الشحنة ما زالت قوية والصدفة السياسية فقط دفعت الأمور باتجاه التصعيد في الحالة الأردنية. وهو تصعيد بدأ مع كلمة شتيمة صدرت عن النائب أسامة العجارمة تحت قبة البرلمان إلى أن وصل إلى محيط ومضارب عشائر العجارمة وهو يستقبل قادة عشائر أخرى، وحراكيون ومعارضون يستثمرون في اللحظة لكي يفتحوا كل الملفات.
حضر وفد من قبيلة بني حسن إلى ساحة الاعتصام الاحتجاجي التي خصصتها عشائر العجارمة لابنها وممثلها في البرلمان.
وبعد مجاملات الزيارة المألوفة انتهى أحد مشايخ الوفد بترديد عبارات عن المطلوب الآن قوامها أن أبناء العشائر الأردنية وفي مختلف مكوناتهم يريدون الآن حكومة “إنقاذ وطنية وليس حكومة زعران وصلعان”.
قبل ذلك كان ناطق باسم مجلس عشائر العجارمة يتحدث عن غرباء ظهروا ضمن قوة أمنية لتفريق المحتجين ويطلق تحذيرا لأبناء الأجهزة الأمنية من الطراز الذي يفهم ألغازه ودلالاته أبناء العشائر فقط وفكرته أنه لا كرامة بعد الآن عند العشائر لكل شخص يسيء لكرامة العشائر حتى وإن كانت اليافطة الأجهزة الأمنية.
تلك رسالة صعبة وحرجة جدا توحي بأن التأزيم يتصاعد وبأن جميع الأطراف في قصة صغيرة لها علاقة بنائب شاب غير مسيس صعدت على الشجرة الآن.
وفي الأثناء يتحول مجلس عشائر العجارمة إلى منبر وطني يستقبل برعاية وزارة الداخلية المتضامنين مع النائب الذي خضع لعقوبة جمدت عضويته البرلمانية لمدة عام.
وفي هوس المايكروفون وبشعار سياسي يتطور الموقف، فالمعارض الشهير الدكتور أحمد عويدي العبادي يخطب في الجمهور الغاضب المحتقن من أبناء عشيرة العجارمة ويعلنها بوضوح “ابنكم النائب أسامة يمثلني”.
لاحقا يستثمر العويدي في اللحظة ويطرح برنامجه القديم المتمثل بتوحيد أبناء العشائر ضد الظلم والفساد ثم يغمز من قناة الاستعانة بمن يصفهم بالعادة بـ”المجنسين”.
تختلط الأوراق مجددا وتصبح المسألة أبعد بكثير من قصة على قدر ما حصل مع النائب الشاب أسامة العجارمة.
المنابر الإلكترونية مليئة بالتعبيرات المتعلقة بالهوية الفرعية. والنائب الذي عوقب بعد دعوته لزحف عشائري سياسي إلى عمان أفلتت من بين يديه مسألته ولم تعد هي المهمة خلافا لأنه أصبح نجما حتى على وسائل الاتصال والإعلام العالمية بعدما رفض الاعتذار ونتج عن ذلك أزمة أظهرت عجز المؤسسات مجددا.
الشحنة في مسارها العشائري تزيد وكلما مر وقت على عدم احتواء المسألة ارتفع سقف مطالب العشائر وخطابها، حيث أصبح المطلوب اليوم ليس فقط إعادة النائب الشاب إلى منصبه ولكن حل البرلمان وإقالة الحكومة ووقف كل مظاهر التعامل الأمنية وتشكيل حكومة إنقاذ وطني وهي مسائل ليس صدفة أن الأحزاب السياسية كانت تطالب فيها وليس الأوساط العشائرية.
الجملة السياسية هنا منفلتة وحراك أبناء العشائر ينمو ويزيد ويتغذى بشعارات سياسية هذه المرة وليست مطلبية على الإخفاق التام في التعاطي مع ملف مشاجرة بين نائبين تحت القبة.
بكل حال يحصل ذلك بالتزامن مع الإعلان عن نتائج الاستطلاع الجديد لمركز الدراسات الاستراتيجية والقائل بأن 57% من الأردنيين لا يثقون بالحكومة و94% من المستطلعة آراؤهم يتصورون بأن الفساد مستشرٍ جدا، فيما يعلن البنك الدولي في تقرير مثير فاجأ الحكومة الأردنية وأربكها بأن نسبة البطالة في قطاعات الشباب وصلت 50%.
البنك الدولي أعلن في تقرير مثير فاجأ الحكومة الأردنية وأربكها بأن نسبة البطالة في قطاعات الشباب وصلت 50%
تلك أرقام صادمة جدا للجميع لكنها تتفق وتتسق مع مضمون الخطاب الذي يتقدم به اليوم عقلاء العشائر وقادتها من الملاحظين على السلطة والدولة وأدائهما.
الحراك المحتقن الغاضب اليوم رفع سقف الاعتراض والبنية المعترضة ليست حزبا سياسيا ولا معارضين خارجيين بائسين ولا تيارات تعمل على تصدير أزمة للأردن من الخارج بل الاعتراض يقوم به ويسانده أبناء العشائر وهم بنية الدولة والنظام والمؤسسات والأجهزة.
كل ذلك حصل تداعيا مع أزمة صغيرة بتوقيع نائب شاب متحمس كان يمكن احتواؤها.
في الأثناء تبرز محاولة برلمانية للتراجع عن قرار العقوبة بحق النائب، الأمر الذي سيكون له عواقب لو حصل عنوانها خضوع مؤسسة البرلمان لحراك عشائري.
القدس العربي