ياسر الزعاترة
سطور طويلة بعض الشيء لكنها ضرورية في لحظة تاريخية فاصلة
في مشهد ينذر بتحولات كبرى لم ينتظر دونالد ترمب نهاية مهلة الأسبوعين التي أعلنها سابقًا بل اندفع نحو التصعيد مؤكدًا تبعيته الكاملة للصهاينة ومديرًا ظهره للرأي العام الأمريكي بما في ذلك حلفاؤه في حركة ماغا والتيار السيادي في الحزب الجمهوري
قال ترمب بعد هجمات الفجر تم تدمير مفاعلات فوردو ونطنز وأصفهان أستطيع القول إن هجوم الليلة كان نجاحًا عسكريًا باهرًا لقد دمرت المفاعلات بالكامل حان الوقت لإحلال السلام في الشرق الأوسط وإذا لم يُصلحوا أوضاعهم فسنشن هجومًا جديدًا وسيكون ذلك أسهل وأسرع
ثم أضاف في مكالمة هاتفية مع مراسل موقع وللا باراك رافيد لقد حققنا نجاحًا باهرًا الليلة إسرائيل أكثر أمانًا الآن لاحظوا أنه قال إسرائيل وليس أمريكا
وفي منشور لاحق كتب حان وقت السلام وأضاف لقد سقط فوردو إنها لحظة تاريخية للولايات المتحدة وإسرائيل والعالم على إيران أن تنهي هذه الحرب
وفي المؤتمر الصحفي اللاحق لم يضف شيئًا جديدًا واكتفى بتكرار عباراته
أما بنيامين نتنياهو فقد قال أنا والرئيس ترمب نقول دائمًا السلام بالقوة أولًا تأتي القوة ثم يأتي السلام والليلة تصرفت الولايات المتحدة بقوة هائلة
هذه هي الخلاصة التي لا يريد بعض العرب أن يسمعوها ويظنون أن أمريكا تضرب إيران كي تريحهم من صداعها
إنهما ترمب ونتنياهو يعرضان الاستسلام الكامل على إيران ويعيدان تفعيل مشروع الشاه من جديد فمشكلتهما معها ليست سوى الموقف من الكيان وامتلاك السلاح الاستراتيجي وليس النووي فقط وإذا قبلت فلتشتبك مع جوارها كما تشاء بل سيشجعانها على ذلك
الخطة تتجاوز إيران لتصل إلى تصفية القضية الفلسطينية وإخضاع المنطقة برمتها للمصلحة الصهيوأمريكية بالكامل على أمل أن يقود ذلك إلى مزيد من المكاسب للولايات المتحدة تمامًا كما أقنع صهاينة المحافظين الجدد جورج بوش الابن بأن غزو العراق وأفغانستان هو المحطة نحو قرن أمريكي إمبراطوري جديد وكانت النتيجة تدهورًا استراتيجيا ما زال صداه يتردد حتى اليوم
أما اليوم فإن ترمب يدخل الحرب وسط انقسام أمريكي حاد بما في ذلك داخل حزبه الجمهوري وهو أسوأ مما كان عليه الحال زمن غزو العراق كما أنه يدخلها والكيان يعيش بؤسًا داخليًا غير مسبوق ومأزقًا استراتيجيًا متواصلًا في قطاع غزة
فهل سيتحمل ترمب مزيدًا من الخسائر الاقتصادية وهو الذي جاء بشعار أمريكا أولًا وهل سيتحمل عودة النعوش السوداء إلى الداخل الأمريكي بعد أن تُفتح مصالح بلاده أمام الاستهداف الإيراني وحلفائه وهل إيران بمجالها الجغرافي الواسع وقدراتها العسكرية والسيبرانية مجرد منشآت نووية فقط
سؤال الرد الإيراني سيبقى معلقًا ومعه احتمال اتساع دائرة المواجهة ليشمل حلفاء إيران وفي مقدمتهم حزب الله الذي لم تُستنزف قوته بالكامل بعد كما أن السؤال مفتوح أيضًا على الموقف الروسي والصيني اللذين لم يعد بوسعهما القبول باستسلام إيراني مجاني خاصة وهما يراهنان على غرق أمريكي جديد في المنطقة قد يتيح لهما تثبيت التعددية القطبية وإفشال حلم ترمب بإعادة الهيمنة الأحادية
لسنا خائفين رغم الواقع العربي الرسمي البائس فهذه المنطقة تحمل في أعماقها روح المقاومة والصمود والتضحية وحين تُستهدف فلسطين بتصفية قضيتها ويصعد مشروع الهيكل إلى الواجهة وتُستكمل حلقات التوسع في الضفة وسوريا ولبنان فإن رد الفعل سيأتي من حيث لا يتوقع الغزاة
لقد ارتكب ترمب خطيئته الكبرى وورّط بلاده في مغامرة خطرة ستثير غضب الداخل الأمريكي يومًا ما حين تنكشف أدوار اللوبي الصهيوني ومن يقف خلفه ممن قدّموا مصلحة الكيان على مصالح الأمة الأمريكية ذاتها
ما يجري اليوم ليس مدعاة للخوف رغم جسامته بل هو بداية النهاية لهيمنة مزعومة تتآكل أمام أعيننا
وهذه قناعة راسخة في العقل السياسي والتاريخي لا مجرد أمنيات عاطفية
والأيام ستثبت ذلك بإذن الله
المصدر: حسابة على موقع x