سمير الحجاوي
من الصعب الكتابة عن إنسان يمتلك مجموعة من الصفات الرائعة، قلّ أن تجتمع في شخص واحد، من الأخلاق واللطافة والمحبة والمودة وحسن التعامل، إلى الدبلوماسية والقدرة على التواصل ونسج علاقات متشعبة مع أطراف متناقضة، والسبب في ذلك أن الكلمات تقصّر عن وصف هذه الخصال الحميدة التي قلما تجتمع في رجل واحد.
هذا الرجل هو منير غنام، السفير الفلسطيني في الدوحة، الذي يأسر كل من يعرفه، أو حتى يلتقيه لمرة واحدة، بأدبه وأخلاقه الرفيعة.
عرفت السفير منير غنام منذ سنوات طويلة.. لم أتعرف عليه في سفارة، أو حفلة، أو مقهى، بل تعرفت عليه في الأمسيات الثقافية، وخاصة الصالون الثقافي في وزارة الثقافة القطرية.. الصالون الذي قلما غاب عنه، فقد كان من رواده، بل استطيع القول إنه كان أحد أعمدته الأساسية. وكنت أشعر عندما يغيب عن أمسية من الأمسيات، أن هناك نقصا حقيقيا في المكان.
السفير منير غنام، رجل مثقف هادئ، قليل الكلام، لكنه ان تحدث أجزل، يستخدم بلاغة الصمت أحيانا، وبلاغة الإيجاز في أحيان أخرى، وبلاغة الإطالة إذا تطلب الأمر ذلك، ونادرا ما يطيل. مما يجبر من يحدثه على الإصغاء له بتمعن وانتباه واحترام..
هذا الرجل يأسرني بطريقته السحرية، لم أسمعه يذكر أحد بسوء إبدا، فهو مبدع في اختياره للالفاظ التي يستخدمها.. ربما تكون الدبلوماسية، ولكن الأمر أبعد من ذلك، إنها الأخلاق فهي محركه الأول.
لم يأت السفير منير غنام إلى العمل الدبلوماسي من فراغ، فهو ابن الثورة الفلسطينية، وهو الفدائي الذي غامر بحياته مع رفاقه، في واحدة من أوائل العمليات الفدائية ضد العدو الإسرائيلي الصهيوني، دفاعا عن فلسطين والشعب الفلسطيني والهوية الفلسطينية والوجود الفلسطيني، وهو الذي وقع في حقل الغام، خرج منه باعجوبة بعد أن بترت قدمه.
كيف انتقل هذا الفدائي من العمل الثوري إلى العمل الدبلوماسي، ومن الغضب الى الهدوء، ومن حتميات العمل الثوري إلى أقانيم العمل السياسي والدبلوماسي، ومن الحل الجذري الثوري إلى صفقات السياسة؟
كثيرا ما تناقشت معه حول ذلك، فكانت إجابته “إنه الواقع” .. الكل ضدك فماذا عساك أن تفعل.. الانتحار ليس خيارا فلسطينيا، للثورة شروط واحكام، ونحن مستعدون لدفع الثمن لكننا لا نريد ان ننتحر.
لم أكن اتفق معه في هذا الطرح، رغم كلامه المنطقي، فلقد سمعت صائب عريقات يقول، ذات مرة: ” ما شفناش الدبابات العربية تحتشد على الحدود لتحرير فلسطين، ورحنا على المفاوضات”.. إنه منطق “اسود” لكنه صحيح، فكيف لو عاش صائب عريقات، ليرى بأم عينه “الطائرات العربية؟” وهي تدافع عن الكيان الاسرائيلي؟!
واقعية السفير منير غنام، وضعته في مكان متوسط بين الجميع، فهو ابن فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، لكنه يحتفظ في نفس الوقت بافضل العلاقات مع حماس والمقاومة الفلسطينية الإسلامية، ما جعل منه جسرا يربط بين الجميع.
أحزن على انتهاء عمل السفير منير غنام، رئيسا للدبوماسية الفلسطينية في الدوحة، مع أن هذه هي سنة الحياة، فهذا الدبلوماسي الفلسطيني خدم فلسطين والشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية في قطر، على المستوى الرسمي والشعبي والثقافي والاجتماعي والتعليمي، رغم الامكانيات القليلة.. لقد كان كثير الفعل، عظيم النتائج، رغم قلة الإمكانيات.
أستطيع القول: أن السفير منير غنام، مدرسة في الدبلوماسية، وبناء الجسور، وبناء العلاقات المفيدة، التي تفيد القضية الفلسطينية والإنسان الفلسطيني، والنضال الفلسطيني من أجل التحرر والحصول على وطن حر مستقل. وهي المدرسة التي تحتاجها الأجيال المقبلة من الدبلوماسيين الفلسطينيين.
لقد قلت لكم من البداية.. من الصعب التحدث عن رجل جمع بعض هذه الصفات، فكيف إذا جمعها معاً.
إنه ببساطة.. رجل اسمه منير غنام