أصدر قضاة المحكمة الجنائية الدولية يوم أمس الجمعة 5 شباط (فبراير) الجاري قرارا تاريخيا يقضي بقبول الولاية القضائية الإقليمية على الأراضي الفلسطينية تمهيدا لبدء التحقيق في جرائم حرب فيها (وبذلك تكون مسألة الولاية الإقليمية أمرا محسوما لا مجال للتشكيك فيه أثناء المراحل القادمة من المحاكمة).
جاء هذا القرار الذي طال انتظاره بعد طلب المدعية العامة للمحكمة فاتيبنسودا حسم مسألة الولاية القضائية الإقليمية على فلسطين قبل البدء في إجراءات التحقيق؛ وتأخر صدور القرار عاما كاملا بسبب الضغوط الكبيرة التي تعرضت لها المحكمة الدولية مؤسسة وأعضاء على حد سواء، حيث فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على قضاة المحكمة كما هددت بمقاطعتها والحد من تمويلها، وأصدرت الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية قرارها بالأغلبية أن الاختصاص الإقليمي للمحكمة في فلسطين تشمل الأراضي التي احتلتها “إسرائيل” عام 1967 (الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية وقطاع غزة).
اعتبرت المحكمة حكما أن الأراضي الواقعة بين خط الهدنة والحدود الشرقية لفلسطين والتي تم احتلالها عام 1967 هي أراضي محتلة يعتبر وجود “إسرائيل” فيها وجودا فعليا لسلطة الاحتلال. مع العلم بأن المادة 42 من لائحة لاهاي لسنة 1907 قد بينت المقصود بالاحتلال الحربي بأنه “اجتياز قوات أمنية أجنبية معادية إقليم دولة أخرى والسيطرة عليه سيطرة فعلية من خلال نجاحها في إنشاء وإقامة إدارة عسكرية تمارس من خلالها أعمال إدارة وتسيير جميع شؤون الإقليم مع احتفاظها بقدرة فرض الأمن والنظام عليه بشكل فعلي ومتواصل”.
وبموجب هذه المادة فإن الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة يخضعان لحالة احتلال حربي، يترتب عليه انطباق اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب، وعلى الرغم أن إعادة انتشار قوات الاحتلال الإسرائيلي في بعض المناطق الفلسطينية المحتلة ضمن اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية و”إسرائيل” بتاريخ 13 أيلول (سبتمبر) 1993، وإعادة انتشار قوات الاحتلال الإسرائيلي أحادي الجانب في قطاع غزة بتاريخ 15 تموز آب (أغسطس) 2005، فإن المناطق الفلسطينية جميعها وفق القانون الدولي لا تزال خاضعة للاحتلال الإسرائيلي، وهذا ما تؤكده عشرات القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، ومنها القرار 242 عام 1967 الذي يدعو “إسرائيل” إلى الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتوصيات الجمعية العامة للأمم المتحدة في ذات السياق.
بهذا القرار يكون للمحكمة الجنائية الدولية الصلاحيات الكاملة لمباشرة التحقيق في الجرائم التي ارتكبها الاسرائيليون (عسكريون و/أو مدنيون) بحق الفلسطينيين منذ تاريخ 13 أيار (مايو) 2014 بعد انضمام فلسطين الى جمعية الدول الأعضاء والاعلان الذي تم إيداعه للاعتراف باختصاص المحكمة، كما وتنبع الاهمية القانونية للقرار عبر اشارة المحكمة في معرض تبرير قرارها الى حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
يعتبر هذا القرار انتصارا للحقوق الفلسطينية، ولجميع المؤسسات الفلسطينية والدولية والخبراء والأكاديميين الفلسطينيينوالدوليين الذين قدموا مطالعات قانونية مهمة لدى المحكمة خلال نظرها في الطلب. كما انه يعتبر انتصارا للعدالة الدولية بعد ما تعرضت له المحكمة من ابتزاز وضغط أمريكي غير مسبوق خلال فترة الرئيس المنصرم ترامب.
الآن تبدأ الاجراءات العملية حيث بإمكان الادعاء العام في المحكمة البدء في التحقيق الجدي فيما ارتكبته دولة الاحتلال الاسرائيلي من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وانتهاكات مستمرة لكافة القوانين الدولية عبر الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة وكذلك العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014، ويبقى من مسؤولية الجهات الفلسطينية المختصة وعبر ممثليها القانونيين أمام المحكمة وكذلك جميع المؤسسات الحقوقية الفلسطينية منها والدولية الاستمرار في تزويد المحكمة بالمطالعات القانونية والتقارير وصولا لتقديم لوائح اتهام بحق مجرمي الحرب الاسرائيليين.