أحمد سعد
خطأ جسيم وقع فيه مؤسسو مركز ” تكوين ” باختيارهم هذا التوقيت من التاريخ لتأسيس وإعلان مركزهم الإلحادي، فالمركز الذي تم تدشينه في الرابع من شهر مايو 2024، جاء في توقيت تمر به الأمة الإسلامية بأصعب وأحرج فتراتها التاريخية، حيث الحروب والفتن تحيط بها من كل جانب، والمصائب تأتيها من كل حدب وصوب،
لا توجد أي دولة إسلامية الآن تخلو من الاضطرابات والقلاقل أو الحروب الأهلية أو المعارك الحربية، حتى وإن بدت بعضها آمنة مطمئنة، فمن لم تصلها الاضطرابات والمعارك، يصلها شررهما وآثارهما، حتى مصر نفسها التي خرج من رحمها ” تكوين ” ليست في منأى عما يحدث حولها من حروب وأزمات سياسية، حيث الصراعات والمعارك تحيط بها من الجهات الجغرافية الأربع، شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، والحال نفسه في باقي الدول الإسلامية المحيطة، وجل هذه الحروب والأزمات المفتعلة، هدفها الأول والرئيس هو محاربة الإسلام والمسلمين، حتى وأن كانت الشعارات المعلنة توحي بغير ذلك، بيد أن الشعوب العربية والإسلامية باتت على يقين من أن المقصود من إحداث الفوضى هو ضرب الإسلام والمسلمين ( راجعوا ما فعلته الثورات المضادة على الربيع العربي في الجماعات الإسلامية ) وفي مثل هذه الأحوال التي يتصور فيها خصوم الإسلام، أن مثل هذه الأزمات والحروب يمكن أن تنال من الإسلام، وتقلص مساحة نفوذه وانتشاره، تكون النتيجة دائما عكسية، بل إن بعض علماء الدين يرون أن أفضل الأوقات التي تشتد فيها شوكة الإسلام وتتسع رقعته، هي فترات الحرب عليه ومحاولة النيل منه، وخصوصا عندما تكون الحملات من أناس بعيدين عن الأخلاق والقيم والآداب التي تجعل الناس يثقون في كلامهم ويؤمنون بأفكارهم،
وقد رأينا كيف أن ظهور صورة لزجاجة عجة ” بيرة ” أثناء الإعلان عن تأسيس مركز تكوين، تركت أثرا سلبيا عن جموع الناس، ليس المسلمين المتشددين فحسب، بل عند عموم المسلمين، والذين رأوا أن من يشرب الخمر وهو من الكبائر، لا يصلح لأن يدلي بدلوه في الدين، فما البال وأن الهدف المعلن لأصحاب هذا المركز هو العمل على هدم الدين!!
وإذا كانت كل هذه الأوضاع التي تعانيها الأمة العربية والإسلامية كفيلة بعودة المسلمين لاعتصامهم ووحدتهم من جديد، ومن ثم التصدي لأي أفكار ترمي إلى مناهضة الإسلام واللعب في عقائده، مثل مركز” تكوين ” فإن حرب الإبادة التي يشنها الكيان الصهيوني على قطاع غزة منذ تسعة أشهر تقريبا، كافية لنسف كل المحاولات والمساعي للتطاول على الدين ومحاولة النيل منه، بل أني أرى هذه الحرب كفيلة بأن تعيد لحمة الشعوب الإسلامية كما كانت من قبل، وتوحد صفوفها للتصدي لمثل هذه المحاولات، بل ومحاربتها.
وقد رأينا كيف أن هذه الحرب كانت سببا في تحريك كل شعوب العالم للتعاطف مع سكان غزة، وصب اللعنات على الصهاينة والداعمين لهم، بل رأينا كيف أدت الحرب لإفساد مخططات غربية وصهيونية كانت تسعى وبخبث إلى تجريد الإسلام من عقائده، وهو مخطط ظهر مبكرا للغاية، وكشف عنه تقرير مطول نشرته صحيفة الإيكونوميست البريطانية في التاسع والعشرين من نوفمبر 2023 تحت عنوان ” ثورة دينية تجري في الشرق الأوسط.. هل يمكن أن تنجو من حرب غزة” (A religious revolution is under way in the Middle East.. Can it survive the Gaza war?) حيث قالت الصحيفة: إن الحرب على غزة جاءت في توقيت كان العالم العربي قد بدأ يتهيأ لتقبل الوجود الإسرائيلي بالمنطقة ككيان شرعي، كما أن المسلمين في الشرق الأوسط كانوا على وشك قبول التطور الذي يسعى البعض لإجرائه على عقيدتهم، إلا أن ما حدث في السابع من أكتوبر 2023 ( حرب غزة ) جعل العجلة تدور في الاتجاه العكسي، مشيرة إلى أن الحرب عطلت المخطط بالكامل، بعدما كاد يوشك على الإنجاز، ففي مصر كانت الحكومة قد قررت منع ارتداء النقاب في المدارس، كما أن المملكة العربية السعودية بدأت تهتم بالأنشطة الترفيهية على حساب الأنشطة الدينية، حتى أن أعداد الحضور في الحفلات والأنشطة الرياضية، بدأ يفوق أعداد المصلين بالمساجد، وأن معدلات الطلاق أصبحت أعلى كثيرا من السابق، كما أن تأخر سن الزواج نتيجة للظروف الاقتصادية أدى إلى زيادة العلاقات العاطفية والجنسية خارج نطاق الزواج، هذا فضلا عن أن التغيرات الاقتصادية في السعودية دفعت النساء للعمل بوظائف الرجال، كما أن تونس كانت قد ألغت حظر زواج المسلمة من غير المسلم، وغير ذلك من التغيرات الاجتماعية المهمة التي كانت تهدف إلى علمنة الدول العربية والإسلامية وتغريبها، لكن حرب غزة جاءت لتفسدها، كما ستفسد” تكوين”!