السابع من اكتوبر.. الطوفان الذي أعاد تعريف من هو الفلسطيني
المقاومة الإسلامية الفلسطينية تصنع "الشرق الأوسط الجديد" انطلاقا من غزة
عملية “طوفان الأقصى” باغتت العدو الإسرائيلي بهجوم نوعي غير مسبوق، فجّر ثكناته وسردياته وأوهامه بشأن الهيمنة والسيطرة
سمير الحجاوي
لم يكن السابع من أكتوبر 2023 يوماً عادياً في سجل الصراع العربي–الإسرائيلي، بل كان لحظة انفجار مفصليّة اختزلت عقوداً من الغليان المكتوم، وقلبت الموازين الجيوسياسية في الإقليم.
ففي هذا اليوم، أطلقت المقاومة الإسلامية الفلسطينية ــ بقيادة حركة حماس ــ عملية “طوفان الأقصى”، والتي باغتت العدو الإسرائيلي بهجوم نوعي غير مسبوق، لم يفجّر فقط ثكناته العسكرية، بل فجّر أيضاً سردياته الأمنية، وأوهامه بشأن الهيمنة والسيطرة.
ما حدث لم يكن مجرد معركة، بل بداية هندسة جديدة للشرق الأوسط، على أنقاض مشروع “الشرق الأوسط الجديد” الذي حاولت واشنطن وتل أبيب فرضه بعد غزو العراق واجهاض ثورات الربيع العربي، بالثورات المضادة.
الشرق الاوسط الجديد الذي رسمته المقاومة الاسلامية الفلسطينية، حركة حماس، ومعها حركة الجهاد الاسلامي تظهر ملامحه من خلال:
أولاً: كسر هيبة الردع الإسرائيلي
لسنوات طويلة، روجت “إسرائيل” لنظرية تفوقها الأمني والتكنولوجي والعسكري، مستندة إلى دعم أمريكي غير مشروط، وتطبيع متصاعد مع عواصم عربية. غير أن السابع من أكتوبر جاء ليكشف هشاشة تلك البنية.
نجحت المقاومة، لأول مرة منذ تأسيس الكيان الصهيوني، في تنفيذ عملية برية وجوية منسقة داخل العمق الإسرائيلي، وصلت إلى مفترقات طرق ومستوطنات، واخترقت ما يعرف بـ”السياج الذكي” على حدود غزة، ما شكل فضيحة أمنية على مستوى عالمي.
إنها ليست فقط ضربة عسكرية، بل ضربة وجودية لفكرة إسرائيل كـ”دولة لا تُقهر”، ونسف لمعادلة الردع التي كانت حجر الزاوية في السياسة الصهيونية منذ 1967.
ثانياً: المقاومة.. من المحلية إلى الإقليمية
ما بعد 7 أكتوبر، لم تعد المقاومة في غزة منعزلة جغرافياً أو سياسياً. سمعنا نداءات من لبنان واليمن والعراق وسوريا وإيران، وكلها تعلن أن المعركة لم تعد محصورة في غزة. فخطاب “محور المقاومة” لم يعد مجرد سردية أيديولوجية، بل صار ممارسة استراتيجية مترابطة.
مع كل صاروخ أطلق من لبنان، وكل طائرة مسيرة وصارخ من اليمن، والصواريخ الايرانية، يتعمّق التحول نحو مقاومة إقليمية متعددة الجبهات، تقود إلى تفكيك احتكار إسرائيل للمبادرة في ساحات المواجهة.
ثالثاً: اهتزاز التحالفات القديمة
في ذروة العمليات، لم يعد أحد يتحدث عن “اتفاقيات أبراهام” أو “السلام الاقتصادي” أو “التهدئة مقابل التسهيلات”. الدول المطبّعة وجدت نفسها في مأزق بين شارع غاضب يرفض التطبيع، ونظام دولي مرتبك لا يستطيع فرض حلّ.
السعودية جمدت مفاوضات التطبيع. والأردن استدعى سفيره. وقطر وتركيا أعادتا التموضع الخطابي والسياسي بوضوح. رغم ان الامارات والمغرب حافظتا على نفس الزخم التطبيعي المدني والعسكري مع العدو الاسرائيلي.
كل ذلك يؤشر إلى أن التحالفات التي صيغت في مرحلة ما بعد الربيع العربي، بدأت تتفكك أمام موجات الرأي العام الجديد الذي أعاد فلسطين إلى الواجهة كـبوصلة أخلاقية وثورية وسياسية.
رابعاً: العجز الامريكي
الولايات المتحدة بدت منذ اليوم الأول للحرب حليفا عسكريا وسياسيا ودبلوماسيا للعدو الاسرائيلي، وبدت عاجزة، او غير راغبة، بوقف الحريق وحرب الابادة في غزة ومترددة بإرسال قوات برية. واقامت جسرا جويا وبحريا لمد العدو الاسرائيلي بكل ما يحتاجه من سلاح، الى جانب بريطانيا وفرنسا والمانيا وايطاليا والهند وغيرها من الدول.
في المقابل، برزت قوى دولية، حتى في اوروبا نفسها، اتخذت مواقف مبدئية من المجازر في غزة.
الشرق الأوسط الجديد الذي يتشكل بعد 7 أكتوبر، هو شرق لا تهيمن عليه واشنطن وحدها، بل تساهم المقاومة في صنعه رغم فارق القوة.
خامساً: التحول الفلسطيني الى الهجوم
لأول مرة منذ عقود، لم يظهر الفلسطينيون كضحايا فقط، بل كمبادرين، وفاعلين، ومؤثرين على أجندات العالم.
فالمقاومة الإسلامية الفلسطينية أعادت تعريف الصراع: من مشروع “حل الدولتين” الذي جُرِّد من أي مضمون واقعي، إلى مشروع تحرير بالأدوات القتالية والإعلامية والسياسية والثقافية.
نحن أمام تحول من مفاوض فلسطيني عاجز إلى مقاومة قادرة على قلب الطاولة. وهذا التحول يعيد تموضع القضية الفلسطينية، ليس فقط داخل المشهد العربي، بل في معادلة القوة الدولية.
سادسا: ايران النووية
لا شك ان دخول ايران على الخط المعركة، وخوض مواجهة مفتوحة مع العدو الصهيوني لمدة 12 يوما، قد كسر حالة التنمر الاسرائيلية، ولولا التدخل الامريكي – البريطاني المدعوم من دول عربية واوروبية، لدخل الكيان الاسرائيلي في مرحلة الاختناق في المواجهة من الايرانيين الذي قارعوا الاسرائيلي بقوة، والحقوا به خسائر فادحة، رغم الخسائر التي تعرضت لها ايران وضرب الولايات المتحدة لمنشاتها النووية، الامر الذي كرس طهران لاعبا اقليميا لا يمكن تجاوزه، وفرض على الدول العربية المجاورة ومعها الكيان الاسرائيلي الى اللجوء للحماية الامريكية في مواجهة ايران.
لقد استطاعت المقاومة الاسلامية الفلسطينية ان تقلب الطاولة، وان “تلخبط” الاوراق، بل وتبعثرها، واثبتت انها قوة لا يمكن تجازوها محليا وعربيا واقليميا ودوليا، وفرضت على واشنطن التفاوض معها مباشرة، والاعتراف بقوتها ووجودها ودورها.
وحده الكيان الاسرائيلي، وقيادته المتوحشة الارهابية، لا تريد ان ترى هذه التغيرات، اعتمادا على الحماية الامريكية البريطانية الفرنسية الروسية، ولهذا يستمر الارهابي نتنياهو وحكومته الارهابية المتطرفة بقصف غزة وقتل اهل غزة وتجويعهم في حرب ابادة وحشية، لم يعرف لها التاريخ الحديث والمعاصر مثيلا.