى التفكير بالخطة (ب) بعد ان فشلت الخطة (أ)، والخطة (ب) تقوم على مبدأ جر امريكا الى حرب شاملة تحرق المنطقة العربية برمتها، بدل خسارة المعركة في غزة.

من هنا جاء الهجوم على القنصلية الايرانية في دمشق، وقتل مجموعة من كبار ضباط الحرس الثوري (فيلق القدس) وتدمير مركز المخابرات الايرانية في العاصمة السورية، وهو هجوم اسرائيلي من (العيار الثقيل) يستوجب الرد الايراني، وهي الشرارة التي تريدها (اسرائيل) لاشعال الحرب الكبرى التي تضمن تورط امريكا الكامل.

قادة البيت الابيض سارعوا مباشرة الى الاعلان انهم “ليسوا على علم بالهجوم الاسرائيلي الى القنصلية)، تماما كما (نفت ايران علمها بهجوم طوفان الاقصى في 7 اكتوبر)، ودخلت سلطنة عمان على خط الوساطة ونقل الرسائل بين الامريكيين والايرانيين، وعرضت واشطن على القادة الايرانيين عدم الرد عن الهجوم الاسرائيلي على القنصلية مقابل منع العدو الاسرائيلي من استهداف القيادات الكبيرة في ايران ولبنان (حزب الله) وهو العرض الذي وافق عليه المرشد الايراني ورفضه الحرس الثوري الايراني، وهي المرة الاولى التي يعاكس فيها الحرس الثوري توجهات المرشد الاعلى للثورة الايرانية على خامنئي، وكان موقف الحرس الثوري انه لا يمكن ان يكون هناك اي صفقة الا بعد ضربة انتقامية ايرانية.

الحرس الثوري بدأ يعد العدة للضربة الانتقامية ضد العدو الاسرائيلي، وهي الضربة التي لا يريدها خامنئي، وهنا دخلت امريكا على الخط واعلنت انها ستقوم برد مشترك مع جيش الاحتلال الاسرائيلي على ايران، في حال قيامها باي هجوم على الكيان الاسرائيلي او المصالح الامريكية.

وهذا يعيدنا مرة اخرى الى السؤال نفسه، بعد كل هذه التفاصيل: هل ستقع الحرب بين ايران من جهة والكيان الاسرائيلي وامريكا من جهة اخرى؟

هناك عدة سيناريوهات:

السيناريو الاول ان تقبل الولايات المتحدة الامريكية ان تقوم ايران بضربة انتقامية اشبه ما تكون “بعملية جراحية” لحفظ ماء الوجه للقادة الايرانيين امام الشعب الايراني، ولحفظ هيبتها في المنطقة

السيناريو الثاني: ان تقبل ايران بالتعويض الامريكي، عن طريق السماح لها بزيادة نفوذها في اماكن اخرى في المنطق العربية، او رفع العقوبات عن ايران او اغراءات اقتصادية ومالية، او اخراج وقف الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة بوصفها انجازا ايرانيا

السيناريو الثالث: ان تقع الحرب فعلا، وهو السيناريو التي تريده (اسرائيل) فعلا للخروج من ورطة الفشل في قطاع غزة

امريكا وايران لا تريدان الحرب الشاملة، والكيان الاسرائيلي يريد الحرب وهو مستعد لاشعال 1000 شرارة من اجل اندلاع حرب تحرق الاخضر واليابس بدل الهزيمة الكاملة في قطاع غزة

على الارجح ان السيناريو الاسرائيلي هو الاقرب الى التحقق، لانه قادرون على اشعال الحرب فعلا، وهو ما يريدون، فهم يريدون امريكا والغرب كله ان يحاربوا ويقاتلوا نيابة عنهم، وسيقاتلون حتى اخر جندي امريكي وبريطاني وفرنسي والماني وايطالي وهولندي ونمساوي وروماني وبلغاري وهنغاري.

والسؤال هو: هل يستطيع الغرب وعلى راسه امريكا ان يخوض حربا في المنطقة العربية (الشرق الاوسط) مع وجود الحرب في اوكرانيا؟

على الارجح سيخوضون الحرب رغم من يجري في اوكرانيا، لان وجود اوكرانيا مسالة ثانية مقارنة مع (وجود اسرائيل)، وحتى لو احتلت روسيا اوكرانيا فهي لاتشكل تهديدا وجوديا للغرب، اما هزيمة (اسرائيل) فهي هزيمة وجودية للمشروع الغربي في العالم العربي،

والسؤال الاخر : هل تستطيع ايران خوض حرب مع الكيان الاسرائيلي والغرب؟

الاجابة هي نعم .. قادرة على ذلك، فهي تمتلك ترسانة كبيرة من الاسلحة، وجميع القواعد الامريكية في مرمى نيرانها، وكل مصافي النفط في الخليج العربي في متناولها، وتستطيع ان تشل حركة مرور النفط عبر مضيق هرمز، وهي تستطيع ان تقاتل على عدة جبهات في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن، لها اذرع طويلة تستطيع ان تحركها جيدا.

اذا وقعت ستكون حربا مدمرة ستجري في المقاوم الاول على الارض العربية، رغم تعرض ايران نفسها للهجوم، وهي التي تتمتع بعمق استراتيجي كبير ومساحة واسعة، ولكن الكيان الاسرائيلي نفسه سيكون ساحة حرب حقيقية من الشمال والجنوب والشرق، وهو السيناريو الذي تسعى اليه (اسرائيل) وتريد ان تتجنبه ايران وامريكا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار