لمــاذا شرعت في الإلتحاق ببرنامج القانون الدولي..؟!
سأله البروفيسور مدفوعًا بحماسة الطالب الذي لم يتردد لحظة في تقديم إجابة واثقة :
لأننا عانينا ما يكفي من هذا القانون..
,, مقطع من رواية فجر أيلول،،
قِراءة نقـدية: إبراهيم دربات
أنهيت القراءة من رواية فجر أيلول الصادر عن دار النخبة للطباعة للنشر والتوزيع بجمهورية مصر العربية، عدد صفحاتها 312 صفحة، الطبعة الأولى ٢٠٢١م.. قرات العديد من الروايات الأفريقية ذات الطابع النضالي لكن كتابات الأديب الأديب الأريتري هاشم محمود.. يمكن وصفها بالثورة الهادئة التي تنساب بركانها رويدًا رويدًا في بؤرة الوعي.. قلمه متفرد هو ليس فقط مجرد بل سياسي يجعل الأدب والحب والتسامح مبادئ للتغيير.

في فضاء الكتابة الـروائية التي تتكئ على الفلسفة والوعي التـاريخي، رواية فجر أيلول للـروائي الأريتري هاشم محمود كعلامة سردية مغايرة، تنفتح على أسئلة الوطن، والمقاومة، والهوية، والإمبريــالية من خلال بنية سردية محمّلة بالشغف والوجع الجمعي. لا شك أن قلم هاشم هو قلم متفرد، مغموس بالحبر والدم، حيث تلتقي الـرواية مع الحقيقة، وتمتزج الكلمات بأصوات المهمّشين والمنفيين، فتتحوّل الكتابة عنده إلى أداة نضال، لا تقل فاعلية عن البندقية.
هاشم ليس مجرد راوٍ يلتقط تفاصيل الـواقع، بل هو مفكر في هيئة روائي، يُعيد إنتاج التـاريخ من زوايا المهمَّش، ويمنح الصوت لمن خُنق صوته في زحام النسيان السياسي والجغرافي. رواية فجر أيلول ليست نصًا ساذجًا يُروى، بل هي مرآة فلسفية نرى من خلالها أبعادًا متداخلة للنضال، للـذات، وللآخر المستعمِر. تتقاطع فيها الـذوات المنفية مع خريطة وطن مأزوم، يحاول التشكل من جديد وسط رماد الخيبات.
وعبر هذا المدخل، تتجلى أهمية فجر أيلول كرواية تتجاوز حدود الحكي، لتصبح منصة للتـأمل، ولإعادة مساءلة الوعي الوطني والعلاقة بين الذاكرة، والهوية، والاستعمار. هي ليست فقط سردًا لأحداث سياسية، بل محاولة فلسفية لفهم معنى أن تكون منفيًا داخل وطنك، وأن تخوض معركة الوجود دون أن تفقد شرف المعنى.
لا شك أن الكاتب الـروائي الإريتري هاشم محمود يُعد من أبرز الأقلام التي تكتب من رحم الجراح الوطنية والتجارب الوجودية العميقة، بقلمٍ متفرد، جريء، ومشحون بروح النضال. كتاباته ليست مجرد سردٍ لأحداث، بل مقاومة لغوية، تمارس فعل التحرر ضد قوى الإمبريالية والتهميش، وتبحث بعمق عن المعنى وسط ركام الألم.

في أعماله الـروائية، وعلى رأسها فجر أيلول وكولـونيا الجديدة، تتجلى سطوة اللغة كأداة نضال لا تقل عن البندقية، وتبرز الرواية كوسيلة لإعادة إنتاج الوعي ومساءلة الواقع. ينحاز هاشم إلى المهمّشين، إلى الإنسان الذي طحنته منظومات الاستغلال، ويكتب بروح من حمل بندقية الكفاح، ولكن في يده قلم، وفي قلبه وطن.
فجر أيلول ليست فقط عملًا سرديًا، بل هي معبرٌ فلسفي لفهم النضال من الداخل، حيث تلتقي السياسة بالوجود، والتـاريخ بالذاكرة، والجغرافيا بالحلم. أما كولونيا الجديدة، فهي بمثابة ردٍّ على الاستعمار الجديد، وتجديد لمبادئ النضال بمعناه القيمي والأخلاقي، في عالم تتلاشى فيه الحدود بين القهر والاستلاب.
الزمان والمكان:
تدور أحداث هذه الرواية من حيث المكان بين أعلى القمم الجبلية في دولة إريتريا هي ( امباسيرا) واحداث أخرى (مدينة الضباب) وعاصمة الإمبراطورية الإستعمارية الكبرى في العصر الحديث.
الزمان في هذه الرواية توزعت بين الماضي والحاضر على طريقة شبه المونتــاج السينمائي، اوستداء الحوادث والذكريات بأسلوب Flash Back وهو قريب جدًا من تيار الوعي.
السرد:
يتميز الإبـداع السردي في هذه الرواية بالتـوازن بين البُعد التاريخي والبُعد الإنساني؛ إذ يسرد الكاتب تحولات الحياة في إرتريا من زوايا غير مـألوفة، ويعرض لتأثير الحرب والسياسة على الفرد والمجتمع بلغة حارّة ومكثّفة، يعلو فيها الصوت الداخلي على الضجيج الخارجي.
البنية السردية في الرواية ليست خطية تقليدية، بل تتشكل من ومضات ذاكرة، واستدعاء للأمكنة والأزمنة، ما يمنح القارئ مساحة للتـأمل ومقاربة النص كحالة وجدانية مفتوحة. أما الشخصيات، فتمثل نُسخًا مصغرة عن الإنسان الإرتري المتأرجح بين المنفى والانتماء، بين الحلم والانكسار، وبين الصمت والبوح.
اللغة:
لغة فجر أيلول تقف على الحد الفاصل بين الشعر والنثر، فهي لغة مشحونة بالعاطفة، وتغوص في التفاصيل الدقيقة للحياة اليومية، من دون أن تفقد بعدها الرمزي. فكل مشهد هو مرآة لـواقع أليم، وكل عبارة تحمل ظل سؤال عن الحرية، والهوية، والانتماء..
يمتاز السرد بلغة شاعرية عميقة، ممتزجة بالأسى والرهافة. يعتمد الكاتب على الاستبطان والمونولوج، حيث يترك الشخصيات تتحدث إلى داخلها، وتُفتّش عن كينونتها في غابة من الأسئلة، ما يعزز حضور الاغتراب الوجداني كعنصر بنيوي داخل النص.
الأديب هاشم محمود في فجر أيلول لا يكتب الـرواية بمعناها التقني فقط، بل يسرد وجع أمة، ويُرمّم ذاكرة منفية، ويمنح صوته لمن لا صوت له. ولعل هذا ما يجعل الرواية ليست مجرد سرد للأحداث، بل وثيقة وجدانية لجيل بأكمله.
قراءة عامة:
تُمثل رواية فجر أيلول نصًا سرديًا محملًا بالشجن، تختلط فيه جراح الوطن بندوب القلب، ويتعانق فيه الحب بالخذلان، ليصوغ الأديب الإريتري هاشم محمود تجربة أدبية متفردة تُعبّر عن حال إنسانٍ مُغترب ليس فقط عن وطنه، بل عن ذاته أيضًا. إنها رواية عن الاغتراب الوجداني وصراع الإنسان العاطفي مع ماضيه، مع وطنه، ومع مَن يحب.
الاغتراب الوجداني:
الاغتراب هنا ليس فقط مكانيًا بل وجدانيًا. فالشخصيات في الـرواية، وعلى رأسها البطل ( ادريس) ، يعاني من حالة انفصال داخلي عن الجذور، عن الطمأنينة، عن الأمان. هذه الحالة تتجلى في مشاهد السفر، وفي المنافي، وفي الحنين إلى ماضٍ لم يعد كما كان. الغربة ليست فقط عن المكان، بل عن الشعور بالانتماء، عن الهوية، عن الـذات. لذلك، فإن البطل لا يُعاني من فقد وطن فحسب، بل فقد ملامحه في مرآة الحياة.
صراع العاطفة:
يُجسد هاشم محمود العاطفة في أكثر صورها هشاشة وانكسارًا. الحُب في الرواية ليس خلاصًا، بل امتحانًا عسيرًا. فبين الحبّ القديم المعلق بالـذاكرة، وبين الـواقع القاسي الذي لا يمنح فرصةً للاتصال الحقيقي، يعيش البطل تناقضات قلبه. إنه حبّ مأزوم، متردّد، لا يجد سبيلاً للشفاء في حضنٍ أو حضارة. فكما تمزق الوطن، تمزق الحبيب، وتكسرت المشاعر.
الوطن كحالة شعورية:
لا يُقدم الكاتب صورة نمطية للـوطن، بل يجعله كائنًا شعوريًا يعيش داخل القلب، كما يعيش في الجغرافيا. الـوطن هو الذاكرة، الأغنية، النظرة الأولى، الرسالة المؤجلة، والحنين الذي لا ينتهي. وفي كل مشهد، يبدو الـوطن وكأنه الحبيب الغائب، الذي لا يُمكن نسيانه، لكنه لا يفتح ذراعيه للعودة.
رواية فجر أيلول ليست فقط سيرة ذاتية أو وطنية، بل هي سيرة شعورية لجيلٍ مُنهك بين نـداء الوطن ونـداء القلب. الاغتراب في الرواية ليس اختيارًا بل قدرًا، وصراع العاطفة ليس ترفًا بل ضرورة وجودية. لذلك، فإن ما يقدمه هاشم محمود هو لوحة فنية حزينة، لكنها صادقة، عن إنسان هذا العصر العربي والإفريقي الذي ينكسر مرارًا لكنه يكتب.
إقتباسـات من الرواية:
,, الاروبيون سلبوا الحقوق بالتفوق العسكري، ونحن امتلكنا الجمال بالسلام والحب،،
,, كيف تتركون هذا الفردوس وتركبون قوارب إلى أروبا..؟،،
,, احترس يا ولدي.. الفتاة البيضاء كالبعوضة الشبقة تمتص دم الرجل وفحولته..،،
,, الحب جين سائد في زرعنا، كالثورة يجري في الدماء، ويتجذر في القلب كالوطن، والشوق حيث العاشق إلى الأرض من عراء الملاجئ وقسوة المخيمات،،
,, الوحدة الملعونة آفة الحياة في هذا الفراغ الكبير، كيف تقتل الوحدة..،،
بعض المصادر والمراجع:
– رواية فجر أيلول
– علم الإجتماع / انتوني غديز
– بحث في الأنترنت منتدى النقد الأدبي / المغرب