سمير الحجاوي
في تمامِ الساعةِ السابعةِ وخمسٍ وثلاثينَ دقيقةً، وصلتُ إلى الحي الذي يقع فيه منزلِ صديقٍ لي في الدوحةِ، حسبَ موعدٍ سبقَ واتفقنا عليه لزيارتهِ أمسِ.
وبحركةٍ لا شعوريةٍ وغيرِ مقصودةٍ مني، رفعتُ رأسي إلى الأعلى، ونظرتُ إلى السماءِ، فوجدتُها وقدِ اصطبغتْ باللونِ الأحمرِ والبرتقاليِّ أمامي مباشرةً، وبدأتْ أصواتُ انفجاراتٍ قويةٍ تصلُ إلى مسامعي.
أخذتُ أُحدِّقُ في السماءِ، حتى لكأنِّي نسيتُ أنني أقودُ سيارةً.
في هذه الأثناءِ، رنَّ جرسُ جوّالي، وكانَ على الطرفِ الآخرِ أحدُ أصدقائي المقرّبينَ، الذي يسكنُ في منزلٍ قريبٍ من قاعدةِ العديدِ على أطرافِ الدوحةِ.
ورغمَ المسافةِ الفاصلةِ بين منزلِه والقاعدةِ العسكريةِ، كنتُ أسمعُ أصواتَ الانفجاراتِ وصراخَ أطفالِه من الهاتفِ، في نفسِ الوقتِ الذي أشاهدُ وأسمعُ فيه الانفجاراتِ في السماءِ فوقَ رأسي.
كانتْ لحظةً سيرياليةً تمامًا، التواجدُ في مكانينِ مختلفينِ في نفسِ اللحظةِ، وكأنني أشاهدُ ما يجري من مسقطينِ وزاويتينِ، بالسمعِ والبصرِ.
عبثًا أحاولُ أن أُطمئنَ صديقي بكلامٍ أنا شخصيًّا لا أُصدِّقُه.
ولكي أخرجَ من هذا الموقفِ، طلبتُ منه أن يذهبَ للعنايةِ بأطفالِه، وأغلقتُ الجوالَ.
عندما وصلتُ إلى بابِ مجلسِ صديقي، لم اترجل من السيارة، وقررتُ أن أُغادرَ المكانَ، لأنها ستكونُ زيارةً بلا معنى تحتَ هذه السماءٍ الحمراءَ، وصراع الصواريخ فوقَ منزلِه.
المزيد من المشاركات
أثناءَ عودتي إلى البيتِ، لاحظتُ توتّرَ السائقينَ.
كانَ توترًا مقبولًا الى حد ما ، باستثناءِ سائقٍ واحدٍ كانَ يريدُ أن يطيرَ بسيارتهِ، فنحّيتُ سيارتي جانبًا وفتحتُ له الطريقَ، وكذلك فعلَ الآخرونَ، كي يذهبَ في حالِ سبيلِه، دون ان يسبب أذى لأحد.
الساعةُ السابعةُ وخمسٌ وثلاثونَ دقيقةً، كانتْ لحظةً فارقةً وغريبةً في نفسِ الوقتِ. وفيما أبتعدُ عن مربعِ السماءِ الحمراءِ، كنتُ أُفكِّرُ بشعبِ غزةَ، الذينَ تسقطُ فوقَ رؤوسِهم آلافُ الأطنانِ من المتفجّراتِ، وآلافُ الصواريخِ، منذُ عشرينَ شهرًا.
قارنتُ الدقائقَ التي تلونتْ فيها السماءُ فوقَ رأسي باللونِ الأحمرِ، وبينَ الجحيمِ الذي يُصبُّ على رؤوسِ الشعبِ الفلسطينيِّ في غزةَ. وبين هواجس الموت فوق رأسي وحقيقة الموت في غزة.
لم تكنْ لحظاتٍ عابرةً، بل كانتْ بالنسبةِ لي دهرًا من زمنِ غزةَ، الذي صرتُ أعرفُه وأشعرُ به وأُحسُّه أكثرَ من أيِّ وقتٍ مضى.
أغربُ ما فيه هو إحساسُك أنَّك قد تكونُ على بُعدِ خطواتٍ من الموتِ.. ألم أقلْ لكُمْ إنها لحظةٌ سيرياليةٌ تمامًا؟
من الدوحةِ إلى غزةَ، العدوُّ واحدٌ، وهو العدوُّ الإسرائيليُّ الصهيونيُّ، الذي يَعيثُ في الأرضِ فسادًا، ويُهلِكُ الحرثَ والنسلَ، ويَنشُرُ الموتَ والخرابَ.
دقائقُ من لونِ السماءِ الحمراءِ في الدوحةِ، قرّبتني أكثرَ إلى غزةَ، رغمَ أنها تسكنُني وتملكُ عقلي وجوارحي.
تقرير في غاية الدقة حول اللحظات التاريخية في مسار المواجهة بين ايران وإسرائيل