البابور الموقع العربي

دور السينما في تشکيل الرأي العام العالمي : دراسة حول صورة العربي في السينما الغربية

178

مريم وحيد – القاهرة

مقدمة:

مع إرهاصات القرن العشرين أدرك قائد الثورة البشفية فلاديمير لينين أهمية السينما کأداة أيديولوجية للتأثير على الجماهير بل ورأى أن من بين کل الفنون، السينما هي الأکثر أهمية للقادة السياسيين .

اتفق مع رؤيته هذه العديد من الساسة والمنظرين السياسيين والمفکرين السينمائيين . اتفقوا على أن الفيلم السينمائي ليس مجرد وسيلة إعلام جماهيرية للترفيه ولکن الفيلم أداة سياسية وهو خطاب اجتماعي وسياسي يمکن من خلاله النظام السياسي أن ينشر أفکاره ويسيطر على الجماهير ، بل أيضاً الفيلم هو وسيط سينمائى سمعى- بصري يمکن أن يتجلى به الفکر السياسى فالفيلم قد يضحى خطاباً سياسياً، فيحتوى من الإمکانات ما يجعله شديد التأثير على الرأى العام وعلى العملية السياسية . ومما لا شکل فيه أن للسينما دور کبير في التأثير على الرأي العام و صنع القرار . إن السينما ليست فحسب وسيلة تسلية وترفيه إنما وسيلة توعية وإرساء قيم ومعتقدات . حيث يمکن استخدامها للتوعية بقضايا سياسية واجتماعية وثقافية تهم الرأي العام .

مريم وحيد
مريم وحيد

وللفيلم تأثير سياسي لا يمکن إغفاله. وينبع ذلک من خصائص أصيلة يمتلکها الفيلم مثل کون السينما فناً سابعاً يجمع بين عناصر کل الفنون الآخرى کالصوت والصورة والمونتاج والموسيقى والفن التشکيلى والرقص، وأيضاً العدد الکبير للجماهير التى تشاهد الفيلم، واعتماد الفيلم على لغة الصورة بجانب خصائص آخرى .

کل هذه الصفات جعلت السينما محط أنظار الساسة، فقد تم استخدام الفيلم فى الدعاية السياسية أحياناً من قبل النظام السياسى الحاکم ، وفى بعض الأحيان الآخرى تم استخدام السينما کمجال لإبراز الأفکار المعارضة . وبذلک أضحى الفيلم مساحة صراعية بين مختلف القوى السياسية . کما عبّر الفيلم أحياناً عن رؤى صناع الفيلم المبدعين الذين رفضوا أن يعبروا عن الأفکار السياسية للتيار الرئيسى أو أن يسيروا مع التيار فهجروا المطروق ليتأملوا الواقع ويأتون بالجديد ويتنبأون بالأحداث السياسية التى وقعت بالفعل أو ينبهوا بالمخاطر التى قد تواجه الدولة والمجتمع . کان ذلک نتيجة لإدراک صناع الفيلم المبدعين للمشکلات المجتمعية السياسية الحقيقية، وأرادوا بذلک نقد الواقع بحثاً عن الأفضل والأحسن إنطلاقاً من القيم الجمالية الذين سعوا إليها .

وفيما يتعلق بالسينما کأداة دعائية فقد أدرکت العديد من دول العالم أهمية السينما کوسيلة إعلام جماهيرية شديدة التأثير أبرزهم الولايات المتحدة الأمريکية التي استخدمت السينما کأداة دعائية لخدمة أهداف النظام السياسي . هنا يمکن النظر للسينما کأداة من أدوات القوة الناعمة للدول للترويج على سبيل المثال لحرب مثل حرب العراق 2003 في فيلم ” القناص الأمريکي American Sniper . وقد أشارت بعض الدراسات إلى کيف تم استخدام أفلام هوليود للدعاية لحرب العراق وأفغانستان . فقد استخدمت الولايات المتحدة الفيلم لإبراز صورة مثالية للجندي الأمريکي الذي مثلته في صورة البطل المضحي ، بجانب ذلک قام صناع الأفلام بصنع صورة سينمائية أساءت لصورة العراقيين والأفغان . فمن خلال کادرات سينمائية بعينها تم تصوير الجنود الأمريکيين کأقوياء ومحاربين ومضحيين، أما العراقيين والأفغان فهم إرهابيين وأشرار . وقبل ذلک اهتمت السينما الأمريکية بإبراز عظمة الجندي الأمريکي فأنتجت أفلام مثل سقوط الصقر الأسود Black Hawk Down ، إنقاذ الجندي رايان Saving Private Rayan ، بيرل هاربور Pearl Harbor . وهذه الأفلام تناولت الحروب المختلفة التي خاضتها الولايات المتحدة الأمريکية وذلک لتحسين صورة الجندي الأمريکي .

وبنظرة سريعة على تاريخ الأفلام الدعائية . نبدأ بالحقبة البلشفية فکانت السينما أداة في أيدي الروس لإقناع الجماهير بضرورة الثورة . من الأفلام التي دعت للثورة المدرعة بوتمکين Battleship Potemkin وفيلم التعصب Intolerance . وأيضاً من الأفلام التي مثلت الدعاية في الرايخ الثالث بألمانيا متروبوليس Metropolis وانتصار الإرادة Triumph des Willens .

في روسيا أدرک لينين عندما شاهد فيلم ” التعصب ” إخراج جريفيث إمکانية استخدام السينما من أجل التحريض السياسي وکان يريد الاستعانة من خبرته في النهوض بالسينما السوفيتية لذلک طلب من جريفيث أن يکون على رأس صناعة الفيلم السوفيتي . نجح فيلم التعصب حول العالم وکان أحد الأفلام الرئيسية في توجيه الفکر السوفيتي .

وفي إنجلترا أشارت دراسة ميرل بيرس إلى العلاقة بين المخابرات الإنجليزية وشرکات الإنتاج السينمائي البريطانية فيما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية . ذکرت أن قليل من الجماهير على دراية بالعلاقة المعقدة بين المخابرات الإنجليزية وشرکات الإنتاج السينمائي البريطانية فيما بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية أخرج ألفريد هتشکوک عدد من الأفلام التي هدفت إلى زيادة وعي الجماهير للتهديد النازي . دعمت أفلام لندن وجومنت البريطانية Gaumont British واستوديوهات تويکنهام Twickenham studios تشرشل، کما شجعت على المقاومة والاستعداد لمواجهة الخطر النازي . انتقل بعد ذلک هتشکوک وکوردا إلى الولايات المتحدة الأمريکية لإخراج أفلام تدعم المصالح البريطانية . قدم کوردا دعماً للجناح الأمريکي لجهاز المخابرات البريطاني Secret Intelligence Service (SIS)

وفي إطار السينما الفلسطينية نجد أن الشعب الفلسطيني اکتشف وسيلة جديدة للنضال ضد الاحتلال الإسرائيلي من خلال السينما . حيث أخذت السينما على عاتقها مهمة توصيل الأحداث التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني للعالم ليعبر عن المعاناة التي يکابدها الشعب الفلسطيني . فظهرت العديد من الأفلام التي تتناول القهر والتعذيب والسجن .

وفي السينما السعودية مؤخراً ظهرت مجموعة من الأفلام التي تبرز الوعي بحقوق وقضايا المرأة مثل فيلم ” وجدة ” لهيفاء المنصور وأيضاً فيلم آخر لها بعنوان “المرشحة المثالية” الذي عُرض في أغسطس 2019، الذي يروي قصة طبيبة سعودية شابة تسعى إلى تغيير نظرة المجتمع للمرأة من خلال ترشحها للانتخابات المحلية، ويتطرق الفيلم لقضية عمل المرأة والتمييز على أساس الجنس.

وفي السينما الإيرانية نجد العديد من الأفلام التي انتقدت النظام السياسي منها أفلام مثل ” البقرة ” الذي انتقد نظام الشاه . فکان هدفه هو توجيه نقد للنظام وتبيان حجم الفقر والتهميش الذي عاني منه الشعب الإيراني .

کما تعد السينما ساحة لتجلي أبرز الأيديولوجيات السياسية فکانت مساحة لإبراز وبلورة الأفکار السياسية التي سادت بقوة في القرن العشرين . فعبر فيلم ” الأزمنة الحديثة ” Modern Times لشارلي شابلن عن الفکر الاشتراکي ، کما تناول فيلم ” المرأة الحديدية ” Iron lady عن قصة حياة رئيسة الوزراء البريطانية في الفترة من 1979 وحتى 1990 مارجريت تاتشر عن فکرها وسياساتها النيوليبرالية . وحول الأيديولوجية النازية عبر فيلم ” انتصار الإرادة ” Triumph of the will للمخرجة ليني ريفنستال عن فکر أدولف هتلر . ومن أبرز الأفلام الي تطرقت إلى النسوية فيلم ” نساء صغيرات ” Little women و فيلم سافرجيت Suffragette عن حرکة حقوق المرأة البريطانية ومن أبرز هذه الأفلام في السينما المصرية التي تطرقت لحقوق المراة فيلم ” أريد حلا ” . ومن ناحية آخرى تجسدت الأيديولوجية الشعبوية في أفلام مثل قابل جون دو Meet John Doe ومعنا Chez Nous . کما استخدم الفيلم کأداة لمقاومة تأثير الأفکار الأيديولوجية الشيوعية ومثال لذلک فيلم المرشح المنشوري The Manchurian Candidate .

ونظراً لإدراک الحکومات في الدول المختلفة لتأثير السينما فقد تم إنشاء العديد من الهيئات واللجان المختلفة للرقابة على الفنون . وقد يعتقد البعض أن تلک الهيئات واللجان تم إنشائها فقط في دول العالم الثالث . لکن بتتبع تاريخ السينما العالمية نجد من أبرز حرکات الرقابة على المثقفين والسينمائيين حرکة المکارثية Mccarthyism نسبةً إلى عضو مجلس الشيوخ الأمريکي جوزيف ماکرثي Joseph Mccarthy والتي ظهرت في خمسينيات القرن العشرين .

في هذه الدراسة سنلقي الضوء على دور السينما في تشکيل الرأي العام العالمي من خلال المحاور التالية : أولاً : التأثير السياسي للصورة السينمائية ، ثانياً : تأثير الأفلام السياسية على القيم والمعتقدات ، ثالثاً: تناول المدارس السينمائية الکبرى لقضية الوعي، رابعاً : السينما وبناء الصور النمطية .

أولا ً: الفيلم السياسي وتأثير الصورة السينمائية:

ظهرت الإرهاصات الأولى للفيلم السياسى إبان الحرب العالمية الأولى حين أدرک صناع القرار في الدول المتحاربة خطورة وأهمية السينما کسلاح قوى فى الحرب والسياسة . أثناء الحرب بدأت کل دولة فى إنتاج أفلام غلب عليها الشکل الدعائى من أجل طرح قضيتها ورغم أن تلک الأفلام لم تکن متقدمة تقنياً إلا أنها کان لها أثر قوى على الرأى العام .

ففي روسيا وفى أعقاب الثورة الروسية عام 1917 تم إنتاج مجموعة کبيرة من أفلام تدخل فى إطار السينما الثورية التحريضية أهمها : ” الإضراب، المدرعة بوتمکين، أکتوبر، الخط العام ” من إخراج سيرجى إيزنشتاين و”نهاية بطرسبرج” إخراج بودفکين و”لينين فى أکتوبر” إخراج ميکائيل روم .و کانت تلک الأفلام تمجد الثورة الروسية وکانت أفلاماَ دعائية بامتياز .

أما الألمان فقد أدرکوا أهمية السينما کوسيلة للتأثير السياسى والعسکرى فيما بعد الحرب العالمية الأولى ، فظهرت الأفلام التى تنتمي إلى العصر الذهبى للفيلم الألمانى ( 1919-1925), حيث استحدث المخرجون الألمان وعلى رأسهم فريتز لانج Fritz Lang وارنست لوبيتش Ernst Lubitsch أساليب جديدة جريئة ، ولکن عندما وصل هتلر للسلطة عيّن جوبلز وزيراً للدعاية فتراجعت موجة البعث السينمائي وهرب الکثير من المخرجين الألمان خارج ألمانيا . وقد أُرِغم صناع الأفلام الألمان على إبراز الأيديولوجية النازية . فقد تجلت السينما کأداة للترويج لسياسات النظام في فترة حکم هتلر . و قدمت الحکومة الألمانية الدعم المالي لصناعة الفيلم وذلک لإدراک الحکومة الألمانية بأن السينما أداة دعائية هامة کما اهتم بهذا وزير الدعاية الألماني حينذاک جوبلز .

وکان ترکيز الفيلم السياسي في تلک الفترة حول عدد من الموضوعات منها : أعداء الرايخ، الهروب من الواقع، القيادة، الحرب، الأرض . ومن أهم الأفلام السياسية الألمانية التي ظهرت حينذاک انتصار الإرادة ” Triumph des Willens ” وأنا اتهم ” Ick Klage ” .

ثم اندلعت الحرب العالمية الثانية وانقسم العالم إلى معسکريّ المحور والحلفاء وقد أثرت تلک الحرب على مسيرة الفيلم السياسي حيث تناول الاتحاد السوفيتي موضوع الحرب وحرکات المقاومة ضد المحتل الأجنبي . وکان للحرب دور کبير لظهور بعض الاتجاهات السينمائية الجديدة مثل الواقعية الإيطالية والتى کان لها تأثير کبير على السينما العالمية . ففي إيطاليا بدأت تلمع أسماء مخرجين مثل لوتشيانو فيسکونتي وبرناردو برتولوتشي وبيللوکيو وأولينو أولمي فتحولت أعمالهم الفردية إلى تيار جديد سُميّ بالواقعية الإيطالية والذي أثر على العالم ککل . وفي فرنسا أثرت أحداث ومظاهرات الطلبة عام 1968 على انتهاج السينما الفرنسية السبيل السياسي وانقسم الفيلم السياسي فى فرنسا إلى اتجاهيّن : السينما السياسية التقليدية التى تراعي القواعد الکلاسيکية فى السينما وخاصةً المونتاج، في مقابل السينما البديلة التى رکزت على الطبقة العاملة والطلبة ومن أبرز مخرجي ذلک التيار کريس مارکر . ثم قام جون لوک جودار بإخراج مجموعة من الأفلام التى أرست قواعد موجة السينما الفرنسية الجديدة وکانت تلک الأفلام سياسية ذات طبيعة ثورية رافضة للسينما التقليدية ومن أمثلة تلک الأفلام مذکر مؤنث Masculin Féminin والصينية La Chinoise .

تلا ذلک ظهور موجة من الأفلام تتناول القضايا الداخلية، ففي الولايات المتحدة الأمريکية ظهرت أفلام تنتقد المجتمع الأمريکي والنظام الأمريکي وتکشف عن مساوئ المجتمع الرأسمالي . وفي إيطاليا بدأت الحرکة الواقعية الإيطالية في بداية أربعينيات القرن العشرين والتى کشفت عن مشاکل الواقع الإيطالي کما ذکرنا سلفاً.

أدرک السينمائيون والساسة أهمية السينما کأداة سياسية . ولکن لم يرکز الباحثون والمنظرون السياسيون لوقت طويل على تحليل البعد السياسي للصورة السينمائية . إلا أنه بعد ذلک أدرکوا أن للصورة السينمائية سلطة کبيرة على المشاهد . تأتي أهمية الصورة السينمائية من حيث قدرتها على التأثير على المشاهدين. فالشاشة الفضية لما تمتلکه من خصائص لها قدرة کبيرة على جذب قطاع واسع من الجماهير. هناک دوماً تصارع على الشاشة الفضية من أجل ترسيخ صور ذهنية معينة من خلال وجهة نظر المبدع فهناک سلطة للصورة المرئية على الجماهير المشاهِدة للعمل الفنى .

عندما نشاهد الفيلم فهو رؤية ذاتية لمبدعى هذا الفيلم وهذا من الخصائص الأساسية للفيلم . إلا أن الفيلم يمکنه أيضاً ان يکون مکوناً اساسيا من جهاز دعائى للدول للترويج لأهدافها ولتحسين صورتها أمام الدول الآخرى . فالفيلم مکون أساسى فى الصورة القومية للدولة وللشعب فى أعين الدول الآخرى . فبفيلم واحد يستطيع المبدع أن يغيّر الکثير من قيم الجماهير وإن لم يکن هذا التغيير لحظياً أى يأخذ وقتاً طويلاً أو أن يکون تراکمياً . وکثيراَ ما يقتنع الفرد بالصورة المعروضة ويتأثر بها . ونتساءل فى هذا الفصل : هل يستطيع الفن السينمائى تغيير المفاهيم والصور من خلاله کوسيلة للاتصال الجماهيرى ؟ ، وهل تعرض الصورة السينمائية الحقيقة ؟ ومتى تکون الصورة السينمائية متطابقة مع الحقيقة أو خادعة ولماذا ؟ وللإجابة عن ذلک طرح الکثير من المنظرين السياسيين والفلاسفة السينمائيين أن تمثيل الصورة السينمائية للحقيقة يکتنفه کثيراً من عدم المصداقية والخداع . فالصورة السينمائية ليست دوماً صادقة . وإذا تعمقنا بقدر أکبر فى مفهوم ” الصورة القومية ” على سبيل المثال وهو ما يعني لصورة الذهنية للدول نجد أنه من المفاهيم التى تهتم الدول کثيراً بها . وهى بصورة مبسطة تتراوح فى الإجابة عن مجموعة من التساؤلات منها : کيف تنظر الدول إلى امکانياتها ونفوذها على أرض الواقع؟ وما هى الصورة التى تصدرها للعالم عن شعبها وحدودها وقيمها ؟ وهل الصورة القومية للدولة تعنى فقط الحکومة أم الشعوب ؟ أم المقصود بالصورة القومية الدولة عبر العصور وليس الحکومة فقط . وهل تختلف هذه الصورة عن الصور التى تصدرها دول آخرى عنها ؟ وهل عندما يتبنى مبدع سينمائى اتجاه مغاير لرؤية حکومات أن يحدث تصارع بين المبدع والقادة السياسيين ؟

للتعبير عن قوة الصورة وسلطة الصورة المرئية يقول المخرج السينمائي الشهير ستانلي کوبريک ” مشاهدة فيلم تشبه حلم يقظة، إنها تعمل على أجزاء من ذهننا لا تصل إليه إلا الأحلام أو الدراما، وهناک يمکن أن تستکشف أشياء بدون أى مسئولية من الأنا الواعية أو الضمير ” وبهذا فتحضر الصورة المرئية بقوة فى ذلک العالم . حتى أن الحضارة الآن أصبحت تتسم بأنها ” حضارة الصورة ” . ومن هنا أضحت الصورة أساسية فى فهمنا للعالم المحيط بنا فهذا العالم أصبح مُحاط بالصور فى کل مکان ولذلک فهناک ” سلطة للصورة ” . والصورة لا تمثل الحقيقة بکل حذافيرها وتفاصيلها . ومن هنا قد تخدعنا الصور . فى عام 1929 رسم الفنان البلجيکى الشهير رينيه ماجريت لوحته ” هذا ليس غليوناً ” ليعبر عن التماهى بين الصورة والحقيقة . وعدم إمکانية تعبير الصورة عن الحقيقة بکل حذافيرها . اللوحة رسمة لغليون ومکتوب عليها ” هذا ليس غليوناً ” ليقع المتفرج فى حيرة من أمره : ” هل ما يراه غليوناً بالفعل أم أنه ليس غليوناً ” وکان ماجريت يريد أن يتوصل إلى أن الصورة يمکنها أن تکون خادعة . فلا تصور الواقع کما هو . وتؤکد اللوحة أن هنک اسبقية انطولوجية للمرئى وأن التفکير يتم بالصورة أولاً قبل أن يتم باللغة . فهناک اختلاف بين ” الکلمات ” و” الأشياء ” ، بالإضافة إلى التأکيد على اختلاف الواقع عن الصورة المرسومة فالغليون رسمة فقط . فالغليون المرسوم ليس غليوناً بالفعل ولکن هو صورة لغليون .

من هنا نرى تزايد أهمية سلطة وهيمنة للصورة على حياتنا . نعيش فى عالم تحيطه الصور فى کل مکان . حتى اننا أصبحنا نطلق على العصر الذى نحياه الآن ” عصر الصورة ” . وللصور أنواع مختلفة فهناک الصورة الذهنية أو العقلية . إن الصورة الذهنية لا تشبه بالضرورة الواقع أو الخبرة . فالصورة ليست مجرد إنتاج لواقعة أو حدث . وتلک الصورة قابلة للتکيف والتحکم . وتلک الصورة الذهنية قد تکون مرتبطة بمجموعة تصورات نحو بعض المؤسسات أو الأفراد أو الدول . فيمکن أن تتعلق بصورة الذات والآخر . وانتاج صور جديدة عملية شديدة الصعوبة تتعلق بدمج صور ، هنا الصور التى يتم تشکيلها من خلال انتاج تکوينات جديدة من المبدعين أنفسهم . أصبحت العلاقة بين الواقع والخيال أى بين الواقع والصورة ملتبسة، فأصبحنا لا نعرف ما الواقع وما الخيال فى عالم الصور المحاکية والمحاکاة الزائفة إذا استخدمنا مصطلحات بودريار . لقد حطمت ما بعد الحداثة اليقين الحداثى فى أصالة الصور کمتغير موثوق به أو أصيل أو منفرد .

وتتجلى أهمية الصورة السينمائية تحديداً من حيث قدرتها على التأثير على المشاهدين. فالشاشة الفضية لما تمتلکه من خصائص لها قدرة کبيرة على جذب قطاع واسع من الجماهير. وللصورة المرئية سطوة على الجماهير المشاهِدة للعمل الفنى . فمن خلال فيلم واحد يستطيع المبدع أن يغيّر الکثير من قيم الجماهير وإن لم يکن هذا التغيير لحظياً فقد يکون تراکمياً . وتؤثر السينما على إدراک الأفراد للنظام السياسى وعلى علاقة السلطة السياسية بالجماهير، کما تؤثر على رؤية الأفراد تجاه بعضهم البعض، فالأفلام تؤثر تأثيراً شديداً على العالم الشخصي للأفراد أي على علاقة بعضهم ببعض وکذلک على علاقتهم بمجتمعهم . ويمتلک الفيلم خصائص عديدة تجعله شديد التأثير على الجماهير .

ومن أهم خصائص الفيلم أنه وسيط سمعى-بصرى، واللغة السينمائية هى بصرية بالأساس أى أن السينما لغة صورة . فرغم أن السينما وسيط سمعى-بصرى، لکن الصوت يصاحب الأحداث ويؤکد المعانى التى تجسدها الصورة . ولذلک کان من أهم خصائص السينما اعتمادها على لغة الصورة . وقد زادت أهمية الصورة فى عالمنا المعاصر فيما يمکن أن نطلق عليه ” حضور المرئى ” فتحضر الصورة المرئية بقوة فى اللحظة الآنية .

وبالعودة إلى خصائص السينما فإن ما يميز السينما هو دوماً بحثها عن الصورة الجمالية . وهنا نعنى أن الصورة هي الخيال فهى نقل وتصوير للواقع ، ولکن لا تعنى بأى حال من الأحوال نسخ الواقع، حيث تؤثر السينما فى المشاهدين ويمکن القول أن النزعة التصويرية التى تقدمها السينما معيارية لأنها تقود الناس إلى أن يعلقوا قيمةً سامية على اللقطات السينمائية التى تشبه الناس فى الحياة .

وبذلک تلعب السينما دوراً کبيراً فى التأثير على الشعوب فمن خلال فيلم واحد يستطيع الفنان أن يؤثر على قطاع کبير من المشاهدين ، هنا تتجلى أهمية الفيلم السينمائى بل تفوق أهميته الکثير من الفنون البصرية الأخرى بسبب العدد الکبير لجمهور الفيلم . ولذلک فإن نشر الوعى السينمائى والثقافة السينمائية بين عامة المثقفين فى منتهى الأهمية لأن أولئک هم الذين يمثلون جانباً حيويأ من تيار الرأى العام الذى يؤثر بدوره فى اتجاهات السينما وموضوعاتها والأسلوب الذى تتناول به حياتنا . وليس هناک فن من الفنون ينال رضا الناس مثل السينما . لذا فالسينما دوماً مؤشر للرأى العام . وتکمن قوة السينما الأعظم فى قدرتها على جذب الناس من کل اللغات فلا يحدث التباس للمشاهد فى فهم الفيلم لأنه يعتمد على لغة مختلفة لغة بصرية بالأساس أي ليست لغة مکتوبة يصعب تفسيرها وفهم معانيها .

وتتعدد عناصر السينما التى تجعلها شديدة القرب من ذهن وقلب المتفرج ومن أبرزها اللقطة القريبة Close-up . وقد عبر الباحث السينمائي جان ابستين عن ذلک على نحو تفصيلى . فرأى أن اللقطة القريبة هى روح السينما لقدرتها على تکبير الأحاسيس والمشاعر وهو ما يُضفي حميمية على المشهد ککل، وبالنسبة للباحث مونتسبرج فإن اللقطة القريبة هى ببساطة تثير انتباه المتفرج بصورة کبيرة . وتُطلِق الباحثة جرمين دولاک على اللقطة القريبة تعبير اللقطة النفسية فهى فکر وعاطفة الشخصية معروضةً على الشاشة .

من خصائص السينما أيضاً أنها ترتبط بواقع الأفراد وأيضاً تشجع الأفراد على التفکير فى أبعاد فکرية جديدة . يقول الفيلسوف الفرنسي موريس ميرلوبونتى أن الفيلم يمکن فهمه بسهولة ويسر ولهذا يکون شديد التأثير . فلا يتطلب الفيلم أن نفکر فيه کثيراً فنفهم الفيلم السينمائى بصورة مباشرة وذلک لأن أحداث الفيلم السينمائى تکون شديدة القرب من مواقف الحياة العادية للأفراد . وبالنسبة للباحثة بيلا بلاش فإن فن السينما له تأثير أکبر على عقول الجمهور العام أکثر من أى فن آخر .

کما أنه زاد من تأثير الفيلم أن صناعه يعتمدون على “تيمات” أساسية عالمية تتواجد فى جميع الثقافات . وأيضاً من زاوية آخرى فإن السينما يمکنها أن تطرح الأفکار الواقعية أو الأفکار الخيالية الفنتازية . بالإضافة إلى ذلک فإن السينما کصورة متحرکة تمتلک التحرک بحرية فى إطار الزمان والمکان ، فيمکن للفيلم أن يحکى الماضى فى صورة الحاضر والعکس، کما يمکن أن يصور أحداث فى مدينة ولکن يقصد صناع الفيلم مدينة آخرى . ويميز السينما أيضاً مرونتها فى تحطيم حيز الزمن الفعلى وإنتقائها لمجموعة من الأزمنة القوية هى الأهم بالنسبة للمتلقى . ومن ضمن خصائص السينما الأساسية للسينما البساطة والابتعاد عن التکلف. کما تخاطب السينما قطاع واسع من الجماهير سواء المتعلمين أو غير المتعلمين، الأغنياء أو الفقراء، الشباب والأطفال والشيوخ .

من هنا نلمس أهمية السينما کأداة للتأثير أو کأداة من أدوات القوة الناعمة . وقد أدرک العديد من صناع القرار والقادة السياسيين في العالم لأهمية الفن السينمائي وعبروا عن ذلک بطرق عدة فکانت المقولة الشهيرة لفلاديمير لينين ” من بين کل الفنون، السينما هي الأکثر أهمية بالنسبة لنا” والتي توضح مدى إدراکه لأهمية السينما.

وبالإضافة لذلک تعددت الدراسات التى رکزت على تأثير سينما أمريکا اللاتينية على بلورة الاهتمام نحو القضايا القومية . فقد قام دکتور بدر مصطفى بدراسة أعمال جلاوبر روشا (1939-1981) في سياق تطور السينما في أمريکا اللاتينية، وانتقالها من الإطار التجاري، التي کانت تحاکي به سينما هوليوود، إلى سينما ذات طابع شديد الخصوصية، تضع الإنسان وقضاياه المعيشية في بؤرة اهتمامها. وقد انطلقت السينما الجديدة من بعض المقولات النظرية المستمدة من واقع الإنسان البرازيلي، ووضعت لنفسها أهدافا ثورية حاولت تجسيدها عبر أعمالها.

کما يمکن القول أن السينما تُعبأ بالأفکار الأيديولوجية . ففى ستينيات القرن العشرين إنتاج العديد من الأفلام السياسية المروجة للأفلام اليسارية مثل ” الفراشة ” و” إضرابات ” و” زد” و” الحرية هذه الکلمة الحلوة ” و”الکلب”، والتى کان لها تأثير کبير على الجماهير.

ثانياً : تأثير السينما على القيم والاتجاهات :

تقوم السينما بالتأثير بصورة کبيرة على القيم والاتجاهات . فإذا أخذنا قضايا التطرف والتسامح على سبيل المثال فهناک عدد من الأفلام التي تناولت هذه القضية منها فيلم ” مملکة الجنة ” Kingdom of heaven للمخرج الشهير ريدلي سکوت . دوماً ما کانت المنتجات الثقافية لها تأثير سياسي واسع . فمنذ بداية التاريخ رأينا فلاسفة يتناولون علاقة الفن بالسياسة، ففي جمهورية أفلاطون ، أکد على ضرورة الرقابة على الأعمال الفنية وخاصة الشعر لأنه يمکن أن يدمر النشء . بالنسبة للسينما تحديداً إذا نظرنا إلى تاريخ السينما سنجد أن في روسيا على سبيل المثال کانت السينما أداة أيديولوجية بامتياز وأيضاً السينما المصرية في الحقبة الناصرية کانت السينما أداة أيديولوجية فکان هناک مشروعاً قوميا ً للسينما وأنشأ الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر المؤسسة المصرية العامة للسينما التي أنتجت أفلام سينمائية رائعة مثل ” شىء من الخوف ” و” المومياء ” و” الأرض” . أدرک الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أهمية السينما کأداة من أدوات القوة الناعمة وأيقن من فعاليتها کأداة أيديولوجية تساعد في توطيد أرکان النظام السياسي والحفاظ على التضامن الشعبي والهوية الواحدة للشعب المصري . وقد آمن المسئولون منذ الأيام الأولى لقيام ثورة يوليو 1952 بضرورة اتباع أسلوبيّ التوجيه والتخطيط وقامت الدولة في سبيل ذلک بإنشاء الهيئات المتخصصة في شئون السينما .

اختلف المنظرون من مختلف التخصصات سواء المتخصصين في العلوم السياسية أو الاجتماع أو الجماليات أو الأدب أو الفنون البصرية الذين حاولوا دراسة کيفية تأثير المنتجات الثقافية على الجماهير . فهناک من الأفلام التي تقدم المعلومات أو التي تشکيل المفاهيم

مع التطور التکنولوجي، زاد تأثير المنتجات الثقافية البصرية . هناک دراسات حول تأثير البرامج التلفزيونية على الاتجاهات نحو السياسة منها تأثير المسلسلات التلفزيونية Sitcom على المواطنين مثل ” Cosby Show ” الذي إرتبط بالاتجاهات الإيجابية نحو الأمريکيين الأفارقة في أواخر القرن العشرين .

وفيما يتعلق بالسينما تحديداً تتعدد الدراسات التي رکزت على تحليل التأثير السياسي للأفلام على الجماهير وهو ما يتسق مع الاتجاه الجديد في دراسة السينما من خلال دراسة الجمهور کفاعل رئيس في الإنتاج السينمائي . ويمکن دراسة هذا التأثير من خلال البحوث التجريبية Experimental Researches عن طريق الاستبيانات Surveys أو التجارب المعملية Laboratory Experiments أو المجموعات البؤرية Focus Groups . ومن أوائل التجارب المعملية للبحث عن تأثير الأفلام على الاتجاهات الاجتماعية للأطفال دراسة بيترسون وثرستون عام 1933 والتي تم إجرائها عن طريق تمويل من هيئة باين Payne Fund الأمريکية .

بالإضافة لذلک تعددت الدراسات التى تناولت تأثيرات الفيلم السياسي على اتجاهات وسلوک الجماهير . من الدراسات الرائدة فى هذا الإطار دراسة فرانکلين فيرنج Franklin Fearing الذى قام بالبحث حول تأثير السينما على الإتجاهات والسلوک . وأکد على أن معظم علماء الاجتماع ومنظرى الفيلم وصناع الأفلام يتفقوا على أن هناک علاقة هامة بين الصورة المتحرکة وسلوک الإنسان . فللصورة المتحرکة آثار لأنها تساعد الأفراد على فهم العالم . الفيلم فى رأيه هو وسيلة لکى يفهم الفرد نفسه ودوره الاجتماعى وهو وسيلة لکى يشتبک الفرد مع محيطه الاجتماعى . وقد أشار إلى أن بعض الدراسات قد ذکرت أن هدف الأفلام الرئيسى هو الترفيه والتسلية لکن بعض الأفلام ذات المضمون القيمى لها تأثير على السلوک والاتجاهات، وقد اتفق فيرنج مع تلک الرؤية بأن الأفلام يمتد تأثيرها ليشمل تغيير القيم والاتجاهات . فالأفلام لها آثار محددة على الاتجاهات والسلوک وقام عدد من علماء الاجتماع والنفس فى إطار مشروع نظمه مجلس أبحاث الصورة والذى موله صندوق باين Payne بمجموعة من الدراسات تم نشرها عام 1933 .

رأت بعض تلک الدراسات أن الأفلام تکون بغرض الترفيه فقط ولکن البعض الآخر أدرک أن الأفلام يمکن أن يکون لها تأثيرات سلبية على السکان . اعتمدت دراسات باين على مقاييس مختلفة منها مقياس الاتجاهات ثم ظهرت دراسة هامة حول آثار السينما لکل من ويس Wiese وکول Cole والتى استخدمت مقياس آخر مختلف عن مقياس الاتجاهات. قامت هذه الدراسة باستخدام تکنيک الاتصال الحر Free Association ، طّلِب من الجماهير الإجابة عن مجموعة من التساؤلات حول القضايا الأيديولوجية التى يثيرها فيلم سينمائي قبل وبعد مشاهدته . کان الفيلم فيلماً تجارياً يُسمى ” غدا العالم ” والذى تناول مشکلة الشباب الألمانى المغترب فى الولايات المتحدة الأمريکية .تمت الإجابة عن هذه التساؤلات من قبل مجموعة من ثلاثة آلاف طفل من مختلف الخلفيات الاقتصادية الاجتماعية . أظهرت تلک الدراسة أن للأفلام تأثيراً على الاتجاهات الجماهيرية وأن هذا التأثير کان فى الاتجاه الذى حدده الفيلم . تميزت دراسة ويس وکول بالإشارة إلى أن تأثيرات الفيلم يتم تحديدها بدرجة کبيرة بالاستناد إلى الأسس الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للأفراد، فالخلفيات الاقتصادية والاجتماعية للجماهير تحدد بصورة کبيرة کيف يعنى الفيلم للجماهير. فکان للأطفال من الطبقة المتوسطة والعليا رأى مختلف فى الفيلم عن الأطفال المنتمين للطبقات الأدنى . توصلت الدراسة إلى أن الصورة المتحرکة لها تأثير محدد يمکن قياسه على الاتجاهات والسلوک خاصة فى حالة الأطفال والشباب، وهذه الآثار هى سلبية بصورة عامة .

ومن زاوية آخرى استخدمت دراسة ثرستون وبيترسونThurstone and Petersonطريقة اختبار آخرى تعتمد على اختبار اتجاهات الفاعلين قبل عرض الفيلم وبتکرار ذلک الاختبار بعد فترة . تکون هذا الاختبار من أداة المقياس Scale والذي تم تصميمه لقياس الاتجاهات المرتبطة بمضمون الصورة . تم قياس التوجهات نحو الحرب والزنوج على سبيل المثال . ومن الأفلام الشهيرة التى تم قياس تأثيرها ” ميلاد أمة ” The Birth of a Nation والذى عُرِف بتوجهه ضد الزنوج، وأبناء الآلهة ” Sons of the Gods ” والذى أيد الصينيين، وأهلا بالخطر ” Welcome Danger ” . وقد توصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج منها أن الصور التى لها أنواع محددة من المضمون لها تأثيرات يمکن قياسها بناء على الاتجاهات الاقتصادية الاجتماعية للجماهير . ورأت الدراسة أنه من السهل التأکيد على أن الأفلام تعکس الحياة ويمکن أن تعدلها ولکن من الصعب معرفة کيف . وتوصلت الدراسة أن فيلم ميلاد أمة کان له تأثير سلبى على نظرة الجماهير نحو الزنوج .

وقد تختلف آثار الفيلم على الجماهير عن التوجه الأساسي لصناع الفيلم . ويقول مخرج الفيلم ” جريفيث ” أنه لم يکن له أية توجهات سلبية نحو الزنوج أو أي عرق آخر ولم يقصد ما أدرکه المشاهدون . فقد کان هدف الفيلم کما يقول جريفيث عرض حقائق ووقائع حول فترة إعادة بناء الجنوب الأمريکى . فيقول جريفيث أن الفيلم لم يکن سوى وثيقة تاريخية ولم ينو إحداث أى تأثير على اتجاهات الجماهير نحو الزنوج . هذا على الرغم من الدراسات المتعددة مثل دراسة ثرستون وبيترسون التى أوضحت أن مشاهدى الفيلم أصبحوا أقل تعاطفاً مع الزنوج .

فمنذ ثلاثينيات القرن العشرين بدآ الباحثون بجدية في دراسة الآثار للأفلام . إن تأثير الأفلام على الأفراد يزيد خاصةً إذا ما تم مشاهدتها في قاعة عرض سينمائي. وکانت دراسة بيترسون وثرستون Peterson and Thurstone التي قامت بدراسة تأثير فيلم ” ميلاد أمة ” The Birth of a Nation على اتجاهات وسلوک الأطفال . من خلال إختبارات قبلية وبعدية، نجد أن هناک توجهات سلبية تجاه الأمريکيين الأفارقة والذي استمر لوقت طويل بعد مشاهدة الفيلم . أيضاً قاموا بدراسة تأثير أفلام آخرى على اتجاهات الاطفال على النظرة للصينيين والألمان . عندما شاهدوا ” أبناء الإله ” Sons of the Gods والذي أرسى اتجاهات إيجابية نحو الصينيين وفيلم أربع ابناء Four sons والذي کان له تاثيرات على الألمان. هناک دراسات آخرى قد درست الرسائل غير المباشرة للمنتجات الثقافية مثل دراسة هاس وکريستنسن .

کان هناک اهتمام أکبر بدراسة تأثير الأفلام على القيم السياسية من خلال المنهاجية التجريية Experimental methodology .. رأى بتلر وزوومبان وزيمباردو أن بعد مشاهدة فيلم JFK تغيرت توجهات الجماهير نحو ثقة الحکومة ومصداقية نظريات المؤامرة بين المشاهدين . کما قام بوتز Pautz 2015 بإجراء دراسة ميدانية لدراسة تأثير أفلام Argo و Zero Dark Thirty فتوصل إلى أن بعد مشاهدة الفيلمين تغيرت توجهات المشاهدين بصورة إيجابية نحو مؤسسات الدولة . قام إيليوت وشينک هاملن بتحليل تأثير فيلم” کل رجال الرئيس All the President’s Men على توجهات الأفراد تجاه الحکومة . رأي إيليوت وشنک هاملن أنه لا يمکن لفيلم واحد حتى إذا کان له تأثير کبير على الجماهير مثل کل رجال الرئيس انه يکون له تأثير کبير على النظام الاجتماعي والسياسي . لکن تقديم الصورة السلبية للساسة في الأفلام الترفيهية يؤثر على صورتهم أکثر من تصويرهم في الأخبار الصحفية .

هذا وقد رأى فيرنج Fearing أن الفيلم وسيط إبداعي وديناميکي والذي تستخدمه الجماهير للتأکيد على معتقداتها وفي البحث عن حلول بديلة لمشکلاتها وللبحث عن عالم بعيد عن حدودها وتصوراتها . وحتى إذا افترضنا أن أفلام کثيرة يتم صناعتها لأغراض ترفيهية فقط إلا أنها تؤثر على الوعي کما ذکر فيرنج .

وتم دراسة تأثير الفيلم الإنجليزي أذکر لي أکاذيب Tell me lies على الجمهور الأمريکي . کان هذا الفيلم ضد السياسة الأمريکية في حرب فيتنام . وعلى الرغم من کون معظم الأفراد المشاهدين للفيلم ضد السياسة الأمريکية قبل مشاهدة الفيلم، لکن عندما شاهدت الجماهير الفيلم صنفته أنه فيلم دعائي وعاطفي وبالتالي اتخذوا الموقف الضد وأصبحوا أکثر تعاطفا مع الحرب . رأى المحللون حينذاک أن فيلم أجنبي يحتوي على قدر کبير من العاطفة نحو مشکلة قومية أغضب الجمهور الأمريکي .

فيما تناول أديلمان Edelman تصوير الساسة في الأفلام السينمائية . وهو يرى أن الأفلام الأولى نظرت بصورة إيجابية للساسة الأخيار ففي النهاية الجيد سينتصر على الفاسد . ولکن الصورة المعاصرة للفيلم تنظر للساسة بصورة مختلفة ففي فيلم مثل ” کل رجال الرئيس ” يتم تصوير الإصلاح کأنه غاية لا يمکن إدراکها . لا يمکن للسياسي الصادق أن ينتصر .

وقد تناولت دراسات عديدة في المکتبة العربية تأثير الفيلم بصورة عامة على سلوک واتجاهات الجماهير منها الرسائل العلمية فى کليات الإعلام دراسة بعنوان ” أثر الأفلام السينمائية على الشباب الأردنى مقارنة بوسائل الإعلام الآخرى.

ثالثاً : المدارس السينمائية الکبرى وقضية الوعي :

تتعدد المدارس السينمائية التي رکزت على قضية الوعي في السينما . يرى محللون ان السينما أداة دعاية تقنية ثقافية يمکن أن تُستخدم للدعاية في مجال مکافحة إدمان الخمر على سبيل المثال ومجالات الصحة والسياسة، باختصار هي أداة دعاية سهلة الاستيعاب جذابة ترسخ في الذاکرة – وهي أيضاً عملية تجارية عند الحاجة . السينما تسلي وتربي وتدهش الخيال بالصور .

من المدارس السينمائية الکبرى التي ظهرت التعبيرية الألمانية والطليعة الفرنسية وأيضاً الواقعية الشعرية الفرنسية . فقد امتدت المدرسة الواقعية الفرنسية بين عامي 1922 و1957 لتشمل ثلاثة أجيال من السينمائيين تميزت أفلامهم ” بالتعبير عن قلق ما والإحساس الشاعري بالإحباط العاطفي والمعاناة المتوقعة والتوق إلى التطهير ” .

وأيضاً المدرسة الواقعية الجديدة الإيطالية 1944 -1951 والتي ميزت بقوة الحياة الثقافية الإيطالية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية . لقد شکل فيلم ” روما مدينة مفتوحة ” الذي صوره روبرتو روسلليني عام 1944 ” مانفستو ” المدرسة الإيطالية التي أطلق عليها الواقعية الجديدة بعد التحرير ، غير أن الحاجة للحقيقة کانت قد أعلنت عن نفسها منذ الثلاثينيات في بعض أعمال السندرو بلازتي وماريو کايريني . کانت السينما الإيطالية، التي خدرتها أفلام تدعى ” أفلام التليفون الأبيض ” والدعاية الفاشية الخطابية، تميل منذ الأربعينيات نحو النزعة الواقعية وهي ما بدت في أعمال مثل ” أربع خطوات في السحاب 1942 إخراج ألسندرو بلازتي . اتجه المخرجون في هذه الموجة أن ينزلوا إلى الشارع ليتأملوا الواقع والحقيقة ويعرضوا ما رأوه بوضوح . کانت جذور هذه المدرسة ايضاً تعد إلى المدرسة السوفيتية في العشرينيات حيث أثرت ” سينما العين ” لفيرتوف الفيلم التسجيلي بثقل التاريخ والأيديولوجية . في فيلم ” روما مدينة مفتوحة ” امتلأت الشاشة بالفلاحين والصيادين والعمال الذين کانوا يکررون إيماءتهم اليومية أمام الکاميرا التي اکتفت بتسجيل الواقع . کانت الإيطاليون بحاجة لإعادة تشکيل هويتهم في مقاومة الفاشية الإيطالية وتجاوز الهزيمة في الحرب . کانت التيمات السائدة هي الفاشية والحرب والاحتلال الألمانية، ثم الفقر والبطالة وأخيرا الجرح المفتوح أبدا، جرح الجنوب الإيطالي أو منطلقة المتزوجيورنو . ومن أبرز رواد هذه المدرسة روبرتو روسلليني، فيتوريو دي سيکا، البرتو لاتوادا جسبي دي سانتس، لوکينوفيسکونتي .

لقد کانت القوة الشعبية بلا شک هي الباعث المؤثر للتيار الجديد الذي بدأ بفيلم ” روما مدينة مفتوحة ” ليؤثر على نصف العالم من البرازيل أو الأرجنتين إلى فرنسا ، اليابان، الهند وأندونيسيا وحتى أسبانيا .

تلى ذلک ظهور الموجة الجديدة الفرنسية وظهر عدد من المنظرين السينمائيين لهذه الموجة مثل فرنسوا توروفو الذي يقدم نصائح لشباب السينمائين الذين ينبغي عليهم الاستغناء عن الاستديوهات والديکور وأجهزة الإضاءة وکتاب الحوار، حتى يقودهم شغفهم وصدقهم واحترامهم للواقع . ومن أبرز السينمائيين الذين عبروا عن الموجة الجديدة الفرنسية في أعمالهم جون لوک جودار .

ثم ظهرت السينما الألمانية الشابة في الفترة ما بين 1961 و1971 . هذه السينما عبرت عن الرغبة في مقاومة النزعة الأکاديمية في منشور أوبرهاوزن (1962) الذي تم تلخيصه بشکل فج في الشعار الشهيرالمأخوذة عن جان لوي بوري ” سينما الأب ماتت ” . کانت هذه السينما الألمانية الشابة تتميز بطرح موضوعات تعبر عن الوعي التاريخي والاجتماعي بقضايا الأمة الألمانية وهذا ظهر في أفلام ألکسندر کلوج وادجار ريتز وتيودور کوتولا .

وظهرت أيضاً السينما الجديدة في البرازيل بين عامي 1962 و1972 ، التي اعتبرت في بعض مناحيها مثل نبتة لاتينية أمريکية تفرعت عن الموجة الجديدة الفرنسية ومن أهم رواد هذه المدرسة في البرازيل ” جلوبر روشا ” . هذه الظاهرة أطلق عليها سينما نوفو ” Cinema Novo “ ففي عام 1962 بدأ جلوبر روشا بفيلم ” سد الريح ” وفيه يحکي قصة رجل أسود عاد من المدينة إلى قريته، قرية الصيادين ، ليحرض على التمرد والثورة . وفي عام 1962 حصدت البرازيل على السعفة الذهبية في مهرجان کان عن فيلم أسيلمو دوارتيه ” کلمة شرف ” وهو فيلم ينتمي إلى نفس الموجة . ويعد جلوبر روشا رائد السينما الجديدة ومنظرها الرئيسي . ففي بيان بعنوان ” جماليات الجوع ” أو ” جماليات العنف ” 1965 نشر بشکل خاص في مجلة ” بوزتيف ” ” إن أول تحد تواجه به السينما البرازيلية هو : کيف نصل إلى الجمهور دون استخدام الصيغ الأمريکية السائدة حالياً حتى في فرنسا . وهل يستحق ذلک بذل الجهد لخلق سينما لا تعود بشىء ، لا خيراً ولا شراً ، على الثقافة الخاصة للحضارة التي تنتمي إليها هذه السينما ؟ . وقد تميزت سينما أمريکا اللاتينية بحضور السياسي والاجتماعية في النصف الثاني من القرن العشرين . قضايا الشعب وهمومه کانت المادة الرئيسة لهذه الموجة، وهو ما جعل هذه السينما مختلفة عن سينما هوليود التي اتسمت بالطابع الاستهلاکي، وسينما “المؤلف” الأوروبية . لم يرد أصحاب السينما الثالثة مجاراة أفلام هوليود لأنها لا تعبر عن قضايا وهموم أمريکا اللاتينية .

اتسمت هذه السينما بأنها سينما ثورية تقدم تيارًا جديدًا في السينما الحديثة هو تيار السينما السياسية، لهذا ومنذ ستينيات القرن العشرين في أمريکا اللاتينية أصبحت السينما أداة من أدوات نقد النظام القائم بأبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وذلک عبر تشريح هذا النظام وإظهار مواطن الخلل التي تعتمل بداخله. وکان هذا بمثابة نقلة نوعية لفن السينما بعدما کانت قبل هذا التاريخ أداة من أدوات الطبقات المسيطرة ووسيلة من وسائلها للحفاظ على الأوضاع القائمة، باستبعاد الموضوع الاجتماعي والسياسي من بؤرة الاهتمام السينمائي وجعل الإنسان وقضاياه خارج إطار الصورة السينمائية .

وبهذا نرى أن هذه المدارس السينمائية الکبرى قد غيرت مسار السينما ، فمما لا شک فيه أن أسماء سينمائيين مثل فيديريکو فيلليني وجون لوک جودار وروبرتو روسيليني وأندريه تارکوفسکي وإنجمار برجمان وجابريل روشا وفرانسوا تروفو وفريتز لانج وسيرجي آينزنشتاين وألفريد هتشکوک وأکيرا کوروساوا وصلاح أبو سيف ويوسف شاهين قد أسهمت في تشکيل الوعي الجماهيري نحو قضايا وموضوعات بعينها لم يکن يتم تسليط الضوء عليها في الشاشة الفضية من قبل باستخدام تکنيکات جديدة . وهناک من الفنانين والمنظرين السينمائيين من يرون أن الفن للفن فقط وهم يتبعون مبدأ أن الفن ليس مؤثراً بأي شکل کان . إلا أن العديد من المدارس السينمائية کما رأينا لا تنظر للفن من منظور جمالي فحسب بل للفن قيمة في معرکة الوعي .

رابعاً : بناء الصور النمطية من خلال الأفلام السينمائية :

الفيلم وسيلة اتصال جماهيرية شديدة التأثير على المشاهدين . فالفيلم يلعب دوراً کبيرا فى فهم تصور المجتمعات عن بعضها البعض والديناميکيات السياسية التى تؤثر على التفاعل بين الثقافات .

ويمثل الفيلم مجالاً للتعبير عن الأفکار والجدالات السياسية . ما يميز السينما أن العالم المعروض مختلف عن العالم الواقعى . تحجب الأفلام بعض المفاهيم والصور ، وفى المقابل تُبرز الاهتمام ببعض المفاهيم والقيم الآخرى . فالصورة الفيلمية يمکن أن تتعلق بالحقيقة ولکنها ليست بالضرورة حقيقية . فى بعض الأحيان قد يخلق صناع الأفلام صورة غير حقيقية لأسباب آخرى .

تأتي أهمية للفيلم کخطاب سياسى في کونه مجال آساسى تتجلى فيه الأفکار السياسية . والخطاب السينمائى يتميز بخصائص کثيرة تدعو للاهتمام بها . فالسينما أداة أساسية لإنارة عقول الشعوب و أکثر الفنون جاذبية وانتشاراً . والسينما هى دوماً فن الشعوب فهى مرآة لأفکار الشعوب فى أية فترة زمنية . ولکن أحياناً أيضاً قد يسهم الفنانون فى تکريس صور نمطية Stereotypes . الصورة الذهنية للولايات المتحدة الأمريکية فى الأفلام الأمريکية .

وقد تمحورت الکثير من الأفلام الأمريکية حول التأکيد على عظمة وسمو الشعب والجيش الأمريکى بالإضافة إلى تفرد الدولة الأمريکية بمجموعة من المميزات التى تجعلها مسيطرة على العالم . ويُعد مفهوم ” الحلم الأمريکى ” American Dream أحد أهم المفاهيم السياسية التى تأطرت وبرزت فى الأفلام الأمريکية . تسعى افلام هوليود إلى بلورة القيم الأمريکية التى تمثل ما يُطلق عليه ” الحلم الأمريکى ” من سمو Superiority، حرية Liberty، مساواة Equality ، الفردية Individualism ، الجماعية Collectivism، مادية Materialism، الاستثنائية Exceptionalism والسعى لتحقيق السعادة Pursuit of happiness. ويسعى الأمريکيون فى تلک الأفلام إلى توضيح امکانية وطرق الوصول إلى تحقيق هذا الحلم الأمريکى . وکان هذا واضحاً فى الأفلام الأمريکية فى حقب تاريخية أساسية للولايات المتحدة الأمريکية من خلال الدفاع عن المصالح الأمريکية ويتجلى ذلک فى مجموعة أفلام منها الأفلام الموسيقية الأمريکية فى فترة الحرب العالمية الثانية مثل فيلم يانکى دودل داندى ” Yankee Doodle Dandy ” وفيلم رفع المرسى ” Anchors Aweigh ” وفى تلک الأفلام لعبت السينما دور أساسى ترويجى للأهداف السياسية الأمريکية والبحث عن تأييد الرأى العام للسياسات الحکومية وهذا على النقيض من بعض أفلام الفترة السابقة للحرب والتى کانت معادية لبعض الأنظمة السياسية الأمريکية حينذاک وتوالت الأفلام التى تناقش القضايا السياسية الأمريکية عبر عقود زمنية مختلفة واستمرت تلک الأفلام حتى الآن مثل الفيلم الذى عُرِض مؤخراً فى عام 2014 والذى أحدث جدلاً کبيراً فى محتواه وهو فيلم ” القناص الأمريکى ” American Sniperوالذى يتناول احتلال الولايات المتحدة الأمريکية للعراق والذى يصور الجيش الأمريکى کأنه ضحية وأن القناص الأمريکى الذى قتل المئات من العراقيين کان على حق دوماً . إلا أن هناک بعض الأفلام التى انتقدت الإدارة الأمريکية مثل فيلم ” المنطقة الخضراء ” Green Zone و” فهرنهايت 9/11 ” “Fahrenheit 9/11 .

ومما لا شک فيه أن السينما الأمريکية تُسهم بشکل کبير فى تکريس صورة نمطية عن مصر والوطن العربى ککل . وقد أشارت الکثير من الدراسات إلى ذلک . على سبيل المثال تتناول دراسة تصوير هوليود للعرب والمسلمين وأکد أن نحو تسعمائة فيلم يعرض العرب بصورة أنهم وحشيون و غير متحضرين. بالإضافة إلى أن هذه الأفلام تتعامل مع مصر والدول العربية الآخرى بمنطق واحد بافتراض أن کل العرب همجيون ومعادين للغرب .

کثيراً من الأفلام الغربية صورت العرب کإرهابيين مثل فيلم القناص الأمريکي American Sniper والأفلام التي تناولت أحداث الحادي عشر من سبتمبر . فمن الأفلام التي صورت العرب بصورة سلبية فيلم ” قواعد الاشتباک ” Rules of Engagement 2000 فتم تصوير اليمنيين بأنهم معادين للسياسة الأمريکية وبأنهم إرهابيين .

بالإضافة لذلک ظهرت مجموعة من الأفلام التي تناولت التدخل الغربى فى العالم العربى کتيمة أساسية . ومن أشهر تلک الأفلام ” لورانس العرب ” Lawrence of Arabia الذى عُرِض فى عام ( 1962 ) وفيلم ” ملکة الصحراء ” Queen of the desertالذى عُرِض فى عام (2015 ) . فرغم الفرق الزمنى الشاسع بين عامى 1962 و2015 إلا أن هذه الأفلام مازالت تکرس مفهوم ” عبء الرجل الأبيض ” الذى يخلص العرب من الجهل والضلال .

وبصفة عامة کانت الصور النمطية السلبية للعرب سواء الرجال أو النساء هي المسيطرة في الإعلام الغربي . ظهر هذا بشکل واضح فکرياً بشکل کبير في أطروحات ” صراع الحضارات لصامويل هنتنجتون Samuel Huntington في مقاله الشهير ” صراع الحضارات ” عام 1993 ثم الکتاب الذي أصدره بنفس العنوان صراع الحضارات وإعادة بناء النظام الدولي Clash of Civilizations and the Remaking of World Order عام 1996 . أيضاً ظهر عدد من الکتب لبرنارد لويس Bernard Lewisالتي تؤکد على الاختلاف الشديد بين العرب والغرب بل والعداء بينهما ومن هذه الکتب أين الخطأ What went wrong ؟ ، أزمة الإسلام The crisis of Islam ، الإسلام والغرب Islam and the West . في هذه الکتابات يتم تصوير الإسلام کعدو للغرب ويتم التأکيد على الاختلافات الأيديولوجية الکبيرة بين المسلمين والغربيين . ودوماً ما يتم التأکيد على أن الإسلام معادي لقيم الديمقراطية والحرية . وبالتالي يتم بناء صورة نمطية سلبية عن العرب . في المقابل ظهرت أعمال إدوارد سعيد على سبيل المثال في کتابه الاستشراق Orientalism وتغطية الإسلام Covering Islam . ففي کتابه تغطية الإسلام ينتقد إدوارد سعيد لتصوير الإعلام الغربي للإسلام . تم تأليف الکتاب في عام 1980 کنقد للإعلاميين الغربيين والأساتذة في تصويرهم للإسلام .

في کتاب الاستشراق ذکر ادوارد سعيد أن الإعلام الغربي شجع وبرر السيطرة الغربية الإمبريالية للدول العربية، فالشرق من وجهة نظر سعيد هو جزء رئيسي في الحضارة والثقافة المادية الأوروبية . يعبر الاستشراق ويمثل فکر معين في الغرب تم خلقه من قبل المؤسسات والأکاديميا الغربية.

أما في کتاب ” تغطية الإسلام ” فاهتم إدوارد سعيد بدراسة کيف يصور الإعلام الأمريکي والأکاديميين الأمريکيين الإسلام لرأي العام الأمريکي خاصة فيما بعد حرب أکتوبر 1973 واستخدام العرب لسلاح البترول أثناء الحرب . يتناول ثلث الکتاب تقريباً تصوير الإعلام الأمريکي للثورة الإيرانية في عامي 1979 و1980وينتهي إلى مسئولين الخبراء والإعلاميين الأمريکيين عن صورة الإسلام والمسلمين والشرق الأوسط .

تأثر أيضاً بمنظور صامويل هنتنتجون وبرنارد لويس العديد من الباحثين منهم مارتن کريمر الذين اعتقدوا بالصدام المحتوم بين الحضارات وهي الأطروحة التي انتقدها بشدة ادوارد سعيد .

وهذا ما کان متجسداً في العديد من الأفلام السينمائية التي صورت العربي کأخر Other وغريب Exotic ويحمل قيماً ومعتقدات مغايرة لقيم الغرب المتمثلة في الليبرالية والحرية والتسامح والديمقراطية .

رابعا ً: صورة العربي في السينما العالمية :

في الأفلام السينمائية العالمية يذکر الناقد والباحث السينمائي أحمد رأفت بهجت أن الصورة المهيمنة للعربي کانت رؤية سلبية . فقد رأى أنه في أفلام سيسيل دي ميل على سبيل المثال تم تصوير الشخصيات العربية والإسلامية سواء من خلال أحداث معاصرة أو تاريخية مثل : ” العربي 1915، والأسير 1918، والصليبيون 1935 من خلال رؤية عنصرية غير حقيقية للشخصية العربية . ومن النقاد الذي سلطوا الضوء على التأثير السلبي للسينما الهوليودية على الرأي العام الغربي في تناول الشخصية العربية الدکتور نادر رفاعي الذي ذکر أن کل فيلم يقدم على الساحة العالمية ويشتبک مع قضايا مهما بدت في بساطتها يحمل مغزي سياسياً لتوجيه الرأي العام . فالولايات المتحدة تخوض حرباً عسکرية ضد دول عربية وإسلامية مثل العراق وأفغانستان وتقدم أفلام تخدر الرأي العام الأمريکي فکأنها تقول للأمريکيين : هؤلاء يستحقون القتل . فيما رأى الناقد أمير العمري أن هذه الصورة السلبية للعربي طبيعية في السينما الأمريکية وذلک لطبيعة الإنتاج السينمائي في هوليوود والأحرى للعرب أن ينتجوا أفلامهم التي تعبر عن الصورة الحقيقية للعربي .

هذا لا يعني أن کل الأفلام العالمية وخاصة الأمريکية قد عبرت عن صورة العربي بصورة سلبية ولکن کثير من الأفلام سلطت الضوء على عيوب الشخصية العربية وتحديداً على دور الحضارة الغربية في تخليص الشرق من الخرافة والتقليد والتأخر . من هذه الأفلام فيلم ” لورانس العرب ” والذي اخترنا تسليط الضوء عليه . هذا الفيلم الذي يتناول قصة ضابط المخابرات الإنجليزي توماس إدوارد لورانس والذي جاء إلى شبه الجزيرة العربية في فترة الثورة العربية الکبرى عام 1916 .

وسوف تستعرض الدراسة صورة العربي في السينما العالمية من خلال تسليط الضوء على فيلم ” لورانس العرب ” بالإضافة إلى تناول تيمتين أساسيتين في عدد من الأفلام العالمية هما صورة العربي کإرهابي في السينما العالمية وصورة المرأة العربية في السينما العالمية .

أ.فيلم لورانس العرب نموذجا ً :

من الأفلام الشهيرة التي صورت العربي في السينما العالمية فيلم لورانس العرب . فلا يذکر تاريخ الثورة العربية ضد الأتراک إلا وکان اسم ت . أ . لورانس مقترناً بها . ومحاولة ربط أحداث الثورة العربية بشخصية هذا الضابط الايرلندي الأصل تحاول تبسيط الدور العربي في هذه الثورة وعدم الترکيز على الشخصية العربية التي دبرتها ونفذتها . جاء فيلم ” لورانس العرب ” عام 1963 انعکاساً للرؤية الأوروبية التي أرادت جعل لورانس بمثابة البطل المخلص .

وقد اعتمد فيلم لورانس العرب الذي أخرجه ديفيد لين على کتاب أعمدة الحکمة السبعة الذي کتبه لورانس بنفسه وحکي فيه مغامراته العسکرية في شبه الجزيرة العربية . صور الفيلم لورانس في صورة البطل القائد الشجاع فکان عظيماً وإنساناً ذا رحمة ومروءة وأنه کان مبعوث العناية الإلهية لتخليص العرب من الإستعمار العثماني، وهو الذي قاد ثورتهم وحقق لهم النصر في معارک العقبة ودمشق .

في هذا الفيلم يقابل لورانس شخصيات عربية حقيقية مثل الأمير فيصل الذي يلعب دوره الممثل إليک جينس وعواد بن تايه الذي لعب دوره الفنان انطوني کوين لتلتقي بشخصيات اخرى مثل الشريف علي وهي شخصية متخيلة لا وجود لها في التاريخ العربي. أشار الفيلم إلى جهود لورانس الخارقة لتحرير العرب وتخليصهم من الأتراک . لکن لم يشر الفيلم بشکل کبير إلى دور بريطانيا في تفکيک العالم العربي من خلال توقيعها مع فرنسا معاهدة سايکس بيکو السرية لاقتسام بلاد العرب . أو حتى إلى وعد بلفور وزير خارجية بريطانيا يمنح اليهود وعده بإقامة وطن قومي في فلسطين .

لم يبرز الفيلم الشخصيات العربية على نحو دقيق کما يرى المؤرخون فقد صور الفيلم شخصية عواد بن تايه کقاطع طريق مأجور استطاع لورانس أن يستأجره هو وجيشه للمشارکة في الحرب ضد الأتراک بل أکثر من ذلک أن لورانس أقنعه بصعوبة شديدة على أن يغير مهنته من قاطع طريق إلى محارب مأجور . ويتمادى الفيلم في هجومه على شخصية بن تايه حين نراه بعد انتصار جيشه بقيادة لورانس وهو يکتفي بسرقة بعض جنود الأتراک وسرقة ساعة حائط ثم يعود هو وجيشه إلى خيامهم فصورت هذا القائد العربي بأنه لص لا يهتم بمعرکة بلده ولکن يهتم فقط بأن يسطو على ما يسطيع الاستحواذ عليه .

وقد ابتکر کاتب سيناريو الفيلم روبرت بولت أيضاً شخصية الشريف علي والتي مثلها الممثل المصري العالمي عمر الشريف والذي بالرغم إلى أنه أشار إلى بعض المواقف التي توحي برجولته واعتزازه بکرامته إلا أنه کشف بعض المواقف التي تؤکد خيانته وجبنه في بعض المواقف حينما يترک أحد أعوانه ويدعى قاسم يموت لضيق الوقت لإنقاذه بعدما يرفض لورانس ترکه وحيداً وينقذه .

کما ينتقد الفيلم بعض المعتقدات الدينية الراسخة في ذهن الشريف علي حيث لم ينتظر مساندة قاسم لأنه اعتقد أن قدره الموت . فعاد لورانس للبحث عن قاسم وأنقذه من الموت ليقول لورانس للشريف على ” لا شىء مکتوب “.

فمن الغريب أن السينما العالمية لم تهتم بالثورة العربية الاهتمام اللائق إلا من خلال تسليط الضوء على حياة ” لورانس العرب ” . وقد صور الفيلم کيف يقود لورانس قادة القبائل العربية نحو العقبة للاستيلاء على قاعدة الأتراک الحربية في شبه جزيرة العرب وهي في هذا الوقت کانت تعتبر أهم مرکز حربي للأتراک في المنطقة العربية . ويذکر الفيلم أن لورانس کان إنساناً خارقاً للعادة وکان بطلاً وأنه کان بمثابة أداة في يد الإنجليز من ناحية ليضعوا أقدامهم في بلاد العرب . لکن ينتقد الفيلم من زاوية أن لورانس بلا شک کان يخدم المصالح الإنجليزية .

وفقاً للفيلم جاء لورانس العرب لتشجيع ومساندة العرب للحصول على حريتهم فنجد مقولة لورانس الشهيرة في الفيلم “

What in your opinion that these people hope to gain from this war?

قال لورانس They hope to gain their freedom, I am going to give it to them

فأجاب لورانس حين سئل عن ما الذي يرغب في تحقيقه من هذه الحرب، فذکر أنه يرغب أن يحصل العرب على حريتهم وأنا من سأعطيها لهم .

يصور الفيلم ضابط المخابرات الإنجليزي بأنه کان له الدور الرئيسي في تشجيع العرب على بدء الحرب . ولکن وفقاً للمؤرخين والمحللين فإن الثورة العربية کانت قد بدأت قبل قدوم لورانس .

في أحداث الفيلم يتم تسليط الضوء على مساندة لورانس للأسرة الهاشمية والأمير فيصل في الحرب ضد الدولة العثمانية . فکان لورانس في الفيلم يقدم المساندة للقبائل العربية لکي تتعاون معاً للخلاص من الأتراک . صور الفيلم العرب کأنهم بدائيين ولا يعلمون شيئاً عن فنون الحرب والقتال . وأن لورانس أعطى لهم المعرفة والعلم اللازم لکي ينجحوا في هزيمة الأتراک في عدد من المعارک مثل معرکة العقبة.

ظهر لورانس في مشاهد عديدة في الفيلم يرتدي ملابس عربية مثل العقال العربي . وذلک لتصوير کيف تم إدماجه في المجتمع العربي . عُرِف لورانس أيضاً أنه حلقة الوصل بين العرب والإنجليز وأحد أبرز الوجوه التي لعبت دوراً بالثورة العربية الکبرى وقد تحالف مع الشريف بن علي قائد الثورة العربية .

في أثناء الحرب العالمية الأولى کانت العقبة من أهم المواقع المطلة على البحر الأحمر والتي استعملها الترک والألمان والنمساويين لزراعة الألغام في مياهها وبرزت المخاوف لدى الحلفاء من استعمالها من قبل الألمان کقاعدة للغواصات الحربية ، فحاول الأسطول البريطاني الحد من الدور الترکي في العقبة.

کانت السيطرة على العقبة وتطهيرها من الحکم العثماني من أولويات الأمير فيصل . ويذکر المؤرخون أن لورانس مدفوعاً بحب المغامرة وربما ما هو أکثر من ذلک ، رجا الأمير فيصل کثيرا أن يأذن له بمرافقة الحملة قائلاً أنه يستطيع المساهمة في زرع الألغام وتفجيرها . وبالفعل تمت الموافقة على هذا . ثم دخل الشريف ناصر و عودة أبو تايه إلى العقبة مکللين بالانتصار.

وقد صدر کتاب حول تفنيد الکثير من الحجج التي جاءت في فيلم ” لورانس العرب ” وهو کتاب ” لورانس في شبه الجزيرة العربية ” Lawrence in Arabia: War, Deceit, Imperial Folly and the Making of the Modern Middle East الذي کتبه سکوت أندرسون والذي صدر في عام 2014 . ينتقد فيه فيلم ” لورانس العرب ” Lawrence of Arabiaابتداء من عنوان الفيلم لأن الأفضل کان تسميته لورانس في شبه الجزيرة العربية Lawrence in Arabia بدلاً من لورانس العرب فحتى مسمى الفيلم مضلل لأن لورانس لم ينشأ في شبه الجزيرة العربية بل جاء فيما بعد اندلاع الثورة العربية .

وبالنظر إلى أهم التيمات الغالبة في السينما العالمية والتي ترتبط بصورة العربي نذکر تيمة صورة العربي کإرهابي في السينما العالمية الإضافة إلى صورة المرأة العربية کخاضعة ومقهورة .

ب. صورة العربي کإرهابي في السينما العالمية :

قدمت العديد من الأفلام السينمائية العالمية العربي في صورة الشرير Villain فبدت صورة العربي بأنه شرير وإرهابي متوارثة على الشاشة الفضية .

في فيلم الحصار الذي عرض قبل ثلاث سنوات من تفجيرات نيويورک وواشنطن والذي کان بمثابة دعوة للإدارة الأمريکية للقيام باعتقال العرب والمسلمين الأمريکيين .

يشير فيلم حصار إلى حادثة حقيقية وهي تدمير أحد المنشآت الأمريکية في دول خليجية ليختلق بعد ذلک عمليات تدمير واختطاف تنشر الفزع والرعب بين أبناء مدينة نيويورک ومسئوليها مما يخلق صراعاً بين الأجهزة الأمنية الأمريکية ( المخابرات – المباحث الفيدرالية – الحرس الوطني ) من أجل عدم الخلط بين العربي الأمريکي العادي والعربي الإرهابي .

من الأفلام الآخرى فيلم ” الأحد الأسود ” 1970 الذي ربط بين الإرهاب والشخصية العربية . تظهر في الفيلم شخصية عربية اسمها داليا نراها تخطط مع أفراد من جماعة أيلول الأسود الفسطينية لقتل الآلاف من الأبرياء دون أدنى أحساس بالذنب وذلک للانتقام من داعمي إسرائيل .

ج.صورة المرأة العربية في السينما العالمية :

يذکر المحللون أن دوما ما تم تصوير المرأة العربية في الأفلام الغربية بمظهر المرأة الضعيفة الخاضعة المستکينة المحجبة المغلوبة على أمرها . فلم يتم تجسيد نموذج المرأة العربية القائدة أو القوية أو الناجحة في عملها .دوماً ما يتم تصويرها کجارية . فيتم الإشارة إلى النساء کجواري أو أنهن دوماً وراء حجاب . ففي فيلم ” علاء الدين ” نجد الأميرة ياسمين في انتظار فارس الأحلام . ونجد أن کثيراً من الأفلام الغربية صورت قصص ألف ليلة وليلة لتجسيد المرأة في مظهر ضعيف . فکثيرا ً ما تم تصوير النساء العربيات کخاضعات أو کمقهورات أو راقصات .

من أبرز الأفلام التي قامت بتصوير المرأة العربية في الأفلام الغربية في بدايات السينما العالمية أفلام فاطمة ( 1897 ) ورقصة فاطمة ( 1907 ) هنا تم تصوير المرأة العربية کشيء أو سلعة فقط. وفي فيلم ” حول العالم في ثمانين يوما ” 2004 ، يبرز الفيلم الشيخ العربي يتزوج من مائة إمرأة ويتم تشييئها کأنها سلعة فقط.

وهناک تأثيرات کبيرة للاستشراق على فيلم ” الشيخ ” لرادولف فلانتيون عام 1921 . تم تصوير النساء بانهم دوماً محجبات وبلا أي صوت أو رأي .

من الأفلام الآخرى أحد الأفلام الذي صور العربي في صورة الثري والذى يحاط بالنساء دوماً ظهر ذلک في فيلم مغامرات انديانا جونز Indiana Jones Adventures وجوهرة النيل The Jewel of the Nile وأکاذيب صادقة True Lies ووالد العروسة Father of the Bride .

في الأفلام العالمية أيضاً يتم تصوير المرأة وکأنها متمرکزة في المنزل فهي فقط زوجة أو خادمة أو مربية وفي القصور يقمن بالترفيه عن السادة بالرقص والغناء . وأحيانا ً يتم تصوير الغربي بأنه سيحرر النساء العربيات ففي فيلم ” الجواري 1947 إخراج شارلي لامونت نجد دبلوماسياً غربياً في مدينة طرابلس يحاول إنقاذ إحدى جاريات الوالي ( ايفون دي کارلو ) وفي فيلم ” غانيات في بغداد ” 1952 لإدجار أولمير تقود الفتاة الأوروبية ( بولييت جودار ) حريم السلطان للقتال من أجل تحقيق حريتهن وکرامتهن .

أيضا اهتمت السينما الغربية بحکايات ” ألف ليلة وليلة ” وشخصية شهرزاد رغم أن کثيرا مما يدور في ألف ليلة وليلة لا تعبر عن الإنسان العربي وطموحاته وحيرته ومشکلاته . ظهرت حتى شخصية شهرزاد بصورة غير واقعية ففي فيلم مثل ” الليالي العربية ” تلعب فيه ماريا مونتيز دور شهرزاد الراقصة اللعوب وفي فيلم ” شهرزاد ” وهو انتاج ايطالي فرنسي أسباني أخرجه بيير جاسبار 1963 تحولت شهرزاد إلى جارية يسعى سفير شارلمان إلى انقاذها .

خاتمة :

السينما ليست فحسب وسيلة إعلام ترفيهية ولکنها أداة لتشکيل الرأي العام داخل الدول وأيضاً الرأي العام العالمي . تسهم السينما في تشکيل الصور النمطية عن الشعوب والمجتمعات الآخرى کما تُسهم في حث الرأي العام أحياناً للترويج لهدف سياسي ترغب الدولة في تحقيقه مثل الحرب . حدث هذا أثناء غزو الولايات المتحدة الأمريکية للعراق عام 2003 فقد تم إنتاج عدد من الأفلام السينمائية الدعائية للترويج لأهمية الحرب وبالفعل نجحت هذه الأفلام إلى حد کبير في إقناع الرأي العام العالمي بضرورة الحرب .

في هذا الفصل تطرقنا إلى خصائص الصورة السينمائية التي تجعلها شديدة التأثير على المشاهدين مما يساعدها في تشکيل الرأي العام العالمي، کما أبرزنا دور السينما في تشکيل الصور النمطية وخاصةً دور السينمائية العالمية في تشکيل صورة نمطية عن العرب . بالإضافة إلى ذلک أشرنا إلى مجموعة دراسات حللت تأثير السينما على القيم والمعتقدات ، وأهم المدارس السينمائية الکبرى التي أسهمت في تشکيل وعي الجماهير تجاه القضايا التي تهم الرأي العام .

وختاماً هدفت الدراسة إلى الترکيز على جوهرية تحليل الفيلم کخطاب سياسي شديد التأثير في العالم بأکمله . السينما هي أداة سياسية بامتياز مما جعل العديد من قادة العالم يبرزون أهمية هذه الأداة مثل أدولف هتلر ووزير الإعلام الألماني الشهير أثناء حکم هتلر جوزيف جوبلز الذي عُرِف بحبه للسينما . فقد أعجب جوبلز بفيلم ” المدرعة بوتمکن ” للمخرج إيزنشتاين کأداة دعائية قوية وأراد أن يتم خلق سينما حيوية في ألمانيا تعبر عن القيم النازية . من هنا نرى أن کثير من قادة العالم والسياسيين أدرکوا قيمة السينما وتأثير هذه الصورة الساحرة التي تمزج الخيال بالواقع بطريقة مبهرة والتي تأسر العقول والقلوب.

المصدر: المنار الدولية الثقافية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار