البابور الموقع العربي

قصة خيانة الضباط الدروز السوريين في حرب عام 1948

تحولوا من كتيبة تقاتل لانقاذ فلسطين الى كتيبة تقاتل الى جانب العصابات اليهودية

141

البابور العربي – تقرير إخباري 

ما أقسى التاريخ إن حكى، أو أنطقته:

تُعد قصة الخائن الدرزي إسماعيل قبلان واحدة من أكثر النماذج إشكالية في التاريخ الدرزي الحديث. فهو أول ضابط سوري ينشق إلى الجانب الإسرائيلي خلال نكبة فلسطين. وتحتفي به إسرائيل كمؤسس للعلاقة الأمنية مع الطائفة الدرزية

ما قام به قبلان لم يكن قرارًا فرديًا فقط، بل أصبح نموذجًا لمسار جماعي اختارت فيه بعض الشخصيات الدرزية الارتباط مع الدولة الصهيونية على حساب الروابط القومية. وقد تم انشقاقه بوساطة شيوخ الدروز في فلسطين المحتلة الذين شجعوه على هذه الخطوة لانها ستحمي الطائفة الدرزية، وستؤسس لها مكانة في “دولة إسرائيل” التي ستنتصر بالتأكيد على المسلمين العرب.

 الميلاد والنشأ

وُلد إسماعيل حسن قبلان عام ألف وتسعمئة واثنين وعشرين في محافظة السويداء السورية، في قلب جبل العرب، ونشأ في بيئة تقليدية داخل الطائفة الدرزية.

تلقى تعليمه الأساسي في سوريا، ثم التحق بالجيش البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية، حيث خدم في صفوف الحلفاء حتى انسحابهم من سوريا عام ألف وتسعمئة وواحد وأربعين.

 الانضمام إلى الجيش السوري

مع استقلال سوريا، التحق قبلان بالجيش الوطني السوري وتدرج في الرتب حتى أصبح نائبًا لقائد سرية مشاة مع حلول عام ألف وتسعمئة وثمانية وأربعين، وهو العام الذي اندلعت فيه نكبة فلسطين.

 الانخراط في جيش الإنقاذ

مع اندلاع الحرب في فلسطين، انضم إسماعيل قبلان إلى الكتيبة الدرزية التابعة لجيش الإنقاذ، بقيادة شكيب وهاب وتحت راية فوزي القاوقجي. نُشرت الكتيبة في منطقة الجليل الأعلى، وأُقيم مقرها في بلدة شفاعمرو. الهدف كان عزل مدينة حيفا والسيطرة على مداخل وادي يزراعيل. شاركت الكتيبة في معركة رمات يوشعان، التي تكبّد فيها الطرفان خسائر كبيرة، حيث سقط ثمانية وعشرون مقاتلاً درزياً وواحد وعشرون مقاتلاً من قوات الهاغاناه الصهيونية.

 اللقاء مع موشيه ديان وبداية الانشقاق

بعد المعركة، جرى لقاء سري بين إسماعيل قبلان وقائد الهاغاناه في الجبهة الشمالية، موشيه ديان. خلال اللقاء، أكد ديان أنه لا يوجد عداء بين اليهود والدروز، وصرّح بأنه يصفح عن دم أخيه الذي قُتل في المعركة، مقابل أن تتوقف الكتيبة الدرزية عن القتال. اقتنع قبلان بكلام ديان وساهم في ترتيب لقاء بين قائد الكتيبة شكيب وهاب وقيادات الهاغاناه، انتهى بقرار انسحاب الكتيبة من الجليل باتجاه الأراضي السورية.

 الاتهام بالخيانة والفرار إلى إسرائيل

بعد عودة الكتيبة إلى سوريا، واجه قبلان اتهامات بالخيانة داخل الأوساط العسكرية والمدنية. بدأت تنتشر الشائعات حول تنسيقه مع العدو الإسرائيلي. خشية من الاعتقال أو التصفية، فرّ من سوريا إلى لبنان، ثم عبر إلى قرية حرفيش في فلسطين المحتلة. هناك اعتقلته قوات الهاغاناه، لكنه أُفرج عنه بعد تدخل من موشيه ديان، الذي رآه شريكًا مستقبليًا وليس خصمًا عسكريًا.

 الانضمام إلى الجيش الإسرائيلي

استقر إسماعيل قبلان في قرية عسفيا، وتجنّد في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي برتبة ملازم. بدأ بالتحرك في القرى الدرزية في الجليل والكرمل، مستغلًا انتماءه الطائفي لتجنيد المئات من الدروز في وحدة الأقليات التابعة للجيش الإسرائيلي. وبحسب المصادر الإسرائيلية، جنّد قبلان أكثر من مئتي درزي لصالح جيش الاحتلال، ما جعله من أبرز وجوه الانشقاق في صفوف الدروز آنذاك.

 نشاطه العسكري مع الاحتلال

تولى إسماعيل قبلان مسؤوليات أمنية متعددة، حيث خدم في النقب، ثم عُيّن نائبًا لقائد وحدة الأقليات في عام ألف وتسعمئة وأربعة وخمسين. بعدها انتقل إلى جهاز حرس الحدود الإسرائيلي، وشارك في عدة عمليات عسكرية، منها ملاحقة اللاجئين والمهربين الفلسطينيين. في عام ألف وتسعمئة وستة وخمسين، قاد عملية تصفية مصطفى الصمولي في القدس. كما شارك في العدوان الثلاثي على مصر، ضمن عملية احتلال قطاع غزة.

 العودة إلى الخدمة خلال غزو لبنان

تقاعد قبلان من الجيش عام ألف وتسعمئة وثمانين، إلا أن الاحتلال أعاد استدعاءه خلال اجتياح لبنان عام ألف وتسعمئة واثنين وثمانين، حيث عُيّن حاكمًا عسكريًا لمنطقة الحاصبية في جنوب لبنان برتبة مقدم. بقي في منصبه حتى عام ألف وتسعمئة وأربعة وثمانين، ثم اعتزل العمل العسكري وتفرّغ للشؤون الدينية.

 التحول إلى رجل دين

بعد تقاعده النهائي، عاد إسماعيل قبلان إلى بيئته الدينية، وأصبح شيخًا داخل الطائفة الدرزية، وشارك في إدارة شؤون بيت الدين اللبناني. حافظ على موقعه كوجه بارز داخل إسرائيل، واستمر في دعم المسار الأمني للطائفة الدرزية داخل المنظومة الإسرائيلية.

 إرثه وموقعه في الطائفة

رغم تاريخه العسكري مع الاحتلال، احتفظ إسماعيل قبلان بتأثير داخل المجتمع الدرزي في إسرائيل. خدم أبناؤه وأحفاده في الجيش الإسرائيلي، وبعضهم تولى مناصب قيادية، أبرزهم جهاد قبلان، الذي تولى قيادة شرطة القدس. كما أصبح أحد أحفاده أول طيار درزي مقاتل في سلاح الجو الإسرائيلي.

توفي إسماعيل قبلان في الرابع من تشرين الأول عام ألفين وسبعة في قرية عسفيا، عن عمر ناهز خمسة وثمانين عامًا.

 

أبرز الاقتباسات الواردة في المصادر الإسرائيلية والعبرية حول الاجتماع التاريخي بين إسماعيل قبلان وموشيه ديان عقب معركة رمات يوشانان عام 1948:

🔹 الاقتباس الأول – من موشيه ديان:

“أنا أصفح عن دم أخي… إن وافقتم معنا، فسنسير معكم.”

 

🔹 الاقتباس الثاني – (من متحف الشرطة الإسرائيلية):

“تم اعتقال إسماعيل قبلان في قرية حرفيش، ولكن بعد تدخل مباشر من موشيه ديان، أُطلق سراحه خلال يومين فقط. ديان اعتبره شريكًا محتملاً، لا عدواً.”

 

🔹 الاقتباس الثالث – من ديان في اللقاء حسب شهادة إسرائيلية لاحقة:

“اسمعوا يا دروز… نحن لا نريد القتال ضدكم. لا يوجد عداء طبيعي بيننا. هناك مستقبل مشترك إن أردتم.”

 

🔹 الاقتباس الرابع – من مقال أرشيفي عبري:

“ديان مسح دموعه خلال الاجتماع وقال: ’هذا اللقاء لا يُنسى… أنتم من اليوم إخوتنا.‘”

 

🔹 الاقتباس الخامس من قبلان حسب مصادر إسرائيلية:

“لم تكن لدينا رغبة بالقتال ضد اليهود. كنا نبحث عن طريقة لوقف إراقة الدماء في الجليل.”

إسماعيل قبلان في إحدى المقابلات العبرية لاحقًا، يبرر فيه دوافع قراره بالانسحاب، ويُلمّح إلى أنه كان ينظر للمسألة من منظور طائفي وليس قومي.

 

وتُظهر هذه الاقتباسات أن لقاء ديان-قبلان لم يكن مجرد اجتماع ميداني عابر، بل نقطة تحول استراتيجية حاول فيها ديان استمالة الكتيبة الدرزية وتحويلها من خصم ميداني إلى حليف محتمل. وقد استثمر ديان عنصر العاطفة والحديث عن “الإخوة” و”المستقبل المشترك” لطمأنة القيادات الدرزية، وقد نجح في ذلك.

 

محطات تاريخ الخيانة العسكري للضابط الدرزي  لاسماعيل قبلان 

في عام 1948، تطوع قبلان نائبا عن الفوج الدرزي برئاسة شكيب وهاب الذي انضم إلى جيش الإنقاذ بقيادة فوزي القاوقجي. وفي نيسان/ أبريل 1948

دخل الفوج الدرزي الى الجليل وأقيم مقره في شفاعمرو في محاولة لعزل حيفا في وادي يزراعيل،

قاتل الفوج في معركة رمات يوشانان وانتهت المعركة من كلا الطرفين بمقتل 28 قتيلا درزيا و 21 يهوديا.

اجتمع اسماعيل قبلان في لقاء مع موشي ديان، واقتنع قبلان بكلام ديان بأنه لا توجد عداوة بين اليهود والدروز في الجليل، وأن اليهود سينتصرون في الحرب، وأن وقف إطلاق النار هو اهتمام الطرفين. ساعد قبلان في تنظيم لقاء لقائد الكتيبة وهاب مع أفراد الهاجاناه، وبأمر منه تقرر انسحاب الكتيبة إلى سوريا.

بعد عودة الكتيبة إلى سوريا اضطر قبلان إلى الاختباء بسبب الأخبار عن خيانته لسوريا، ثم تزعم مجموعة صغيرة من المقاتلين الدروز الذين قرروا الانتقال إلى الجانب الإسرائيلي والقتال إلى جانب سكان الكرمل والجليل الدروز الذين انضموا إلى الجيش الإسرائيلي.

هرب قبلان من دمشق إلى بيروت ومن هناك إلى حرفيش، عندما قبضت عليه الهاجاناه سُجِن بالقرب من نحاليل وأُطلق سراحه من السجن بأمر من موشيه ديان. واستقر في عسفيا ثم تجنّد في صفوف الجيش الإسرائيلي برتبة ملازم. وتبعه عشرات الجنود الدروز عبروا من سوريا إلى إسرائيل.

تنقّل قبلان بزي ضابط بين القرى الدرزية في الجليل والكرمل وقام بتجنيد حوالي مائتي منهم في الجيش الإسرائيلي.

نظّم رجاله في وحدة الأقلية في النقب، تحت قيادة حاييم ليفكوف، وعُيّن نائبا له في عام 1954. أُطلق سراحه من الجيش الإسرائيلي وكان في لبنان في مهمة استخباراتية ثم جُنّد في حرس الحدود كقائد وحدة، وتولى قيادة القضاء على المتسلل مصطفى صموئيلي في القدس عام 1956. شارك بصفته أحد أفراد حرس الحدود في عملية قادش وشارك في معارك احتلال غزة.

تقاعد قبلان من حرس الحدود برتبة ملازم عام 1980. وفي عام 1982 عُيّن حاكما عسكريا في الحاصبية برتبة مقدم. وفي عام 1984 أنهى عمله وتاب وتعمّق في الدين الدرزي وأصبح رجل دين ولقب بالشيخ. و -في الوقت نفسه- كان عضو في مجلس إدارة بيت الدين اللبناني.

توفي قبلان في 4 تشرين الأول (أكتوبر) 2007 في قرية عسفيا

خدمَ أبنائه وأحفاده في الجيش الإسرائيلي، وكان بعضهم ضباطا.

كان ابنه جهاد قبلان ضابطا فرعيا في حرس الحدود وشغل منصب قائد شرطة القدس 

حفيده هو أول طيار مقاتل درزي في سلاح الجو الإسرائيلي.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

آخر الأخبار